حرفين






أعترف بأني لا أملك لعاهات ليبيا إلا حرفين



طاء و زين



مع إحترامي الكبير للآخرين

براغيث

البعض كالبراغيث، يلتصق بك فقط ليمتص دمك ، بعدها يقفز مبتعدا عنك بسرعة.

أفتقده



أفتقد الحوار الجاد الذي كان يدور بيننا

أفتقده جدا

يا ربيع العمر







يا ربيع العمر

أينك؟؟؟

في غيابك أراهم يتساقطون كأوراق الخريف

و أخشى أن يحل الشتاء قريبا



أعداد مجلة أمل الغد لفصل الصيف 2010


السلام عليكم

قبل أشهر بدأنا في مشروع مجلة أمل الغد

التي تصدر عن مجموعة أمل الغد للأعمال الخيرية

أحب أن أعرض عليكم الأعداد الثلاثة الأولى

التي كانت في فصل الصيف


العدد صفر
7/2010
نوع الملف PDF
بحجم 6,504 KB




..............

العدد الأول
8/2010


نوع الملف PDF
و حجمه 6.06 MB


...............

العدد الثاني
9/2010


نوع الملف PDF
و حجمه 13.455 MB




عام قد مر








أعترف بأن هذا العيد ليس كأي عيد







قد أزاحت نسماته غبارا لتكشف عن أثر لعيد مضى







إعتقدت أنه إختفى







حسبي الله و نعم الوكيل







10/9/2009

مجنونة!!??








الجنون هو حالة الإتيان باللا معقول



فحينما لا يعقلون أفعالي و لا يفهمونها



يجدون أنه من الأسهل لهم أن يقولوا عني مجنونة



على إتعاب عقولهم و محاولة فهم افعالي

خيانة و ولاء ....




تخونني أناملي هذه الأيام ، فتأبى أن تنصاع لأوامري و تنقر على لوحة المفاتيح حروفاَ تنتج كلمات وسطور ، ترقى أن تكون كلمتي لهذا العدد .



ربما هي خيانة عقلي الذي يحبس الكلمات و الأفكار داخله و يكبلها ، فيمنعها من التحرر و التحول لسطور تقرئونها .





ربما هي خيانة الفكر الذي عجزت عن إستحضاره ، فأبى تلبية كل دعواتي له ليحضر .



لكني أعلم أن وسط كل هذه الخيانات ، مازال ما يكن لي الولاء و الطاعة .



فها هو قلبي يطيعني بولاء ، فلم يمنع كلماته و دعواته الصادقة لكم جميعا ، بأن يكون لكم و لنا في هذا الشهر الفضيل ، ثوبة ، و مغفرة ، و عفو ، و رضى ، و عثق من النار .



كل شهر رمضان و أنتم بالف خير





في أمان الله




بعد موت الفراشة





أعترف بأنه بعد موت الفراشة لا يبقى منها إلا الأجنحة

تبقى ساكنة

حتى يهب عليها نسيم تستسلم له


و يحركها من سكونها


أعترف

مشغولة جدا





مشغولة جدا بالتخطيط لإحتلال العالم

لا تخبروا أحدا بالأمر

لأنه نائم

و يزعجه أن يقطع نومه أمر لن يصدقه



سحابة نعاس




أعترف بأن سحابة نعاس تطوف على رأسي

و أخشى أن تمطر نوما قبل نهاية دوام العمل


أعترف بهذا



قصة (حنــــــــــان)


همسة

أرحب بأي تعديل أو ملاحظة ترون أن من شأنها أن تجعل من القصة أفضل و أجمل


قراءة ممتعة



سلامي












1 (1)



في الجامعة و في قاعة الامتحان و مع مرور نصف زمن الامتحان ، بدأ الطلاب بالخروج من القاعة، مازالت حنان تجيب على بعض الأسئلة ، ترى جمال أمامها تنتظر منه إشارة الخروج و المغادرة ليخرجا معا ، لكن حدث عكس ذلك ، لم يلتفت جمال لها ، لم يعطها إشارة الخروج ، لم ترى وجهه ، لم تعرف رأيه في الأسئلة ، فقط ، جمع أوراقه و غادر القاعة ، حارت في تصرفه ، لم تعرف ما السبب .

تقول في نفسها (هل هو الامتحان الصعب، أم جلوسي اليوم بعيدة عنه؟).



خرجت حنان من القاعة بعد دقائق ، بعد أن أنهت كل الإجابات التي تعرفها ، وألّفت إجابة لما كانت لا تعرفه ، كما كانت تفعل دائماً في الامتحانات ، لكنها كانت تفكر فيما فعل جمال ،بقيت تحدث نفسها قائلة (قد يكون هذا آخر يوم لي هنا ، لما هو هكذا؟ ، هل أكون أنا السبب؟ ، أم سفري إلى الخارج ؟).



خرجت و هي تبحث عنه ، تفكر أين يكون الآن ،(هل غادر الجامعة ؟، لا ، لا يمكن ، يجب أن أراه قبل سفري ، يجب أن يعلم بما يحدث ، أين هو؟ ، أين هو ؟). هذا ما جال في بالها .



أخيراً ، ها هو ، يجلس بالقرب من سيارته ، بعيداً عن كل البشر ، و على غير العادة ، يمسك سيجارة و يدخنها ، و من وجهه يبدو أن هموم الأرض على ظهره ،( لما كل هذا الهم و الغم ، كل هذا من أجل امتحان ؟ ) ، هكذا كانت تقول.



اقتربت منه ، انتظرت أن يطفئ السيجارة ، لكنه لم يفعل ، عيونه غريبة ، ضحكته غائبة ، و كأنه غريب من أرض الغرباء.



حنان :- السلام عليك.

جمال :- و عليك السلام.

حنان :- أنت تدخن ؟

جمال :- نعم .

حنان :- و منذ متى ؟

جمال :- هذه أول سيجارة.

حنان :- اشتريتها ؟.

جمال :- لا ، استعرتها.

حنان :- لماذا تدخن ؟.

جمال :- لا يهم .

حنان :- كيف كان الامتحان؟.

جمال :- لا يهم.

حنان :- لم أنت هنا على غير العادة؟.

جمال :- لا يهم.

حنان :- ما بك ، ماذا دهاك؟

جمال :- أيضا ، لا يهم.

حنان :- ما بالك كل إجاباتك لا يهم ، لا يهم ،قل لي ما المهم؟.



صمت قليلاً ، التفت إليها ، نظر إلى عينيها ، و أجاب.



جمال :- أنت هي المهمة .



تعجبت من إجابته ، و عرفت أنها سبب همه ، و قالت في صوت يؤكد كلامه .



حنان :- صحيح ، أنا المهمة .



ساد الصمت المكان لفترة ، تحاول أن تفهم ما يحدث ، أن ترى عينيه و تحاول قراءتهم ، لكن عبثا ، فحتى عيونه تغيرت، و لم تعد تفهمها .



تقطع كلماتها الصمت .



حنان :- سأسافر.

جمال :- أعرف .

حنان :- من أخبرك؟.

جمال :- لا يهم.

حنان :- عدنا ل لا يهم ، و هل تعرف السبب؟.

جمال :- أكيد، أعرف كل شيء.

حنان :- حان وقت الرحيل الآن ، هل هناك ما تقوله ؟

جمال :- نعم .



توقعت أن تسمع كلمات الدعم و المساندة منه في محنتها ، كانت تخاف من السفر كثيراً جداً ، تحتاج لأي مساندة ، من أخ ، صديق ، أو حبيب ، لم تكن لتعترف له بحبها ، قبل أن يعترف هو ، كانت تنتظر أن يقول لها ، سأنتظر عودتك ، سأكون في المطار ، أي كلمة توحي بالدعم ولو قليلاً.



حنان :- ماذا ستقول.

جمال :- مع السلامة.

حنان :- فقط.



خاب أملها كثيراً ، رغم هذا أخرجت و رقة و قلم و كتبت كلمات ، قسمت الورقة إلى نصفين ، و طوت النصفين ، أعطته نصف الورقة ، و أخذت معها النصف الآخر .



حنان :- دع هذه الورقة معك و لا تفتحها حتى نلتقي مجدداً إن شاء الله .



وضع الورقة في محفظته ، في أحد الجيوب الصغيرة الخفية ، التفت إليها لكنها غادرت.



يتبع...






2



حان وقت سفر حنان ، أُعِدت الحقائب ، أوراق السفر، و غيرها من التجهيزات ، لكن الأجواء كانت مشحونة ، و كأن شخصا سيموت ، و كأن الفراق هو فراق أبدي ، و ليس فراق لبعض الأيام و إن طالت لبعض الأسابيع ، الكل كان يتحدث معها عن سفرها ، يحاولون طمأنتها ، لكنها في كل مرة ترتعب أكثر من سابقتها ، حاولت الهروب و التحجج حتى لا تذهب ، لكنها لم تستطع ، فالسفر من دونها كان غير ممكن ، فهي السبب الرئيسي للسفر.



حانت لحظة مغادرة المنزل ، الكل مبتسمون و إن كانت هذه ابتسامة الوجوه و ليس القلوب ، الكل حاول تخفيف الفراق بطريقته ، الأخ يوصيها بشيء و الأخت تطلب شيئا غيره ، و هكذا الكل ودعوها كل على طريقته ، ودعت كل من في المنزل ، منهم من كان يعرف سبب السفر ، و منهم من لم يعرف السبب ، وصلت الحقائب إلى السيارة ، بدأ والدها بوداع أفراد الأسرة ، بدأت الدموع بالانهمار ، و دعتهم هي بدورها ، أحست أن أحداً مفقوداً ، لم يكن الجميع موجود ، والدتها لم تكن موجودة ، بحثت عنها، وجدتها في غرفتها غارقة في دموعها ، احتضنتها ، أرادت أن تودعها ، كان أشبه بوداع لا لقاء بعده بين أم و ابنتها ، دموع و نظرات و صمت فقط هذا ما كان .



قطع الأب ما كان بكلمات تدعو حنان للخروج و المغادرة قبل فوات وقت إقلاع الطائرة ، مسحت دموعها ، و طبعت قبلة على جبين والدتها و غادرت المكان ، سمعت دعاء أمها لها بالسلامة بعد أن غادرت الغرفة بقليل لكن العبرة كانت تخنقها لم تشأ أن تعود إليها و يزداد حزن الوداع ، فتوجهت نحو الباب ، خرج أخاها حسام وراءها مودعا ، جلست في السيارة ، اشتغل المحرك ، و انطلقا مغادرين ، وجهتهم كانت المطار .



في الطريق كانت تودع البلاد ، الوطن ، هذا المكان الذي عاشت فيه ، الذي تمنت الموت فيه ، لكن يبدو أنها ستموت في مكان آخر خارجه ، مكان لم تعرفه و لم تعرف أهله ، و لم تتقن لغتهم ، راودتها أفكار غريبة ، ذكريات قديمة ، فكرت في كل شيء تعرفه ، لكن ما كان يزعجها هو ذهابها للموت.



أخيرا و صلوا إلى المطار ، ترجلت هي و والدها و السائق ينزل الحقائب رأت حقيبتين ، لكنها أعدت 3 ، حقيبتها مفقودة ، حاولت أن تبحث عنها بنفسها داخل السيارة ، لكنها لم تجدها ، يبدو أن حسام لم يضعها في السيارة ، كانت الحقيبة تحوي ملابسها ، فرحت قليلاً ، وأخبرت والدها بضياع إحدى الحقائب ، فعرضت عليه فكرة العدول عن السفر و العودة للمنزل ، قد تكون هذه إشارة لتمنعها من السفر ، ألحت على والدها بالعودة تحججا بأنها لا تملت الثياب اللاّزمة للسفر ، لكن والدها طمئنها بأنه سيشتري لها كل ما تريد من هناك، المشكلة قد حلّت ، هنا سمع والدها نداء صديقه موظف المطار الذي اهتم بكل إجراءات السفر ، لقد ضاع آخر أمل لها بالبقاء ، استسلمت للأمر ، فكل ما سيحدث من عند الله ، دخلت المطار و جلست في صالة الانتظار ، وقت قليل و سمعت الأمر بالتوجه إلى بوابة المغادرة ، ركبت الطائرة متشبثة بذراع والدها ، جلست بجوار النافذة ، لإلقاء تحية أخيرة للوطن ، ربطت الأحزمة ، و أقلعت الطائرة في السماء متجهة لبلد آخر.



يتبع...



3





اقتربت الطائرة من وجهتها ، أرادت حنان أن ترى كيف تبدو هذه البلاد ، لعلها تجد فيها ما يعجبها لكنها لم ترَ سوى الجبال الجليدية ، سألت والدها.



حنان :- هل في هذه البلاد بحر ؟.

الأب :- لا ، فيها بحيرات و جبال .



لم تعجبها الإجابة ، أغلقت النافذة ، و جلست في مكانها في حزن .



و صلوا إلى المطار ، لم ترغب في النزول من الطائرة ، والدها نزل ، لحقت به بسرعة ، لم تشأ أن تضيع في هذه البلاد التي لا تعرف فيها أحدا ،و غادروا المطار إلى الفندق .



في الصباح تأخرت في النوم ، والدها يحاول إيقاظها ، لكن عبثا ، هي تسمعه لكنها لا تريد أن تنهض من نومها ، أرادت أن تقول لعقلها أن الواقع كابوس مزعج سينتهي عندما تبقى نائمة ، لكن محاولتها باءت بالفشل ، فقد وصل الفطور و يجب أن تنهض لتأكل ، فنداء الجوع أقوى من نداء النوم .



طلب والدها منها إعداد نفسها للخروج ، لكنها رفضت لعدم امتلاكها الثياب ، حتى أنها نامت بالثياب التي قدمت بها من المطار.



حنان:- أبي ، أخرج بمفردك و اشترِ بعض الثياب لي ، و لا تنسى أغطية الرأس.



هذا ما قالته لوالدها ،و دعته ، أغلقت الباب خلفه ، ثم عادت لاستكشاف المكان ، هذه الغرفة ليست غرفتها ، و الأسرّة ليست كما اعتادت عليها ، حتى ضوء الشمس المتسلل من النافذة لم يعجبها ، اتجهت للنافذة لتلقي نظرة على المكان ، الشارع و الناس و السيارات ،كلها غريبة ، لم تعجبها .

الهاتف يرن ، قطع حديثها مع عقلها ، ردت ، وجدت المتصل والدها و دار حديث بينهما.



الأب :- ماذا أشتري لك ؟

حنان :- سروال و قميص طويل الأكمام و غطاء للرأس .

الأب :- لم أجد أي مكان يبيع الأوشحة وأغطية الرأس.

حنان :- لا يهم ، اجلب السروال و القميص ، و سأخرج بنفسي لأرى ما يناسبني.

الأب :- أتريدين شيئا آخر ؟ .

حنان :- نعم ، بعض الشيكولاته.

الأب و هو يضحك :- أكيد ، لن أنساها .



مرت ساعة أو ما يزيد حتى عاد والدها و هو يحمل أكياسا من الثياب و المشتريات ، فرحت بها و حاولت أن تقيسها ، لكنها لم تجد ما يناسب طلبها ، فهذه قصيرة الأكمام ، و هذا ضيق ، هذه حمراء ، و هذه شفافة ، كل الأشياء لم تعجبها ، إلاّ الشيكولاته كانت على طلبها كما تحبها تماما.



حنان :- أبي أين أجد مكواة الثياب ؟

الأب :- لا أعلم . سأتصل بموظف الفندق لأسأله.

حنان :- اسأله أيضا عن أماكن محلات الثياب.

الأب :- و لماذا؟

حنان:- المكواة لأكوي ثيابي التي أرتديها ، المحلات لأخرج معك للتسوق، فهذا أفضل حل.

الأب :- حسنا ، لكن بسرعة .



بسرعة كوت ملابسها و أعدت نفسها للخروج ، خرجت لوالدها لتجد أنه يكلم أحدا ، لكن اللغة كانت أجنبية ، لم تفهم ما يحدث ، عندما أغلق والدها السماعة ، بدت عليه ملامح لم تعرفها ، كأنه يريد قول شيء هي تخاف منه.



حنان :- من المتكلم؟

الأب :- الطبيب.

حنان :- ماذا قال ؟

الأب :- يجب أن تذهبي اليوم للمستشفي.

حنان :- اليوم ؟

الأب :- بل الآن.

حنان :- لماذا ؟

الأب :- لا أحد يستطيع إجراء عمليتك إلاّ طبيب واحد في هذا المشفى ، و سيسافر سفراً مستعجلاً.

حنان :- و الثياب؟.

الأب :- سنشتريها غداً .

حنان :- كيف ؟.

الأب :- سأشتريها وحدي .

حنان :- كما فعلت اليوم ؟.

الأب :- قد نشتري شيئا في طريقنا إلى المستشفى .

حنان :- قد نشتري!، و كيف سأذهب ؟.

الأب :- هكذا.

حنان :- لن أذهب ، و سأعود إلى البيت.



الأب يبدو حازماً .



الأب:- توقفي عن هذه الأفعال الطفولية ، قلت سنذهب الآن ، وكفى.



استسلمت حنان للأمر الواقع و لحزم والدها .



حنان:- حاضر ، لكني أحتاج لثياب النوم ، كيف سأبيت هكذا.

الأب :- سأشتريها لك اليوم ، لكن فيما بعد .

حنان :- ماذا أحضر معي؟

الأب :- أحضري ما تحتاجين لهذا اليوم ، و غداً سأتصرف .



لفت وشاحها الأبيض اليتيم على رأسها ، و أخذت معها علبة الشيكولاته ، وضعتها في حقيبة يدها مع باقي أشيائها ، و خرجت ، أغلقت باب غرفة الفندق وراءها و انطلقا إلى المستشفى.





يتبع...



4



وصلا إلى المستشفى متأخرين بسبب زحمة السير ، لم يشتريا ما أرادت من ثياب، يزعجها بقائها فترة من الزمن في هذا المكان، و لا تملك ما ترتدي ، كيف نسيت حقيبة ملابسها؟ ، لماذا لم تشتري ملابس من هنا؟ ، لماذا لا يوجد ما تريد هنا؟ ، بحثت عن حل لمشكلتها لكنها لم تجد .



عند دخولهم من بوابة المستشفى بدأت في التفكير بغرفة العمليات ، كيف هي هذه الغرفة ؟ ماذا سيفعلون بي ؟ هل سأشعر بالألم ؟ هل سأموت؟؟؟؟؟؟؟؟.



عبرا عبر عدد من الأبواب ، بعد مخاطبة عدد من الأشخاص ، أطباء كانوا أم من طاقم التمريض أم الموظفين ، أخيراً وصلا إلى غرفة الطبيب ، دخلا معا ، جلست بجوار والدها ، تسمعهم يتحاوران و يتحدثان عن تفاصيل العملية ، متى ستبدأ ؟، كم تستغرق؟، التكلفة ، و غيرها من المعلومات .

لم يترجم لها والدها شيء من الحديث القائم بينه و بين الطبيب ، فقط كان يخبرها أن كل شيء يجري جيدا ، و يريد أن تكون مطمئنة.



لم يعجبها ما كان يخفيه والدها ، أرادت أن نعرف ما سيجري لها أثناء العملية ، طرحت العديد من الأسئلة ، والدها لعب دور المترجم ، أرادت أن تعرف كل شيء أثناء و بعد العملية ، الآن لم يعد هناك مفر، يجب أن تدخل الحرب ، و تعلم بكل خطواتها ، يجب أن تعرف كل شيء، لكنها لم تعرف كل شيء.



تحاليل و كشوفات سريعة ، و حانت ساعة الصفر، قرأت بضع آيات من القرآن الكريم قبل أن يبدأ أي شيء ، غيرت ملابسها ، و ارتدت ثيابا من المستشفى ، غطت شعرها بغطاء من النايلون ، و نامت على سرير ذو عجلات ، و بدأت المغامرة ، ( حرب ، مغامرة ، رحلة إلى حدود الموت ) هكذا كانت تسمي ما سيحدث ، عندما ودّعها والدها بدأ قلبها بالدق كالطبول ، و كأنه سيخرج من مسكنه ، أُغلقت الأبواب ، و أُضيئت الأَضواء، و بدأت العملية ، غرقت في صمت عميق لم ترى شيء ، لم تشعر بشيء ، فقط صمت.



صوت صفير مراقب دقات القلب يقتحم الصمت ، تفتح عيونها لترى شيء أبيض ، لا، شيء مضيء ، المكان غريب ، غرفة بها العديد من الأجهزة ، سرير بشراشف بيضاء، و بعض صداع الرأس ، حقنة في يدها ، و أنابيب تخترق جسدها ، ملصقات مدورة على صدرها ، ما هذا أين غطاء رأسها ، أين ثيابها ، لا يسترها سوى هذا القميص الأخضر الخفيف و الشراشف، الممرضة بجوارها ، تكلمها و تجيب عليها و كل منهما لم تفهم الأخرى ، سألت ببعض الكلمات التي تعرفها بلغتهم تسأل عن والدها ، لكن الممرضة لا تفهم شيء.



غضبت كثيرا من هذا الوضع ، يجردونك من كل شيء ، الوعي ، الثياب ، و حرية الحركة ، و أخيرا تجد نفسك أمام حائط زجاجي ، يذكرك بحديقة الحيوان ، و كأنك حيوان في قفص و الكل يشاهدك من الخارج دون أن تسمع شيء ، سوى صوت مراقب دقات القلب ، الذي كرهت رناته ، بغضب كلمت الممرضة ، أرادت أن تتحرك من مكانها ، أن تنزع الأجهزة عنها ، أن تذهب لوالدها ، لكن سرعان ما حقنتها الممرضة بشيء أعادها للنوم.



استيقظت هذه المرة لتجد والدها يقف أمامها أفرحها الأمر كثيرا ، لكن فرحتها سرعان ما نقصت ، لأن الجدار الزجاجي يفصل بينهما ، سألته ببعض الإشارات عن حاله ، و أخباره ، عن إمكانية دخوله لهذه الغرفة ، لكنه أجابها بعد قليل ستغادرين الغرفة ، فقط اصبري.



و سرعان ما جاءت عدد من الممرضات و نقلتها لغرفة أخرى ، أجهزتها أقل ، و أجوائها ألطف ، و جاء والدها إليها و بقي برفقتها.



حنان :- ماذا حدث؟.

الأب:- أجريت لك العملية و لاقت النجاح بفضل الله .

حنان :- هل تحدثت مع أمي، حسام و فرح ؟.

الأب :- نعم ، الكل يلقي عليك السلام.

حنان :- كيف حالهم ؟.

الأب :- الحمد لله، مشتاقين لك.

حنان :- أبي، أين ثيابي؟ ألم تشتري لي شيء؟.

الأب :- لا، لم أشتري لك شيء ، لم أخرج من المستشفى ، بقيت معك حتى في نومك.

حنان :- و كم نمت ؟ .

الأب :- كثيرا.

حنان :- و كم سأبقى هنا ؟.

الأب:- أقل من أسبوع .



حنان تبحث عن شيء ما .



حنان:- أبي ، أين حقيبتي؟

الأب :- عندي ، سأجلبها .



وصلت الحقيبة ، فتحتها و أخرجت علبة الشيكولاته ، لم ترغب بها لكنها جائعة ، مستعدة أن تأكل أي شيء .

سألت عن ثيابها ، عن غطاء رأسها ، لا تملك سوى هذه الشراشف البيضاء ، أزعجها أن تبقى هكذا ، سأل والدها الممرضة عن إمكانية ارتدائها لثيابها ، فأجابته بالنفي بحجة أن ثيابها ستضايقها ، ستبقى هكذا أفضل لصحتها ، أزعجها هذا أكثر مما أزعجتها العملية .



حنان :- أبي أين ثيابي التي كنت أرتديها؟

الأب :- تريدينها الآن؟

حنان :- لا ، أريد الوشاح الأبيض لأغطي رأسي.

الأب :- سأجلبه لك الآن.



و صل الوشاح ، فرحت به ، أخيرا سترتدي شيئا ، جلس والدها معها ليحكي لها ما حدث ، و ما سيحدث ، دق الباب ، دخل أحدهم للغرفة ، لكنه لم يكن سوى الطبيب ، عرض الأب عليه فكرة ارتدائها لملابسها ، لكنه وافق بعد جدال ، وافق على الملابس الواسعة فقط ، لا يهمها إن كانت واسعة أو ضيقة المهم ثياب ، خرج والدها ليشتري لها الثياب ، مازالت لا تملك الثياب المناسبة لها ، ففي كل مرة يحدث شيء يمنعها من الحصول على ما تريد .



يتبع...





5



وحيدة في الغرفة ، الباب مغلف رغم هذا ارتدت وشاحها الأبيض ، تكمل أكل قطع الشيكولاته ، و تسأل الله أن يرسل إليها أنيسا في ساعات و حدتها ، دق الباب ، سحبت الشراشف عليها لتجعل منها شرنقة تغطي بها نفسها، و أعطت الإذن بالدخول ، توقعت والدها ، الممرضة ، الطبيب ، لكن على غير التوقعات ، لم يكن أيا من الجميع ، كان شابا ، طويل القامة ، أسمر البشرة واسع العينين ، لم يدخل ، بل و قف أمام الباب يستأذن الدخول ، تكلم بلغة عربية ، لا، لم تكن عربية فقط بل كانت لغة بلدها ، و لهجة منطقتها .



هو :- السلام عليكم.

حنان :- و عليكم السلام.

هو :- أيمكنني الدخول ؟

حنان :- تفضل ، لكن أترك الباب مفتوح .



دخل الغريب و وقف بعيداً قليلاً عنها وعرف بنفسه.



هو :- اسمي أمان ، من بلدكم ، و أعرف من تكونين ، سامحيني على تدخلي ، لكني رأيتك قبل قليل تنقلين إلى هذه الغرفة ، أردت أن أسألك عن حالك و صحتك ليس أكثر ، إن كان هذا يزعجك سأخرج دون عودة .



حنان :- هذا لا يزعجني ، تفضل بالجلوس .



بحث عن كرسي ليجلس لم يجد ، فخرج من الغرفة ليعود بكرسي من خارج الغرفة ، وضعه بالقرب من السرير و جلس .



حنان :- قلت إنك تعرفني ، من أين تعرفني؟.

أمان :- أدرس معك في نفس الكلية و نفس العام .

حنان :- لكني لا أعرفك ؟.

أمان :- لكني أعرفك .

حنان :- ما سبب وجودك هنا؟.

أمان :- مرافق لأمي ، فهي مريضة هنا .

حنان :- و كيف حالها؟.

أمان :- الحمد لله .

حنان :- و ما مرضها؟.

أمان :- تضخم في عضلة القلب.

حنان :- يعني أنها صاحبة قلب كبير.

أمان :- ها ها ها ها ، أعجبني تعليقك ، صحيح ، هي صاحبة أكبر قلب في العالم.

حنان :- كم ستبقى ؟.

أمان :- لا أدري ، لكن لن تطول الإقامة أكثر من أسبوع .

حنان :- أنا أيضا لن تطول إقامتي أكثر من أسبوع .

أمان :- إذن قد نعود معا في نفس الطائرة .

حنان :- لا أعلم ، ربما.



تتذكر أنه ضيفها ، و هي لم تقم بتقديم واجب الضيافة ، تخرج علبة الشيكولاته و تقدم له بعضها .



أمان :- أتحبين الشيكولاته ؟.

حنان :- نعم ، بل كثير جداً ، حتى درجة العشق .



في هذه الأثناء وصل والدها مع عدد من الأكياس ، يبدو أنها أكياس الثياب الجديدة ، يدخل و يرى أمان ، يصافحه و يسأل من يكون؟ .



حنان :- أبي ، هذا زميلي في الكلية ، أمان.

حنان:- أمان ، هذا أبي ، مرافقي في الرحلة.

أمان :- تشرفت بمعرفتك .

الأب :- و أنا أيضا .

الأب :- من أين أنت؟ ، و ابن من ؟.

أمان :- من بلادكم ، و ابن الدكتور خالد كمال.

الأب :- الدكتور خالد كمال ؟ سمعت بهذا الاسم لكن لا أعرف إن كان هو من أعرفه أم لا ، عرفني عليه عندما يأتي .

أمان :- للأسف لا أستطيع .

الأب :- لماذا؟.

أمان :- أبي توفي قبل سنوات.

الأب :- إنّا لله و إنّا إليه راجعون .

أمان :- الآن اسمحوا لي ، يجب أن أنصرف ، مع السلامة.

الأب :- مع السلامة .



غادر أمان الغرفة و أغلف الباب خلفه.



يتبع...



6





التفتت حنان للأكياس الكثيرة التي يحملها والدها و سألت.



حنان :- ماذا عندك ؟.

الأب :- ثياب اشتريتها ، ما رأيك بها ؟.

حنان :- سأراها و أقيسها قبل أن أحكم .



وضع والدها الأكياس على حافة السرير ، و بدأت حنان تبحث في الثياب، تسحب هذا و ذاك، و لم يعجبها سوى قميص واسع طويل بأكمام طويلة و لونه أبيض .



حنان :- هذا جيد ، لكن البقية لا يمكن أن أرتديها الآن .

الأب :- هيا البسي هذا الآن .

حنان :- أخرج لكي أغير قميصي .

الأب :- سأساعدك .

حنان :- لا ، سأرتديه لوحدي .

الأب : لا تخجلي ، هل نسيتِ كم مرة ألبست لك ثيابك في السابق ؟.

حنان :- لا ، لكني كبرت الآن .

الأب :- مازلتِ طفلتي الصغيرة و إن كنت أماً لأربعة أولاد.

حنان :- سأرتديه لوحدي.

الأب :- مع كل هذه الأنابيب و الحفنة في ذراعك لن تستطيعي ، سأساعدك .



ابتسمت حنان في خجل و تركت والدها يساعدها في تغيير قميصها المتسخ بآخر جديد ، وصل الغذاء جلس معها والدها و بدأ في تقشير التفاحة ، تعودت أن يطعمها الفاكهة بيده قبل كل شيء .



فكرت في حل لمشكلة الثياب ، فلن تبقى بهذا القميص الأبيض فقط طول فترة إقامتها هنا، أخيرا وجدت الحل .



حنان :- أبي ، أيمكن إرسال حقيبتي من بلادنا بواسطة البريد السريع؟.

الأب :- نعم .

حنان :- و هل ستصل قبل خروجي من هنا ؟.

الأب :- نعم ، هل أرسل في طلبها ؟.

حنان :- نعم ، زد عليها هذه الأشياء ،أخبر أمي وهي تعرف أين تجدهم ، فالقائمة طويلة .



أخد الأب القائمة الطويلة و وعدها بأن يقوم بما ترغب و تريد .



بقى والدها معها شبه مقيم في نفس الغرفة ، لكنه كان يغادر لبعض الوقت ، له أعماله في هذه البلاد يجب أن يتابعها ، اطمئن عليها بعد استقرار حالتها و تأقلمها مع أجواء المستشفى رغم أنها لم تغادر سريرها إلاّ نادراً .



أمان كان يزورها باستمرار ، لأن غرفة والدته ملاصقة لغرفتها .

هذه المرة دخل الغرفة فوجدها و حيدة ، و الغذاء أمامها و لم تحاول حتى الاقتراب منه .



أمان :- لماذا لم تأكلي ؟

حنان :- لا آكل وحيدة .

أمان :- لم؟

حنان :- هكذا تعودت ، لا أستطيع الأكل و حيدة ، يجب أن يكون أحد معي ، و إلاّ لن آكل .

أمان :- و أين والدك ؟ .

حنان :- خرج و لم يعد في وقت الغذاء .

أمان :- هل أشاركك الغذاء ؟.

حنان :- تفضل .



مدّ أمان يده للفاكهة و السكين لتقشيرها و هو يقول لها.



أمان :- الجميع يأكلون الفاكهة في نهاية الوجبة ، لكني آكلها في البداية ، هل تجربينها في البداية كما أفعل ؟ .



ضحكت حنان و هي تقول.



حنان:- إذن لم أكن الوحيدة التي تأكل الفاكهة في أول الوجبة ، حتى أنت تفعل هذا .



ضحك الاثنان من هذه الصدفة الغريبة ، فكلامها يأكل الفاكهة في بداية الوجبة .



مد يده اليسرى إليها حاملا قطعة فاكهة مقشرة ، رأت خاتم زواج في إصبعه ، تعجبت من الأمر ، كيف له أن يكون متزوج ؟، هو صغير في السن ، إن كان يدرس معها فهو في عمرها ، و لقطع استغرابها سألته .



حنان :-أ أنت متزوج ؟.



ابتسم أمان من سؤالها ، لكنه أجابها.



أمان :- لا ، لكني مرتبط .

حنان :- هل يمكن أن أعرف من هي ؟.

أمان :- طبعا ، هي حبيبتي منذ الصغر ، اتفقنا على الزواج في أول فرصه .

حنان :- منذ الصغر !، هل هي قريبتك ؟.

أمان :- لا ، ابنة الجيران .

حنان :- حب قديم جداً ، قبل المراهقة .

أمان :- نعم ، أحببتها منذ أن ولدت ، كانت و مازالت رائعة .



صمت قليلا و هو يتأمل الخاتم ثم قال.



أمان :- و أنت ، هل أنت مرتبطة ؟.



هنا تذكرت جمال ، و كيف كان لقائهم الأخير، بارداً و غريباً ، لكنها لا تعرف إن كان ما بينهما حب أم إعجاب فقط ،لم تخجل من أمان و أخبرته بكل صدق عن علاقتها به.



حنان :- نعم هناك شخص .

أمان :- و من سعيد الحظ ؟.

حنان :- جمال زميلنا في الجامعة .

أمان :- تعرفينه منذ زمن ؟.

حنان :- لا ، هذا العام فقط .

أمان :- عام واحد فقط ؟.

حنان :- لا ، أقل من عام .

أمان :- أقل من عام ، ما بينكما أهو حب أم إعجاب فقط؟.

حنان :- لا أدري ، ما أعرفه أني أرتاح بالحديث معه ، و أطمئن بوجودي قربه ، و أشتاق إليه في غيابه ، و المهم أنه يعرف كيف يتعامل معي .

أمان :- هل أخبرك يوما أنه يحبك ؟.

حنان :- لا ، لم يقل أحبك بصريح الكلمة .

أمان :- و أنت ؟.

حنان:- ما بي ؟.

أمان :- هل قلت له أحبك ؟.

تجيب حنان في خجل :- لا ، لم أقلها .



أربكها خجلها و وسؤال أمان لها ، حاولت أن تغير مسار الحوار فقالت .



حنان:- لا أعرف كم عمرك ؟.

أمان :- خمني كم عندي من السنوات ؟.

حنان :- لا أدري ، أنا في 18 ، ربما تكون في نفس العمر أو ما يزيد عنه بعام .

أمان :- لا ، أزيد عنك بأربع سنوات .

حنان :- أربع سنوات ؟ ، لم كل هذا التأخير في الدراسة؟ .

أمان :- توفي أبي قبل 4 سنوات ، كنت في السنة الأولى من الجامعة ، تركني مع أسرة من 3 أخوات و أم ، لم أعرف كيف أدير هذه العائلة ، فبين ليلة و ضحاها أصبحت ولي أمرهم ، أصبحت أبا و أخا و ابناّ لهن ، كنت السند الوحيد لهن ، فاخترت أن أوقف دراستي عدداً من السنوات لكي أعيل عائلتي .



حنان :- أليس لديك عم ؟.

أمان :- لا .

حنان :- خال ؟.

أمان :- نعم ساعدني كثيراً ، لكن عائلته في النهاية أولى به .



قطع حديثهما دقات خفيفة على الباب المفتوح ، إنها الممرضة ، تكلمت بلغة غريبة ، فرد هو عليها بنفس اللغة ، حنان لم تفهم شيء ، طلبت منه الترجمة ، فأجابها بأنه موعد أخدها الدواء و يجب أن يخرج الآن .



يتبع...





7



اليوم التالي دخل أمان في وقت الغذاء ، آنسها كما فعل بالأمس ، أعجبها الأمر فأخذت منه وعداً بأن يأتي في كل يوم ليؤنسها في وقت الطعام ، و كان لها ما طلبت ، كل يوم يأتيها في وقت الغذاء ، و يأكلان معاً ، و يغادر غرفتها في موعد أخدها للدواء .



لكن اليوم لم يكن كسابقه ، فقد رأى أمان وجها آخر لحنان.



حنان :- كيف حال أمك ؟.

أمان :- بخير و الحمد لله .

حنان :- أين هي ؟.

أمان :- في غرفتها ، كانت قبل قليل في الحديقة أنزلتها لأنها تعبت من السرير وأرادت استنشاق بعض الهواء النقي في الخارج .

حنان :- هل مازالت في الحديقة ؟.

أمان :- لا ، هي في غرفتها نائمة .

حنان :- هل يستطيع الجميع النزول و التنزه في الحديقة ؟.

أمان :- نعم .



أحس أمان أنها ترغب بالخروج ، لكنها تحتاج لدعوة ، اقترب منها و حاول أن يدعوها للخروج ، فمد يده على الشراشف البيضاء محاولا إزاحتها .



أمان :- هيا بنا نخرج............

و لم ينهي كلمته حتى انتفضت عليه حنان في غضب و كأنها لبؤة تحاول أن تحمي نفسها و قالت في صوت عالي صارم .



حنان :- لا تفكر في إزالة الشراشف ، و أُخرج من هنا الآن و لا تعد اليوم .



استغرب أمان كلماتها و ردة فعلها ، ثورتها المفاجئة ، لكنه انسحب دون أن يقول كلمة واحدة .



قالت كلماتها لأنها لم تكن ترتدي شيء غير قميصها الأبيض الخفيف و وشاحها اليتيم، فكانت تتخذ من الشراشف شرنقة لها لتستر نفسها و تحجب جسدها عن الجميع .



و في صباح اليوم التالي أراد أن يراها و يطمئن عليها ، و صل أمام باب غرفتها و في تردد دق الباب ، لكن لا أحد يجيب ، دق الباب مرة أخرى ، لكن لا إجابة ، خاف عليها ففتح الباب و دخل ، رآها في سكون و لم تكن تتحرك أو تتكلم ، أراد أن يطمئن عليها ، اقترب منها فوجدها نائمة ، و وشاحها الأبيض مبتعد عن رأسها ليكشف عن شعر أسود ناعم طويل ، و خصلات منه ممتدة على وجهها الأبيض ، نائمة بكل هدوء في سريرها الأبيض، أخذه ما رأى إلى مكان آخر ، طار به بعيد جداً لعالم الحكايات ، بقي للحظات يتأملها و مرت الثواني كأنها دهر من الزمن ، و بعد أن عاد إلى أرض الواقع ، عرف أن ما فعله خطأ في حقه و حقها ، أراد التراجع و الخروج بسرعة و هدوء دون أن يزعجها ، لكنه تعثر بالكرسي المجاور لسريرها ، فأيقظها صوت الكرسي ، فتحت عينيها لتراه أمامها ، لتراه يقف قريب جدا منها ، و دون أن تعرف ماذا تفعل ، قالت له بلهجة قاسية .



حنان:- من سمح لك بالدخول ، أوَ تجرؤ على الدخول دون استئذان ؟ ، أخرج و لا تعد أبداً إلى هنا .



كالمرة الماضية خرج أمان دون أن ينطق بكلمة واحدة ، لكن بقيت صورتها في عقله و لم تغادرها أبداً ، و كأنها الجميلة النائمة التي نسمع عنها في الحكايات ، نائمة تنتظر فارسها لكي يقبلها لتصحو من نومها و تكون أميرته و يكون أميرها .





يتبع...



8



كانت حنان تفكر في ما فعلت ، هل هي على حق؟ ، أم أنها على خطأ ؟، شخص غريب يقتحم حياتك ، و تؤمنه على بعض أسرارك ، ليتدخل في ما لا يعنيه ، يجب أن ترسم له خطوطا حمراء حتى لا يجتازها ، لكن غرضه طيب ، لم يكن يتصرف بسوء ، ربما كانت هي المخطئة ، ربما كان هو ؟.



دخل والدها ليقطع عليها حبل أفكارها ، دخل و معه حقيبتها الكبيرة ، أخيراً وصلت حقيبتها ، لكن بعد ماذا ؟ ، بعد تأخرها عدد من الأيام ، لا يهمها كم تأخرت ، المهم أنها وصلت ، فرحت جداً بحقيبتها فتحتها لتعرف ما بها فوجدت ملابسها ، أشيائها الخاصة ، رسائل كتبتها أمها و أختها فرح ، و كتاب لتقرأه .



في صباح اليوم التالي خرجت حنان من غرفتها لإجراء بعض الفحوصات ، و عندما عادت ، وجدت علبة شيكولاته من النوع الذي تحبه ، و لم تجد معها أي شيء يدل على من يكون صاحبها ، فكرت في أمان ، لكنها سرعان ما استبعدته فبعد الكلمات التي قالتها له المرة الماضية لن يفكر في الدخول لغرفتها ، بقيت تفكر في من تعرف غيره ، لكنها لم تجد أحدا آخر يرسل لها هذه الهدية ، فوالدها غادر المستشفى قبل أن تخرج هي من غرفها .



عند المساء خرجت حنان من غرفتها ، و تنزهت في حديقة المستشفى ، و في نهاية نزهتها ، و قبيل أن تصل لغرفتها رأت باب الغرفة المجاورة لغرفتها شبه مغلق ، كانت غرفة أم أمان ، رغبت في زيارتها ، فأمان كان يزورها يوميا ، فمن واجبها أن تزور والدته و تطمئن على صحتها ردا للزيارة ، لكنها ترددت في الدخول ، لم تعلم ردة فعل أمان عندما يراها تدخل الغرفة ، و هي من طردته من غرفتها مرتين ، رفعت يدها ببطء و دقت الباب ، سمعت إذنا بالدخول لكنه لم يكن بلغتها ، دخلت بهدوء لترى أن لا أحد في الغرفة سوى عاملة النظافة ، سألت عن أم أمان ، و أمان ، فأجابتها العاملة ، لكنها لم تفهم شيء ، خرجت حنان من الغرفة ، و اتجهت لغرفتها ، و هي قلقلة على صحة أم أمان ، لماذا غادرت غرفتها ، و أين هي ، ربما كانت في الحديقة ، أو تجري بعض الفحوصات ، ربما نقلت لغرفة أخرى .



عند عودة والدها سألته



حنان :- أبي ، اليوم أردت أن أسأل عن أم أمان ، ذهبت لغرفتها ، لكني لم أجد أحداً .

الأب :- صحتها جيدة و الحمد لله ، لقد غادروا اليوم صباحاً ، و تقريبا الآن يكونون في منزلهم و بين أهلهم .

حنان :- غادروا ؟؟؟، و متى ؟؟؟، من أخبرك؟؟؟.

الأب :- غادروا اليوم صباحاً ، و أمان هو من أخبرني ، قابلته قبل أن يغادر ، في قسم الاستقبال ، رأيته و والدته أثناء إكمال إجراءات خروجها ، سأل عنك لكنك كنت خارج غرفتك عندما أراد إلقاء السلام عليك مودعا هو و والدته .



اليوم ستخرج من المستشفى أخيراً ، هي فرحة لخروجها و عودتها إلي الوطن ، لكنها حزينة لأنها لا تعلم إن كانت سترى أمان مرة أخرى أم لا؟ ، كانت تفكر به دائما تفكر في ما فعلت ، هل هي على حق؟ ، أم أنها على خطأ ؟، أسئلة كثيرة دارت في فكرها كان محورها أمان ، لكنها نسيت أن تفكر في جمال ، و في لقائهما الأخير، فكل فكرها كان حول أمان و هل ستلتقي به مرة أخرى أم لا ؟.



دخلت الممرضة لتعطيها آخر جرعة دواء تأخذها في المستشفى ، بينما كان والدها يتم إجراءات خروجها ، لكنه تأخر ، حزمت حقيبتها ، و كل أشيائها ، غيرت ملابسها ، و ارتدت وشاحا يحمل أزهارا زرقاء ، وقفت لتنظر من الشباك اليتيم في غرفتها ، لترى الحديقة ، اليوم تراها حديقة جميلة بنافورة كبيرة و الأطفال يرشون بعضهم بمائها كانت تضحك من حركاتهم الطفولية و ردود فعلهم العفوية ، تذكرت فرح أختها الصغيرة ، ستراها بعد ساعات قليلة ، كم اشتاقت لكل فرد من أسرتها الصغيرة ، صديقاتها ، زملاء الدراسة .



دخل والدها و معه أوراق خروجها ، أخيرا ستغادر غرفتها ، المستشفى ، البلاد و كل الأغراب و تعود للوطن .



يتبع...



9 (2)




وصلت سيارة الأجرة للمطار ، ترجلت حنان من السيارة قبل والدها ، أنزلت حقيبة يدها و تكلف والدها بإنزال باقي الحقائب ، دخلا إلى المطار ، و استقرا في صالة استراحة المغادرين ، دقائق قليلة ، و سمعا أمر التوجه لبوابة المغادرة ، و منها لقلب الطائرة .



أقلعت الطائرة و حلقت في السماء وهذه المرة ، أحبت حنان الجلوس بالقرب من النافذة ، لتشاهد الوطن بعيون العصافير .



علا صوت المضيفة آمرا الركاب بالتزام مقاعدهم و ربط الأحزمة ، معلنا عن نهاية الرحلة .



ها قد انجلت السحب لتكشف عن أرض المطار ، ها قد اقتربت من أرض الوطن ، لتقول في نفسها و الفرحة تملأ قلبها.

(يا وطني عدت لك ، فرحب بي ببحرك و صحرائك و جبالك ، رحب بي) .



توقعت أن تجد أحدا في المطار ، حسام ، فرح ، أمها ، لكن لا أحد ، لم يكن أحد يعلم بموعد عودتهما ، فعادت مع والدها إلى المنزل بسيارة الأجرة .



وصلت إلي بيتها و عند دخولها ، فرح الكل بها و بوالدها ، و جدت أمها نائمة ، أيقظتها فبانت الفرحة في عينيها ، احتضنتها بشدة ، وحمدت الله كثيرا على سلامتها بصوت تخنقه عبرة الفرح .







فيما بعد حنان تسأل أختها الصغيرة .

حنان :- هل اتصل أحد بي في غيابي ؟ .

فرح :- اتصلت صديقتك نور، كانت تتصل كل يوم ، و اتصلت ابنة خالتي ، و …………………………..



قائمة المتصلين طويلة لكن لم يتصل من تريده أن يتصل ، اتصل الجميع إلاّ هو ، لم يكلف نفسه عناء الاتصال بالهاتف رغم أنه يعلم بسفرها ، و سبب سفرها ، جمال لم يتصل و لم يسأل عنها .



أختها الصغيرة تبدو فرحة بالحقائب أكثر من فرحتها بعودتها سالمة، تجر الحقيبة الثقيلة و تسألها ببراءة الأطفال.



فرح :- حنان، ماذا أحضرت لي ؟.



فما كان من حنان إلاّ أن أخرجت لها بعض علب الشكلاته لتفرحها .



و في جلسة المساء قامت بتوزيع الهدايا على الجميع في جو من الفرحة ، دار الحديث حول الرحلة و ما فعلت حنان ، و من قابلت و في حدثها تكلمت عن أمان ، فسألتها والدتها عنه.



الأم :- من هو أمان؟.

حنان :- زميل لي في الجامعة ؟.

الأم :- و ماذا يفعل هناك معك في المستشفى ؟.

حنان :- أمه كانت مريضة ، نزلت في الغرفة المجاورة لغرفتي ، و تعرفنا ، و أصبحنا أصدقاء.

الأم :- أصدقاء ؟.

حنان :- نعم أصدقاء.

الأم :- و من يكون والده ؟.

حنان :- الدكتور خالد كمال ، رحمه الله ، أبي يعرفه .

الأم :- الدكتور خالد كمال ، سمعت بهذا الاسم ، هل أمه السيدة نجاح ؟.

حنان :- لا أعلم من تكون والدته ، فأنا لم أرها .

الأم :- إن كانت أمه نجاح فأنا أعرفها ، اسأليه عن اسم أمه في المرة القادمة .

حنان :- لا أعرف إن كانت هناك مرة قادمة أم لا ، لا أعتقد بأني سأراه مجددا .



يتبع...


10





شهور مرت على عودة حنان من سفرها ، و ها هي في غرفتها تعيد ترتيب كتبها و أوراقها تجهيزا لعودتها للجامعة ، أخرجت كتبها من خزانتها و بدأت تفرز كل أوراقها ، فتحت حقيبة يدها لتجد داخلها قصاصة الورق الصغيرة التي كتبتها في آخر يوم التقت فيه بجمال .



عادت بها ذاكرتها لذاك اليوم ، أرادت أن تتصل به ، لكنها خشيت ردة فعله ، فلم يتصل بها أو يراسلها بأي وسيلة كانت طول هذه الفترة ، تخشى أن تجد هاتفه مغلقا و أكثر ما خشيته أن لا يجيب على اتصالها ، فقررت أن تتصل بنور و تسأل عن أخباره ، فربما عرفت نور شيئا عنه .



جلبت حنان الهاتف إلى غرفتها لتحصل على بعض الخصوصية في حديثها مع صديقتها نور ، و تركت الباب شبه مغلق ، و جلست على سريرها و ضغطت على أرقام الهاتف ، و طلبت رقم بيت نور ، فكانت نور هي المجيب على اتصالها .



نور :- السلام عليكم .

حنان :- و عليكم السلام .

نور :- كيف حالك و حال عائلتكم؟.

حنان :- الحمد لله ، و انتم كيف حالكم؟.

نور :- الحمد لله كلنا بخير .



إنتهى الحديث الروتيني و بدأ غيره .



حنان :- كم إشتقت إليكم .أنت و الجامعة و زملاء الدرس .

نور :- و أنا أيضا إشتقت إليك جدا ، و كذلك جميع زملائنا .

حنان :- كل الزملاء؟.

نور :- نعم جميعنا ، لما إستغرابك؟.

حنان :- و هل جمال من بينكم؟.

نور :- جمال!؟.

حنان :- نعم جمال ، لا تخبريني أنه أيضا يسأل عني ، فلم يسأل أبداً عني ، لم يتصل ، و لم يرسل أي بريد إليكتروني ، شهور مرت ، سافرت و عدت ، و لم يتصل بأي وسيلة إتصال ، لم يكلف نفسه عناء السؤال عن حالي .

نور :- نعم ، لاحظت هذا ، فهو شبه مختفي ، فلم أعد أراه في الجامعة كالسابق ، و لم أسمع أي أخبار عنه ، و في المرة الوحيدة التي تقابلنا فيها لم يسأل عنك ، و كان شحيح الكلام معي .

حنان :- أخبريني كيف كان.

نور :- كان صامتا ، قليل الكلام ، لا يتكلم إلا عند سؤاله ، و يجيب فقط إحابات مختصرة ، يلبس نظارة سوداء حتى في الأماكن المضللة ، و لم تغادر السيجارة يده أبدا .

حنان :- السيجارة؟.

نور :- نعم ، السيجارة ، فقد أصبحت رفيقته الدائمة ، و عطره الدائم رائحة دخانها .

حنان :- منذ متى و هو على هذه الحال؟.

نور :- منذ أن سافرت .



سكتت حنان وهي تفكر في الشيء الذي جعل أمان بهذا الحال ، تذكرت لقائهما الأخير في يوم الإمتحان ، تذكرت أنه أجابها بأنها هي المهم بالنسبة إليه ، ربما كانت هي سبب وصوله لهذا الحال ، و ربما كانت الدراسة ، أو أشياء أخرى .



حنان :- كيف كانت نتائج مواده في الفصل الماضي ؟.

نور :- الحمد لله ، كان الوحيد من بيننا جميعا الناجح في كل المواد .



كلمات نور أكدت لحنان أنها سبب حزنه ، و همه ، أنها سر تحول جمال لهذا الحال ، فهمت و حزنت و خنقتها عبرة حزن لا ترغب في أن تعرفها نور ، ربما كانت عبرة الشعور بالذنب ، او الحزن على سوء حال من تحب .



نور :- لما صمتك ؟.

حنان :- لم أعد أفهم يا نور ، لم أعد أفهم جمال أبداً ، أحس بأني سبب همه و غمه ، لكن لا أعرف كيف ، لا أعرف ما الذي فعلته له حتى يصبح على ما هو عليه ، لا أعرف أين خطئي .

نور :- لا تحملي نفسك سبب ألم غيرك ، فأنت حسب علمي لم تخطئي في حقه أبدا .

حنان :- لكن في لقائنا الأخير أشعرني أني سبب حزنه و همه .

نور :- لم يخبرك بذلك حرفيا ، أنت من فهم الأمر .

حنان :- نعم هذا صحيح.

نور :- هوني عليك ، و لا تلقي باللوم على نفسك ، إذا كان هناك ما أزعجه منك ، و جعله على هذا الحال ، و كان سبب عدم إتصاله بك ، فسوف نعرف الأمر غدا في القريب إن شاء الله .

حنان :- نعم ، سنعرف هذا في الوقت المناسب .









يتبع...



11



ما زال الإتصال جاري بين الصديقتين حنان و نور ، لكنه بدأ يأخد شكلا آخر ،

فحنان تفكر في أمر ما ، و ترغب في إستشارة نور .



حنان :- أفكر في الإتصال به ، و السؤال عن حاله و أخباره ، و معرفه ما خطبه ، ليطمئن قلبي ، لكن ….



تصمت حنان و لا تكمل كلماتها .



نور :- لكن ماذا ؟، أكملي كلامك.

حنان :- أخشى ردة فعله ، أخشى أن تصدمني ردة فعله ، فشهور من عدم الإتصال لا أعرف سببها ، و لا دوافعها ، و لا غرضه من ورائها ، قد يأتي إتصالي بردة فعل تزعجني و لا أعرف عواقبها .

نور :- و الحل ؟، ما الحل برأيك الآن؟.

حنان :- سأنتظر حتى نلتقي في الجامعة ، و أخاطبه وجها لوجه ، و أفهم منه الأمر بالكامل ، إن كان للأمر علاقة بي و أمككني إصلاح الأمر و حل المشكلة سأحلها إن شاء الله .

نور :- و إن لم يكن لك علاقة بالأمر ؟.

حنان :- سيرتاح قلبي و أعرف أني لست سبب حزنه ، و أحاول أن أهون عليه و أن أزيح بعضا من همه .



يفتح باب الغرفة لتدخل فرح في صمت ، و تقف بجوار الباب متكأة على الحائط ، ترمق أختها حنان بنضرات طفولية ، بينما حنان مازالت تخاطب نور .



نور :- إن شاء الله يتم اللقاء في أقرب فرصة ، لترتاحي و تريحيني معك.

حنان :- أسبوع آخر و أعود إلى الكلية و حينها سأبحث عن جمال و أفهم منه ما يجري له .

نور :- حتى ذلك الوقت لا أريدك أن تحملي نفسك أكثر مما تتحمل ، تذكري أنك ما زلت مريضة ، و قلبك لا يتحمل الضغوط النفسية .

حنان :- أعلم هذا .

نور :- إرتاحي الآن ، و عندما نلتقي يكون لكل حادت حديث .

خنان :- إن شاء الله ، أسبوع آخر ، فقط سبعة أيام من اليوم و نكون معا إن شاء الله .

نور :- مع السلامة ، و في أمان الله .

حنان :- في أمان الله.



تغلق حنان سماعة الهاتف ، منهيتا بذلك إتصالها مع صديقتها نور.

أشعرها الإتصال ببعض الراحة ، رغم أنه جلب لها أخبارا لا تسر عن جمال و عن تبدل حاله للأسواء .

تلتفت حنان لفرح ، و تمد لها يدها داعيا لها أن تجلس معها على سريرها ، لكن فرح وضعت يداها خلفها رافضتا بذلك أن تنضم لحنان و أحنت رأسها للأرض ، فما كان من حنان إلا أن نزلت من على سريرها لتفهم سبب رفض نور لطلبها ، فإقتربت حنان من نور ، رأت في عينيها حزنا و دمعا ، مسحت دموعها بيديها و ضمتها إليها و قالت لها.



حنان :- إسمك فرح ، تذكري هذا ، و لا أرغب في رؤية دموع حزن على وجهك ، هيا إبتسمي و أريني كيف يكون الفرح .



إبتسمت فرح ، و جلست الأختان معا على السرير ، و بينما كانت حنان ترتب كتبها و أوراقها المبعثرة على السرير ، لتأتي كلمات فرح الطفولية مانعتا حنان من إنهاء عملها و كاشفتا لها عن سبب حزنها .



فرح :- أختي حنان ، لا تتعبي نفسك في ترتيب الكتب .

حنان :- لماذا ؟.

فرح :- لأنك لن تذهبي للجامعة الأسبوع القادم .

حنان :- و أين سأذهب ؟.

فرح :- يقول أبي إنكما مسافران الأسبوع القادم ..


يتبع...


12



سافرت هذه المرة و هي راضية و سعيدة ، لم تكن خائفة كالمرة السابقة ، فسبب الزيارة ، مراجعة الطبيب ، و إجراء بعض الكشوفات الروتينية فقط .



بعد إنتهاء زيارات الطبيب ، قررت أن تعوض ما فاتها في المرة الماضية ، فخرجت هذه المرة في كل شوارع البلاد ،و لم تترك ركناً لم تذهب إليه ، قضت وقتها في التسوق و زيارة الأماكن السياحية ، و المنتزهات ، و المقاهي ، أحبت البلاد هذه المرة ، لأنها تختلف عن المرة السابقة ، كان جوها رائعا ، ربما لأن حنان مرتاحة البال أو أن ماكان يخيفها في المرة السابقة زال .



أثناء نزهتها دخلت حنان و والدها إلى محل لبيع الحلي ، و قفت في قسم خواتم الرجال ، أرادت أن تشتري خاتما أعجبها ، لكن لمن سيكون الخاتم ؟.



حنان:- أبي ، سأهديك هدية .

الأب:- هدية!، و من أين لك المال لشرائها؟.

حنان :- من مالك .

الأب :- من مالي تريدين شراء هدية لي !.

حنان :- نعم .

الاب :- و ما هي الهدية التي سأدفع ثمنها ؟.



تشير حنان لأحد الخواتم المعروضة .



حنان :- هذا الخاتم .

الأب :- ماذا ؟ ، هذا خاتم جميل ، لكن هل هو فضة أم ذهب أبيض؟ ، سأرى وزنة ، و هل يسمح لنا نحن الرجال المسلمين بإرتدائه .



الأب يكلم الصائغ ، بينما يأخذ الصائغ الخاتم و يزنة و يثمنه ، كان الخاتم من الفضة المخلوطة ، به حجر أسود مصقول مربع الشكل ، ليس غالي الثمن ، لكنه جميل و مميز .

أخذ الأب الخاتم بعد أن وضعه البائع في علبة خاصة و غلفه بغلاف أنيق جدا لتغليف الهدايا ، و أعطاه لحنان ، قامت حنان بوضع العلبة في حقيبة يدها و خرجا معا من المحل متجهين للمقهى الموجود في نهاية الشارع .



أثناء جلوسهما في المقهى أخرجت حنان علبة الخاتم من حقيبتها و قامت بفتح العلبة ، و ألبست والدها الخاتم ، و هي تقول .



حنان :- أبي ، هذا الخاتم ألبستك إياه ، و لا أريدك أن تنزعه أبداً .

الأب :- حسنا يا إبنتي ، كما تريدين ، هذا الخاتم لن أنزعه ، إلاّ في حالة واحدة .

حنان :- متى؟.

الأب :- سأنزعة و أعطيه للشخص الذي يستحق أن يكون ولي أمرك .

حنان :- و من يكون ولي أمري غيرك ؟.



كان الأب يتأمل الخاتم و يفكر في صمت ، ثم إبتسم لحنان و قال.



الاب :- أسمعي قصة الخاتم.

حنان :- و هل للخاتم قصة؟.

الأب :- نعم ، فهذا الخاتم مسحور .

حنان :- مسحور؟، كيف ؟.

الاب :- نعم ، سحرته أنت منذ أن رأيته و أعجبك.

حنان :- وما سحره ؟.

الاب :- كل من يلبس هذا الخاتم يصير مسئولا عن الأميرة .

حنان :- و من هي الأميرة ؟.

الاب :- أميرتي الصغيرة ، أنت يا ابنتي .

حنان :- لم أفهم الأمر .



يضحك الأب ، و يكمل كلامه .



الاب :- ستفهمين في الوقت المناسب.



ترفع حنان بصرها إلى الطاولات المجاورة و تكلم والدها .



حنان :- ماشاء الله ، كل الطاولات مليئة ، و كل الكراسي مشغولة ، إلا هذا الكرسي هنا .



و أشارت بيدها إلى الكرسي الفارغ الذي كان موجودا على طاولتهم.

جال الأب بنظره في المكان و أبتسم و قال لها .



الأب :- ربما كان نصيب أحد نعرفه .



حنان :- و من هذا الذي نعرفه و سيأتي الآن و يشاركنا الجلوس على الطاولة؟.

الأب :- أنظري ورائك .



إلتفتت حنان ورائها لترى شخصاً تعرفه ، نعم هو من تعرفونه ، إنه أمان ، كان يجول في المكان حاملا كوب من القهوة و جريدة و باحثا عن كرسي فارغ يجلس عليه ، لكنه لم ينتبه لها ، سألت والدها و كأنها لم تكن متأكدة مما تراه .



حنان :- هذا أمان أم أنني مخطئة؟.

الأب :- نعم هو أمان ، يبدو أنه يبحث عن كرسي فارغ ، و لا يوجد سوى هذا الكرسي الفارغ ليجلس عليه .

حنان :- هل رآنا ؟، هل هو آتي نحونا ليجلس معنا ؟.



لوح الأب بيده مشيرا لأمان ، الذي رد عليه بدوره مجيبا دعوته ، ها قد وصل أمان إلى الطاولة و وقف بجوارها .



أمان :- السلام عليكم .

الأب :- و عليكم السلام .

حنان :- صباح الخير .

أمان :- صباح النور .

حنان :- كيف حالك ؟.

أمان :- الحمد لله .

حنان :- و حال والدتك ؟

أمان :- الحمد لله .

الأب :- تفضل بالجلوس يا بني .

أمان :- شكرا ، اليوم المقهى على غير العادة ، مليئ جدا .

الأب :- نعم ، فلا توجد كراسي فارغة .

أمان :- كل يوم في هذا الوقت آتي هنا و أشرب فنجان القهوة و أقرأ الجريدة ، لا أتذكر أني وجدت المكان مزدحم إلى هذا الحد قبل الآن .



كانت حنان فرحة جداً لأنها رأته ، و يبدو عليه أنه نسي ما حدث بينهما ، تذكرت كلمات أمها بالسؤال عن إسم والدته ، فسألته عنها.



حنان :- ما أسم والدتك ؟

أمان :- نجاح ، السيدة نجاح ، لماذا سؤالك؟.

حنان :- والدتي تقول أنها تعرفها ، هي سيدة طيبة كما تقول أمى عنها.



أمان لم يضف حرفا واحداً ، فقد كان يشرب القهوة في هذه الأثناء ، ففهمت حنان أنه لا يرغب في الحديث معها ، فإلتزمت الصمت .



الأب :- لم أنت هنا ؟، هل صحة الوالدة جيدة ؟.

أمان :- نعم الحمد لله ، هي في صحة جيدة .

الأب :- و أين هي ؟.

أمان :- في بلادنا .

الأب :- إذن لم تكن هي سبب قدومك إلى هنا هذه المرة ، لما أنت هنا ؟.

أمان :- للعمل ، فبعد وفاة والدي لم أهتم لأعماله خارج بلادنا ، لكن الآن عرفت أنه يملك عملاً هنا ، و أتيت لأعرف طبيعة عمله و ما يملك ، و لأديره إن إستطعت ، و إلا سأكلف أحدا ذو خبره ليديره عني.

حنان :- متى ستعود إلى الوطن ؟.

أمان :- بعد يومين .

حنان :- جيد ، و نحن أيضا بعد يومين ، قد نلتقي في نفس الطائرة .

أمان :- إن شاء الله .



إنتهى اللقاء بينهم على وعد باللقاء في الطائرة ، و العودة معا إلى أرض الوطن ، فكان لها ما تريد .



يتبع...






13



بعد أشهر قليلة ، حل فصل الشتاء ، و إقترب معه موعد بداية الفصل الجديد و الدراسة ستبدأ ، الآن سُمح لحنان بمتابعة دراستها الجامعية ، كانت سعيدة بعودتها للجامعة ، لأنها سترى صديقاتها و زملائها بعد غياب دام 6 أشهر ، و كانت فرِحة أكثر لأنها ستلتقي بجمال .



في الليل ، لم تستطع النوم ، تتحدث مع أختها عن شوقها لرؤية أصدقاء الجامعة ، للعودة لقاعات الدرس ، تتكلم عن جمال ، و عن الورقة التي كتبتها ، تقول لها هل وفى بوعده لي بعدم فتح الورقة ، أم أنه فتحها و قرأ ما فيها؟ ، غداً سأجمع نصفي الورقة معاً إن شاء الله ، فبعد غياب دام ستة أشهر سنلتقي من جديد ، و أعرف سبب حزنه و همه ، و نحل كل المشاكل العالقة ، و يعود كل شيء كما كان .



تخاطب حنان أختها لكن فرح الصغيرة لم تفهم شيء فنامت أثناء حديثها .



في الصباح كان الجو غائماً ، ماطراً ، لكن حنان لم تهتم ، لبست ثيابها و لم ترتدي معطفها ، نسيت ذلك من شدة فرحتها ، و عند و صولها للجامعة سارت في الممرات تبحث عَن مَن تعرفهم ، وجدت عدداً منهم ، سألت عن البقية أخبروها بأنهم غادرو الجامعة إما للدراسة في مكان آخر أو للاخراط في سوق العمل، سألت عن جمال لكنها لم تجده ، قابلت صديقه المقرب محمد، رآها و قد بانت عليه ملامح الإستغراب واضحة.



حنان :- السلام عليكم .

محمد :- و عليك السلام و رحمة الله .

حنان :- صباح الخير .

محمد :- صباح النور ، أهلا بك .

حنان :- كيف الحال و الأخبار ؟.

محمد :- الحمد لله ، نحن بخير ، أنت كيف حالك ؟.



كان سؤاله غريبا و كأنه يسأل عن شيئ آخر أو شيئ محدد مبهم لم تفهمه ، أجابت رغم أنها لم تفهم قصده.



حنان :- الحمد لله ، أنا في صحة جيدة .



سكتت قليلاً ، و كأنها تنتظر أن يتكلم هو ، لكنه لم يتكلم ، فتكلمت هي .



حنان :- أين جمال ؟.

محمد :- تسألين عن جمال ؟.

حنان :- نعم ، و ما الغريب في سؤالي؟.

محمد :- لا ، لا شيئ .

حنان :- أين هو ، و كيف حاله ؟.

محمد :- تجدينه في قاعة الدرس ، هذه ساعة خروجه و إنتهاء المحاضرة ، ستجدينه الآن خارجا منها ، إنتظري هنا ، سوف يأتي إلينا فيما بعد .

حنان :- لا ، سأذهب أنا إليه ، أريد أن أفاجئه .

محمد :- سيتفاجأ حتى إن بقيتي هنا ، فرؤيتك ستفاجئه.



لم تهتم لكلامه ، و لم تفكر فيما يخفي بين حروفه ، لكنها ذهبت رغم أنه حاول منعها .



سارت بخطى سريعة ، أرادت أن تراه بسرعة ، أن ترى عينيه ، أن تسمع صوته ، و أن و أن و أن ، أشياء كثيرة تذكرتها في طريقها إليه ، رغم بعد المسافة ، و المطر المتساقط ، لكنها لم تشعر بالبرد ، لم ترد لهذه القطرات الباردة أن توقفها ، أخيراً وصلت إلي المكان ، تخيلت أن يكون المكان مزدحما بالطلاب ، لكن لا أحد لأنه أول يوم دراسي، دخلت لأول قاعة ، و لم تجد أحد ، و دخلت للقاعة الأخرى أيضا لم تجد أحداً ، خرجت من المكان و هي تقول سأجده في مكان ما هنا ، أحست أنها ستراه هنا ، لاحت ببصرها في الخارج من خلال الباب الزجاجي ، رأت شيئا أسعدها ، ها هي سيارته الحمراء ، نعم ها هي ، لم تتغير ، لم يغير طريقة ركنها و لا مكانه ، مازال يركنها تحت الشجرة البعيدة ، لكن هل هو بداخلها ، أم لا ؟، كانت تفكر و تمعن النظر ، أرادت أن تتأكد قبل أن تمشي إليها ، تقدمت بضع خطوات ، رأت خيالاً يتحرك داخل السيارة ، عرفت أن فيها أحد ، الجو ماطر ، و السيارة بعيدة ، و الشمس غائبة ، و الظلام شبه مخيم على المكان ، مما منعها من الرؤية جيداً ، ترددت في التقدم ، لكنها رأت أن هناك غيره في السيارة ، ترى من يكون ؟، فصديقه محمد في مكان آخر ، فكرت في مَن معه ، من يكون ؟، أهو صديق جديد ؟ ، لن تتراجع الآن ، فقد قطعت كل تلك المسافة لتراه ، و الآن ها هو أمامها ، تفصلها عشرات الخطوات فقط ، تقدمت بخطى تابثة ، أرادت أن تفاجئه ، و في كل خطوة تخطوها تركز أكثر فأكثر في الرفيق الذي لم تعرفه ، لم تكن الكراسي مقابلتاً لها ، فقط كانت ترى خلفية السيارة ، و رؤوس الجالسين ، و أيديهما التي تتحرك بينهما ، إقتربت أكثر ،فأكثر ،فأكثر ، صارت قريبة و إستطاعت أن تميز من يجلس معه ، لكنه لم يكن مع أحد تعرفه ، بل كان مع فتاة ، صدمها ما رأته ، فتاة لم ترها من قبل ، تجلس معه و حيدة في السيارة ، تتكلم معه بكل حرية ، و قد أسدلت غطاء رأسها على كتفها ، هنا اقتربت حنان من السيارة ، أرادت أن تتأكد مما تراه عيونها، إقتربت من نافذة السائق ، و ها هو جمال يمسك كلتا يدي مرافقته ، و يقبلهما ،حاولت تكذيب عيونها لكن ما رأته صحيح ، نعم ، قبلهما ، لقد رأت حنان كل ذلك ، لم تصدق ما رأته ، هذا الذي عرفته و كانت ستحبه، كان ذئبا بشريا يصطاد النعاج ، لم تعرف ماذا تفعل ، هي تقف جارجا ، و هما معا في السيارة ، يمارسان مهزلة الزمن ، اليوم قبل يديها و هذه البداية فقط ، فماذا بعد ؟ ، أرادت أن تفعل شيئا ، تمالكت نفسها و رفعت يدها و دقت دقات قوية على زجاج السيارة التي كانت تقف و راءه ، كانت تقف قريبة من جمال و لكنه لم يرها ، و بعد دقاتها التي أحست أنها إستمرت دهراً من الزمن ، إلتفت إليها جمال و نظر إليها كأنه ينظر إلى ملك الموت ، كان مصدوماً ، بقيت عيونهما معلقة معا لفترة من الزمن ، ساد الصمت المكان ، قالت الكثير بعيونها ، يكفي أنا أحتقرته ، لم تعرف ماذا تفعل ، إنطلقت تجري بعيداً ، إختلطت دموعها بالمطر فصارت تبكي كما تبكي السماء ، تسمعه ينادي إسمها لكنها لم تلتفت إليه ، تشعر به يجري خلفها و يتبعها، لكنها لم تبالي به ، يحاول اللحاق بها ، لكنها هربت ، مع كل هذا و قلبها المريض لم يتحمل كل هذا الإنفعال و البرد ، تبللت كل ثيابها ، فباتت كقطة مبللة ترتعش خوفاً و برداً ، أحست بوخز في قلبها ، بضعف في ساقيها ، كانت ستقع ، لكنها أكملت طريقها بعيداً عن مكان جمال ، كانت في حاجة للمساعدة ، دعت الله ان يرسل لها من يساعدها ، لا يهم من يكون المهم أحد يساعدها ، تقدمت في خطوات صغيرة ، إلي مكان دافئ بعيداً عن المطر و الريح و الأهم بعيداً عن جمال . وصلت أخيراً إلى مكان به أحد ، لم تميز من رأته ، لكنها رأت شخصا طويلا يرتدي معطفا جلديا أسود ، إقتربت منه ، إلتفت إليها مبتسما ، فرحت جداً لأنه لم يكن إلاّ أمان ، إقتربت منه ، مدت يدها تطلب المساعدة ، قبل أن تنهار .



يتبع…

14



أخيرا وصلت إلى الأمان ، إلى مكان به أحد ، لم تميز من رأته ، لكنها رأت شخصا طويلا يرتدي معطفا جلديا أسود ، اقتربت منه ، إلتفت إليها مبتسما ، فرحت جدا لأنه لم يكن إلاّ أمان ، اقتربت منه ، مدت يدها تطلب المساعدة ، قبل أن تنهار ، بدى على وجهه ملامح القلق بعد أن رأها.



حنان :- امان ، ساعدني .

امان :- ما بك ؟.

حنان :- أشعر بالبرد ، و قلبي يؤلمني .

أمان :- لماذا فعلتي هذا بنفسك ؟، و جهك شاحب.



اقتربت حنان كثيرا من أمان ، كانت ستقع ، لم يعرف ماذا يفعل ، لكنه احتضنها برفق ، و ساعدها للدخول لمكان دافئ .

كان عدد من الطلاب و الطالبات التي لم تكن تعرفهم في المكان ، الكل ساعد حسب مقدرته ، منهم من أحضر شراب ساخن ، الآخر أحضر حلوى غنية بالسكر ، منهم من جلب مقعدا لتجلس ، و أمان نزع معطفه و ألبسها إياه ، كان الجميع ملتف حولها ، أرادت أن ترتاح و تشعر بالأمان ، أرادت الهدوء ، طلبت ذلك ، فكان لها ما طلبت ، جلست هي و أمان في مقعد واحد ، يمسك كفيها المثلجتين يحاول تدفئتها ، يكلمها لكي لا تغيب عن الوعي ، عرض عليها أن يعيدها بسيارته للمنزل ، رفضت و اكتفت باجراء مكالمة هاتفية لوالدها .



استمرت على هذه الحالة برهة من الزمن ، تشعر بالنعاس و في حاجة للنوم ، الخدر يتسلل لجسمها رويدا رويدا ، أصبحت أصابعها زرقاء اللون و كذلك شفتيها ، و جهها أبيض كلون الثلج ، و كأنه خالي من الدماء ، كانت ترتجف و اسنانها تطقطق ، إقتربت من أمان بحثا عن الدفئ ، و كأنها عصفور خائف يبحث عن الأمان، و في هذه الأثناء مر بهم جمال ، يبدو عليه أنه كان يبحث عن شيئ ضاع منه و وجده أخيرا ، كان يريد الاقتراب ، لكنه لم يستطع ، و قف بعيدا يراقب ما يجري ، لاحظة أمان ، فأعلم حنان بالأمر .



أمان :- أليس هذا صديقك ؟.

حنان :- كان.

أمان :- هل أناديه ليكون معك ؟.

حنان :- قلت كان .

أمان :- ماذا حدث ؟.



رفع رأسها إليه ، و أراد أن يرى عينيها عله يفهم شيئا ، لكنها أشاحت بنظرها لتترك رأسها يرتاح على كتف أمان ، رأي جمال كل هذا ، و لم يتمالك نفسه ، ضرب قدمه بالحائط ، تألم و غادر المكان .



بقيت حنان على حالتها فترة من الزمن ، مازال أمان يمسك كفيها ، و يجعل من كتفه متكأ لرأسها ، كانت ملتصقة به حتى صار يسمع صوت دقات قلبها الخائف، قطع سكونهما إتصال ، والدها كان المتصل ، أخبرها عن وصوله للجامعة ، و طلب منها الخروج ، لم تكن تقوى على الوقوف ، حملها أمان للخارج ، أوصلها للسيارة استغرب والدها الأمر .



الأب :- ما بها ؟

أمان :- مشت في المطر ، بللت ثيابها ، و قلبها ضعيف .

الأب :- شكرا لك على المساعدة .

أمان :- هذا واجبي .

الأب :- بارك الله فيك .



تحاول حنان نزع معطف أمان عنها ،لترجعه له.

امان :- لا تنزعي المعطف ، أتركيه معك.

حنان :- أنت الآن في حاجته ، أخاف أن تمرض .

أمان :- لن أمرض ، فلست من يمشي تحت المطر في هذا الوقت.



غادرت حنان المكان ، و في قلبها مرض و حزن ، لم تكن في صحة جيدة ، ففي كل مرة تفكر بجمال يزداد كرهها له ، فكرت في كلمات محمد ، و جدت أنه مشارك معه في الجريمة ، بكيت على الأيام التي قضتها و هي تفكر فيه ، بكيت على كل مرة نطقت إسمه ، بكيت على غبائها لأنها لم تفهم ماذا يريد .





يتبع...





نهاية الجزء الثاني






15 (3)




استمر حزن حنان فترة لم تذهب فيها للجامعة ، لم تغادر منزلها ،لم تجب على اتصالات أصدقائها ، بقيت حزينة و حيدة ، لم ترغب في فعل أي شيئ سوى إعادة ترتيب أوراقها وحدها دون إعلام أحد بما جرى ، كل محاولات أهلها لاخراجها من وحدتها كان مصيرها الفشل ، استمرت على هذا الحال أيام معدودة إلى أن أتى زائر مرغوب فيه ، جاء لزيارتها ، لأنها لم تذهب للجامعة ، جاء إليها ليطمئن على حالها .



دخل والدها غرفتها ، و جدها شبه نائمة ، فدعاها للخروج.



الأب :- حبيبتى ، أمان في غرفة الضيوف ، جاء ليراك .



ترد عليه بصوت ناعس كسول و هي تسحب غطائها و تغطي به رأسها .



حنان :- لا أريد الخروج من غرفتي ، فقط أريد أن أنام.

الأب :- هيا بنا يابنتي ، أمان جاء ليراك و يطمئن على صحتك .

حنان :- يمكن أن تقابله أنت و تخبره أني بصحة جيدة .

الأب :- هو يريد أن يراك ، هيا انهظي.



إتجه والدها إليها و سحب الغطاء من على رأسها ، حنان عرفت بأن والدها جاد هذه المرة في طلبه ، و يجب أن تخرج حتى لو لم ترغب في الخروج.



حنان :- كما تريد سأخرج لكن أمهلني بعض الوقت لأعد نفسي و أرتدي ثيابا لائقة .

الأب :- حسنا، لكن بسرعة.



بعد دقائق وفت حنان بوعدها لوالدها ، دخلت إلى غرفة الضيوف ، و هي تحمل فناجين القهوة التي أعدتها، الكل كان يجلس هناك ، والدها ، والدتها ، حسام و فرح ، و معهم أيضا أمان ، ألقت السلام و قدمت القهوة ، بحثت عن كرسي فارغ لتجلس عليه ، لم تجد سوى الكرسي المجاور لأمان ، فجلست عليه ، و بدأ الحديت حولها .



أمان :- و كيف حالك يا حنان ؟.

حنان :- الحمد لله ، و أنت كيف حالك ؟.

أمان :- الحمد لله.

حنان :- كيف حال أسرتك؟، أخواتك و والدتك؟.

أمان :- الحمد لله ، جميعهم يرسلون سلامهم لك .



انتهى الحوار التقليدي ، و بدأ غيره .



أمان :- لماذا لم تذهبي للجامعة ؟ .

حنان :- لا رغبة لي .

الأم :- هي هكذا منذ ذهابها آخر مرة للجامعة ، لا ترغب بالخروج من غرفتها ، و لا ترغب بالحديث مع أحد .

أمان :- لماذا ؟.

حنان :- لا يوجد سبب ، فقط لا رغبة لي .



أمان يعرف أنها لا تصدقهم القول ، لا بد أن شيئا ما حدث قبل أن يجدها مبللة ذاك اليوم ، لكنه لا يعرف ما هو .



أمان :- ومتى ستذهبين للجامعة ؟.

حنان :- لا أعرف ، قد لا أذهب في هذه الفترة .

أمان :- و دراستك ، ماذا سيحل بها ؟.

الأب :- حنان لا رغبة لها في الدراسة هذه الفترة ، أرى من الأفضل لها البقاء في المنزل و التوقف عن الدراسة هذا الفصل أيضا ، فهذا سيريحها كما أوصاها الطبيب .

حنان :- هذا حل يناسبني ، أبي أيمكن أن تذهب أنت أو حسام لإتمام إجراءات إيقاف القيد لهذا الفصل؟.

أمان :- لماذا يذهبان ، يمكنني أن أجريها .

الأب :- لا نريد أن نتعبك يا بني ، سيذهب أحدنا لذلك .

أمان :- لا تتعبوا أنفسكم ،أذهب كل يوم للجامعة و أستطيع القيام بكل الإجراءات .

الأب :- انتهى كلامي يا ولدي ، لك ذلك .

حنان :- شكرا لك .



بدأت الصغيرة فرح تسأل أمان بفضول .



فرح :- هل عندك إخوة و أخوات ؟.

أمان :- نعم ، عندي أربع أخوات ، إيمان أكبر مني ، و آمنة أصغر مني ، و أمنية أصغر من آمنة ، و أماني هي أصغرنا .

فرح :- أحضر معك أماني في المرة القادمة حتى ألعب معها .



ضحك الجميع من كلمات فرح ، فمازالت طفلة و كل همها لعبها و من يلعب معها .

سألت فرح سؤالا آخر .



فرح :- أمان ، من أنت ؟.



ضحك الجميع من سؤالها بصوت أعلى ، تجلس معهم منذ البداية و تسأله و لا تعرف من يكون .

أجابها أمان بجواب يفهمه عقلها الصغير .



أمان :- أكون صديق أختك حنان ، أتعرفين معنى كلمة صديق ؟.

فرح :- نعم هو من نلعب معه دائما في المدرسة.



رسم جوابها الطفولي إبتسامة على وجه الجميع ، قامت فرح من مكانها و إتجهت نحو أمان وقفت بجواره ،فرفعها لتجلس في حضنه ،و هي تكلمه .



فرح :- عندي أصدقاء كثر ، شهاب ، نوال ، أسامة ....................



كانت قائمة أصدقائها طويلة و فرح تشير إلى أصبع من أصابع يدها كلما ذكرت إسما، حتى أنها أنهت العد و كررت الأسماء أكثر من مرة .

أمان يحاول أن يسمعها بكل اهتمام واصغاء ، يشاهدها و هي تحرك يديها و تتكلم عن أصدقائها أو من يدرسون معها في الصف ، كل أطفال المرحلة الإبتدائية يحسبون كل زملاء الصف أصدقاء لذلك كانت القائمة طويلة ، و في منتصف الكلام سكتت فرح و كأنها نسيت شيء ، نظرت إلى أمان و قالت .



فرح :- أمان ، هل تجلس مع أختى حنان في نفس المقعد؟ ، و تدرسكما نفس المعلمة؟ أنا لم أسمع عنك من قبل .

أمان :- لا ، نحن لا نجلس في الجامعة معاً ، ندرس معاً لكني عرفتها خارج البلاد قبل شهور فقط .



فرح تذكرت شيئا ، نزلت بسرعة من مكانها، غادرت الغرفة مسرعة و كأنها تريد احضار شيئ ما ، دقائق وعادت من جديد و معها كيس كبير تجره و رائها على الأرض عندما تمشي ، دخلت الغرفة ، اقتربت من أمان ، و رمت الكيس أمامه و قالت .



فرح :- عرفتك ، أنت صاحب المعطف الأسود الثقيل ، حكت لي أختي عنك .



أمان لم يفهم شيئ ، حمل الكيس و فتحه ، و جد معطفه و قد ثم غسله ، و بانت على وجهه علامات الحزن.



الأم :- ما بك يا أمان ؟ ، لم كل هذا الحزن يا ولدي؟.

حسام :- لا بد أن فرح أزعجته بتصرفها .

أمان :- لا ، لم تزعجني .

الأب :- إذن مابك ؟.

أمان :- هذا المعطف كان لوالدي ، و كان يعبق بعطره و رائحته ، كنت أرتديه ليشجعني و لأشعر أنه معي ، و الآن ضاعت الرائحة و معها الذكرى و أصبح كأي معطف آخر.

حنان :- آسفة جداً ، أردت أن أشكرك على ما فعلت معي ، فأرسلت المعطف للمغسلة و تم غسله ، لم أعلم بما يحمله من ذكرى.



قطع أمان الحديث الذي تحول إلى حديث الذكريات ، نظر إلى ساعته ، و بحجة أنه على موعد مهم بعد قليل ، استأذن و خرج من المنزل مودعاً كل من فيه على وعد بأن يزورهم مرة أخرى.





يتبع...


16



وَفَى أمان بوعده و زار منزل حنان هو و عائلته ، و بالمقابل زارت عائلة حنان عائلة أمان في منزلهم ، و بمرور الوقت و تعدد الزيارات أصبحت العلاقة بين العائلتين أكثر من كونها معرفة سفر، والدة حنان عادت هي و السيدة نجاح إلى ذكريات الصبا و أيام الدراسة ، أمان أصبح فرداً من العائلة ، و صديقهم جميعاً ، و خاصة الصغيرة فرح ، كان يقدم بعض المساعدة لحنان في دراستها فقد بدأ الفصل الدراسي الجديد و عادت حنان للدراسة بمساعدة أمان الذي سبقها بفصلين دراسيين ، يقدم والد حنان يد العون و المشورة لأمان في العمل، حسام تعرف على أمان عن قرب ، و الفتيات اشتركن معاً في نشاطات مختلفة أثناء الزيارات المنزلية .



أمان و جميع أفراد أسرته زوار لبيت حنان ، زيارة اليوم كانت كباقي الزيارات ، و في نهاية الزيارة قامت حنان بإيصال الضيوف لباب المنزل، كان معها حسام و قبل أن يغادروا قال لها .



حسام :- حنان ، ألم ترغبي في الخروج اليوم و شراء الكتاب ؟.

حنان :- نعم أرغب في ذلك .

حسام :- هيا إذهبي و جهزي نفسك بسرعة .

حنان :- دقائق و أكون جاهزة للخروج .



و قبل أن تغادر حنان مكانها و تدخل للبيت، سألها أمان الذي سمع كلمات حسام .



أمان :- أي كتاب تريدين ؟.

حنان :- كتاب للمنهج.

أمان :- و ما إسمه ؟.

حنان :- كتاب الدكتور عبد الرحمن حموده .

أمان :- الكتاب الأحمر الكبير.

حنان :- نعم .

أمان :- أملك نسخة منه اشتريتها العام الماضي .

حنان :- هل مازلت تملكها ؟.

أمان :- نعم ، فلم أعر كتبي لأحد .

حنان :- هل يمكنني استعارته ؟.

أمان :- لا ، لا يمكنك استعارته .

حنان :- لماذا؟.

أمان :- لا يمكنك إستعارته ، لأنه سيكون ملكك ، سأعطيك إياه .

حنان :- شكراً لك ، أرحتني من مشوار البحث عنه.

أمان :- غداً ، في الجامعة سنلتقي و أعطيك الكتاب إن شاء الله.

حنان :- إن شاء الله .



في اليوم التالي حنان تنتظر أمان في إحدى ممرات الكلية ، ، اليوم سيلتقيان و سيعطيها الكتاب كما قال لها بالأمس ، لكنه تأخر جداً ، إنضمت نور لحنان و إقترحت أن يذهبا معا للبحث عن أمان ، فربما كان ينتظرها في مكان آخر ، مرت الصديقتان في كل الممرات ، بحتث في كل القاعات لكنهما لم تجداه ، تحاول حنان الاتصال به لكنه لا يجيب ، تسئل عنه أصدقائه لكنهم لا يعرفون مكانه ، لا يعرفون سوى أنه مختفي عن الأنظار منذ الصباح و لم يأتي للجامعة ، و لا يجيب على هاتفه النقال ، ولا أحد يعلم أين هو .



حنان بعد عودتها إلي البيت اتصلت بالسيدة نجاح ، والدة أمان .



حنان :- السلام عليكم.

السيدة نجاح :- و عليكم السلام يا إبنتي .

حنان :- كيف حالكم ؟.

السيدة نجاح :- الحمد لله ، كيف حال عائلتك؟.

حنان :- الحمد لله ، هل يمكن أن أكلم أمان يا خالتي؟.

السيدة نجاح :- للأسف أمان خارج المنزل.

حنان :- متى سيعود؟.

السيدة نجاح :- لا أعلم ، ربما بعد أسبوع أو أكثر .

حنان :- أ هو مسافر؟.

السيدة نجاح :- لا ، فقط أراد أن يذهب في رحلة لوحده بعيداً عن الجميع ، لا يريد لأحد أن يعرف مكانه ، حتى أنا لا أعرف مكانه .

حنان :- أعاده الله إليك سالماً .

السيدة نجاح :- هل هناك شيء تريديني أن أعلمه به .

حنان :- أردت أن أسئل عن الكتاب الذي طلبته منه بالأمس .

السيدة نجاح :- أعلمني بذلك قبل أن يغادر، و طلب مني أن أخبرك بأنه يمكنك متى شئت أن تأتي و تختاري من مكتبته الكتب التي تحتاجين إليها .

حنان :- شكراً يا عمتي ، سآتي غدا أو بعد غد إن شاء الله لأخذ الكتب عند عودتي من الجامعة .

السيدة نجاح :- نحن في الإنتظار .

حنان :- مع السلامة .

السيدة نجاح :- في أمان الله .



حنان فهمت من هذا الإتصال أن أمراً ما حدث و أبعد أمان عن الجميع ، لكن ما هو هذا الأمر، لا أحد يعلم .

فأمان غائب عن الأنظار ، ليس في البيت ، و لا في الجامعة ، ليس مع أصدقائه ، و لا يجيب على هاتفه ، و حنان تشغل تفكيرها بما حدث له و أين هو؟.



يتبع...


17



حنان :- لما كل هذا الزحام؟.

حسام :- لا أعلم ، بيدو أن هناك مناسبة ستقام هنا .

حنان :- ربما .

حسام :- ها قد وصلنا للعمارة التي تسكن فيها أسرة أمان .

حنان :- لكن لا يوجد مكان لتوقف فيه السيارة ؟.

حسام :- نعم ،السيارات في كل مكان ، و لا يوجد مكان أضع فيه سيارتي ، يجب أن تنزلي بسرعة و تأتي بالكتاب و سأنتظرك هنا .

حنان :- أنزل ، وحدى ؟.

حسام :- نعم وحدك ، هيا بسرعة ، لقد سببت بوقوفي في وسط الطريق إزدحام سير .

حنان :- و أين ستضع السيارة ؟.

حسام :- بعد أن تنزلي سأبحث عن مكان قريب، و إن لم أجد سأدور بها في هذا الشارع و أعود من جديد ، فلا يوجد حل غير هذا .

حنان :- و كيف سأنزل وحدى ؟.

حسام:- إنزلي بسرعة ، و إتصلي بي عندما تصلين للشقة ، و سأتصل بك عندما أكون هنا مرة أخرى ، لكن بسرعة و لا تتأخرى .

حنان :- و هو كذلك إن شاء الله .





نزلت حنان من السيارة ، و إتجهت لمدخل العمارة ، و هي تسئل نفسها عن سبب هذا الزحام ، وَجَدَت بعض المصابيح الملونة تزين مدخل العمارة ، فسألت إحدى الفتيات الصغيرات اللواتي كن وافقات في مدخل العمارة عن السبب .





حنان :- عفوا ، ما سبب كل هذا الزحام و الزينة هنا ؟.

الطفلة :- عرس ، اليوم يقام عرس في عمارتنا .

حنان :- عرس من ؟.





لم تكمل حنان سؤالها حتى نادت الفتيات الطفلة لتلعب معهن ، فلبت الطفلة النداء بكل سرعة ، لتترك حنان دون إجابة لسؤالها .





صعدت حنان بالمصعد إلى الطابق السابع ، حيث الشقة التي تسكنها أسرة أمان ، هناك لم تجد أي إزدحام ، و أي ضجيج ، فعرفت أن الشقق الثلاثة التي في هذا الطابق ليست مصدر ما يجري .



دقت حنان الباب ، و فتحت لها إيمان ، إستقبلتها و أدخلتها البيت .





حنان :- السلام عليكم .

إيمان : - و عليك السلام ، أهلا بك .





تسمع حنان أصوات ساكنات الشقة ، فأمنية تنادي أماني و تسألها عن مكان مجفف الشعر ، أما آمنة كانت تكوي الملابس .



إيمان :- اعذرينا على هذه الفوضى ، فاليوم زفاف إبنة جيراننا و الكل مشغول في إعداد نفسه .

حنان :- لا داعي للإعتذار ، فهذا وضع طبيعي .





إيمان تُعلم أمها بوصول حنان .





إيمان :- أمي ، ها قد وصلت حنان .





السيدة نجاح تخرج من غرفتها لترحب بحنان ، و قد لفت شعرها بلفافات الشعر و دهنت وجهها بكريم أبيض اللون .





السيدة نجاح:- أهلاً و سهلاً بك يا إبنتي .

حنان :- أهلا بك .

السيدة نجاح :- تفضلي يا إبنتي ، لماذا تقفين بالقرب من الباب ؟، و أين حسام ؟.



تتقدم حنان إلى الداخل و قد قامت إيمان بإغلاق الباب و رائها .



حنان :- حسام لم يجد مكان ليضع فيه السيارة ، فقرر أن يدور بها في الشارع و يعود إلى هنا فيما بعد .

السيدة نجاح : كيف حال أمك و كل عائلتك ؟.

حنان :- الحمد لله .





دخلت حنان لداخل المنزل فإتجهت إليها الفتيات ليسلمن عليها ، و بينما كانت السيدة نجاح متجهة إلى جناح النوم دعت حنان لتتبعها .



السيدة نجاح :- من هنا يا إبنتي .





أشارت السيدة نجاح لغرفة طالما أغلقت عندما كانت حنان تزورهم هي و أسرتها .

فتحت السيدة نجاح الباب ، و أضاءت مصباح الغرفة و هي تقول.





السيدة نجاح :- هذه غرفة أمان ، يمكنك أن تأخذي الكتب التي تحتاجين من مكتبته .

حنان :- ألن يمانع أمان دخولي لغرفته ؟.

السيدة نجاح :- لا ، لن يمانع ، هو من سمح لك بذلك قبل مغادرته .





هذه أول مرة ترى فيها حنان غرفة أمان ، لأول مرة تدخلها و تراها عن قرب رغم زياراتها المتكررة لمنزلهم ، دخلت فوجدتها جداً مرتبة ، و كل شيء في مكانه ، وجدت قيتاراً في ركن الغرفة متكئ على ساند أسود اللون ، و جهاز لقراءة الإسطوانات المدمجة ، و مجموعة إسطوانات مختلفة ، ملصق على الحائط لأحد الفنانين لكن يبدو عليه القدم ، سرير مرتب جداً ، طاولة للمطالعة و بقربها كرسي عليه سجادة صلاة مطوية ، نافذة مغلقة و الستائر المعتمة منسدلة عليها ، و ها هي المكتبة مليئة بالكتب و المذكرات و التحف الصغيرة ، وفي أحد الرفوف قلب أحمر اللون محشو زغبي الملمس طرزت عليه كلمة أحبك باللغة العربية ، حملته في يدها تتأمله ، لم ترى في السابق قلبا مثله ، و يبدو أنه نتاج عمل يدوي ، تحسست بأصابعها الكتابة و التطريز الذي عليه ، و قرأت ما كتب على القلب بصوت خافت مسموع .



حنان :- أحبك .





في هذا الوقت كانت قد دخلت إيمان الغرفة حاملة في يدها كوب عصير لحنان ، و سمعتها و هي تقول كلمتها فإبتسمت و سألتها .





إيمان :- لمن قلت أحبك؟.

حنان :- ليس لأحد ، فقط كنت أقرأ ما كتب على هذا القلب .





رفعت حنان القلب الذي في يدها لتريه لإيمان .





إيمان :- هذا القلب مطرز و مصنوع يدوياً ، صنع خصيصا لأمان ، كان هديتها له يوم ذكرى ميلاده .

حنان :- هدية من ؟.





و قبل أن تجيب إيمان رن هاتف حنان ، لتجد أن المتصل حسام ، أجابته بعجالة .





حسام :- هل وصلت إلى الشقة ؟

حنان :- نعم وصلت قبل قليل .

حسام :- و لماذا لم تتصلي ؟.

حنان :- نسيت .

حسام :- هيا إنزلي بسرعة ، فالطريق مزدحم جداً و لا أستطيع الإنتظار أكثر .

حنان :- حسناً ، سأنزل حالاً .





أغلقت حنان هاتفها ، و أعادت القلب مكانه ، و أخذت الكتاب الذي تريد ، و في خروجها من الغرفة شربت كوب العصير جرعة واحدة ، و سلمت على الجميع في عجالة ،و غادرت العمارة مسرعة .







يتبع ...



18



مر أكثر من شهر ، حنان تمشي صحبة صديقتها نور ، و كانتا تسرعا الخطى للوصول لقاعة المحاضرة قبل بدايتها ، رأت نور أمان يجلس بعيداً.



نور :- حنان ، أنظري ، أليس هذا أمان الجالس هناك؟.

حنان :- نعم إنه هو.

نور :- ماذا ستفعلين ؟.

حنان :- تعالي ، سنذهب إليه معاً .

نور :- معاً !، و المحاضرة ؟.

حنان :- إذن سأذهب إليه ، و أنت اذهبي للمحاضرة ، لا تقلقي إن إنتهى النقاش سريعاً سأكون معك إن شاء الله.

نور :- لكن بسرعة فمحاضرة اليوم مهمة و تلخص كل ما سيكون في الإمتحان.

حنان :- حسناً .



افترقت الصديقتان ، ذهبت نور للمحاضرة ، و إتجهت حنان لحيث يجلس أمان وحيداً ، اقتربت منه لكنه لم يشعر بقدومها حتى تكلمت و ألقت السلام ، كان شارد الذهن و يفكر في أمر ما ، يحمل هاتفه النقال و كأنه يرغب في إجراء إتصال لكن هناك ما يمنعه .



حنان :- السلام عليكم .

أمان :- و عليك السلام.

حنان :- كيف حالك ؟، و أين كنت ؟، قلقنا جميعا عليك.



يبدو أن أمان لا رغبة له في أن يخاطب أحداً ، و يحاول أن يغير مسار الحديث هربا من الإجابة على أسئلتها .



أمان :- أ ليس هذا و قت المحاضرة ؟، هيا إذهبي و لا تضيعيها .

حنان :- لن أذهب حتى أعرف أين كنت ؟، و لماذا اختفيت؟.

أمان :- هيا إذهبي ، لا رغبة لي في الحديث مع أحد .

حنان :- هل أكون أي أحد بالنسبة لك ؟، هل نسيت أني حنان ، صديقتك المقربة ، هيا أخبرني قبل أن أذهب ، فإن ذهبت لن أعود ، و سأصبح كأي أحد.



أحست أنه يخفي شيئا آلمه في نفسه ، لكنها لا تعرف ما هو ، بحتث في شكله علها تجد تغيراً يدلها على السبب أو أي شيء غريب قد تفهم منه ما جرى .

نضرت إلى يديه ، لتكتشف إختفاء خاتم وعد ، الخاتم الذي أهدته إياه مع وعدها له بأن تكون زوجته ، تفاجأت و سألته عن الخاتم .



حنان :- أمان ، أين خاتمك ؟، لا تقل لي إنه ضاع.

أمان :- لا ، الخاتم لم يضع، أنا من نزعه.

حنان :- لماذا ، ألم تعد تحب وعد .

أمان :- القصة طويلة .

حنان :- هيا احكها لي .

أمان :- و المحاضرة ؟.

حنان :- أنت و قصتك أهم منها ، سأجلس بجوارك و ستحكي لي كل شيء و كأنك تتكلم مع نفسك بصوت مسموع.



جلست حنان بجوار أمان ، لكنه لم يلتفت إليها ، و كأنه لا يرغب في الحديث عن الأمر ، و لم يرغب في أن يجرحها بكلمة غضب قد يقولها لها ، فإستسلم للأمر .



أمان :- هل تعرفين وعد ؟.

حنان :- نعم أعرفها ، لم أرها لكن رأيتها في حديثك عنها .

أمان :- أتعلمين إني أحبها ؟.

حنان :- نعم أعرف هذا ، فما المشكلة؟.



يبدو أن القصة فعلاً طويلة و المحاضرة ستضيع منها اليوم .

أمان يتأمل يده ، يتأمل مكان الخاتم ، و لكنه لم يبدأ بالحديث .

حنان تنتظر في صمت .



حنان :- أمان ، خذ وقتك و وقتي ، و تكلم عندما تريد ، المهم أن تتكلم ، و تفرغ ما في جعبتك و نجد حلاً لمشكلتك حتى ترتاح.



استمر صمت أمان ، تردد في الحديث ، أراد اختيار الكلمات المناسبة ، لكنه في النهاية أطلق سراح لسانه ليعبر عما كان يحزنه و تكلم بكلمات غير مرتبة و بصوت خفيف متقطع .



أمان :- حنان ، هل تعرفين وعد؟.

حنان :- نعم أعرفها ، أنت تحكي لي عنها دائماً، لكن ما المشكلة ، لماذا أعدت السؤال مرتين ؟.

أمان :- وعد هي حب حياتي ، و عدتني بأن نكون معاً دائماً ، و عدتني بأن لا يفرقنا إلاّ الموت ، و عدتني أن تكون فقط لي ، هي حبيبتي ، اخترتها من بين الجميع ، لا ، لم أخترها ، بل القدر من اختارنا لنكون معاً ، منذ زمن و نحن معاً ، سنوات و سنوات من الحب ، و في النهاية .........



صمت أمان و كأنه لا يرغب في إنهاء الحديث .

يتبع...



19





طال انتظار حنان لكلمات أمان ، كان يجلس بجوارها ، لكن ليس بكامل كيانه ، فهو هنا و ليس هنا .



حنان :- ماذا جرى ؟، هيا أكمل ما بدأت .

أمان :- البداية كانت عندما كان عمري ما يزيد عن الأربع سنوات ، في أحد الأيام علت الزغاريد من بيت جيراننا ، و المناسبة كانت ولادة ملاك جميل .

حنان :- ملاك ؟؟.

أمان :- نعم ، ملاك جميل ، كانت ملاكي، و كان لها ثلاثة أشقاء يكبرونها ، و كانت هي الفتاة الوحيدة بينهم ، فرح الجميع بها جداً ، حتى أنا كنت فرحاً جداً بها ، أحببتها من أول نظرة .

حنان :- كيف ؟.

أمان :- ذهبت مع أمي إلي بيتهم لأرى المولودة الجديدة ، رأيتها، كانت نائمة بعمق ، تأملت وجهها ، كان أحمر صغير ، و أنفها المدور ، عيناها المغلقتين ، أردت الإقتراب لأراها عن قرب، وضعت يدي على المهد ، فإهتز المهد ، و أستيقظت و بدأت بالبكاء ، كانت صغيرة ، كالدمية ، لأول مرة أرى مولودة صغيرة بهذا الجمال.

حنان :- و كانت هذه أول مرة تراها فيها.

أمان :- نعم ، أول مرة أراها و أعجب بها ، سندتها و هي تخطو أولى خطواتها ، نادت اسمي قبل أن تنادي أسماء إخوتها ، كبرت ، صارت تذهب معنا للمدرسة ، و كنت أنتظرها لنعود معاً من المدرسة ، كانت تحتمي بي و كنت أدافع عنها ، كبر حبنا معنا ، سنوات و سنوات تمر ، كانت أمي تقول (أمان سيتزوج وعد ، و وعد لن تتزوج إلاّ أمان) ، أمي تعاملها كإبنة من بناتها ، لا أعرف متى صارحتها بحبي ، لا أعلم أي يوم و أي تاريخ ، ربما عندما كنت صغيراً ، لكن ما أعرفه أنها تحبني أيضاً و بجنون .

حنان :- لحد الآن كل شيء جيد ، ماذا حدث بعد هذا ؟.

أمان :- بعد وفاة والدي كان والدها يساعدنا كلما استطاع ، أحسست أنه كوالدي ، ساعدني كثيراً جداً ، كان يعاملني كإبن له ، إرتحت له ، و عقدت العزم على أن أخطب وعد بشكل رسمي و لأتوج حبنا أردت أن أتزوجها، فطلبتها منه مباشرة لكنه رفض الأمر مبدئيا بحجة أنني غير مستعد لتولي مسئولية أسرة ، و بعد هذا الأمر لاحظت أن أسرتها كلها تغيرت معي في معاملتها ، ليس معي فقط ، بل حتى مع أخواتي و أمي .

حنان :- و بعد؟.

أمان :- عدت للدراسة في الجامعة حتى أتحصل على شهادة جامعية ،لأنها تدرس في الجامعة و لن يتزوجها شخص لا يحمل شهادة جامعية ، هذا ما قالوه.

حنان :- هذا سبب عودتك للجامعة إذن ، أكمل ماذا بعد؟.

أمان :- ذهبت أمي لتطلب يدها ، ماكان منهم إلاّ أن رفضوا الأمر ، لأجدهم يقولون عني الفقير اليتيم ، يتكلمون عن المساعدات التي قدمها والدهم لي بعد وفاة والدي ، يعايرونني بحاجتي و قلة حيلتي ، و يتباهون بما يمتلكون .

حنان :- ماذا فعلت هي بعد ذلك ؟.



ضحك أمان صحكة لم تفهمها حنان ، كانت ممزوجة بالسخرية ، و فقدان الأمل و ضياع الأهداف ، كانت أشبه بضحكة ممزوجة بتنهيدة يائس .



أمان :- هي؟ ، هي بعدما أخبرتها بأن أمي ستزورهم لتخطبها طارت من الفرحة ، كانت سعيدة جداً بالأمر ، لكن سعادتها لم تكتمل ، رأت الوجه الآخر لأسرتها، واجهتهم جميعاً ، و أخبرتهم بحبنا ، رفضت قرارهم ، و أرادت أن تهرب معي إلي حيث لا يعرفنا أحد .

حنان :- و ماذا فعلوا لها؟.

أمان :- ضربوها ، و منعوها من الذهاب للجامعة ، منعوها من الخروج من المنزل ، منعوها من الإجابة على الهاتف ، و خوفا من أن تنفذ تهديدها بالهروب معي ، زوَّجها والدها سريعاً من شاب ليس فقير و لا يتيم و يحمل شهادة جامعية ، كان الزفاف قبل شهر ، لم تستطع أن تقاومهم ، أن تدافع عن حبها ، رضيت بكل ما رسمه لها والدها ، و صارت لغيري .

حنان :- هل تستطيع الهروب معها ؟.

أمان :- نعم ، سنذهب إلى حيث لا يعرفنا أحد و لا .......



إغرورقت عينا حنان بالدموع ، لم تعرف أن أمان يعاني من ألم في قلبه ، لم تتخيل أن تنتهي قصت حبه و وعد هكذا ، في نفس الوقت أرادت أن تصفعه لتوقظة من أجواء الأغاني و الأفلام التي تملأ رأسه ، لكنها لم تقوى على صفعه ، أرادت أن تعيده للواقع ، أرادت أن تريه عواقب ما كان سيفعل فقطعت كلماته قائلة.



حنان :- إن هربت معها إلي حيت لا يعرفكما أحد ، ماذا سيحدث لأخواتك ؟، فأنت معيلهم الوحيد ، ماذا ستفعل والدتك و قد هربت مع إبنة الجيران ؟، كيف ستخرج و تواجه الناس؟ ، أخواتك ألم تفكر فيهن؟ ، من سيتزوجهن و أنت الهارب مع من تحب؟ ،هل ترضى أن تهرب أختك مع من تحب ؟، لا ، لا تفكر في هذا يا أمان ، فلن تكون أمان الذي أعرفه إن فعلت هذا .



أمان يبدو عليه الشرود و غياب العقل ، و كأن كلمات حنان لم تصل لعقله بعد، يحمل في يده هاتفه النقال ، و ينظر إليه دون أن ترمش عينه رمشة واحدة .



حنان :- فيما تفكر ؟.

أمان :- أفكر أن أتصل بها ، أن أخاطبها ، و أشكو لها وحدتي ، و مقدار شوقي لها .

حنان :- إياك أن تفكر في هذا ، لا تعلم ما قد يحدث إن اتصلت ، قد تهدم بيتها ، إن كنت تحبها فعلاً ، لن ترغب أن توصف بالخائنة ، هي أصبحت في بيت رجل آخر ، أطلق صراحها ، أعطها حريتها ، فمن الأفضل أن تتمنى لها الحياة السعيدة ، و أن تجد السلام مع نفسها و زوجها.

أمان :- أريد أن أعاتبها ، فقد وعدتني و لم تفي بوعودها .

حنان :- يقولون إن وعد الحر دين عليه ، و هي لم تكن حرة ، كانت تقيدها طاعة الأسرة ، العادات و التقاليد ، الدين ، كل هذه القيود كانت تمنعها من تحقيق وعودها ، فهي لم تكن أبداً حرة ، و كل فتاة ليست حرة لتعطي هذه الوعود لأحد .



كانت تأثير كلمات حنان كالصفعة على أمان ، أيقضته من حلمه الذي كان يحلم ، فكر أمان في كل كلمة قالتها حنان ، فكر هذه المرة بعقله ، و قال في نفسه كيف لم أفكر في هذا من قبل ؟ .

و استمرت حنان في حديثها و قالت .



حنان :- لا أريدك أن تتشبث بالماضي ، وعد أصبحت ماضي ، أريدك ان تجمع شتات نفسك ، و تكمل طريقك ، أن ترى أمامك ، و تستفيد من ما حدث، لا أريدك أن تنساها ، فقط اجعلها ذكرى جميلة ، و اذكر وعد بالخير دائما ، لا تحاول الدخول لحياتها من جديد ، لأنك لا تعرف عواقب التدخل ، بارك لها زواجها ، و أدعو لها بطول العمر و السعادة مع الآخر ، امضي في حياتك و ابحث عن زوجة ، لا حبيبة ، فزوجتك ستكون حبيبتك.



تكمل حنان كلامها لتنصح أمان .



حنان :- أمان ، أنظر لنفسك من تكون ، و أحمد لله على كل شيء ، تملك أسرة تحبك ، و بيت دافئ ، سيارتك لا بأس بها ، عملك في تحسن و الحمد لله ، و الفصل القادم بعون الله ستنهي دراستك الجامعية و تتخرج ، أنت لست في بداية الطريق لتكوين أسرتك الخاصة بك ، أنت في منتصفها ، لا تنظر ورائك ، أنظر أمامك و ضع هدفاً جديداً لك ، و عش لتحقيقه .



أخرج أمان خاتم و عد من جيبه ، و بدأ يتأمله و يفكر في مصيره ، ماذا سيفعل برمز حب فتاة لم تعد له .



حنان :- ماذا ستفعل بالخاتم ؟.

أمان :- سأرميه .

حنان :- لا ترميه ، سأحتفظ لك به .

أمان :- لماذا ؟.

حنان :- لا تعلم ، قد تعود وعد إليك من جديد.



تقول كلماتها و هي تبتسم ابتسامتها البريئة المختلطة بذهاء أنثى .



يتبع..




20 (4)



حنان في الجامعة ، تنتظر أن يأتي والدها و يرجع بها إلي البيت ، تقف مع زميلاتها ، و بمرور الوقت كل زميلاتها غادرن المكان ، بقيت هي وحيدة ، في كل دقيقة تحاول الاتصال بوالدها لكنه لا يجيب ، تقف أمام باب الكلية و ترقب سيارة زرقاء لتأتي من بعيد ، كل سيارة زرقاء تمر تقول في نفسها هذا أبي ، و تهم بالمغادرة ، لكن لا تكون السيارة سيارة والدها ، و لا السائق والدها ، مرت الساعات و هي وحيدة ، حاولت الاتصال بحسام لكنه أيضا لا يجيب ، و تأخر الوقت كثيراً ، لا أحد معها في الكلية ، و لا تعرف ماذا تفعل ، أخيراً مرت سيارة زرقاء ، توقفت أمامها ، لم يكن السائق والدها ، بل كان أمان ، ترجل من سيارته ، وصل بقربها ، فرحت لأن أنيسها وصل و لكن تفكيرها مازال مشغولاً على والدها .



أمان :- السلام عليكم .

حنان :- و عليكم السلام ، أهلا بك .

أمان :- لماذا أنت و حيدة هنا ، المكان خال؟.

حنان :- أنتظر أبي .

أمان :- ألم تكملي امتحانك قبل ساعات ؟.

حنان :- نعم ، ولكن أبي لم يأتي و حسام لا يجيب على هاتفه .

امان :- سأحاول الاتصال بهم من رقمي .



اتصل أمان برقم والدها لكن لا مجيب ، اتصل برقم حسام فأجاب ، نظر أمان لحنان نظرة غريبة ، ثم إلتفت بعيداً و ابتعد أمتاراً عنها و هو يكلم حسام في قلق ، انتهت المكالمة ، و عاد أمان إلى حنان .



أمان :- سيأتي حسام .

حنان :- لماذا حسام ؟ ماذا جرى ؟.

أمان :- لا شيئ ، فقط والدك لا يمكنه المجيئ و حسام سيأتي ليقلك بعد قليل .

حنان :- كلماتك لم تطمئن قلبي ، و اتصالك زاد من خوفي ، أخبرني إن حدث مكروه لأحد من عائلتي .

أمان :- لا لا ، لم يحدث شيء ، هيا تعالي لنجلس و نتكلم ، فحسام سيتأخر قليلاً.



جلسا في مكان قريب ، لكن يبدو على أمان الخوف و القلق ، و كأنه يخفي هما كبير .



حنان :- ماذا يجري ؟ ، ما بك ؟.

أمان :- لا شيء ، فقط أمي كانت مريضة .

حنان :- كيف هي الآن ؟، أ هي بخير ؟.

أمان :- نعم بخير ، فقط بعض التوعك .

حنان :- ماذا قال الطبيب ؟.

أمان :- يجب اجراء بعض الفحوصات و التحاليل الروتينية.

حنان :- كيف حال أخواتك ؟.

أمان :- في صحة جيدة.

حنان :- نسيت أن أسألك ، ما الذي جاء بك إلى هنا بعد أن أنهيت دراستك و تخرجت ؟.

أمان :- جئت لأرى نتيجة أمنية، مررت من هنا و رأيتك و حيدة ، فلم أرغب في أن تبقي بلا أنيس.

حنان :- شكراً.

أمان :- كيف كان امتحان اليوم؟.

حنان :- الحمد لله ، كالعادة أجبت ما أعرفه و ألفت إجابات لما لم أعرفه.



إبتسم أمان من إجابتها ، مازالت مرحة كالعادة ولا تعلم ما يخفي لها القدر .



أمان :- هل هذا آخر إمتحان لهذا الفصل ؟.

حنان :- لا ، مازال امتحان آخر بعد أسبوع ، و تبدأ العطلة .

أمان :- في أي فصل أنت الآن ؟.

حنان :- ما بك ؟، هل نسيت في أي فصل أدرس ؟، أنت تسبقني بثلاثة فصول ، و قد تخرجت الفصل الماضي ، أي بقي لي فصلان حتى أتخرج إن شاء الله .

أمان :- هذا صحيح ، لقد نسيت .



تستغرب حنان كلماته ، لماذا يسألها هذا السؤال ، هل نسي حقاً في أي فصل تدرس؟؟ كيف ينسى و هو من يقوم بمساعدتها في الدراسة .



أمان :- هل أنت جائعة ؟.

حنان :- كثيراً جداً .

امان :- هيا بنا ، سأدعوك للغذاء في مقهى الكلية .

حنان :- كنت سأقبل دعوتك ، لكن حسام سيأتي قريبا كما قلت لي و إن جاء و لم يجدني ، سيجن جنونه و يقلق علي .

أمان :- لا تقلقي ، حسام يعرف أني معك ، و لن يخاف عليك ، هيا بنا ، يجب أن تأكلي شيئا .

حنان :- ألا تستطيع الذهاب وحدك و جلب الغذاء ؟.

أمان :- كيف أتركك وحيدة في هذا المكان ؟، هيا تعالي معي لبعض الوقت ، نجلب الغذاء و نعود إلى هنا بسرعة.

حنان :- حسناً ، كما تريد ، لكن بسرعة .



ذهبا لمقهى الكلية ، كان شبه مغلق ، فأعمال التنظيف جارية ، و الكراسي مقلوبة على الطاولات، طلبا و جبتين ، لكنهما لم يجدا سوى وجبة واحدة فقط ، أخذاها و تقاسماها معاً .



هاتف حنان يرن ، المتصل كان حسام .



حنان :- السلام عليكم.



تكلم حسام بلهجة قاسية دون أن يرد السلام.



حسام :- أين أنت ؟.

حنان : - في الكلية مع أمان .

حسام :- هيا بسرعة أخرجي ، أنا مستعجل ، ألم أقل لك أن لا تغادري مكانك ؟.

حنان :- أنت لم تقل شيء، حسام مابك ؟.



تغيرت لهجته للهجة أقل حدة.



حسام :- لا شيء ، هيا تعالي، أنا في انتظارك.



وصلت حنان و أمان لسيارة حسام، صعدت حنان ، و إتجه أمان لجهة حسام وأراد مخاطبته ، لكن حسام تجاهله و أسرع بالسيارة لينثر الغبار على أمان الواقف وسط الطريق .

استغربت حنان مزاج حسام العكر ، و لماذا فعل ما فعل مع أمان .



حنان :- مابك يا حسام ؟ ، لا تقل لي لا شيء ، هناك شيء.



حسام لا يجيبها ، أرادت تغيير الأجواء و تكلمت عن ما حدث اليوم .



حنان :- كنت وحيدة أنتظر أبي ، فجاء أمان و بقي معي ، و دعاني للغذاء.

حسام :- و أين ذهبتما؟.

حنان :- ليس لمكان ، فقط في الكلية .

حسام :- من يكون أمان ليبقى معك و حيدين في مكان خالي من البشر .

حنان :- لم نبقى و حيدين ، عمال المقهى كانوا معنا .

حسام :- لماذا قبلت دعوته .

حنان :- كنت جائعة .

حسام :- لا أريدك أن تفعلي هذا مرة أخرى .

حنان :- ماذا فعلت ؟.

حسام :- لا أريدك أن تكلمي أمان .

حنان :- لماذا ؟.

حسام :- بدون أسئلة ، هذا أمر .



حنان و في غضب ، حملت هاتفها و دموعها تملأ عينيها ، أرادت أن تتصل بوالدها و تشكو له معاملة حسام القاسية لها ، لم تعرف لماذا يتصرف معها هكذا ، لم تفهم التغير الذي حدث ، ما به أمان ؟، ما الخطأ الذي فعله؟.

طلبت رقم والدها ، فكان صوتا خافتا يصدر من داخل السيارة ، لم تغلق هاتفها ، استمرت تبحث عن مصدر الصوت في قلق ، وجدت أكياساً موضوعة على أحد الكراسي الخلفية ، سحبت كيساً ، ارتفع الصوت عالياً ، فتحته لترى ما لا تعرف معناه ، هاتف والدها ، ساعته ، خاتمه ، و محفظة نقوده ، مفاتيحه، أشياء والدها الخاصة في هذا الكيس ، نظرت إلى الكيس ، ثم لحسام ، لم تفهم ما يجري ، لكنها عرفت أن مكروها جرى لوالدها ، مرت كل الاشياء السيئة التي يمكن أن تحدت أمام عينيها ، تخيلت كل شيء ، لكن عقلها رفض أن يخبرها حقيقة ما حدث ، الانفعال الشديد أجهد قلبها ، فأغمي عليها من الصدمة ، صدمة الخوف على والدها و ليس صدمة معرفة الحقيقة .



يتبع...






21



تستيقظ حنان من نومها لتجد نفسها في غرفتها ، تحمد الله على أن كل ما كان كابوس مزعج ، تقول في نفسها :-

( الوقت متأخر ، و لم أذهب للجامعة ، و أبي ينام في غرفته، الحمد لله لم يكن ما رأيت سوى كابوس ، الحمد لله ) .



أرادت أن تعود للنوم ، لكنها سمعت صوت نسوة تقرأ القرآن في صوت خاشع ، أسرعت إلى باب غرفتها ، فتحت الباب ، فوجدت منزلهم مزدحم بالنساء مكتسيات السواد ، أيقنت أن ما كان لم يكن كابوساً ، أسرعت في خطوات غير ثابتة إلى غرفة نوم والدها ، تصطدم بكل امرأة تحاول اعتراض طريقها ، وصلت إلى باب الغرفة لتجده مفتوحاً ، و أمها غارقة في دموعها مع خالتها ، لترى أن أمها قد أزالت أقراطها ، و أساورها ، عقدها و خواتمها ، و غاب الكحل عن عينيها ، فهمت حنان ما حدت لوالدها ، فهمت أنها لن تراه مرة أخرى فقد إنتقل إلى رحمة الله تعالي .



لم تتحمل ما رأت ، و ما عرفت ، وقعت على الأرض مغشياً عليها، اجتمعت النساء حولها ، فهذه تقرأ القرآن و تلك ترش الماء على وجهها، و غيرها تنادي باسمها ، و الأخرى تنوح ، أسرعت إحداهن للخارج و استدعت حسام ، الذي حمل حنان و أخذها لأقرب مستشفى.







انتهت أيام العزاء ، و أصبح البيت خالياً رغم وجود سكانه ، لا أحد يتكلم ، لا أحد يضحك ، و لا أحد يتحرك ، الطفلة فرح غادرت المنزل مع بنات خالتها لتخرج من أجواء العزاء و الحزن ، حسام لا يعرف ماذا يفعل في هذه المصيبة ، فقد أصبح هو معيل العائلة و المؤتمن عليها ، الأم دخلت فترة العدّة و غرقت في سوادها ، و حنان تجلس في غرفتها على حالها منذ أن عادت من المستشفى ، لا تتكلم و لا تتحرك ، و كأنها صنم يتنفس فقط ، بقيت معهم في المنزل عمتها أم عماد حتى تؤنسهم.





جاءت عائلة أمان لتزورهم ، لتطمئن على حالهم جميعاً ، صعدت النسوة للطابق العلوي التي توجد فيه حنان و والدتها ، و بقي أمان وحيداً في غرفة الاستقبال ، فلا يوجد رجل بالبيت ليبقى معه لم يكن حسام موجوداً بالمنزل ، فهو منشغل في إنهاء أعمال والده رحمه الله ، و إتمام الإجراءات القانونية المختلفة ليحل محله ، و الطفلة الصغيرة فرح ليست بالمنزل .

دخلت أماني لغرفة الاستقبال و هي تبكي بمرارة ، سألها أمان عن السبب.



أمان :- أماني ، ما بك ؟ لماذا تبكين هكذا ؟.

أماني :- أبكي على حال حنان ، و كيف أصبحت .

أمان :- و ما بها ؟.

أماني :- مر أسبوعان و لم تخرج من صدمتها بعد ، تجلس في غرفتها ، نكلمها و لا تسمع ، و كأنها ميتة حية .



خشي أمان على حنان من حزنها ، يعرف ماذا كان والدها بالنسبة لها ، يعرف أنه من الصعب عودتها كما كانت ، لكن يجب أن تخرج من صدمتها و تعود إلى الحياة من جديد في أسرع وقت.

و قال في نفسه (حنان قبل أكثر من عام كانت معي ، تواسيني لفقدان وعد ، وقفت بجانبي و ساعدتني و نصحتني ، و طول هذه الفترة لم تتركني وحيداً رغم وحدتي ، و اليوم هي تعاني فقدان والدها يجب أن أفعل كل شيء أستطيعه حتى تجتاز الأمر و تعود كما كانت ) .



أمان :- أيمكن أن أراها ؟، أن أكلمها ؟، أرغب في أن أخاطبها .

أماني :- لن تجدي مخاطبتك لها شيء.

أمان :- فقط أريد أن أحاول .

أماني :- حاولنا جميعا و لم نفلح .

أمان :- سأحاول و أفلح إن شاء الله .

أماني :- هي لا تستطيع الخروج من غرفتها .

أمان :- سأذهب أنا إليها.

أماني :- سأستأذن والدتها و ألبسها حجابها ، فلا يمكن أن تدخل عليها غرفتها دون إذن .



وافقت الأم أن يدخل أمان جناح النوم و يقابل حنان ، عله بذلك يخرجها من غيبوبتها و يعيدها للواقع .



يصعد أمان درجات السلم خلف أماني ، كانت عيونه تنظر لأبواب غرف الطابق العلوي و كأنه يقول في نفسه أي الغرف غرفة حنان ؟، أين سأجدها ؟، أراد أن يسبق أماني وأن لا يضيع أي ثانية يتأخر فيها عن مساعدة حنان ، لكنه لا يعرف أين يجدها ، و يجب أن يتبع دليله أماني لترشده ، يعبران الممر الطويل المؤدي لغرفة حنان ، فقالت أماني مشيرة إلى الغرفة في نهاية الممر .



أماني :- تلك هي غرفة حنان ، هي نهاية الممر .



يسرع أمان الخطى للغرفة و يجتاز أماني ، عرف أين يجد حنان ، و لا حاجة له لأن يتبع أخته ، وصل أخيراً إلى غرفتها ، وجد باب الغرفة مفتوح و آمنة و أمنية يقفن داخلها ، دخل غرفتها لأول مرة و صدمه ما رأى ،حنان بعد ما كانت لا تحب الجلوس في مكان ، و لم تكن تتوقف عن الكلام ، هي الآن تجلس و حيدة في غرفتها ، و حيدة رغم اجتماع الجميع حولها ، تجلس و تستمع للقرآن ، و عيونها معلقة في اللاشيء ، لا يصدر منها لا صوت و لا حركة ، فقط تجلس ساكنة في مكانها و الصمت في ملامحها .



جال أمان بنظره في الغرفة عله يجد شيء يبدأ به الحديث ، وجد عدداً من المسامير المثبتة في الحائط سأل أمنية عن ما كان معلقاً بها ، فهذه أول مرة يدخل غرفة حنان و لا يعرف كيف كانت قبل وفاة والدها .



أمان :- ماذا كانت تعلق هنا ، في هذه المسامير ؟.

آمنة :- كانت تعلق صورها مع والدها في كل مكان.

أمان :- و من أزالها ؟.

آمنة :- لا أعرف ، فقد أزيلت منذ العزاء.

أمان :- و أين هي الصور ؟.

آمنة :- في صندوق تحت الطاولة .



اقترب أمان من النافذة و أزاح الستارة المعتمة ، و فتحها ليدخل نور الشمس و يقتحم المكان ، جلس أمان على كرسي بالقرب من حنان ، لم يعرف كيف يخرجها من وحدتها ، لكنه بدأ في مخاطبتها .



أمان :- حنان ، أنا هنا ، معك ، لا تتركينا ، كوني معنا ، حنان أجيبي إن كنت تسمعينني ، حنان.

آمنة :- لا تحاول ، هي لا تسمعك ، لا تتعب نفسك ، جربنا و لم يفلح أحد في هذا.

أمان :- لا ، هي تسمعني و ستجيبني ، فأنا أمان و لست أي أحد، و لن أخرج حتى أسمع صوتها .

آمنة :- لا أرى أنك ستفلح .

أمان :- حنان ، لماذا تفعلين هذا ؟، هل هذا اعتراض على أمر الله؟ ، كلنا مسافرين على مثن طائرة الحياة ، و والدك إنتهت رحلته و وصل لنهايتها ، والدك لن يسعد عندما يراك هكذا ، والدك رجل مؤمن ، و أنت مؤمنة ، فلا اعتراض على أمر الله ، حنان ، هل تسمعين؟ .



لم يجد أمان أي إشارة يفهم منها أن حنان تستمع إليه ، رغم هذا أمسك يديها ، و استمر بالحديث معها بكلمات أكثر ترتيباً من سابقتها .



أمان:- سأكلمك عن والدك ، والدك رجل طيب ، يساعد الجميع ، يسعى لفعل الخير ، فعل الكثير لك و لنا ، و لكل من قابلهم ، هو في الجنة إن شاء الله ، فلماذا الحزن ، بل يجب أن تفرحي و تحمدي الله و ترضي بما كتبه لنا.



يتحرك أمان من مكانه و يتجول في الغرفة ليرى الصندوق الذي وضعت فيه صور حنان و والدها ، يجد صورة قد كتب عليها بخط الصغيرة فرح (أين والدي)، يخرج الصورة من الصندوق و يضعها بين يدي حنان ، و يكمل حديثه .



أمان :- لم يغادر والدك بعيداً ، بل دخل إلى داخل قلبك و عقلك ، إذا أردت أن تريه فهو هنا معك ، في كل ذكرى و كل صورة و في كل مكان ، لا تنسي الماضي و تسجني كل الصور الجميلة التي جمعتكم في صندوق ، لا ، بل علقيها ، سأقول لك ، اجعلي من الذكرى و قوداً لتعيشي المستقبل ، حنان ، والدك في داخلك ، في كل خلية من جسمك ، في كل لحظة عشتها معه، و في كل كلمة قالها .



بدأت أماني بالبكاء ، تذكرت والدها ، فالتفت إليها أمان و أمرها بالخروج .



جلس أمان مقابلاً لحنان على سريرها و نظر إلى عينيها و أكمل حديثة رغم أنها لم تبدي أي إصغاء أو أي ردة فعل لما يقول.



أمان :- والدك يرغب أن تعيشي حياتك ، يجب أن تستمري ، كان دائما يقول لك (اعتني بنفسك و اهتمي بدراستك) ، إنه يرغب أن تكمل دراستك ليراك الأفضل ، لكن ماذا تفعلين الآن ؟، تجلسين هنا ، و تقتلين نفسك ، و تهملين دراستك ، هكذا سيحزن والدك و أنت لا تنوين إحزانه.



حنان تحرك أصابعها ، لتمسك بالصورة ، تتشبث بها يلاحظ أمان أنها تستمع إليه و حديثه قد أثمر و لو بحركة صغيرة منها تدل على أنها عادت أو على الأقل ستعود.



أمان :- يجب أن تخرجي من عزلتك و تفعلي ما كان يريدك أن تفعلي ، اهتمي بنفسك و بدراستك ، فهذا سيسعده .



تحركت حنان رفت عيناها و نزل دموعها ، هذه أول دموع لها بعد الصدمة ، و بدأت بالبكاء ،تحتضن صورة والدها بقوة ، تحول صمتها و حزنها إلى حركة و صوت بكاء شديد مرير، أخيراً خرجت من غيبوبة اللا وعي ، و عادت إلى الحياة من جديد .



أمان :- ابكي يا حنان و أخرجي كل الحزن الذي في داخلك ، ابكي و لا تكتمي شيء ، فهكذا ترتاحين من الأحزان ، لتطوي صفحتها ،و لتفتحي صفحة جديدة غدا إن شاء الله.



فرح أمان من نتائج كلماته ، أراد الخروج من الغرفة و إخراج آمنة و أمنية ، ليترك حنان و حيدة في غرفتها ، لتبكي و تحزن كما تشاء ، دون إزعاج من أحد ، و بينما كان الجميع يغادر الغرفة تكلمت حنان بصوت تخنقه العبرة .



حنان :- إنتهت رحلة أبي !!.





يتبع....


22



في غرفة نوم الأم ، تنام حنان في حضن أمها ، و تداعب أمها خصلات من شعرها ، يتكلمان في همس .



حنان :- أمي .

الأم :- نعم يا ابنتي .

حنان :- أين حاجيات أبي رحمه الله .

الأم :- ما زالت في خزانته .

حنان :- ليست كل ملابسه ، أريد فقط ما كان يرتدي يوم وفاته.

الأم :- لا أعلم أين هي ، ربما مازالت عند حسام .

حنان :- عند حسام !!! ، و ماذا فعل بها ؟.

الأم :- لا أعلم ، اسأليه عنها عندما يعود .

حنان :- لن أصبر حتى يعود ، سأتصل به .



الأم لم يعجبها ما ترغب حنان في فعله ، فلا تعلم ما ستكون ردة فعلها عندما ترى ثيابه ، و لم تعلم ماذا تريد من ثيابه لكن حنان إتصلت بحسام .



حسام :- السلام عليكم .

حنان :- و عليكم السلام .

حسام :- كيف حالكم الآن ؟ .

حنان :- بخير ، الحمد لله .

حسام :- هل هناك شيء ؟.

حنان :- لا ، لا شيء ، فقط أردت أن أسأل عن حاجيات والدي ، ثيابه التي لبسها يوم وفاته .

حسام :- ما بها ؟.

حنان :- فقط أريد أن أراها .

حسام :- أنا في طريق العودة للمنزل ، سأريك إياها عندما أعود .

حنان :- لا أرغب في الانتظار ، أريدها الآن .

حسام :- حسنا ، تجدينها في غرفتي ، داخل خزانتي ، كل شيء داخل حقيبته ، ستجدين ملابسه و أشيائه الأخرى ، و......



قبل أن ينهي حسام كلماته ، أنهت حنان الاتصال ، و انطلقت مسرعة إلى غرفة حسام ، فتحتها ، و اتجهت للخزانة ، ترددت في فتحها ، بقيت فترة واقفة أمامها ، تشاهد شريط ذكريات يوم وفاة والدها ، امتلأت عيناها بالدموع ، و أحست بحرقة في حلقها ، فتحت الخزانة ، و أخرجت الحقيبة ، و ضعتها أرضاً ، جثت على ركبتيها ، فتحت الحقيبة ببطء ، أخرجت الثياب ، و بدأت تتأملها ، تحتضنها بقوة علها تجد فيها شيء من دفئ والدها ، تقبلها و تشمها و تتذكر والدها و أيامه الجميلة ، تذكرت خاتمها المسحور ، بحثت عنه ، لكنها لم تجده ، مسحت دموعها و بحثت من جديد ، لكنها لم تجده ، و جدت كل شيء ، الساعة ، المحفظة ، خاتم الزواج ، لكن خاتمها المسحور لم تجده ، و اسمرت في البحث جيداً داخل الحقيبة ، قلبتها و بعثرت كل محتوياتها على الأرض ، لكنها لم تجده ، قطع بحثها رنين جرس الباب ، نزلت مسرعة لتفتحه ، توقعت أنه حسام قد عاد إلى البيت ، و قبل أن تفتح سألت من الطارق ، لتجد أنه أمان ، ارتدت حجابها و عباءتها و مسحت دموعها ، و فتحت الباب .



أمان و أماني في وقت واحد :- السلام عليكم .

حنان :- و عليكم السلام ، تفضلا .

أمان :- هل حسام موجود ؟.

حنان :- لا حسام خارج المنزل، أنا و أمي فقط بالمنزل ، و فرح في بيت خالتي.

أمان :- حسناً سأغادر و أعود فيما بعد لأقل أماني للمنزل .

حنان :- أماني ستبقى عندنا اليوم ؟.

أماني :- نعم سأبقى معك اليوم .

حنان :- أهلاً وسهلاً بك ، أمان ، لماذا تقف عند الباب؟، أدخل و أرتح قليلاً في غرفة الاستقبال .



كانت حنان و أمان و أماني يجلسون معاً و يشربون القهوة في غرفة الإستقبال ، دخل حسام إلى المنزل ، و رأى أمان جالساً مع أخته ، فهجمت على وجهه ملامح الغضب ، و كلم أمان بطريقة قاسية ، و أمره بالخروج و عدم القدوم للمنزل إن لم يكن هناك رجل فيه ، خرج أمان بكل هدوء ، و حسام يرمقه بنظرات الغيظ ، و قبل أن يغلق حسام باب المنزل خلف أمان خرجت أماني من غرفة الاستقبال و استأذنت لتغادر مع أمان .



حنان تثور ، فكيف يعامل حسام أمان بهذه الطريقة ، هو ضيفهم و يجب أن يكرمه ، لا أن يطرده .



حنان :- ماذا فعلت ؟، لماذا تطرد أمان ؟، كان هنا ليزورنا .

حسام :- لا أريده أن يدخل بيتنا في غيابي .

حنان : - هو لم يأتي يوماً وحيداً إلينا في غيابك .

حسام :- رأيتك تجلسين معه بمفردكما في الغرفة .

حنان :- لم نكن لوحدنا ، أماني كانت معنا و أنت رأيتها عندما غادرت .

حسام :- لا أريده أن يأتي حتى إن كان برفقة أخته و أمه ، لا أريده أن يأتي و أنا خارج المنزل .

حنان :- و متى تكون داخل المنزل ؟، فأنت دائما خارجه و نادراً ما تكون هنا إلا في الليل .

حسام :- أنتن نساء وحيدات ، لا أريد لرجل غريب أن يدخل ، ماذا سيقول الناس عني و عنكن ؟.

حنان :- أمان ليس غريب ، يزور بيتنا منذ أعوام ، و كأنه فرد من أسرتنا .

حسام :- هو أمام الناس غريب .

حنان :- أمان كأخ لي .

حسام :- و متى ارتدت الأخت حجابها أمام أخيها ؟.



أغضب حديث حسام حنان و أثار دمعها و حيرتها ، فلماذا يتغير حسام بهذا الشكل ، فهذا أمان ، ماذا به ؟.



و في حديثهما و جدالهما يحرك حسام يديه بعصبية لتلاحظ حنان أنه يرتدي خاتمها المسحور .



حنان :- هذا خاتم أبي .

حسام :- نعم .



تمسك حنان بيد حسام و تنتزع منه الخاتم و تقول في غضب .



حنان :- من تكون لترتدي الخاتم؟ ، هذا خاتم أبي و لن يكون يوماً لك ، فأنت لست والدي .



تسمع الأم أصواتهما العالية ، تخرج من غرفتها و تنزل إليهما ، و تغادر حنان المكان لتصعد مسرعة إلى غرفتها غارقة في دموعها ، يحاول حسام اللحاق بها ، تمنعه أمه من ذلك ، و تدخله غرفة الإستقبال لتهدئ من غضبه .



يتبع...





23





تدخل الأم حسام لغرفة الإستقبال ، و تنتظر بعض الوقت ليهدأ قبل أن تبدأ بالحديث .

تتكلم الأم بحكمة ، لترشد حسام إلى الطريق الصحيح لقيادة هذه الأسرة ، فهو يحتاج للعون الكبير من شخص ذو خبرة .



الأم :- ما بك يا حسام ؟.

حسام :- أمي ، أحس أن مسئولية الحفاظ على حنان أكبر مني.

الأم :- حسام ، لا تضغط عليها هكذا ، أترك لها متسع من الحرية كما كان والدك يفعل .

حسام :- لا أستطيع ، أرى تعلقها بأمان يزيد يوماً بعد يوم .

الأم :- و ما العيب في ذلك ؟

حسام :- هي في سن الزواج ، و لا أريد لأحد أن يتكلم بسوء عنها .

الأم :- أختك لا تخطئ ، و لن يتكلم عنها أحد بسوء.

حسام :- لكن أخاف أن تضيع مني ، هي أمانة في عنقي ، إن ضاعت كيف سأقابل أبي و أنا ضيعت أمانته ؟ ، أوصاني بكم يوم وفاته .

الأم :- لا تخف ، لن يضيع منك أحد.

حسام :- و حنان ؟.

الأم :- لا تقلق ، فقط عاملها كما كان والدك رحمه الله يعاملها ، احتضنها بحنان ، و احتويها ، كن لها أخ و أب ، كن صديقها ، و أملك رأيها ، حاورها ، فهذا ما كان يفعل والدك .

حسام :- أفعل كل هذا ؟، هذا كثير جداً .



يجلس حسام على الأريكة و يضع مرفقيه على ركبتيه ، و يسند رأسه بكفيه .

و أمه تجلس على يساره ، تضع يمناها على كتفه و تقول .



الأم :- ليس بكثير عليك ، فهذه أسرتك ، من واجبك أن تعاملها بهذا الشكل ، سأكون معك أعينك و أرشدك .



يرفع حسام رأسه عن كفيه و يلتفت لوالدته و يمسك يدها و يكمل حديثه .



حسام :- أمي ، أكثر ما يقلقني هو الفراغ الذي تعيشه حنان بعد وفاة والدي رحمه الله.

الأم :- و أي فراغ هذا الذي يقلقك ؟ .

حسام :- أتكلم عن الفراغ العاطفي ، أخشى أن تتعلق بشخص يسيء إليها ، أخشى عليها من صدمات الزمن ، فهي لا تقوى على ذلك .

الأم :- لا تخشى عليها ، كن أنت مكان والدها و أملأ هذا الفراغ ، و سأساعدك .

حسام :- أمي ، أخشى أن تتعلق بأمان و تحبه ، و لا يبادلها أمان هذا الحب ، أخشى عليها من هذا الأمر.

الأم :- لا تخشى عليها ، أمان رجل لن يؤدي أحداً ، و خاصة حنان .

حسام :- أتمنى ذلك ، لكن حتى لا أبقى سجين خوفي عليها سأمنعه من القدوم للمنزل كما كان يفعل سابقاً ، سأرسم له حدوداً حتى لا يجتازها .

الأم :- هذا تصرف حكيم ، لكن لا تضيق الخناق على أختك حتى لا تخسرها ، و لا تخطئ في حق أمان فهو لم يخطئ في حقك.





بعد أيام في الطريق ، بينما كان حسام يقود سيارته عائداً إلى المنزل ، شاهد أمان و هو مترجل يسير في الطريق بلا رفيق ، فعرض عليه أن يوصله إلى حيث يرغب .



حسام :- السلام عليكم .

أمان :- و عليكم السلام .

حسام :- إلى أين تذهب ؟.

أمان :- ذاهب لورشة التصليح حتى أجلب رافعة لأنقل بها سيارتي المتوقفة هناك .

حسام :- تفضل سأوصلك .



صعد أمان السيارة ، متناسيا ما جرى في المرة الماضية في منزل حسام .



أمان :- كيف حالك ؟.

حسام :- الحمد لله ، أرغب في الحديث معك .

أمان :- و أنا أيضا أريد أن أتحدث معك حديث من شاب إلى شاب .

حسام :- هيا تفضل تكلم ، ماذا تريد أن تقول ؟.

أمان :- أنت كأخ لي ، و ما تمر به الآن مررت به في السابق، تجربتك تشبه تجربتي ، فقط أردت أن أنصحك .

حسام :- لا ، تجربتي لا تشبه تجربتك .

أمان :- لا ، هي تماما ما مررت به ، كنت شاباً لا دخل لك في أمور إعالة الأسرة ، كنت تعيش حياتك لنفسك فقط ، أما الآن ، لك أسرة ، أم و أختان ، تحتاجان لك ، تحتاجان لرب أسرة يحل مكان والدهم .

حسام :- و ماذا بعد؟.

أمان :- والدك رحمه الله ساعدني ، و من واجبي أن أساعدك .

حسام :- و كيف ستساعدني ؟.

أمان :- في أي شيء تطلبه .

حسام :- أريد منك شيء واحد فقط .

أمان :- و ما هو ؟.

حسام :- ابتعد عن حنان ، فقط ابتعد عنها .



يشعر أمان بالغضب من حسام ، كيف يطلب منه هذا الأمر .



أمان :- لا أستطيع ، حنان تعني لي الكثير ، و لن أدعك تقتل الشيء الوحيد الذي يدفعها إلى الاستمرار في الحياة بعد وفاة والدها، لن أدعك تفرق بيننا بسهولة .

حسام :- حنان أختي ، و لا دخل لك في حياتها ، أخرج من حياتها و حياتنا جميعاً .



يطلب أمان من حسام أن يوقف السيارة ، فهو لا يرغب في إنهاء الحديث معه .



أمان :- سأقول لك شيء ، رويدك لا تتسرع ، و لا تهدم حياة شخص تحبه ، سأعتبر كلامك كلام غاضب لا يقصد به شيء ، فقط لأنني أعتبرك كأخ لي .

حسام :- أنت لست أخي ، و لن تكون أخي يوماً.

أمان :- فكر في قرارك بروية ، و لا تتسرع ، حتى لا تندم .



ينزل أمان من السيارة و قبل أن يغلق الباب وراءه يقول له حسام .



حسام :- أمك و أخواتك مرحب بهن في منزلنا متى أتين ، لكنك غير مرحب بك و أنا خارج المنزل ، و حنان ابتعد عنها في الجامعة و لا تحاول مقابلتها ، أنت تخرّجت و لا حاجة لك في الذهاب للكلية مستقبلاً ، يجب أن تفهم كلماتي و تعلم أنها لمصلحتك ومصلحة حنان و مصلحة الجميع .



بمجرد أن أغلق أمان الباب وراءه ، غادر حسام بسيارته مسرعاً مثيراً سحابة من الغبار على أمان .



يتبع….


24



أيام الصيف الحارة قاربت على نهايتها ، و الأسرة الصغيرة لم تذهب للبحر هذا العام ، حسام قرر اليوم أن يأخذهم جميعاً للبحر ، يريدها نزهة للأسرة فقط .



على شاطئ البحر، فرح في العريشة تساعدها أمها لتبديل ملابسها المبللة و المتسخة بالرمال ، حسام يعد العدة للشواء ، أما حنان اتخذت لها ركناً بعيداً قليلاً عن الآخرين و جلست تفكر و هي تراقب أمواج البحر الهائجة في صمت فجأة تكلمت حنان و نادت أمها .



حنان :- أمي ، المكان ينقصه أحد .



خشيت الأم أن تتكلم حنان عن والدها ، فهذه أول نزهة لهم دون والدهم ، خشيت أن تقول كلمة تعيد إليهم الذكريات فيتغير اليوم من نزهة للبحر ، إلى نزهة ذكريات و حنين للماضي ، لم تسأل الأم عن الشخص الناقص في هذا المكان ، حتى تكلمت حنان في طلب و قالت .



حنان :- أمي ، المكان ينقصه أمان ، هل أستطيع أن أتصل به و أدعوه للقدوم هو و أسرته ؟.



لم تجب الأم ، فقط اتجهت ببصرها إلى حسام لترى ردة فعله ، لكنها لم تعجبهم ، تكلم حسام بغضب و عصبية .



حسام :- لا ، لا يمكنك ذلك .

حنان :- و لماذا ؟.

حسام :- هذه نزهة للأسرة فقط ، نحن الأربعة فقط ، و لا أريد لغريب أن يكون معنا.



حنان تضايقت من هذا الكلام ، لم يعجبها ما سمعت ، ففي العام الماضي كانت أسرة أمان تشاركهم نزهات البحر ، لكن هذا العام يرفض حسام إشراكهم في أي نزهة ، ليس هذا فقط بل منع أمان من القدوم لمنزلهم إلا لإيصال أمه و أخواته ، و لم تقابله حنان منذ فترة طويلة ، مما أثار جنونها .



صرخت حنان في وجه حسام ، هجمت عليه و بدأت تضربه على صدره بكلتا يديها و تفرغ شحنة الغضب لديها .



حنان :- من تكون لتحرمنا من فعل ما نحب؟ ، أكرهك ، تحركنا كالدمى و تتخذ القرارات بنفسك ، و تنفذها دون أن تعلم رأينا فيها .......



أوقفها و أمسك بيديها خشية أن يقعا على موقد الشواء ، أرادت أن تفلت يداها فدفعته ، اختل توازنه فداس على الموقد و احترقت قدمه ، تمسك بيدها بقوة كي لا يقع فآلمها بقبضته القوية، لم ترى أن قدمه داست موقد الشواء ، بل فهمت من تمسكه أنه يؤنبها و يقسو عليها ، أفلتت من يده بسرعة و غادرت المكان ، و تركته يعاني حروقه وحيداً .



تذكرت والدها فبكت كثيراً ، لم ترد لأحد أن يراها و هي تبكي ، أرادت أن تهرب من الجميع، لكنها لم تجد مهرباً سوى البحر الهائج ، دخلت البحر دون تفكير ، لكن البحر هائج و قواها خانتها للعودة لبر الأمان ، نادت ، صرخت بأعلى صوتها ، لعل أحداً يسمعها وسط هدير البحر، أحست أنها فشلت في النجاة منه، فما كان منها إلا أن استسلمت له ليأخذها حيث والدها .



و ما هي إلا ثواني حتى و صلت يد تساعدها ، و تحملها لبر الأمان ، لم تعرف من ينقذها لأنها كانت شبه غائبة عن الوعي ، سمعت صوت المنقذ و هو يناديها باسمها و يطب منها التشبث برقبته حتى يخرجا معاً من البحر ، ميّزت صاحب الصوت الذي أنقذها من الغرق ، لكنها شكت في الأمر و لم تكن متأكدة مما تسمع.



بعد أن استعادت و عيها ، رأت من حولها ، لكنها لم تجد منقذها ، سألت والدتها عنه و أجابتها إجابة أكدت هوية صاحب الصوت الذي ناداها و عرفت أن منقذها هو حسام ، أرادت أن تشكره لإنقاذها ، أن تعتذر عما جرى ، سألت عن مكانه فدلتها والدتها ، ذهبت إلى حيت قيل لها أنه موجود ، وجدته يجلس على الرمل و حيداً يقابل البحر و يرسم أشكالاً على الرمال بحجر صغير يمسكه بيده و يفكر في عمق ، اقتربت منه أحس بها و هي تقترب من المكان ، لكنه لم يلتفت إليها، اقتربت و فاجأها ما رأت ، يلف قدمه بضمادة حروق ، اندفعت نحوه بقلق لترى ما بال قدمه و تطمئن على حاله ، و نسيت أن تشكره على إنقاذها .



حنان :- حسام ما هذا ؟.

حسام :- لا شيء ، فقط حرق سببته لي أختي الصغيرة العنيدة دون قصد.

حنان :- كيف ؟.

حسام :- لا يهم .

حسام :- أنت كيف حالك الآن؟ .

حنان :- الحمد لله .

حنان :- هل أستطيع الجلوس بقربك ؟.

حسام :- نعم ، أهلا بك في أي وقت .

حنان :- هل حرقك خطير ؟، أ يمكن أن أراه ؟.

حسام :- لا ليس خطير ، و يمكنك أن تريه .



تزيح حنان جزء من ضمادة الحروق التي يلفها حسام على قدمه ، لتكشف بذلك عن بعض من مكان الحرق .



حنان :- حرق كبير و مؤلم ، و دخلت إلى البحر المالح لتنقذني .

حسام :- كيف لا أنقدك و أنت أمانة في عنقي ، لا أدخل البحر فقط لأجلك ، بل أدخل المجهول .



إبتسمت و أخرجت قلادتها التي تعلقها في عنقها من تحت ثيابها ، كانت تعلق فيها خاتمها المسحور ، نزعته من قلادتها و ألبسته لحسام و قالت .



حنان :- حسام ، تفضل ، هذا خاتمي .

حسام :- أعلم ، لكن لماذا تعطيني إياه؟.

حنان :- هذا الخاتم مسحور ، كل من يلبسه يصير مسئولاً عن الأميرة .

حسام :- و من تكون الأميرة ؟.

حنان :- أكون الأميرة ، هذا ما قاله لي أبي رحمه الله .

حسام :- هل أنا المسئول عنك الآن ؟.

حنان :- نعم ، و من غيرك سيكون مسئولاً عني و يحميني و يقتحم المجهول من أجلي ؟.



يتبع...


25



العطلة الصيفية قد انتهت ، و حنان يجب أن تعود إلى الكلية ، عقدت العزم على إنهاء دراستها ، و تحقيق وصية والدها ، ليراها كما أحب أن تكون ، فتاة ناجحة في هذا المجتمع .



عادت للجامعة و قابلت الصديقات و الأصدقاء ، كل منهم يواسيها و يعزيها لفقدانها والدها ، بقيت مع صديقتها و رفيقة دربها نور .



نور :- محمد جاء يبحث عنك .

حنان :- محمد ؟ ، و لماذا يبحث عني ؟.

نو ر:- لا أعلم ، جائني و سأل عنك .

حنان :- هل تعلمين لماذا يسأل ؟.

نور :- لا أعلم ، لم يخبرني سوى أنه يريد مقابلتك .

حنان :- مقابلتي ؟؟؟.

نور :- نعم ، يقول أن هناك أشياء يجب أن تعرفيها و يجب أن تفهميها ، أشياء مصيرية كما يقول .

حنان :- أشياء مصيرية ؟ ، و محمد يريد الحديث عنها ! .

نور :- نعم هذا ما قاله .

حنان :- أي أشياء مصيرية يريد الحديث عنها ، و مصير من سيتكلم عنه ؟.



نور ترى محمد قادم من بعيد و تخبر حنان .



نور :- ذاك محمد قادم من بعيد ، يقترب نحونا ، إسئليه و سيجيبك .



اقترب محمد حتى وصل إليهما .



محمد :- السلام عليكم .

نور :- و عليكم السلام .

محمد :- كيف حالكم ؟ .

نور :- بخير و الحمد لله .

محمد :- جعل الله وفاة والدك آخر الأحزان .

حنان :- شكراً .

محمد :- أتصل بك لكن هاتفك مغلق ، فذهبت إلى منزلكم و لم أجد أحداً .

حنان :- عزائك مقبول حتى إن كان متأخراً شهور عديدة .

محمد :- هل يمكن أن أكلمك على إنفراد ؟ .



لم ترغب حنان أن تغادر نور المكان ، فبعد لقائها الأخير مع محمد عرفت بحقيقة جمال ، و منذ ذاك اليوم لم تعد تأمن جانبهما و لم تكلمهما ، لكن نور استأذنت و غادرت ، و تركت حنان مع محمد ليحدثها عن الأمور المصيرية .



محمد :- حنان ، كنت أبحث عنك منذ فترة .

حنان :- أعلم بالأمر ، أخبرتني نور و قالت إنك ستتحدث عن أمور مصيرية .

محمد :- نعم .

حنان :- هيا تكلم ، و مصير من سيتغير بهذا الحديث ؟ .

محمد :- أريد أن أكلمك عن جمال .

حنان :- جمال ؟.



تستغرب من كلامه ، فقد قطعت علاقتها بهذا الذئب مفترس الفتيات ، فلماذا يتكلم عنه الآن ، و أي مصير سيتحدد بهذا الحوار.



محمد :- نعم ، جمال .

حنان :- و ما به جمال هذا ؟.

محمد :- يريد أن يسافر و يغادر البلد .

حنان :- ليغادر ، و ما دخلي بسفره ؟.

محمد :- سيهاجر و لن يعود .

حنان :- ليهاجر ، ما مشكلتي ، قطعت علاقتي به منذ زمن ، و الآن تريد أن تكلمني عن هجرته .

محمد :- حنان ، جمال يحبك .



تقول حنان كلماتها بسخرية .



حنان :- و كيف لذئب أن يحب فريسته ؟.

محمد :- ذئب و فريسة !! ، عن ماذا تتكلمين ؟، أفهميني .

حنان :- و تتظاهر بأنك لا تعلم بالأمر ، لا تعلم حقيقة صديقك .

محمد :- أرجوك أعلميني و أخبريني بما تعرفين .



من الطريقة التي تكلم بها محمد أحست أنه لا يعلم بالأمر ، أو أنه نسي ما حدث ، أرادت أن تنعش ذاكرته و أعادت سرد القصة كما رأتها .



بعد ما سمع محمد ما قالته حنان ضحك بصوت عالي ، و لم تعجب ضحكاته حنان.



حنان :- لماذا تضحك ، هل هناك ما يضحك ؟ .

محمد :- سامحيني ، لكن كل منكما فهم ما يريد أن يفهم ، و كل منكما أخطأ فهم الحقيقة .

حنان :- كل منا ؟، من نحن ؟ و بماذا أخطأنا ؟ و ما الحقيقة ؟.

محمد :- أنت و جمال كل منكما أخطأ في فهم ما يجري .

حنان :- كيف ؟.

محمد :- قبل سفرك جاء أحدهم و أخبر جمال بأنك مسافرة و لن تعودي إلينا أبدأ.

حنان :- نعم كنت مسافرة .

محمد :- ما أخبره الغريب هو أنك مسافرة لتتزوجي قريباً لك في الخارج ، و تعيشي هناك ، و لن تعودي إلى هنا أبداً .

حنان :- أتزوج !، و في الغربة !، من أخبره بهذا ؟.

محمد :- لا يهم ، المهم هو أن جمال قرر أن يبتعد عنك ، و أن يتركك لتعيشي حياتك ، و بالمقابل كتم في نفسه كل شيء ، لم يخبر أحداً غيري بحبه لك ، و لم يرغب في أن يخاطبك في الأمر .

حنان :- لذلك بدأ في التدخين ، و اتجه إلى الفتيات الأخريات عله يجد حباً جديداً.

محمد :- صحيح بدأ بالتدخين ، لكنه لم يفكر في فتاة أخرى غيرك .

حنان :- و من التي كانت معه في السيارة يوم عدت ؟.

محمد :- هي أخته الجميلة ، كانت قد تبللت بالمطر و تشعر بالبرد ، جلسا معاً في السيارة ، و كانت قد نزعت غطاء رأسها المبتل لتبدله بآخر جاف ، و لابد أنه أمسك بيديها و وضعهما على خديه ليتحسس مقدار البرد الذي فيهما .



تضحك حنان من طريقة رؤيتها للأمر ، تضحك بعد أن عرفت الحقيقة .



حنان :- و لماذا لم يخبرني بالأمر ؟.

محمد :- كان يلحق بك ، لكنك هربت و ابتعدت كثيراً ، و عندما وجدك ، رآك تجلسين مع رجل آخر .

حنان :- نعم ، أتذكر.

محمد :- توقع جمال أن يكون هذا هو زوجك ، فلم يرك جمال مقتربة من أحد لهذه الدرجة ، كان و كأنه يحتضنك ، أ فهمتي هذا ؟، توقع أن يكون زوجك أو على الأقل خطيبك .

حنان :- و ماذا حدث ؟.

محمد :- انسحب جمال من حياتك ، رغم أنه بقي يراقبك من بعيد ، لم يتحمل أن يراك في الكلية تتجولين أمامه دون أن يخاطبك ، فانسحب من الكلية .

حنان :- لذلك لم أعد أره في المكان .

محمد :- نعم ، قرر الانسحاب ، أما الآن فقد قرر الهجرة ، يريد أن يهاجر من البلاد دون رجعة .

حنان :- فليغادر ، و ما دخلي أنا في هجرته ؟.

محمد :- لا أعلم ، فقط رأيت أن أكلمك و أخاطبك في هذا الأمر علك تجدين طريقة تمنعيه فيها من السفر .



تعود حنان لذكرياتها منذ سنوات و سنوات ، جمال أول حب في حياتها و لم يكن هناك غيره ، كان يحبها بصدق ، و ما رأته كان سوء فهم ، كيف يمكن أن تصلح الأمر؟.



حنان :- أين أجد جمال ؟.

محمد :- لماذا ؟.

حنان :- أرغب في أن أقابله ، أ يمكن هذا ؟.

محمد :- نعم ، سأخبره ، و لا أعلم إن كان سيوافق .

حنان :- أبلغه سلامي ، و أخبره أن يلاقيني الأسبوع القادم هنا في الجامعة .



يتبع...


26



في الليل لم تقوى حنان على النوم و هي تفكر و تحاور نفسها ، و قد ملأتها شحنة من السعادة ، فمن كانت تحبه لم يكن ذئباً أبداً و لم يفكر في غيرها و الأهم من هذا تأكدت أنه يحبها .



كانت تقول في نفسها :-

لم يكن جمال خائناً ، لم يكن ذئباً ، و كل ما رأيته و ما فهمته كان خطأ ، كل هذه السنوات و كنت أحتقره و أكرهه و لا ذنب له فيما جرى ، و ما كان يشغل باله يوم الامتحان هو قول أحدهم له بأني مسافرة لأتزوج ، و من رأيتها معه لم تكن إلا أخته الجميلة ،أسبوع واحد فقط و أراه من جديد ، و يعود ما كان كما كان ، لكن هذه المرة سيكون كل شيء واضحاً ، لن أستسلم لشكوكي التي كانت ، الآن كلي يقين بأنه يحبني كما قال صديقه محمد .



تفكر في يوم اللقاء و قد فتحت حقيبتها و أخرجت منها قصاصة الورق التي كتبتها يوم سفرها و أكملت حوارها مع نفسها :-

لماذا قلت له أسبوع ؟ ، لماذا لم أقل له غداً ؟، هل أتصل به و أغير موعد اللقاء ؟ ، لا لن أتصل به و سأترك ترتيب الأمر لمحمد ، هو من بدأه و يجب أن ينهيه ، سأصبر أسبوعاً واحداً فقط و أراه من جديد و أجمع القصاصة التي كتبتها و تقاسمتها معه قبل سفري .



كان الوقت متأخراً ، شعرت حنان بالعطش ، نزلت للمطبخ و روت عطشها ، و أثناء خروجها منه وجدت أن غرفة المعيشة مضاءة ، نظرت إلى ساعة الحائط المعلقة بالقرب منها ، فوجدت عقاربها تشير للساعة الواحدة و الربع بعد منتصف الليل ، ابتسمت و قالت في نفسها ( لا بد أن حسام نائم في غرفة المعيشة أثناء مشاهدته للإذاعة المرئية كعادته ) .



اتجهت لغرفة المعيشة و قبل أن تصلها سمعت صوت أحد ما داخلها ، لا لم يكن شخصاً واحداً ، كانا اثنين ، سمعت صوت حسام و أمها ، كانا يتحاوران في أمر ما ، اقتربت و دون قصد منها سمعت بعضاً مما يقولون .



حسام :- طلب يدها مني يا أمي و لم أعرف بماذا أجيبه .

الأم :- أعلم أن هذا اليوم سيأتي ، فقد طلب يدها من والدك قبل وفاته .

حسام :- أعلم هذا ، لكن بماذا أجيبه ؟.

الأم :- تردد والدك في الموافقة لأن مرضها يمنعها من الإنجاب .

حسام :- لكل داء دواء ، لا بد أن هناك علاجا ما ، سأحاول ما أمكنني و أسافر بها لكل مكان يمكن أن نجد فيه شفاءها .

الأم :- لا يوجد ، بحثنا في كل مكان و في كل مستشفى لكن لم نجد شيء .

حسام :- و الحل يا أمي ؟، هي في سن الزواج ، و عاجلاً أم آجلاً ستتزوج ، ماذا سأخبر من يتقدم لخطبتها ، أنها إن أنجبت ستموت ، ستفارقنا ، هل أقول له إما هي أو طفلها ؟، أقول له ستحرم من الأطفال ؟، أو أبقيها بلا زواج دون أن تعلم سبب حكمنا عليها بالعنوسة .

الأم :- اصبر يا ولدي و وكّل أمرك لله ، و لا تقنط من رحمته ، فهو الرحمن الرحيم.





صدمت حنان مما سمعت ، عرفت أن الحديث كان يدور حولها ، هي لن تستطيع الإنجاب ، لن تكون أماً يوماً ، كم هو قاسي هذا الأمر ، فكل فتاة حلمها أن تكون أما و تحمل أطفالها بين يديها ، تربيهم و ترعاهم ، هي بالفطرة مولودة لتكون أماً ، فكيف تتقبل الأمر؟ ، و كيف تتقبل إخفاء الأمر عنها؟ .



لم تقوى على الدخول لغرفة المعيشة لتعلمهم بما سمعت ، انسحبت بهدوء ، و صعدت لغرفتها تجر حزنها ورائها في صمت، و رمت نفسها على سريرها و احتضنت وسادتها بكل قوة ، و بدأت بالبكاء المرير و هي تقول في نفسها :-



لماذا هذا ؟ ، لماذا يحدث هذا ؟ ، بعد أن ضحكت لي الدنيا قليلاً أجدها تصفعني من جديد و ترمي بي في حفرة أكبر من تلك التي خرجت منها ، لماذا ؟ ، ألا أستحق أن أفرح قليلاً ؟ ، لماذا كل هذا ؟ ، بعد أن حلت مشكلة جمال تأتيني مشكلة جديدة ، فيما أخطأت ؟، ماذا سأقول لجمال الأسبوع القادم ، أقول له أحبك و تحبني و ما بيننا سيبقى على هذا الحال ؟، أقول له إن النهاية الطبيعية لما هو موجود بيننا أن نتزوج ، و إن تزوجنا ستبقى أسرتنا فقط اثنين و لن يزداد عدد أفرادها ، أقول له لن أنفع أن أكون أما لأولادك ، فإما هم و إما أنا ، أحكم عليه بأن يحرم من كلمة أبي ، أو أخفي عليه الأمر حتى يكتشفه هو بنفسه ، و ماذا سيفعل حينها ؟.



دخلت حنان دوامة التفكير في الغد ، و بين تفكيرها و صدمتها بالأمر ، نامت من شدة الحزن ، و دعت الله أن يكون الغد أفضل من اليوم .





يتبع...


27





انتهى الأسبوع ، و ها قد جاء اليوم الذي انتظرته و خشيته حنان ، اليوم ستلتقي بجمال ، لكنها لا تعرف ماذا تقول له ، لم تعرف من سيبدأ الحديث و من سينهيه ، و لم تكن لها أي فكرة عن نتائج هذا اللقاء ، أرادت أن تغادر المكان و أن تهرب كما هربت في المرة الماضية تحت زخات المطر ، لكن أين المطر؟ ، الشمس مشرقة و السماء صافية و الجو حار .



ها هو جمال قد لاح من بعيد ، قادم بخطوات ثابتة ، يرتدي نظارته السوداء ، و يحمل بين أصابعه سيجارة يدخنها ، و قبل وصوله لحنان توقف و ألقى السيجارة بعيداً ، و أكمل سيره و في كل خطوة يخطوها نحوها ترتبك حنان و لم تعرف ماذا تفعل ، فاختارت الاستسلام للأمر و ترك القيادة لجمال ليقود الحديث .



جمال :- السلام عليكم .

حنان :- عليكم السلام .

جمال :- كيف حالك ؟.

حنان :- الحمد لله ، و أنت كيف حالك ؟ .

جمال :- الحمد لله .



انتهى الحوار التقليدي ليسود صمت الكلمات ، ينزع جمال نظاراته حتى يبدأ في حوار من نوع آخر ، مصدره العيون ، لكن حنان هربت بعيونها بعيداً تفادياً لكلماته ، فما كان منه إلا أن عاد للحوار المسموع .



جمال :- عظم الله أجركم في وفاة والدك .

حنان :- شكر الله سعيكم.

جمال :- كيف حالك بعد وفاته ؟.

حنان :- الحمد لله ، مازلت حية أرزق.

جمال :- تغيرت .

حنان :- نعم تغيرت ، كلنا تغيرنا ، فمرور الزمن يغير من قلوب البشر .

جمال :- صرت أجمل .



احمرّ وجهها خجلاً ، فلم تتوقع أن تسمع منه كلمات الغزل بهذه السرعة ، لكنها صدّته و غيّرت مسار الحديث .



حنان :- جمال ، عذراً ، لكن ليس هذا هدف لقائنا اليوم .

جمال :- و لماذا طلبت لقائي ؟، أليس لتعود كل الأمور لسابق عهدها ؟.

حنان :- نعم ، هذا هو السبب ، لكن متى علمت أني أقبل كلمات الغزل تلك ؟ ، أكنت تقول لي هذه الكلمات فيما مضى ؟.

جمال :- حنان ، إني أحبك .

حنان :- لك الحرية في التعبير عن مشاعرك بالطريقة التي تراها مناسبة ، لكن لي الحق في رفضها بالطريقة التي أراها مناسبة أيضاً .

جمال :- لماذا هذا الرفض ؟.

حنان :- لأن الوقت و المكان غير مناسبين .



يجب أن تغير حنان مسار الحوار ، فقد صار صعباً عليها أن تستمر فيه ، فطلبت من جمال محفظته.



حنان :- أعطني محفظتك .

جمال :- و ما بها محفظتي ؟.

حنان :- أعطنيها و ستعرف لماذا .



أخرج جمال محفظته من جيبه لترى حنان أنها نفس المحفظة القديمة ، نفسها التي وضع فيها قصاصة الورق في ذاك اليوم ، فتحتها و بحثت في الجيب الخفي ، لتجد أن الورقة مازالت موجودة كما هي .



حنان :- تتذكر هذه الورقة ؟.

جمال :- نعم ، و لم أفتحها كما وعدتك ، ماذا كتبت فيها ؟.

حنان :- اليوم تجتمع القصاصتان معاً ، و نرى ما كتب فيهما .



أخرجت حنان القصاصة التي تملكها من حقيبتها ، و حملتها بجوار الأخرى ، لتكتمل الجملة التي كتبتها .



جمال :- أ هذا ما كتبت ؟.

حنان :- نعم ، هذا ما كتبت .



ابتسمت حنان و قرأت ما كتبت .



حنان :- لا إلـه إلا الله ، محمد رسول الله .

جمال :- علمت ما كتبت ، لكن لماذا كتبته ؟.

حنان :- هذه الكلمات لا تبقى منفصلة أبداً ، و عند سفر أحد ما نكتبها في ورقة و نقسمها شطرين ، نبقى شطراً في المنزل و الآخر عند المسافر كي نترك له سبباً ليعود .



ضحك جمال من حيلتها ، و قال لها .



جمال :- أردت أن تعودي ، فلهذا كتبتها ؟.

حنان :- نعم ، و كان لقاء اليوم حتى نجمع القصاصتين معاً .

جمال :- ها قد جمعت القصاصتين معاً ، ماذا بعد ؟.

حنان :- ماذا تريد بعد هذا ؟.

حمال :- هل نجتمع بعد أن اجتمعت القصاصتين ؟، أو نفترق ؟.

حنان :- لك أن تسافر الآن ، و تذهب حيت شئت ، فأنت حر طليق .

جمال :- هذا فقط ؟.

حنان :- خذ معك القصاصتين ، و دع إحداها في منزلكم و الأخرى أعدها لمحفظتك ، حتى تعود من جديد ، و تذكر أني يوماً ما كتبتها .

جمال :- هذا فقط ما تريدينه ؟.

حنان :- سامحني على أخطائي في الماضي و المستقبل ، و لنتمنى لكلينا أن يجد سبيله للنجاح في هذه الدنيا و الآخرة .



أنهت حنان ما كان بينهم ، رغم أنها من كانت ترغب في أن تعيده من جديد ، أنهته لأنها لم ترى نهاية ما رغبت في إعادته ، و لم تقوى على إخبار جمال بمرضها ، فكان لها أن تنهيه و تطلق سراح جمال ليسافر و يعيش حياته كما يشاء ، و يصير أباً لأولاد أخرى .



يتبع ...







نهاية الجزء الرابع


28 (5)



طوت حنان صفحة من حياتها ، و بدأت مشوارها في الرضا بما كتبه الله لها ، تغيرت أحلامها ، و تبدلت أهدافها ، و كتمت كل أحزانها داخلها ، و لم تخبر أحد بما عرفت و ما سمعت .



مرّ عام على وفاة والدها ، لكنها لم تعرف حتى اليوم كيف انتقل إلى رحمة الله تعالى ، فأحبت أن تعرف بالأمر .



حنان :- اليوم يصادف مرور عام على وفاة والدي رحمه الله ، لكني لم أعرف حتى الآن كيف توفي .

حسام :- لماذا ترغبين في معرفة الأمر ؟.

حنان :- لأعلم به .



خشي حسام عليها من معرفة ما ترغب في معرفته في البداية ، لكنها أتبثت أنها لم تعد حنان المدللة ، تلك التي يخشى عليها من كل شيء ، و لم يرى مانعاً من أن يحكي لها ما جرى .



حسام :- كان والدي رحمه الله ذاهباً هو و ابن عمتي عماد لمزرعتهم ، كانا في الطريق الزراعي ، و كان هناك جرار قادم في الإتجاه المعاكس لهما ، و فجأة خرج الجرار من مساره ليأتي متجها نحوهم فاصطدم بالسيارة التي أمامهم ، و اصطدمت سيارة أبي بالسيارة التي أمامه .

حنان :- توفي والدي بحادث سير ! .

حسام :- كان عماد يرتدي حزام الأمان ، فلم يصب إلا بكدمات ، أما والدي لم يكن يرتديه ، و عندما حاول عماد مساعدته رفض و آثر أن يساعد من في السيارة الأخرى ، لأنهم كانوا سيدة و طفلان .

حنان :- هذا هو والدي ، يحب أن يساعد الجميع على أن يساعد نفسه .

حسام :- اتصل عماد بالإسعاف ، و ساعد من في السيارة الأخرى ، و عندما عاد لوالدي وجد أن البرودة تسللت لجسده ، معلنة على أن روحه قد فارقته .

حنان :- رحمه الله .

حسام :- رغم أن الصدمة لم تكن قوية ، و لم تكن قاتلة ، إلاّ أنه إنتقل إثرها إلى رحمة الله تعالى .

حنان :- إنا لله و إنا إليه راجعون .



سكت الجميع و قد اجتاحتهم ذكرى ذاك اليوم ، فمنهم من سالت دموعه على وجهه ، و منهم من كتم حزنه في قلبه ، و كل منهم كان مشتاقاً لفقيده .



حنان :- الحمد لله ، حتى في آخر دقائق حياته كان يحب أن يساعد من يحتاج للمساعدة ، يجب أن نفرح و نحمد الله على كل شيء .

حسام :- الحمد لله .

حنان :- لكن لماذا كان أبي يوصل عماد لمزرعتهم ؟، عماد يملك سيارته الخاصة ؟.

حسام :- لا أعلم ، ربما تسألين عماد عندما يأتي بعد قليل .



تفكر حنان في ذاك الحوار الذي كان بين حسام و أمها قبل أقل من سنة ، تفكر في من يكون خاطبها ، و تقول في نفسها .

عماد كان مع والدي قبل وفاته ، أيكون هو من أراد خطبتي ؟، أيكون قد رغب في الحديث مع أبي و لهذا كان معه يوم وفاته ؟ ، ربما كانت رغبة أبي أن أتزوج ابن عمتي ، أن يكون زواجي تقليدي بهذا الشكل ، لكن هل يعلم عماد بطبيعة مرضي ؟ ، هل يعلم بحالي و بصحتي ؟ ، هل هو راضي بما علم أم غيّر رأيه؟.



اليوم سيحيون الذكرى السنوية لوفاة والدهم ، رغب عدد من أفراد العائلة أن يكونوا معهم في هذه المناسبة ، مناسبة حزينة جمعت بعض الأقارب و الجيران و من كان على صلة بوالد حنان رحمه الله.



وصل بعض الضيوف فطلب حسام من حنان إعداد القهوة ، أعدتها و نادته حتى يأخذ فناجين القهوة و يقدمها إلى ضيوفهم ، لكن حسام عندما عد الفناجين الموجودة أخبرها أن تضيف فنجاناً آخر.



حسام :- ينقص فنجان .

حنان :- ألم تقل لي أعدي القهوة لسبعة رجال ؟.

حسام :- نعم ، لكن أمان جاء الآن ، فصرنا ثمانية .

حنان :- حسنا سأعد له فنجانه .



ابتسمت حنان ، و فرحت لأن أمان قد جاء اليوم ، تذكرت كيف كانا معاً قبل وفاة والدها ، و تذكرت كيف أبعد حسام بينهما ، فترة طويلة لم ترى فيها وجهه ، لم تسمع صوته ، لكنها تسمع أخباره من أمه و أخواته ، لأنها وعدت حسام أن لا تقابله أو حتى تتصل به ، تعودت أن تفي بوعودها و إن كانت على حساب نفسها .



بينما كانت حنان في المطبخ تعد فنجان أمان ، دخلت عمتها أم عماد و قالت لها .



أم عماد :- ما شاء الله ، كبرت و صرت عروس .

حنان :- عروس؟؟؟.

أم عماد :- نعم عروس ، و هل رأيك مخالف لكلماتي ؟.



تفكر حنان في كلمات عمتها أم عماد و لم تنتبه للقهوة التي وضعتها على النار حتى فارت و سالت على الموقد ، فأتت حنان بحركة يفهم منها أنها تضايقت من الأمر ، فقالت لها عمتها.



أم عماد :- فوران القهوة علامة خير إن شاء الله ، لا تقلقي .

حنان :- علامة خير لأي شيء .

أم عماد :- ستعلمين في الوقت المناسب .





يتبع...

29











اليوم الخميس كلما التفتت حنان لوالدتها تجدها تنظر إليها بتأمل و تبتسم في سعادة ، و لكنها لا تعلم ما بال أمها اليوم ، تقول في نفسها ( أ هو يوم ذكرى ميلاد إحدانا ؟ ، ربما كان اليوم ذكرى لشيء ما ، أو عيد و لا أعلم بالأمر ) ، لا تعلم سبب سرور أمها ، و لم ترغب في أن تسألها ، دعت الله أن يديم فرحتها التي جاءت بعد حرن .



و بينما كانت الأم تدور في المنزل حاملة مبخرة في يدها ، تبخر المنزل غرفةً غرفة ، و حنان في المطبخ ، انتهت توا من إعداد طبق من الحلويات كما طلبت منها والدتها ، تسمع حنان رنين جرس الباب فتمسح يداها و تخرج بسرعة من المطبخ لتفتح الباب ، و قبل أن تصل إليه تناديها أمها تقول لها .



الأم :- حنان لا تفتحي الباب ، سأفتحه أنا .

حنان :- وصلت له ، سأفتحه أنا، ارتاحي أنت يا أمي .

الأم :- لا تفتحيه ، أرغب في أن أفتحه ، أنت اصعدي لغرفتك و اهتمي بنفسك ، و أرتدي أجمل ما عندك .



تستغرب حنان كلمات أمها و تقول في نفسها ( لماذا لا تريدني أن أفتح الباب ؟، و من الذي سيأتي اليوم؟ ، و ما المناسبة حتى طلبت مني إعداد الحلويات و ارتداء أجمل ما أملك ؟ ) .



لم تفتح الأم الباب حتى صعدت حنان لغرفتها و دخلتها .



تسمع حنان صوت نسوة في منزلهم ، ترغب في الخروج و رؤية من يكن ، ففتحت باب غرفتها لتجد أمها قادمة إليها و سألتها .



حنان :- أمي من ضيفاتنا ؟.

الأم :- ضيفات مهمات ، يجب أن ترتدي ثياباً لائقة .

حنان :- و ما بال ثيابي التي أرتدي ؟.

الأم :- ثيابك هي ذاتها التي تعودن أن يرينك بها .

حنان :- إذن هن من العائلة ؟.

الأم :- ستعلمين بعد قليل .



تبتسم الأم و هي تبحث في خزانة ملابس حنان عن ما سترتديه ، تخرج لها بذلة أنيقة و تقول لها .



الأم :- ارتدي هذه البذلة ، و حلي ضفيرة شعرك و اتركيه منسدلاً و ضعي شريط يليق به ، و تزيني بمجوهراتك اللاّمعة ، و رشي من هذا العطر ، و اجلبي العصير من المطبخ و قدميه للضيفات .

حنان :- لكن لما كل هذا ؟، و من الضيفات ؟ ، و ....



لم تكمل حنان كلماتها حتى كانت أمها خارج غرفتها و قد أغلقت الباب ورائها تاركة حنان وحدها غارقة في بحر من الأسئلة .



فعلت حنان ما قالته لها والدتها ، و في قلبها شك أن ما يجري أمر مدبر بين أمها و عمتها أم عماد .



دخلت حنان لغرفة الضيوف و هي تحمل أكواب العصير ، و تفاجأت مما رأت ، عمتها أم عماد و خالتها و معهن السيدة نجاح و إيمان هن ضيفاتهن اليوم ، ابتسمت و لم تفهم ماذا رأت ، قدمت لهن العصير و سلمت عليهن ، و جلست بالقرب من إيمان ، لكن أمها نظرت إليها بطريقة فهمت منها أنها تريد إخراجها من المكان ، فخرجت كما فهمت من نظراتها .



هي في المطبخ تبتسم مما رأت ، و تقول لنفسها ( ألبس أجمل الثياب ، و أتزين في أبهى حلة ، فقط لأن عمتي و خالتي و السيدة نجاح هن ضيفاتنا ، لماذا كل هذا التعقيد ؟، ربما لأن هذه هي المرة الأولى التي تزورنا فيها إيمان بعد عرسها ؟ ) .



دخلت الأم إلى المطبخ وطلبت منها أن تجهز الشاي و الحلويات التي أعدتها ، لكن هذه المرة ستقدمها و تجلس معهن لكن دون أن تتكلم إلا إن طلب منها هذا .



فعلت حنان ما طلب منها ، كانت كأنها دمية يحركونها كما يريدون ، ها هي جالسة بينهم في صمت ، فقط تبتسم إن قيل شيء يضحك ، و تجيب إن تم سؤالها .



كانت تركز نظراتها على كل من والدتها و عمتها و خالتها ، كانت تقول في نفسها (زيارة اليوم ليست عادية ، كلهن ينظرن لي ، أشك أن عمتي تخطط لأمر ما ، لكن لماذا جاءت السيدة نجاح و إيمان ؟، لم أعد أفهم ، و لن أشغل عقلي بالتفكير في الأمر أكثر ، إن لم أعلم بالأمر اليوم سأعلم به غدا إن شاء الله) .



قاربت الزيارة على نهايتها ، و ها هي حنان و الصغيرة فرح قد انتهت لتوها من نقل الصحون الفارغة من على مائدة العشاء و أدخلتها للمطبخ ، بعد إن استمتعت الضيفات بتناول وجبة عشاء كان نصف ما قدّم فيها من إعداد حنان ، و النصف الآخر أعدته والدتها و ساعدتهن فرح في إعداد السلطة .



حنان في المطبخ تتأكد من أن كل شيء قد قدّم على أحسن صورة ، و أن الضيافة كانت بالمستوى المطلوب اليوم ، تدخل فرح الصغيرة حاملة في يدها سماعة هاتف المنزل و تقول لحنان .



فرح :- حنان هذا اتصال لك .



يتبع ...


30



ردّت حنان على الهاتف ، كانت المتصلة صديقتها نور ، فرحت باتصالها ، صعدت إلى غرفتها لتتحدث معها بحرية دون تطفل أحد .



حنان :- السلام عليكم .

نور :- و عليك السلام .

حنان :- كيف حالك يا نور ؟ ، و كيف حال زوجك محمود ؟.

نور :- الحمد لله ، كلنا بخير ، و أنتم كيف حالكم ؟.

حنان :- الحمد لله .

نور :- إشتقت إليكم جميعاً .

حنان :- تشتاقين لنا و أنت في صحبة من تحبين ؟.

نور :- أتشكّين في شوقي لصديقة طفولتي ؟.

حنان :- لا لم أشك يوماً في هذا ، لأني أيضاً أشتاق لك .



تمنت حنان أن تكون نور معها ، طالما كانت أنيستها في حزنها و سعادتها ، كانت كاتم أسرارها و ناصحتها و منيرة دربها ، لكنها الآن صارت بعيدة عنها ، و لا تستطيع أن تشكو لها حيرتها و شكوكها فيما يجري اليوم .



نور :- كيف حالكم جميعاً ، عمتي و فرح و حسام ؟.

حنان :- الحمد لله جميعنا بخير .

نور :- صوتك لا يعجبني ، أجيبيني ما بك ؟.

حنان :- حائرة و مرتبكة بعض الشيء .

نور :- لماذا ؟. أخبريني و أفرغي ما في قلبك .

حنان :- و تكلفة الاتصال من سيدفعها ؟.

نور :- أهذا ما يقلقك و يمنعك من الحديث مطولاً معي كلما اتصلت بك ؟، لا تقلقي ، تكلفة اتصالات هواتفنا تدفعها الشركة التي يعمل بها محمود .



تتسلل بعض من الأحزان خارج حنان ، فيتغير صوتها و تعرف نور أن أمراً ما يجري و لا تقوى حنان على تحمله .



نور :- ما بك يا حنان ، لا تقلقيني عليك أكثر من هذا .

حنان :- اليوم تزورنا عمتي أم عماد و خالتي و السيدة نجاح.

نور :- جيد ، و ما المحزن في الأمر ؟.

حنان :- لا أعلم ، هناك أمر ما يخطط له و لا أعلم به .



تصمت حنان لتسألها نور عمّا أسكتها ، و فيما تفكر .



نور :- أين أنت ؟ ، و فيما تفكرين ؟.

حنان :- موجودة معك ، أخاطبك ، لكني أفكر في أمر ما .

نور :- و هو ؟.

حنان :- أرغب في رؤية أمان .

نور :- لماذا يأتيك هذا الشعور المفاجئ الآن ؟.

حنان :- لا أعلم ، أرغب في أن أراه ، كنت سأسأل إيمان عن حاله لكني لم أقوى على ذلك ، وعدت حسام أن لا أكلمه أو أتكلم عنه ، لكن .....

نور :- ربما كان هو أيضا يفكر فيك الآن ، و يرغب في أن يراك .

حنان :- لا أعتقد هذا .

نور :- ترغبين في أن تريه ، ترغبين في أن تخاطبيه و تحاوريه ، تشعرين بفراغ كبير لا يملأه إلا وجوده في عالمك .

حنان :- نعم .

نور :- قلت لك من قبل ، لكنك نفيت الأمر .

حنان :- أي أمر ؟.

نور :- أنت تشتاقين له ، و ترغبين في رؤيته ، و عندما علمت بمرضه البسيط قبل فترة جن جنونك خوفاً عليه ، تفرحين لفرحه و تحزنين لحزنه .

حنان :- نعم ، هذا صحيح .

نور :- أنت غارقة في الحب يا عزيزتي .

حنان :- غارقة في الحب ؟؟؟.

نور :- نعم ، غارقة و لا منقذ لك إلا سبب علتك ، أمان .

حنان :- كفاك كلاماً عن هذا الأمر ، لست أحبه ، فقط أهتم لأمره .

نور :- أنت صديقتي و أعرفك منذ طفولتك و أفهمك كما أفهم نفسي .

حنان :- و ماذا فهمت ؟.

نور :- أنت تحبين أمان ، لكنك مكابرة ، لا ترغبين في الإفصاح عن الأمر لأحد ، حتى إن كان لي أنا ، و لا أعلم السبب .

حنان :- أنت مخطئة ، أمان صديق ليس أكثر ، و لا أحبه كما تعتقدين ، فقط أهتم لأمره .

نور :- كلماتي قلتها لك ، و ستثبت لك الأيام أنها هي الصواب .

حنان :- أخشى أن تخيب الأيام ظنك و تثبت عكس ذلك .



تقف حنان على نافذة غرفتها ، و تزيح الستار قليلاً و ترى موقف سياراتهم ، فتجد سيارة أمان متوقفة فيه مجاورة لسيارة حسام ، تسكت و هي تشاهد السيارة و تمعن النظر حتى تتأكد إن كان أمان داخلها أم لا ، تخرج السيدة نجاح و إيمان من منزلهم ، فصمتت حنان و هي تراقبهم من غرفتها ، نزل أمان من سيارته و سلم على حسام و أوصل والدته إلى كرسي الراكب الأمامي في السيارة ، و قبل أن يدخل لسيارته التفت و ألقى نضرة على نافذة غرفة حنان ، فالتقت عيونهما معاً ، رغم أن زجاج النافذة كان مغلقاً و لم يكن ليراها لأنه من النوع العاكس ، لكن نظرته أربكتها فتراجعت بضع خطوات للخلف و هي تمسك سماعة الهاتف بالقرب من أذنها ، قطع صمتها صوت نور التي بدأت تصرخ في الهاتف منادية حنان بأعلى صوتها .



نور :- حنااااااااااااااااااااااااان .

حنان :- بهدوء ، ما بك تصرخين ؟.

نور :- فترة من الزمن و أنا أخاطبك و أنت لم تجيبيني ، قلقت عليك .

حنان :- رأيت أمان .

نور :- كيف و أين ؟ .

حنان :- رأيته من نافذة غرفتي ، جاء ليقل أمه و أخته من منزلنا.

نور :- و تقولين لي لا وجود للحب بينكما .

حنان :- و ما دليلك ؟.

نور :- شعرت بوجوده في المكان ، و رغبت في رؤيته ، أنت غارقة في الحب و لا تعلمين ، و هو ليس بأحسن منك حالاً ، هو أيضا كان يرغب في أن يراك لهذا بادلته نفس الرغبة .

حنان :- يمكن أن يكون أي شيء إلا أن يكون حباً .

نور :- نعم ليس حباً ، بل هو عشق يا مكابرة .......







انتهت شحنة مدخرة الهاتف ، قاطعة بهذا الاتصال بين حنان و نور ، نظرت حنان إلى الهاتف و ابتسمت ، و عادت من جديد و اقتربت في النافذة لتتأمل المكان الذي كان أمان يركن فيه سيارته قبل قليل ، و تسأل نفسها ، عما إذا كان ما قالته لها نور صحيح أم لا .









يتبع ....


31





انتهت الزيارة و عادت كل الضيفات إلى منازلهن ، بدّلت حنان ملابسها و أعادت ضفر شعرها الطويل ، و دخلت المطبخ تغسل الأواني ، تساعدها فرح الصغيرة في تجفيف الصحون و إعادتها إلى مكانها .



فرح :- هل ما يقولونه صحيح يا حنان ؟.

حنان :- و ماذا قالوا ؟.

فرح :- يقولون أنك ستصبحين عروساً .

حنان :- و من قال هذا ؟.

فرح :- عمتي أم عماد .

حنان :- و متى قالت ما قالته ؟.

فرح :- أصبحت دائما تناديك بالعروسة .

حنان :- ألم تعرفي عروساً لمن ؟.

فرح :- لا يهمني ، لكن لا تتركيني ، فإن صرت عروساً ستذهبين بعيداً عنّي ، حينها سأنام وحيدة في غرفتي .



تترك حنان ما في يديها و تمسحهما من الماء ، و تحتضن الصغيرة فرح و تهمس في أذنها (لا تقلقي لن أتركك تنامين لوحدك أبدا ) .



أنهت الأختان ترتيب المطبخ ، و ذهبتا معاً لغرفة المعيشة لتجتمعا مع باقي الأسرة ، وبمجرد دخولهما الغرفة صمت حسام الذي كان يناقش أمراً ما مع أمه ، قالت حنان في نفسها ( ما بالهم اليوم جميعاً يتصرفون على غير عادتهم؟ ).



لم تسألهم عن شيء ، استأذنتهم و أخذت جهاز التحكم عن بعد و بدأت تقلب قنوات الإذاعة المرئية تباعاً ، حتى وصلت إلى قناة تعرض برنامجاً للأطفال فصرخت فرح وطلبت من حنان أن تقف عند هذه المحطة ، فوقفت تلبية لطلبها.



حسام يغادر الغرفة و ينادي حنان ليكلمها على إنفراد في غرفة أخرى .



حسام :- حنان تعالي أريدك في أمر ما .



تستغرب حنان كلمات حسام و طلبه ، و تسأل نفسها ماذا يريد ؟ .



حنان :- تريدني أنا ؟، ما الأمر ؟، تعالى هنا و أخبرنا معاً .

حسام :- لا ، أريدك وحدك ، تعالي .

حنان :- حسنا .



تتبعه و تدخل غرفة الضيوف حيث دخل ، و يطلب منها أن تجلس على الكرسي.

تقول في نفسها (هذا استجواب لا حوار ، ماذا يرد منّي ؟؟).



جلست حنان على الكرسي بينما بقي حسام واقفاً ينظر إليها مبتسماً ، لكنه لم يتكلم ، حتى سألته حنان .



حنان :- ما بك يا حسام ؟، تكلم .

حسام :- لا أعرف من أين أبدأ .

حنان :- ابدأ من حيث تريد .

حسام :- لست بارعاً في هذا .

حنان :- عن أي الأشياء تتكلم؟ .



يرتب حسام بعض الكلمات ليبدأ بها حواره .



حسام :- هل تعلمين ما سبب زيارة اليوم ؟.

حنان :- ما أعرفه أنها زيارة عادية .

حسام :- هذا فقط ؟!.

حنان :- نعم.

حسام :- لا ، ليس هذا ما تعرفينه ، أعرف أنك ذكية و تعلمين ما يجري .

حنان :- لي شكوكي ، لكني لن أفصح عنها لأحد حتى تخبرني أنت بما تعرف .



يضحك حسام من كلماتها .



حسام :- لك شكوكك؟؟. هي في محلها ، فما رأيك بالأمر ؟؟.



تتأكد حنان أن زيارة اليوم زيارة غير عادية ، و من كلمات حسام تعرف أن زائرات اليوم جئن حتى يرينها و يخطبنها ، و تأكدت من كلمات فرح الصغيرة و عمتها أم عماد أن عمتها تخطبها لابنها عماد .



حنان :- رأيي في ماذا ؟.

حسام :- في زيارة اليوم و أسبابها .

حنان :- لم أفهم ، و لا تدخلني متاهة التفكير و التحليل و الاستنتاج ، أخبرني بكل وضوح ما تريد أن تخبرني .

حسام :- أنت في سن الزواج ، و كما تعلمين كل فتاة في هذا السن تدق باب منزلها و تزورهن النسوة حتى يرينها ، و يقررن إن كانت مناسبة لهن أم لا ، فإن أعجبن بها كانت هذه الخطوة الأولى نحو العرس ، و إن لم تعجبهن غادرن المنزل و بقيت المسألة مسألة نصيب من عند الله .

حنان :- و ما دخلي في هذا الأمر ؟، لم أفهم بعد .

حسام :- زائرات اليوم جئن حتى يخطبنك ، فما رأيك فيما قلت ، موافقة أم ماذا ؟؟.



تأكدت شكوك حنان ، هاهو حسام يقول كلماته لها مؤكدا شكوكها ، عماد أرسل اليوم أمه ليخطبها تلبية لرغبة والدها ، أو مهما كان الأمر ، فلن ترفض الأمر ، و توافق لكن بعد تفكير .



حسام :- ما بك ؟، أخبريني رأيك .

حنان :- لا رأي لي الآن ، دعني أفكر في الأمر .

حسام :- فكري في الأمر لكن لا تطيلي التفكير .

حنان :- هل أمي موافقة ؟.

حسام :- لا يهم رأي أمي أو حتى رأي أنا ، القرار قرارك ، سواء كنت موافقة أم لا ، فهذه حياتك أنت وحدك و لا أحد سيجبرك على فعل شيء لا تريدينه .



انتهى الحوار بينهما ، و اتفقا على أن يترك لها متسع من الوقت للتفكير قبل أن تعلمهم بقرارها ، خرج حسام من غرفة الضيوف ليترك حنان وحيدة تفكر في صمت .



تقول في نفسها:-

ها قد تأكدت شكوكي ، و ما زيارة اليوم إلا لتخطبني عمتي لابنها ، لكن لماذا ؟، هل القرار قرار عماد ، أم قرار عمتي ؟ ، ربما كان رغبة والدي رحمه الله ، هل يعلم عماد بمرضي و طبيعته أم لا يعلم ؟، أسئلة كثيرة يجب أن أعرف جوابها قبل أن أتخذ قراري النهائي .



تخرج حنان من غرفة الضيوف لتذهب للنوم فالوقت متأخر ، لكنها تمر بغرفة المعيشة لتتمنى للجميع ليلة سعيدة ، فتجد الصغيرة فرح قد نامت على الأريكة ، أما حسام و أمها مازالا ساهرين .



حنان :- تصبحون على خير .

الأم :- و أنت من أهل الخير .

حسام :- ذاهبة لتنامي ؟.

حنان :- نعم ، الوقت متأخر .

الأم :- فرح نامت هنا لأنها لا ترغب في النوم وحيدة في غرفتكما .

حنان :- هي تخاف النوم وحيدة ، سأحملها و آخذها معي لتنام .

حسام :- و كيف ستحملينها و تصعدين بها درجات السلم ؟، سأحملها عنك .



يحمل حسام الصغيرة فرح و يصعد بها درجات السلم ، تصعد خلفه حنان قد حملت وسادة فرح و غطائها التي كانت تنام بهما في غرفة المعيشة .



حسام :- فكرتِ في الأمر ؟.

حنان :- أي أمر ؟.

حسام :- نسيتِ بسرعة ؟، الأمر الذي أخبرتكِ به قبل قليل .

حنان:- فكرت و ما زلت أفكر .

حسام :- فكري لكن بسرعة .

حنان :- سأعلمك بقراري قريباً إن شاء الله.

حسام :- سأكون في الانتظار .



أوصل حسام فرح إلى سريرها ، و نامت حنان بجوارها ، و قام بتغطيتهما معاً ، و طبع قبلة على جبين الصغيرة فرح في صمت ، أما قبلة حنان كانت مصحوبة بهمسة قال فيها .

حسام :- في انتظار معرفة قرارك مهما كان ، و أعلمي أن هذه حياتك و لن يجبرك أحد على فعل ما لا تريدين ، تصبحين على خير .



خرج حسام من الغرفة و أطفأ الأنوار ورائه و ترك حنان تفكر فيما قال .



بقيت تفكر مطولاً و لم تستطع النوم ، حتى سمعت أذان الفجر يعلو معلناً عن بداية يوم آخر ، فقالت في نفسها .



(آه يا حسام ، لماذا أخبرتني بالأمر اليوم ؟ ، ألم يكن من الممكن أن تنتظر حتى الصباح ، حرمتني النوم من كثرة التفكير ، سأصلي الفجر و أدعوا الله أن يلهمني الجواب لسؤالك بما فيه خير لي و لكم ).





يتبع...





32



أخذت حنان الوقت الكافي للتفكير ، اليوم تعلم الجميع بقرارها ، ها هي في غرفة المعيشة تجتمع بحسام و أمها ، تخبرهم بقرارها النهائي بعد تفكير طويل .



حنان :- سألني حسام قبل فترة سؤالاً ، و اليوم سأجيبكم بما عندي .

حسام :- أخيراً سأعلم بجوابك ، لكن كما قلت لك ، هذه حياتك و القرار لك وحدك .

حنان :- أريد أن أعلم رأيك يا أمي أولاً ، هل أنت موافقة يا أمي ؟.

الأم :- لا يهم رأيي يا ابنتي ، فرأيك هو المهم هنا ، و كما قال حسام هذه حياتك أنت و القرار لك أنت وحدك .

حنان :- لا ، يجب أن أعلم رأيكم جميعاً .

الأم :- لا مانع عندي من إتمام الأمر ، بل الأمر يفرحني لأن والدك رحمه الله كان موافقا عليه .

حنان :- و أنت يا حسام ، ما رأيك ؟.

حسام :- موافق و لا مانع عندي ، هو رجل من أحسن الرجال ، و سأطمئن عليك ما دمت معه .

حنان :- قبل إعلامكم رأي ، أريد أن أعلم أمراً آخر .

الأم :- تفضلي و اسألي .

حنان :- هل كانت هذه رغبة أبي ، أم رغبة عمتي ، أم رغبة عماد ؟.



يستغرب كل من حسام و أمها سؤالها ، و يسألها حسام .



حسام :- و ما علاقة عماد في الأمر ؟.



شكت حنان من سؤاله أنها أخطأت في فهم أمر ما ، فتجيبه بسؤال على سؤاله .



حنان :- ألم تأتي عمتي أم عماد قبل فترة لتخطبني لولدها عماد ؟.



يضحك حسام من الأمر ، و تبتسم والدتها ، لكن حنان لم تفهم شيء .



حنان :- ما بكم ؟، بما أخطأت ؟ ، أفهماني .

حسام :- آسف أنا المخطئ .

حنان :- و فيما أخطأت ؟.

حسام :- عندما سألتك عن رأيك في زيارة ذاك اليوم ، كنت أسألك عن رأيك في الارتباط ، لكني لم أقل لك من تقدم لخطبتك ، و أنت من فهم أن عماد هو المعني بالأمر .

حنان :- إذن من يكون ؟.

الأم :- تذكري من كان في الزيارة .

حنان :- كانت عمتي و خالتي و السيدة نجاح و إيمان .

الأم :- عمتك أم عماد لم تكن هي خاطبتك ، و خالتك أم البنات ، إذن من جاءت لخطبتك؟.



تفكر حنان قليلاً ، ويحمر وجهها خجلاً ، أنيسها هو من أرسل أمه ليخطبها ، لكنها لم تشأ أن تقع في الخطأ نفسه مرتين ، أرادت أن تتأكد مما علمت فسألت .



حنان :- أمان ، هو من تقدم لخطبتي ؟.

حسام :- نعم ، أمان ابن الدكتور خالد كمال.

الأم :- ها قد علمت بالأمر ، نرغب في أن نعرف رأيك فيه .



ترتبك حنان و لا تعرف ماذا تفعل ، قد كانت تفكر كل الوقت في عماد ، كانت تفكر بعقلها ، لكن الأمر اختلف مع أمان ، احمرّ وجهها و عقد لسانها و ما كان منها إلاّ أن خرجت من الغرفة لتصعد درجات السلم بسرعة و تدخل غرفتها و قلبها يدق بقوة كأنه عصفور صغير مسجون في قفص يرفرف بكل قوته ليخرج منه .



يسأل حسام والدته عما جرى .



حسام :- ما بالها ؟، لماذا هربت هكذا ؟.

الأم :- إنه الحياء يا ولدي .

حسام :- لم تعلمنا بجوابها بعد .

الأم :- جوابها واضح كوضوح الشمس في يوم صيفي مشرق .

حسام :- لم أفهم .

الأم :- ما صمتها إلا من حيائها ، و ما حيائها إلا لأنها موافقة .



يقف حسام و يريد أن يتبع حنان و يفهم منها جوابها ، لكن والدته تمنعه .



الأم :- لما وقوفك؟.

حسام :- سأذهب لحنان و أسألها و أعرف جوابها .

الأم :- هي موافقة يا ولدي .

حسام :- أريد أن أتأكد ، و لن أترك الأمر لما نعتقد .

الأم :- اجلس هنا و سأذهب إليها و أخاطبها .



حنان في غرفتها ، مازالت لا تعرف ماذا جرى و كيف يجري ، أنيسها تقدم لخطبتها ، ربما ما كانت تقوله نور صحيح ، ربما كانت تحبه و يحبها ، لهذا عقد لسانها و كانت هذه ردة فعلها حين علمت بالأمر .



دقات خفيفة على باب غرفتها تعيدها من الدنيا التي كانت فيها .



الأم :- حنان ، أيمكنني الدخول ؟.

حنان :- نعم تفضلي .



تدخل الأم الغرفة و تجلس بجوار حنان على سريرها و تخاطبها .



الأم :- ما بال طفلتي الصغيرة ؟ ، هربت قبل أن تجيبنا على سؤالنا .



احمرّ وجه حنان خجلاً و استقرت عيناها في الأرض و صمتت .



الأم :- تشعرين بالخجل و الحياء ، أليس كذلك ؟.



تهز حنان رأسها في حركة تؤكد قول والدتها .



الأم :- لكن يجب أن أعلم جوابا لسؤالنا ، حتى أُعلم السيدة نجاح بالأمر .

حنان :- افعلوا ما ترونه مناسباً .

الأم :- لا ، لن نفعل شيء حتى نعلم بجوابك .

حنان :- ما دمت موافقة و حسام مواقف ، و كان أبي رحمه الله موافقاً ....



قبل أن تنهي حنان كلماتها قاطعتها والدتها .



الأم :- لا يهم قرارنا ، لأن القرار لك وحدك ، أنت من يجب أن يوافق أو لا يوافق ، و لا تتأثري بقرار أحد .



حنان :- قراري كقراركم .

الأم :- أفهم من هذا أنك موافقة ؟.



تهز حنان رأسها موافقة .



الأم :- إذن أسمعيني إيّاها و قولي موافقة أن أتزوج أمان على سنة الله و رسوله .



تقول كلماتها في صوت خافت خجول ، لكنه مسموع .



حنان :- موافقة أن أتزوج أمان على سنة الله و رسوله .



تحتضنها والدتها بفرح و تطبع قبلة على جبينها و تبارك لها .



يفتح حسام الباب و يقول بصوت ممازح .



حسام :- لم أسمع صوت زغروتة تعلن عن بداية الفرح ، فأين هي ؟.



زغرتت الأم تلبية لطلب ولدها .





يتبع ...


33



مر الوقت بسرعة ، و لم تشعر حنان بمروره ، وجدت نفسها في بيت تدخله لأول مرة و قد صار بيتها ، في هذا البيت ستعيش مع أنيسها باقي أيام حياتها ، ها هي تقف في غرفة أصبحت غرفتها ، ترتدي ثوب أبيض مزين بحبات من الكريسال الصافية التي تعكس ألوان قوس قزح كلما مر الضوء من خلالها ، و في حركتها كانت تجر ذيل فستانها على الأرض ، زينت وجهها بعضاً من مساحيق التجميل ، تزينت بطقم من الذهب الأبيض، رفعت شعرها بتسريحة العرائس ، وضعت تاجاً صغيراً على رأسها و تدلت الطرحة على كتفيها ، أمسكت في يدها باقة من الورود الطبيعية البيضاء الشبه متفتحة ، كانت تتأمل نفسها في المرآة و تنتظر قدوم أنيسها .



في انتظارها تتذكر والدها الذي أحبته ، و طالما رغبت و تمنت أن يكون معها اليوم ، و يبارك زواجها ، لكن أمر الله كان نافذا ، تترقرق الدمعة في عينها و تتذكر كلمات أمها عندما احتضنتها مودعة قبل مغادرتها صالة العرس ، عندما قاربت دموعها على أن تخرج من محجر عيناها .



الأم :- لا تبكي يا ابنتي ، اليوم فرح لا حزن .

حنان :- تذكرت أبي ، تمنيت أن يكون معي .

الأم :- كلنا معك ، و هو أيضا ، لا بد أنه سعيد بك اليوم ، و يبارك لك زواجك من أمان .

حنان :- رغبت أن يوصلني إلى منزلي الجديد ، إلى منزل زوجي ، كما يفعل كل الآباء لبناتهن .

الأم :- سيوصلك حسام ، و يكون مكان والدك ، الآن لا تبكي و لا تحزني و افرحي فاليوم عرس .





على طاولة الزينة وضعت الصندوق الصغير الذي أهداه لها حسام ، كان في داخله خاتمها المسحور ، تذكرت الحوار الذي دار بينهما قبل قليل عندما أعطاه لها .



حنان :- ما هذا ؟.

حسام :- افتحيها و ستعرفين .



تفتح الصندوق و تقول في تعجب مما رأت داخله .



حنان :- هذا الخاتم المسحور! .

حسام :- نعم خاتمك المسحور ، لم أعد مالكه ، و اليوم سيكون ملكاً لغيري ، كان الله في عون أمان الذي لا يعلم بسحر الخاتم بعد .





و على طاولة صغيرة بالقرب من السرير وضعت وردة بيضاء صغيرة ، أعطتها لها فرح عندما كانت في الصالة التي أقيم فيها العرس.



اليوم ارتدت فرح الصغيرة ثوبا ناصع البياض ، مزين بورود مصنوعة يدويا مرشوشة بالبهارج اللامعة ، و قد وضعت على رأسها إكليلاً من الورود الصناعية البيضاء الصغيرة ، نزعت إحداها و أعطتها لحنان و قالت لها .



فرح :- حنان خذي مني هذه الوردة و دعيها تنام معك ، و سآخذ وردة من باقتك حتى تنام معي اليوم في غرفتي .



ضحكت حنان من كلمات الصغيرة فرح ، و أعطتها الوردة التي اختارتها .





يمر الوقت و لم يأتي أمان بعد ، تذكرت ما جرى قبل قليل في صالة العرس ، عندما أتتها إيمان و أخبرتها أن أمان سيتأخر ، و يعتذر لكونه لا يستطيع الوصول في الوقت المحدد لصالة العرس ليأخذها لبيتهم ، و قد طلب من حسام مسبقا أن يقوم هو بالمهمة ، و يبقى معها في المنزل حتى قدوم أنيسها .



حسام أوصلها لمنزلها كما طلب منه ، و عند تأخر أمان وجب أن يغادر حتى يعود بأمه و أخته فرح للمنزل من صالة العرس .



الوقت تأخر ، و حنان وحيدة في المنزل ، وحتى يمر الوقت بدأت تتجول في منزلها ، تكتشفه و ترى كل غرفه .



في غرفة الاستقبال رأت عدداً من الهدايا موضوعة على الطاولة ، اختارت إحداها و فتحتها ، وجدت أنها شمعدان فضي و مجموعة شموع عطرية ، و معه بطاقة صغيرة كتب فيها .



( لم أعرف ماذا أهديك ، فاخترت أن أهديتك شمعدان و شموع ، حتى تكوني كالشمعة تنيرين بيتك و حياة أمان ................... المخلصة دوماً نور )



ابتسمت و قالت في صوت هامس .



حنان :- لك من اسمك نصيب ، نور تنير دربي ، و هديتني شموعاً أنير بها حياتي .



حملت الشمعدان و وضعته على طاولة قريبة منها .



خرجت من غرفة الإستقبال لتكمل باقي جولتها ، وجدت غرفة مغلقة ، و مفتاحها معلق في بابها ، فتحتها و لم تجد بها شيء ، غرفة خالية من أي أثاث .



تتذكر كيف كان الاتصال الذي وصف فيه أمان منزلهما .



أمان :- اشتريت منزلاً جميلاً.

حنان :- مبارك لنا .

أمان :- لكنه بعيد عن منزل أسرتي ، و صغير بالمقارنة بمنزل أسرتك .

حنان :- نعم .

أمان :- هناك حديقة صغيرة أمام المنزل ، سأزرع فيها شجرة ليمون .

حنان :- نعم .

أمان :- ستكون الشجرة صغيرة ، سنسقيها معاً ، و ستكبر إن شاء الله .

حنان :- نعم .

أمان :- لا أرغب في تأثيث كامل المنزل .



لكن حنان لم تجب ، فسأل أمان .



أمان :- أين نعم هذه المرة ؟.

حنان :- لا أعلم .



ضحك الاثنان من جوابها ، و أكمل أمان حديثه .



أمان :- سأقوم تأتيت الضروري الآن ، فما رأيك ؟.

حنان :- هذا جيد ، فأجمل شيء أن نشترك معاً في تأثيث المنزل ، لأنه عشنا الصغير ، معاً سنختار و نشتري ما ينقصنا ، بهذا تكون لكل قطعة في المنزل ذكرى لنا .

أمان :- منزلنا صغير أربع غرف فقط و بطابق واحد .

حنان :- سيكون في عيوني قصراً ما دمت معك .





نظرت إلى الساعة بقلق ، فأمان تأخر ، بحثت عن هاتفها لكنها لم تجده ، قالت في نفسها (ربما نسيته في مكان ما ).



بحثت عن هاتف في المنزل حتى تتصل به ، لكنها لم تجد .



دخلت المطبخ ، وجدته صغيراً ، و على طاولته وجدت علبة شكلاتة من النوع الذي تحب ، فتحتها و أخذت حبة منها ، و أكلتها .



خرجت من المطبخ و دخلت غرفة المعيشة كانت تنظر في كل مرة للساعة بقلق ، تقف على مقربة من النافذة ، و تزيح الستار و ترى من خلالها ، رأت شجرة حمضيات صغيرة مزروعة في حديقة المنزل الأمامية ، إبتسمت ، لكن إبتسامتها كانت في قلق لأنها تشغل بالها بالتفكير في سبب تأخر أمان ، و تدعو الله أن يسلمه من كل شر .





يومها كان طويلاً و متعباً ، عادت لغرفة النوم و اتكأت على السرير حتى ترتاح ، فسرقها النوم و هي تفكر في أمان و تتذكر كل الذكريات الماضية الجميلة معه ، تمنت أن يكون القادم أجمل ، نامت و بدأت في الأحلام ، أحلام وردية بلون أزهار الربيع ، تسمع زقزقة العصافير ، ترفرف من حولها الطيور و الفراشات كل منهم يطير في أجواز ، و كأنهم أحبة في عالم الأحلام ، تسير في حقل واسع مليء بالورود ، و في سيرها وجدت أمان ، يقف مبتسماً ماداً يده لها طالباً منها أن تشاركه المسير ، فمدت يدها ملبية طلبه ، لكن قبل أن تتلامس رؤوس أصابعهما معاً ، لُبِدّت السماء بالسحب ، و غابت الشمس ، صمتت العصافير و اختفت الفراشات ، التفتت حولها لتجد نفسها واقفة في سواد حالك إلا من شعاع ضوء مصدره السماء مسلطة نحوها ، تنادي أمان و تستنجد به ، لكنها لا تراه ، تسمع صوته لكنها لا تراه ، يناديها ، حنان ، حنان ، حنان .



فتحت عيونها فَزِعَة ، فرأت أن أنيسها وصل ، و كان يناديها بحنان ، و يجلس على مقربة منها ، و يتأملها و هي نائمة بحلتها البيضاء ، ابتسمت في حياء و سألته .



حنان :- هناك سؤال يحيرني .

أمان :- ما هو ؟ .

حنان :- أتذكر يوم استيقظت في المستشفى و رأيتك أمامي هكذا ؟.

أمان :- نعم ، أتذكره و لم أنساه أبداً.

حنان :- أخبرني ماذا رأيت ؟ .

أمان :- ما رأيته يومها أراه الآن أمامي .

حنان :- و ماذا رأيت؟.

أمان :- أميرة في حله بيضاء.





يتبع ...











نهاية الجزء الخامس








34 ( 6 )





صوت إزاحة ستائر النافذة ، و نور ساطع يدخل الغرفة ، و رائحة القهوة العربية تعبق في المكان ، صوت صادر من خارج الغرفة لأغنية أم كلثوم ( إنت عمري ) ، كل هذا يطرد الرغبة في النوم ، يصحوا أمان من نومه ليجد عروسه قد أعدّت وجبة الإفطار ، و وضعتها على طاولة بالقرب من السرير ، و بابتسامة عذبة مشرقة تصبّح على زوجها .



حنان :- صباح السعادة ، و الحب .

أمان :- صباح الحنان و الأمان ، ما هذا ؟.

حنان :- هذا فطورك ، أحببت أن تفطر اليوم هنا .

أمان :- كم الساعة الآن ؟.

حنان :- العاشرة إلا ربع .



ينهض أمان من مكانه و يذهب للحمام وفي طريقه يخبر حنان أن تجهز نفسها و حقيبتها للسفر .



أمان :- جهزي حقيبتك .

حنان :- أي حقيبة ؟، و لماذا ؟.

أمان :- حقيبة لنسافر بها .

حنان :- إلى أين ؟.

أمان :- إلى حيث التقينا أول مرة .

حنان :- مدينة الجبال ؟.

أمان :- نعم .

حنان :- لكنك لم تخبرني بالأمر سابقاً .

أمان :- الفكرة كانت بالأمس فقط ، و لم أخبرك حتى أمتلك التذاكر .

حنان :- لهذا تأخرت بالأمس ، يا حبيبي ؟.

أمان :- نعم ، صديق لي قام بحجز التذاكر ، و في ليلة الأمس أوصلهم لي .

حنان :- لماذا أتعبت نفسك ؟، لم يكن من داعي لكل هذا .

أمان :- حبيبتي ، هذه هي هديتي لك بمناسبة زواجنا ، سنذهب إلى هناك و أريك كل الأماكن التي أحبها و لن نعود حتى تملي منها .



أعجبتها الفكرة ، و فاجأتها هديته لها ، لكنها تذكرت أسرته و من سيعيلهم في سفره .



حنان :- و عائلتك ، من سيبقى معهم و يهتم بهم ؟.

أمان :- معين سيتكفل بهم .

حنان :- زوج إيمان ؟.

أمان :- نعم ، معين صهرنا العزيز ، هو من سيبقى معهن و يهتم بهن لحين عودتنا .



أمان خارج من الحمام و يضع على كتفيه فوطة يمسح بها رأسه و وجهه .

أرادت حنان أن تتصل بأمها لتعلمها بسفرها ، فسألت أمان أن يعطيها هاتفه .



حنان :- أمان أعرنيِ هاتفك .

أمان :- لماذا ؟.

حنان :- أريد أن أتصل بأمي و أعلمها بسفرنا .

أمان :- اتصلي من هاتف المنزل .

حنان :- أي هاتف؟ ، لم أجد هاتفاً بالأمس .

أمان :- لدينا هاتف ، سأجلبه لك .



غاب لثواني و عاد يحمل في يده علبة بها هاتف جديد ، أخرج منها الهاتف ، و أوصله بالقابس في الحائط ، و صار يعمل .



أمان :- اشتريته متنقلاً كهاتف منزلكم ، و كل المقابس في الحوائط تعمل جيداً ، يمكنك أن تتصلي به من أي غرفة تريدين ، تفضلي جربيه .



أجرت الاتصال و طمأنت والدتها و أهلها ، و عادت لترى ما يفعل أمان .

وجدته جالس على حافة السرير فاتح أمامه حقيبة سوداء صغيرة منشغل بما داخلها ، و قد أدارها عندما دخلت حنان حتى يقابلها غطاء الحقيبة و يمنعها من رؤية ما بداخلها ، اقتربت منه لترى ماذا يفعل ، فأغلق الحقيبة ، و نزع منها المفتاح ، و غير ترتيب أرقامها .



طلب منها أن تكمل تجهيز باقي الحقائب .



أمان :- ضعي المعاطف لا تنسيها .

حنان :- لماذا ؟، نحن في الصيف و الجو حار ، قد لا نحتاجها و تكون فقط حملاً زائداً .

أمان :- سنذهب للجبال ، و نتزلج ، و يجب أن نأخذ المعاطف معنا .

حنان :- لكني لا أعرف كيف أتزلج .

أمان :- لا تقلقي يا حبيبتي سأعلمك .





عرفت حنان أن الرحلة ستكون جداً ممتعة ، كيف لا ، و هي بصحبة أمان ، أنيسها و زوجها الذي تحب .



شاهد أمان العلبة الصغيرة التي وضعتها على طاولة التزيين ، فسألها عنها .



أمان :- ما هذه العلبة و ماذا فيها ؟.

حنان :- هذا الخاتم المسحور .

أمان :- أي خاتم و أي سحر؟.

حنان :- هذا الخاتم المسحور ، كل من يرتديه يصير مسئولاً عن الأميرة .

أمان :- و من قال لك هذا ؟.

حنان :- أبي رحمه الله قال لي هذا .

أمان :- و من ارتدى هذا الخاتم قبلاً ؟ .

حنان :- أبي ، ثم حسام ، أما الآن سيرتديه أمير من هذا الزمان .

أمان :- أمير و أميرة ، عن ماذا تحكين ؟.



خشي أمان على حنان أن تكون جنت من السعادة ، فهذا أول يوم لهما معاَ في بيت واحد بعيد عن عيون حسام ، فماذا تقول و عن أي الأمراء تحكي .



أمان :- أيمكن أن أرى الخاتم ؟.

حنان :- لا .

أمان :- لما لا ؟.

حنان :- لن أريك إياه فقط ، بل سأعطيه لك و يكون ملك لك وحدك ، لتكون الأمير الذي يرتديه و يسحرك بسحره لتكون مسئولاً عن الأميرة .

أمان :- و من تكون أميرتي ؟.

حنان :- ألم أكن بالأمس أميرتك بالحلة البيضاء ؟.



فهم أمان قصة الخاتم و كلمات حنان ، حملت حنان العلبة و أخرجت منها الخاتم ، و مدت يدها لأمان تطلب منه أن يمد يده ، فمد يده ملبيا طلبها و ألبسته الخاتم .







يتبع ...

35





في إحدى غرف الفندق ، بدأت حنان في إخراج أمتعتها من الحقائب ، لكن أمان كان يجري اتصالاً هاتفياً، و يتكلم بلغة أجنبية ، لم تهتم باتصاله ، لأنها لم تفهم منه شيء ، كانت تقول في نفسها ( ربما كان هذا الاتصال اتصال عمل ، و لن أتدخل في عمله ).



اتجهت حنان لحقائب أمان و بدأت في إفراغها ، لم تعرف ما فيها لأنه أعدها مسبقاً ، و لم ترى ما يحمل داخلها ، فتحت الحقائب الكبيرة و أفرغت محتوياتها ، حملت الحقيبة السوداء الصغيرة و وضعتها على السرير ، و قبل أن تفتحها يقطع أمان اتصاله و يمنعها من فتحها .



أمان :- لا يا حنان ، لا تفتحيها .

حنان :- لماذا ؟، سأعلق الملابس في الخزانة حتى لا تبقى مجعدة .

أمان :- هذه لا تحوي ملابس تتجعد ، أتركيها .

حنان :- حسنا أريد أن أعرف ما بها .



يضع أمان سماعة الهاتف من يده و يذهب لحنان ، يحمل الحقيبة بعيداً عنها ، و يقول لها .



أمان :- حبيبتي أتركي أمر الحقيبة لي ، و جهزي نفسك سنقوم بنزهة .

حنان :- الآن ؟.

أمان :- نعم الآن ، و هل سنبقى طول الرحلة في الفندق ؟، يجب أن نخرج و نرى البلاد .



جهزت حنان نفسها و خرجا معاً ، لكنها بقيت تفكر في الحقيبة و ما تحويه ، و لماذا منعها من فتحها .



في الليل بينما كان أمان نائماً ، لم تقوى حنان على النوم ، تفكر في لغز الحقيبة .

قامت من سريرها و بحثت عنها في الغرفة ، لكنها لم تجدها ، لم تشأ أن توقض أمان بصوت بحثها ، فعادت و نامت و بقيت تفكر في الحقيبة و ما بداخلها و أيضاً عن مكان وجودها ؟.





ثلاث أيام و هم في هذه المدينة ، لم يتركوا متحفاً ، أو قلعة ، أو مدينة أثرية لم يزوراها ، حان الآن موعد تغيير المكان ، و الذهاب لمدينة أخرى .



حزمت الحقائب ، لكن حنان لم تجد حقيبة اللغز في غرفتهما ، زادت حيرتها ، و سألت أمان عنها ، فأجابها عن مكانها .



حنان :- حبيبي كل الحقائب موجودة ، لكن حقيبتك السوداء الصغيرة لم أجدها .

أمان :- سأتصل بخدمة الغرف لينزلوا الحقائب من الغرفة .

حنان :- قلت لك تنقص حقيبة .

أمان :- أعرف يا حبيبتي .

حنان :- أين هي ؟.

أمان :- في الفندق ، في قسم الأمانات ، سآخذها عندما نغادر .



تتعجب حنان من كلمات أمان ، لماذا وضعها في الأمانات ، و ماذا يوجد داخلها ؟.



وصلا إلى الجبال ، و الثلج كان يغطى المكان ، بين الحين و الآخر ترى متزلجاً يرتدي زلاجته و ينحدر على الثلج بمهارة ، فرحت و قالت له .



حنان :- هل تتزلج مثلهم ؟.

أمان :- نعم .

حنان :- أيمكنني أن أجرب أيضا ؟.

أمان :- نعم ، ستجربين و أعلمك ، و ربما أصحبت مثلهم أو أبرع منهم .



في غرفة الفندق ، طلب أمان من حنان أن ترتاح ، و أن تفرغ الحقائب ، و استأذنها بعض الوقت ليؤدي عملاً ما ، بحثت حنان عن الحقيبة السوداء الصغيرة لكنها لم تجدها ، زادت حيرتها ، في ما تحويه الحقيبة من أمر سرّي لا يريدها أن تعلمه .



...........................



مساءا و في مطعم الفندق ،على مائدة العشاء يجتمع الحبيبان معاً ، و ضوء الشموع الخافت ينير المكان ، صوت معزوفة كلاسيكية هادئة تعزف على البيانو .



أمان :- ما رأيك في التزلج على الثلج ؟.

حنان :- جداً ممتع ، لكني سقط مرات عديدة قبل أن أعرف كيف أقف بالزلاجات .

أمان :- لا يهم إن وقعت أم لا ، المهم أن تتعلمي من وقعاتك ، و تسيري في نهاية الأمر .

حنان :- ربما غداً سأسير جيداً إن شاء الله .

أمان :- ربما لن تكون هناك فرصة لتتزلجي غداً .

حنان :- لماذا ؟.



يسكت أمان ، و يترك السكين من يمناه ، و يمسك بيسرى حنان على الطاولة ، و يحاول أن يخبرها بالأمر بطريقة تتقبلها .



أمان :- حبيبتي علمت أن في هذه المدينة مستشفى .

حنان :- و إن كان هناك مستشفى ؟.

أمان :- حناني لا تستعجلي ، اتركيني أنهي كلماتي أولاً .

حنان :- حسنا ، تفضل أنهيها .

أمان :- في هذه المدينة مستشفى ، و بها أبرع الأطباء و أكثرهم خبرة في طب القلوب ، لماذا لا نستغل فرصة وجودنا هنا ، و يطمئن كل منا على الآخر؟ ، سنجري معاً كشفاً ما دمنا هنا .



تسحب يدها من على الطاولة بسرعة ، و تفلتها من يده .



حنان :- جئت بي إلى هنا فقط لتدخلني المستشفى ؟ .

أمان :- لا ، لا تفكري يا حبيبتي في هذا الأمر .

حنان :- إذن لماذا ؟.

أمان :- كما قلت لك ، هي نزهة فقط ، إن رغبت في الأمر أجرينا الكشوفات معاً ، و إن لم ترغبي نسينا الأمر .

حنان :- معاً ؟؟.

أمان :- نعم معاً ، نجري كشف الأحبة ، أرغب في أن أطمئن على صحتي ، و على صحة قلبي ، أشعر أنه صار عليلاً بحبك .



تبتسم حنان و يحمر وجهها خجلاً ، و توافق على أن تجري الكشوفات اللازمة ، بشريطة أن يجرياها معاً كما قال لها ( كشف أحبة ) .



أجريا كل الكشوفات اللازمة ، و اطمأن كل منهما على الآخر .

و غادرا المدينة بعد أن تعلمت حنان كيف تقف بزلاجات التزلج على الثلج، و تتزلج بضع أمتار بهما .





يتبع ...



36





اتصال في الصباح الباكر يوقظ حنان من نومها ، تخرج من غرفة النوم ذاهبة لغرفة المعيشة حتى تجيب على الهاتف ، تنظر إلى ساعة الحائط المعلقة في الممر فتجد عقاربها تشير إلى الساعة السابعة و النصف صباحاً ، ترفع سماعة الهاتف تتكلم بصوت ناعس و بعقل يفكر في المتصل و سبب اتصاله .



حنان :- السلام عليكم .

أماني :- عليكم السلام ، صباح الخير .

حنان :- صباح النور .

أماني :- آسفة لاتصالي في هذا الوقت الباكر ، لكن سيارة آمنة قد توقفت و لا يوجد من يقلني للجامعة ، هل تخبرين أمان بالأمر حتى يوصلني ؟.

حنان :- حسناً ، متى تبدأ أول محاضراتك ؟.

أماني :- الساعة الثامنة ، و يمكن أن أدخلها حتى الثامنة و الربع .

حنان :- إن شاء الله يكون أمان عندك قبل بداية المحاضرة .

أماني :- مع السلامة .



تعود حنان لغرفة النوم و توقظ أمان و تخبره بما يجري .



حنان :- أمان صباح الخير .

أمان :- صباح النور ، كم الساعة ؟.

حنان :- الساعة السابعة و النصف .

أمان :- اليوم إجازة ، لماذا توقظيني باكراً ؟ .

حنان :- اتصلت أماني ، و تقول إن سيارة آمنة قد توقفت مرة أخرى ، و تريدك أن توصلها للجامعة .

أمان :- توقفت مرة أخرى ، هذه رابع مرة تتوقف فيها هذا الشهر .

حنان :- بسرعة يجب أن تذهب ، فمحاضرتها تبدأ الساعة الثامنة .



بسرعة يرتدي أمان معطفه بعد أن غسل وجهه ، و حمل مفاتيح سيارته مغادراً منزله ، لكن حنان أوقفته لبرهة حتى يشرب كوب ماء ، فالجو بارد جداً بالخارج ، و هو كان نائما في سريره الدافئ .



عاد أمان لمنزله ، و دخل سريره ، و سحب بطانيته السميكة عليه .



حنان :- حبيبي ، عائد للنوم ؟.

أمان :- يا حناني ، اليوم عطلة ، أرغب في الكسل اليوم ، أريد أن أنام .

حنان :- متى ترغب أن أوقظك ؟.

أمان :- لا توقظيني ، فقط أرغب في النوم و عندما أشبع سأنهض وحدي .

حنان :- لك ذلك ، أحلاماً سعيدة .



تغادر حنان الغرفة و تغلق الأضواء و الباب ورائها ، كانت تفكر في حال أمان ، بالأمس عاد للمنزل في ساعات الفجر الأولى ، و لم يرتح في نومه ، و اتصال أماني أيقظه ، أمان تعب جداً ،بعد أن صار له بيته الخاص ، فهو لم يعفى في العناية بأخواته و أمه ، و ما زاد تعبه بعده عنهن ، لأنه معيلهن الوحيد ، يجب أن يكون بجوارهن كلما احتجن إليه ، لكن المسافة طويلة تفصل بين البيتين ، و هذا يتعبه .



ستة أشهر على هذا الحال ، منذ زواجهما و هو لا يستطيع أن يرتاح ، لا يستطيع أن يوفق بين بيته و عائلته و راحته .



فكرت كثيراً في حل لمشكلته ، لكنها لم تجد ، دعت الله أن يساعده و أن يريحه من هذا التعب ، وكّلت أمرها لله و أيقنت أنه معينها في حل مشكلتها .



بينما كانت حنان تعد وجبة الغذاء رن هاتفها النقال لتجد أن المتصلة أماني .



حنان :- السلام عليكم .

أماني :- و عليك السلام .

حنان :- هل أنهيت محاضراتك ؟.

أماني :- نعم أنهيت محاضراتي و أنتظر أمان ، لكنه لم يأتِ بعد ، أتصل به على هاتفه النقال لكنه لا يجيب .

حنان :- سأكلمه و يكون عندك بعد قليل إن شاء الله، لكن سيأتي بك إلى هنا ، لأننا ندعوك للغذاء معنا اليوم .

أماني :- سألبي دعوتكم إن شاء الله ، المهم أن يأتيني أمان بسرعة .



تخرج حنان من المطبخ لتوقظ أمان ، فتجده واقفاً بالقرب من باب المطبخ يتتائب بعمق و يحك رأسه بقوة مكسباً شعره منظراً غير مرتب ، فتمازحه حنان بكلماتها و هي تضحك .



حنان :- مساء الخير .

أمان :- مساء النور ، نمت طويلاً و نسيت أماني في الجامعة .

حنان :- اتصلت بي و قالت أنها في انتظارك .

أمان :- سأذهب إليها بعد أن أجهز نفسي .

حنان :- فعلاً يجب أن تجهز نفسك ، فبشعر كهذا لن تعرفك .

أمان :- من يراك تضحكين على شعري اليوم لا يقول هي ذاتها التي أحبته في ما مضى .

حنان :- كان شعرك قصيراً مرتباً جميلاً ، و ليس بهذا الشكل .

أمان :- لم تعودي تحبين هذا الشعر ؟.

حنان :- شتة أشهر مرّت على زواجنا و مازلت أحب صاحب الشعر المنفوش .

أمان :- الحمد لله أن صاحب الشعر المنفوش مازال محبوباً .

حنان :- اذهب يا صاحب الشعر المنفوش و استحم و سأعد لك ثيابك .



على مائدة الغذاء كان أمان و حنان و ضيفتهم أماني ، يتبادلون الحديث بما جرى اليوم ، و يبحثون عن حلٍ للمشكلة .



حنان :- كيف كان يومك يا أماني ؟.

أماني :- الحمد لله ، لكني فوت المحاضرة الأولى .

حنان :- لماذا ؟.

أمان :- تأخرت في إيصالها ، فالطريق كان مزدحم .

حنان :- محاضرة مهمة ؟.

أماني :- لا ليست مهمة جداً .

أمان :- طول المسافة بين بيتينا مشكلة .

حنان :- نعم مشكلة متعبة بالنسبة لك .



تتذكر أماني أمراً و تخبرهم به .



أماني :- ماذا لو سكنتم معنا في العمارة؟ .

أمان :- لا ، أريد لحنان بيتا خاصا بها وحدها .

حنان :- أمان ، حبيبي ، ليست مشكلة أبداً ، شقتكم لا بأس بها و يمكنها أن تحتوينا جميعاً ، إن كان هذا يريحك .

أماني :- ليس هذا ما عنيته .

أمان :- ماذا تعنين ؟.

أماني :- في الفترة الماضية ، جارنا في الشقة المجاورة لشقتنا ، أبلغنا أنه يريد ترك شقته ، و بيعها ، و قال أنه يحب أن يعلمك أنت بالأمر أولا ، و يعرضها عليك ، إن لم ترغب في شرائها باعها لغيرك .

أمان :- و متى كان هذا ؟.

أماني :- قبل يومين أو ثلاثة .

حنان :- هذا جيد جداً ، حل مناسب لنا جميعاً .

أمان :- حنان ، أنت موافقة أن ننتقل للسكن فيها ؟.

حنان :- نعم ، و بكل فرح و سرور ، مادام هذا الأمر يريحك.

أماني :- لكن الشقة أصغر من منزلكم .

حنان :- لا يهمني إن كانت صغيرة أم كبيرة ، المهم أن أكون مع أمان أينما ما كان.

أمان :- لكن لن نسكن فور شرائها ، يجب أن أعيد طلائها و صيانتها .

حنان :- ليست مشكلة ، توكل على الله ، و سيكون معك .

أمان :- إن شاء الله .


يتبع ...


37





صوت باب الشقة قد فتح ، و حنان في المطبخ تضع لمساتها الأخيرة على وجبة الغداء .



أمان :- السلام عليكم .

حنان :- و عليك السلام .

أمان :- أشم رائحة شهية منبعثة من المطبخ .

حنان :- دقائق و يكون الغداء جاهز إن شاء الله.



يدخل أمان المطبخ و قد جذبته رائحة طبخ حنان .

يقف بالقرب من حنان و يراقبها و هي تقطع حبات الخيار لحلقات حتى تصنع منها طبق سلطة ، تعلم أنه يعشق الخيار ، فتطعمه بيدها حلقة خيار بكل حنان .



حنان :- عادت أمنية و أماني للمنزل ؟.

أمان :- نعم عدت بهن الآن من الجامعة .

حنان :- أ يمكن أن تدعوهن للغداء معنى ؟.

أمان :- لماذا ؟.

حنان :- جاء معين و أخذ أمك و آمنة إلى إيمان في المستشفى ، و لا أحد في المنزل ليجهز الغداء .

أمان :- نعم ، سأدعوهن الآن .



يحمل أمان في يده هاتفه و يبدأ في طلب الرقم .



حنان :- بمن تتصل ؟.

أمان :- بأمنية و أماني .

حنان :- ألا تستطيع الذهاب لهن ؟؟.

أمان :- أشعر بالتعب و الجوع .

حنان :- من يسمعك يقول أنهن في آخر الدنيا ، و لسن في الشقة الملاصقة لشقتنا .

أمان :- لماذا أتعب نفسي مادام الهاتف موجوداً ؟.

حنان :- ستكون الدعوى أجمل لو كانت منك مباشرة ، اذهب إليهن و أدعوهن للغذاء ، لا بد أنهم جائعات .



ذهب أمان كما طلبت حنان ، و دعا أخواته للغداء معهم .

لبّت الأختان الدعوة ، و أثناء تناول الطعام رن هاتف أمان .



أمان :- السلام عليكم ......... كيف حال إيمان ؟.......



يبتسم أمان في فرح ، و ينقل ما سمعه لمن تجلسن معه .



أمان :- إيمان وضعت مولودها .

حنان :- الحمد لله ، و كيف حالها ؟.

أمنية و أماني :- صرنا خالات !!!.

أمان :- الحمد لله .



يعود أمان و يخاطب المتصلة .



أمان :- كيف حالها الآن ، و حال المولود ؟..........سآتيكم الآن ، أتريدون شيئا من هنا؟..........قادم في طريقي إليكم .



ينتهي الاتصال و يحمد أمان الله على كل شيء .



أماني :- لكن ماذا أنجبت ؟ طفلاً أو طفلة ؟.

أمان :- لا أعلم ، لم تخبرني آمنة .

حنان :- لا يهم إن أنجبت طفلاً أو طفلة ، المهم أنهما في صحة جيدة .

أماني :- أمان اذهب و أخبرنا ، نحن ننتظر .



غادر أمان و أخذ معه وجبة غداء لمن في المستشفى .



الأختان سعيدتان بالأمر ، و كل منهن تمزح مع الأخرى و تقول لها صرت خالة ، كانت فرحتهما كبيرة ، لكن حنان فرحتها كانت ناقصة ، كانت تراهما يرقصن فرحاً و تقول في نفسها .

( ماذا إن كنت مكان إيمان ؟، ماذا إن أنجبت طفلاً ؟ ، ستفرح فرح كثيراً به ، ربما رقصت كما تفعل أماني و أمنية الآن ، ربما قفزت من الفرح ، ماذا لو كنت مكانها و صارت أخوات أمان عمّات ؟ ، و صار أمان أباً ، كم ستكون فرحتهم بالأمر ؟ ، أتكون نفس فرحتهم هذه أم أكبر منها ؟، ما هو شعور الأم ؟ ).



و بين رغبتها في أن تكون أماً و تسعدهم ، تتذكر مرضها الذي يمنعها من أن تفرحهم ، فهربت دمعة من عينها لتجري على خدها ، و شاهدتها أماني فتوقفت عن الرقص و سألتها .



أماني :- ما بالك يا حنان ؟.

حنان :- لا شيء ، فقط فرحة بسلامة إيمان .

أمنية :- حمداً لله على سلامتها .

أماني :- اليوم صرنا خالات ، و غدا بعون الله سنصير عمات .

أمنية :- نعم ، و يمتلئ منزلنا بالأطفال ، طفل يجري و طفل يضحك ، و آخر يلعب بشقاوة .



تبتسم حنان و تمسح دمعها و تقول لهن .



حنان :- إن شاء الله .



يتبع ...


38





في مَجمَعٍ حضرته حنان تبدأ إيمان الحديث و هي تحمل طفلها الصغير في حضنها و تلاعبه .



إيمان :- كم مرّ على آخر مرة رأيناها فيها يا أمي ؟.

السيدة نجاح :- سنوات طويلة يا ابنتي ، منذ يوم زفافها .

حنان :- عن من تتكلمون ؟.

السيدة نجاح :- جارتنا وعد .

حنان :- ألم تكن مسافرة مع زوجها ؟.

آمنة :- نعم ، كانت مسافرة في بلد بعيد و لم نكن نتوقع قدومها .

حنان :- و لماذا عادت ؟.

آمنة :- انفصلت عن زوجها ، و عادت إلى منزل أسرتها .

حنان :- انفصلت !!!!.

إيمان :- نعم ، فبعد زواج دام سنوات لم يعد كل منهما يستطيع العيش مع الآخر ، لذلك انفصلا بالحسنى .

حنان :- انفصال أم طلاق ؟.

السيدة نجاح :- رسمياً و في حكم القانون لا تعتبر مطلقة .



هذه مفاجأة لم تتوقعها حنان ، عادت وعد من جديد ، أحست حنان بجفاف و حرقة في حلقها ، غادرت غرفة المعيشة سارت إلى المطبخ لتشرب بعض الماء ، كانت تفكر في ردّة فعل أمان عندما يعلم أن حبيبته وعد عادت ، ماذا سيفعل ؟ ، و ما هي ردة فعله ؟ ، و قبل أن تصل إلى المطبخ سمعت أماني و أمنية تتحدثان .



أماني :- أرجو أن لا يعلم أمان بعودة وعد و طلاقها .

أمنية :- لماذا ؟.

أماني :- لا أعرف كم بقى في قلبه منها ، لا أعرف ماذا سيفعل عندما يراها ؟.

أمنية :- هل تعلم حنان بما كان بين أخي و وعد ؟.

أماني :- لا أعلم .

أمنية :- أخشى على حنان إن تصرف أمان تصرفاً خاطئاً معها .

أماني :- أمان رجل عاقل ، لن يتصرف بجنون .

أمنية :- لكنه كان يحبها ، أتذكرين ماذا فعل عندما تزوجت من غيره ؟.

أماني :- هذا كان قبل أن يتزوج حنان .



سمعت حنان كل حديثهما ، و قطعته بدخولها للمطبخ ، فتحت الثلاجة و أخرجت منها قنينة الماء ، ملأت كوباَ و شربته جرعة واحدة علها تزيح جفاف حلقها ، التفتت إليهن لترى أنهن يجهزن شيئا يؤكل ، فعرضت المساعدة .



حنان :- هل تحتاجان لأي مساعدة في المطبخ .

أمنية :- لا ، شكراً .

أماني :- يمكن أن تجلسي و تشاركينا الحديث .

حنان :- عن ماذا كنتما تتحدثان؟.

أمنية :- عن وعد .

حنان :- أليست هذه ابنة الجيران في الطابق الخامس؟.

أمنية :- نعم .

حنان :- أحكيا لي عن شكلها ، عن صفاتها ، كيف هي ؟.

أماني :- لا أعرف كيف هي بعد زواجها ، لكنها كانت كأخت لنا ، فمنزلهم قريب و لم تكن لها أخوات ، لذلك كنا كأخواتها ، و أمان ........



قطعت أمنية كلمات أماني لكي لا تؤدي حنان .



أمنية :- و أمان كان كأخ لها .

حنان :- فقط ؟.

أمنية :- نعم فقط .



ابتسمت حنان و هي تفكر في كل أفراد العائلة ، الكل يخفي عنها حقيقة حب أمان لوعد ، حنان تعلم بهذه القصة القديمة ، لكن هل نسي أمان هذه القصة أم بقى في نفسه شيء منها ؟.



يرن هاتف حنان النقال ، لتجد أن المتصل أمان ، فتجيبه .



أمان :- السلام عليكم .

حنان :- و عليك السلام .

أمان :- أين أنت ؟.

حنان :- في شقة أهلك .

أمان :- جيد ، أدخلي غرفتي ، تجدين حقيبتي السوداء الصغيرة ، و بقربها تجدين مجموعة أوراق ، ضعيها جميعاً في الحقيبة ، دقائق و أكون عندك لآخذها ، مستعجل و لا أريد أن أتأخر ، بسرعة أخرجيها لي ، أقابلك على باب المصعد .

حنان :- حسناً كما تريد .



دخلت حنان غرفة أمان كما طلب منها ، بحثت عن الحقيبة فوجدتها موضوعة على السرير ، هي ذاتها الحقيبة السوداء الصغيرة التي أخذها معه يوم سفرهما ، و لكنها لم تعلم ماذا يخفي داخلها ، ها هي الحقيبة أمامها مفتوحة ، يمكن أن ترى ما تحويه ، لكنها وضعت داخلها الأوراق التي طلبها و منعت نفسها من البحث داخلها احتراما لخصوصيته ، حملتها و عند خروجها ألقت نظرة على المكتبة ، فلم تجد القلب المطرز في مكانه ، بحثت عنه ، فوجدته على الطاولة ، و كأن أحداً كان يجلس على الكرسي و يمسكه بين يديه ، اقتربت منه و جالت بنظرها حوله ، وجدت مناديل ورقية مستعملة و أوراق مبعثرة ، رمت المناديل في سلة القمامة التي بجوارها ، و جمعت الأوراق و رتبتها ، فتسللت من بينها قصاصة ورق ممزقة ، حملتها في يدها ، لترى أنها جزء من صورة قديمة ، لكنها لم تعرف صورة من هي ، بحثت في سلة القمامة لكنها لم تجد شيء إلاّ المناديل الورقية التي رمتها توا فيها ، فتحت درج المكتبة لتضع فيه الأوراق البيضاء التي رتبتها ، فوجدت قصاصات ورق كثيرة تشبه التي رأتها قبل قليل ، رتبت بعضها بجوار بعض ، لتجد أنها تكون صورة لطفلة شقراء ، ذات عيون زرقاء مدورة .

لم تفهم ما يجري ، لكنها شكت أن تكون هذه هي صورة وعد ، خشيت أن تكون آثارها باقية في روح أمان ، سألت عن ما تفعله هذه الصورة الممزقة في هذا المكان ؟، سألت القلب الصغير مَن حرّكه من مكانه ؟ و مَن وضعه على الطاولة ؟، سألته لما ما زال موجود أصلاً ؟، دخلت دوامة الشك و الخوف .



قطع تفكيرها رنين هاتفها ، فأجابت بصوت تخنقه العبرة .



أمان :- أمان كدت أصل ، المصعد معطل ، انزلي بالحقيبة بضع طوابق .

حنان :- حسنا ، تجدني على درجات السلم .



يصعد أمان درجات السلم مسرعاً كان يصعدها ثنائيات و ثلاثيات ، يصل إلى الطابق الخامس ، يجد طفلاً صغيراً يحاول النزول من على السلم ، و من طريقته في النزول علم أنه لم يثقن الطريقة بمفرده بعد ، يحمله كي لا يقع ، و يسأل نفسه من يكون هذا الولد؟ ، فلم يره في السابق هنا ، كان يتأمل وجه الطفل عله يعرف ابن من هو؟ ، يرى عيناه الزرقاء كزرقة البحر ، هو يعرف هاتان العينان لكنه غير متأكد مما يعرف ، سمع صوتا يناديه .



الصوت :- أمان ، تعال هنا .



يلتفت أمان لمصدر الصوت ، يعرف صاحبته ، و لكنه لم يتوقع أن يراها مرة أخرى ، و أن تكون هنا ، أن تناديه و تقول له تعالى هنا ، إنها هي ، وعد ، هذا صوت وعد تناديه .



وعد تقف على باب شقتهم ، و تكلم أمان .



وعد :- أهلاً أمان ، أيمكن أن تجلب لي أمان الصغير .



تقول كلماتها و هي تشير للطفل الذي يحمله بين ذراعيه .

أمان غير مصدق لما يرى و لما يسمع ، فيسألها بصوت خفي ضعيف متقطع مضطرب .



أمان :- أمان الصغير ؟.

وعد :- نعم ، أسميت ابني أمان .

أمان :- هو ابنك ؟.

وعد :- نعم ابني .



يسمعا صوت أم وعد تناديها من داخل الشقة .



أم وعد :- وعد هل وجدت أمان ؟.

وعد :- نعم ، وجدته و وجدني .

أم وعد :- أدخلي و أغلقي الباب جيداً حتى لا يخرج مرة أخرى .

وعد :- حسنا يا أمي .



بينما كان أمان يسلم أمان الصغير لأمه وعد ، تلامست أيديهما معاً ، فسحب أمان يده بسرعة في حركة واضحة بعيداً عن أناملها ، لكنه بقي يراقبها و هي تدخل المنزل و تغلق الباب ورائها .



بقي واقفاً ينظر ليده التي حملت طفلها ، واقف مكانه لا يأتي بحركة إلا تنفساً سريعاً لاهثا لا يعرف سببه ، ربما كان بسبب صعوده درجات السلم بسرعة ، و ربما من وقع المفاجأة عليه .



أراد أمان أن يكمل طريقه للطابق السابع لكنه وجد حنان واقفة في أولى درجات الطابق الخامس و قد حملت حقيبته الذي أرادها في يدها ، و لم تتكلم بكلمة واحدة ، مما أفهمه أنها رأت كل ما جرى ، أخذ حقيبته و نزل مسرعاً كما صعد ، دون أن يتكلم بكلمة هو الآخر .





يتبع...

39





حزينة ، مكسورة القلب ، وجدانها مجروح جرح لم تعرف له علاجاً ، تلوم نفسها و قلبها على ما فعلت بحياتها ، أحبته ، لكنها نسيت أنه أحب غيرها يوماً ما ، لم تحسب حساب هذا اليوم ، لم تتوقع أن يكون هذا اليوم قريباً هكذا ، كيف تخبره بما يحزنها و ما يؤرق ليلها ، بدأت تفكر و تقول في نفسها .



( ها هو أمان نائم بقربي ، معي و ليس معي ، عادت إليه وعد ، و كنت حباً بدل فاقد فقط في حياته ، ماذا أقول له ؟ ، أشك في حبك لي ، أو أسأله إن كانت وعد مازالت متربعة على عرش قلبه ؟ ، هي مازالت تحبه ، أسمت ابنها أمان تيمنا به ، ماذا أفعل ؟، هل أنسحب من حياته بكبريائي ؟ ، أو أبقى سجينة خوفي و قلقي ؟ ، ماذا أفعل ؟، ألهمني يا الله الحل لمشكلتي ، أحبه لكني أخشى أنه لم يعد يحبني ، ماذا أفعل ؟ ).



استيقظت في الصباح و لم تجد أمان بجوارها ، غادر المنزل و ترك لها ورقة كتب فيها .

( صباح الخير ، بالأمس لم تنامي جيداً ، لهذا غادرت المنزل و لم أوقظك ، أحب أن أعلمك أني لن أعود في وقت الغداء ، و ربما سأتعشى خارجاً ، مع السلامة ).



قرأت كلماته و الدمع في عيونها ، هذا اليوم الأول لعودة وعد ، و ها هو يغادر قبل أن تراه ، و لن يعود ليتغذى معها ، يعرف أنها لن تأكل شيء وحدها ، حكم عليها بالوحدة و الجوع ، نسي أو تناسى كلمة حبيبتي .



احتضنت وسادتها بكل قوة ، تكورت على نفسها و غطت رأسها ، و بكيت و لم يسمع أحد بكائها ، ظلت تبكي حتى عادت للنوم .



صوت دقات على باب المنزل توقضها من نومها ، تشعر بالصداع الشديد ، تسأل من الطارق ، فتعلم أنها أماني ، تفتح لها الباب ، فتقلق أماني مما رأت .



حنان :- صباح الخير .

أماني :- صار الوقت مساء ، مساء النور .

حنان :- تفضلي .

أماني :- ما بك ؟، لما عيونك حمراء منتفخة ، و وجهك شاحب ، و صوتك متغير ؟.

حنان :- مريضة .

أماني :- سأتصل بأمان ؟، يجب أن يأخذك للطبيب .

حنان :- مرضي لا يعرف الطبيب طبه ، سأشفى وحدي .

أماني :- جئت أدعوك للغداء معنا ، لكن مادمت مريضة سآتي بالغداء ، و نتغذى معاً .

حنان :- لا تتعبي نفسك ، لا رغبة لي في الأكل .

أماني :- عودي لسريرك ، و هاتي مفتاح المنزل ، سأعدّ الغداء و آتيك به و أنت كوني مرتاحة .



يعلم الجميع بمرض حنان ، يتصلون بأمان لكنه لا يجيب على اتصالاتهم ، و آمنة عرضت أن تأخذ حنان للطبيب بسيارتها لكن حنان رفضت الأمر .



مجروحة و تتألم في صمت ، و لا تعلم كيف تخبرهم بما تشعر ، و لا تعرف خلاصا لما هي فيه ، لم تأكل شيء ، و لم تشرب إلاّ الماء ، و لم تقوى على النوم ، و بقيت تبكي وحدها دون أن تشارك أحد حزنها .



الساعة الواحدة بعد منصف الليل ، تسمع صوت فتح باب الشقة ، صوت أمان يلقي السلام بهدوء ، تمثل دور النائمة ، تشعر به يدخل الغرفة ، تسمع صوت فتح باب الخزانة ، صوت حفيف صادر من الملابس أثناء ارتدائه لها ، تشعر بثقل يستقر على السرير بجوارها ، و أضواء الغرفة قد أغلقت ، و ساد الصمت .



لم تنم ، و لم تتحرك من مكانها ، في الصباح تشعر به يعد نفسه للخروج باكراً جداً على غير العادة ، توقعت كل تحركاته ، لأنها اعتادت عليها ، لكنه نسي اليوم أن يطبع قبلة على جبينها قبل أن يغادر .



تركها متعطشة لإشارة تفهم منها أنه مازال يحبها ، مازال يرحب بها في حياته ، لكنها لم تجد ، كأنها لم تكن موجودة بالأمس ، و اليوم هي غير موجودة ، و غدا مجهول بالنسبة لها ، غادر و لم يترك أي ورقة ، بحثت في كل مكان ، لم تجد حتى قصاصة كتب فيها أي شيء ، لم يترك لها شيء يعلمها فيه بغيابه .



فهمت أن دورها انتهى ، و بقائها لم يعد مهما ، آثرت أن تغادر في صمت ، و تترك أمان حراً ليعود إلى من أحب لكنها أبقت أمر التنفيذ في خانة التأجيل .



يوم آخر يمر و هي على هذا الحال ، معه في المنزل و ليست معه ، تعيش معه و لا تراه ، موجود و غائب ، فكرت في الانفصال و الطلاق و أن تعطيه حريته ، لكن أمان لم يخطئ في حقها ، ما حجتها ؟ ، لم تجد ما تشكوه لحسام الذي اتصل بها يرغب في معرفة سبب مرضها المفاجئ.



حسام :- حنان يمكنك أن تحكي لي ، ما بك ، و ما أعراض مرضك ؟.

حنان :- لا شيء ، أشعر بالتعب فقط .

حسام :- أختي ، جهزي نفسك الآن و سآتي لآخذك للطبيب .

حنان :- لا يا حسام ، لا رغبة لي في الذهاب .

حسام :- أشعر أن أمراً ما يضايقك .

حنان :- لا ، لا يضايقني شيء .

حسام :- اعلمي أنك مازلت أختي حتى بعد زواجك ، و من واجبي رعايتك ، و حالك هذا لا يعجبني ، تشعرينني بالتقصير في حقك ، أخبريني ما بك ، ألست في مكان والدي رحمه الله ؟.



أرادت أن تخبره بما يجري ، لكنها لم تقوى على ذلك ، ماذا تقول له ؟ ، كيف ستقول له ؟، قررت أن تصبر علّ الله يعوضها على صبرها خيراً.



حسام :- تقي أني أخاك ولّي أمرك ، و إن كان هناك ما ترغبين في الحديث عنه أخبريني في أي وقت ، و سأساعدك مهما كان الأمر ، تذكري أنك أمانة في عنقي ، و من واجبي إسعادك و إزاحة همك .

حنان :- أعلم هذا يا حسام ، لا تقلق ، مريضة بعض الشيء فقط ، و عند عودة أمان لي سأشفى بعون الله .



انتهى الاتصال بينهما ، و ما هي إلا دقائق قليلة حتى سمعت باب الشقة يفتح ، توقعت أنها أماني قد جلبت لها الغداء ، لكنها سمعت صوت أمان ، يناديها باسمها ، لكنها لم تجب نداءه حتى دخل لغرفة النوم ، وجد حنان جالسة في سريرها و يبدو عليها المرض ، و الحزن ، عجب لأمرها ، و لسبب مرضها.



أمان :- حبيبتي ما بك ؟.



تصمت و لا ترغب في أن تجيبه ، تستلقي على سريرها و تغطي رأسها هرباً من سؤاله .



يقترب منها و يزيح عنها الغطاء ، فيرى آثار دموع على وجهها و وسادتها .



أمان :- ما بك ، لما مرضك و حزنك ؟.

حنان :- متى علمت بمرضي ؟.

أمان :- قالوا لي أنك مريضة لكن لم أتوقع هذا .

حنان :- و ماذا توقعت ؟.

أمان :- توقعته زكاما فقط .



يجلسها و يضع يده على جبينها ، يتحسس حرارتها .



أمان :- الحمد لله ، حرارتك ليست مرتفعه .



يحتضنها ، و يضع يده على رأسها و يقرأ أدعية الشفاء .

تخنقها العبرة ، و تسيل من عينها دمعة حزن ، يبعدها عنه ، حتى يرى وجهها ، لم يفهم ما بها و ما علّتها ، يمسح دمعها بيديه .



أمان :- ما بك ؟ ، أخبريني .

حنان :- أنت زوجي أليس كذلك ؟.

أمان :- نعم زوجك و حبيبك ، و لما سؤالك ؟.

حنان :- و تعيش معي في نفس المنزل ؟.

أمان :- نعم .

حنان :- منذ متى لم تراني ؟ لم تحاورني ؟ لم تخاطبني ؟، لم تشاركني في أي أمر ؟.



يعرف أمان أنه سبب مرضها ، و يحاول أن يعالج الأمر ، يحتضنها و يقبل جبينها و يواسيها .



أمان :- آسف جداً على كل ما بدر مني ، أخطأت في حقك ، كل الفترة الماضية كنت مشغولاً في عملي ، و نسيت أن أهتم بك ، كنت أخرج فجراً و أعود بعد منتصف الليل تعباً جداً ، و نسيت أن أسأل عنك .

حنان :- لم تجب على إتصالاتي ، و لم تكلف نفسك عناء الاتصال بي و السؤال عن حالي .

أمان :- أعترف بخطئي ، لكني كنت مطمئنا عليك ، فعائلتي بجوارك ، يعتنون بك .

حنان :- عائلتك اهتمت بي ، لكني أريد أن تهتم أنت بي .

أمان :- أقسم إنّي أهتم بك ، و ما عملي هذا إلاّ لك و لعائلتي .

حنان :- لا أريد لشيء أن يسرقك مني .



يبتسم أمان و يعرف أنها تغار ، يبعدها عنه قليلاً و حتى يرى وجه الغيور ، يزيح خصلات شعرها عن وجهها ، و يمسك يدها و يخاطبها .



أمان :- تغارين علّي حتى من عملي ؟.

حنان :- أغار عليك من كل شيء .

أمان :- حتى عملي ؟.

حنان :- إن كان سيسرقك مني ، أغار منه ، إن كنت تهتم به أكثر مني ، أغار منه .

أمان :- لا تقلقي بعد الآن ، اليوم أنهيت هذه الصفقة ، و لهذا عدت باكراً لبيتي و زوجتي و حبيبتي ، و حناني التي لها قلبي دوماً مشتاق .



تفرح حنان من كلماته ، و تبتسم مودعة بعضاً من دموعها ، فلم يكن إهمال أمان لها إلاّ من أجلها ، كان عمله ما أبعد بينهما ، و لم تكن وعد السبب .





يتبع ...

40







في المساء داخل منزلها تنتظر زوجها ، تجلس بِكَسَلٍ في غرفة المعيشة ، تحمل في يدها جهاز التحكم عن بعد ، و تقلب قنوات الإذاعة المرئية ، أمامها صحن مليء بالبرتقال ، كانت قد قشرت إحداها و مازالت تأكلها ، وسادة و غطاء سميك ، مدفئة كهربائية ، كل هذا حتى تطرد عنها البرد .



أمان :- السلام عليكم .



يدخل الغرفة و يقول كلماته وهو واقف بالقرب من الباب ، نظر لحنان ، نزع ساعته و وضعها مع هاتفه النقال و مفاتيحه فوق جهاز الإذاعة المرئية .



حنان :- و عليكم السلام و رحمة الله ، حبيبي تعشيت ؟ .

أمان :- الحمد لله ، تعشيت عند أمي .

حنان :- كنت عندهم ؟، كيف حالهم ؟.

أمان :- نعم كنت عندهم ، و كلهم يسلمون عليك .



جلس بالقرب من حنان ، تمد له نصف البرتقالة التي قشّرتها و كانت قد أنهت أكل نصفها تواَ .



أمان :- الجو بارد جداً ، و البرتقال مفيد في هذا البرد .



تسحب حنان بعضاً من الغطاء الذي تتغطى به ، و تعطيه لأمان ، ليشاركها الدفء .



حنان :- تفضل ، تغطى جيداً ، فالجو جد بارد .



استمرت حنان في جولتها بين المحطات ، حتى وصلت لقناة تعرض فلم أجنبي .



أمان :- توقفي .

حنان :- لماذا ؟.

أمان :- هذا الفلم يستحق المشاهدة ، لنشاهده معاً .

حنان :- لكنه يحوي وحوشاً و مشاهد دموية مخيفة .

أمان :- و هل تخاف حبيبتي ما دمت معها ؟.

حنان :- أنت الأمان ، فهل يجرؤ الخوف على التفكير في الاقتراب مني في وجودك ؟.



يتكئ أمان على حنان ، واضعاً رأسه على حجرها و بين يديها ، و وجه يقابل التلفاز تمرر حنان يدها في شعر أمان و تشاكسه .



حنان :- ما هذا يا أمان ؟.

أمان :- ماذا ؟، ماذا وجدت في شعري ؟.

حنان :- شعرك أصبح طويلاًَ جداً ، و يمكن أن يخفي عصفوراً داخله .



مازالت حنان تلعب بشعر أمان الذي يشاهد الفلم ، بينما يستمر الحوار المشاكس بينهما .



أمان :- ما بالكن جميعاً بشعري ؟.

حنان :- من نحن ؟.

أمان :- أنت ، و أمي و أخواتي ، حتى ابن إيمان صار يبكي عندما حملته .

حنان :- ربما خاف منك ! .



تجمع حنان مجموعة من الخصلات معاً ، و تنزع من شعرها الشريط المطاطي الذي كانت تلفه به ، لتترك شعرها الأسود الناعم منسدلاً على كتفيها ، و تلف الخصلات التي جمعتها معاً من شعر أمان بالشريط ، و تضحك .



حنان :- أنظر ، شعرك طويل و يمكن أن أجمعه و أربطه بشريط ، لم تُطله في السابق هكذا!!! .

أمان :- لا ، أطلته في السابق أطول من هذا ، قبل الجامعة و في المدرسة الثانوية ، أطلته ، لكن في أول يوم بعد العطلة الصيفية ، عندما عندنا للمدارس ، قام المدير بمعاقبتي .

حنان :- كيف ؟.

أمان :- أمام جميع الطلبة ، و في طابور الصباح ، قام باستعمال آلة حلق الشعر ، و رسم خطوطاً طولية و عرضية في رأسي ، تركني و لم ينهي حلق باقي الشعر.



تضحك حنان من القصة ، تحاول أن تتخيل أمان بلا شعره الأجعد ، فضحكت أكثر .



حنان :- لا أستطيع تخيلك بلا شعرك الأجعد المنفوش .

أمان :- عندي صورة في تلك الفترة حسب ما أذكر ، سأبحث لك عنها ، و أريك إياها .



في الإذاعة المرئية كان هناك وحش مخيف ذو شعر منفوش ، فمازحت حنان أمان بكلماتها .



حنان :- أنظر ، هذا الوحش يشبهك .

أمان :- هذا يشبهني !!! .



يقول كلماته و يجلس رافعاً رأسه معتدلاً في جلسته ، و مازال الشريط المطاطي يلف جزء من شعره ، أما الجزء الآخر كان منفوشاً ، فضحكت حنان من شكل شعره .



أمان :- و تضحكين على شعري ، سترين ماذا سأفعل لشعرك .



تهرب حنان منه خارج الغرفة كقطة صغيرة مشاكسة ، وجدت شيئا تلعب به ، و يجري أمان خلفها محاولاً إمساكهاً .



حنان :- لن تمسكني .

أمان :- سأمسكك .

حنان :- و حينها ماذا ستفعل لي ؟.

أمان :- سأنفش لك شعرك و أضحك كما تضحكين على شعري .

حنان :- شعري ناعم لن يصبح كشعرك أبداً .

أمان :- دعيني أمسك بك و سترين ماذا سأفعل .





في اليوم التالي كانت حنان في شرفة المنزل ، تسقي بعض النباتات التي زرعتها في أصص صغيرة ، سمعت صوت أمان الذي عاد لتوه من خارج المنزل ، تسمعه يناديها .



أمان :- حنان أين أنت ؟.

حنان :- هنا .

أمان :- أين هنا ؟.

حنان :- في الشرفة .

أمان :- أنظري ماذا فعلت .



تسمع صوت أمان يقترب منها ، فتخرج من الشرفة لترى ما باله ، و ماذا فعل .



أمان :- ما رأيك فيما فعلت ؟.



تراه ، و يعقد لسانها ، و تجحظ عيناها ، و تضع يدها على فمها مذهولة .



أمان :- ما بك سكت ؟.



تواني تجتاز فيها حنان مرحلة الصدمة ، و تبدأ بالضحك بصوت مسموع على ما فعل أمان بنفسه .



حنان :- أمان ، أين شعرك ؟؟؟؟؟.



أمان :- حلقته بالكامل و تخلصت منه .



تقف بقربه و هي تضحك ، ترفع يدها لرأسه ، فينحني لها ، تلمس رأسه الخالي من الشعر في صمت ، و تنفجر ضحكاً على ما فعل بنفسه .



يتبع ...

41





السيدة نجاح :- أمان أنت ابني الوحيد .

أمان :- أعلم هذا يا أمي .

السيدة نجاح :- تعلم أنك من يحمل اسم والدك رحمه الله .

أمان :- أعلم ، لكن لما سؤالك ؟.

السيدة نجاح :- أرغب في أن أفرح برؤية أحفادي .

أمان :- إيمان لم تقصر في الأمر ، صار لها طفل جميل و أسمته خالد تيمنا باسم أبي ، و صرتِ أجمل جدّة .

السيدة نجاح :- إيمان بنت و أبنائها لا يحملون اسم عائلتنا .

أمان :- لكنهم أحفادك .

السيدة نجاح :- أرغب في أن أرى أولادك .



صمت أمان و لم يرغب في إكمال الحديث ، فلا يملك ما يقوله لها ، لكن السيدة نجاح استمرت في الحديث .



السيدة نجاح :- مضى على زواجكما عامان ، و إلى اليوم لم أرى أي بشرى لقدوم مولود ، ما بك ، ألا ترغب في أن تكون أباً ؟، أم هناك مشكلة ؟.

أمان :- أمي لا أرغب في الحديث حول هذا الموضوع .

السيدة نجاح :- لماذا ؟ ، فتح الموضوع و يجب أن أعرف و أفهم ما يجري .



يصمت أمان ، لا يرغب في إنهاء الحديث و لا بدءه .



السيدة نجاح :- ألا ترغب في أن تكون أباً و تمنح حنان كلمة أم ؟ .



يستمر صمت أمان .



السيدة نجاح :- هل لعودة وعد أي علاقة بالأمر ؟ ، إن كان الأمر كذلك أطلق سراح حنان و أتركها تعيش حياتها ، و سأزوجك وعد .

أمان :- أمي ، وعد أصبحت ماضي فقط ، لا أرغب في أن أعيده ، و ما تفكرين فيه ليس هو المشكلة .

السيدة نجاح :- إذن هناك مشكلة ، أخبرني و سنجد لها حلاً بعون الله .

أمان :- أنا و حنان نعيش معاً في سعادة و حب ، و لا نرغب في الانفصال ، و مسألة الأبناء متروكة لوقت آخر ، ليس أكثر .



دقات على باب المنزل بقوة ، تفتح أماني الباب لتدخل أمنية مسرعة و خائفة و هي تقول لأمان .



أمنية :- أمان ، حنان مغمى عليها و لا أعرف ماذا أفعل .



ينطلق أمان بسرعة الشهاب من مكانه ليذهب لشقته .



الأم تسأل أمنية عن ما جرى .



السيدة نجاح :- ما بها حنان ؟.

أمنية :- لا أعلم ، كنت أساعدها في مسح الثريات ، لكنها قبل أن تصعد السلم الصغير شعرت بالدوار و وقعت أرضاً .

السيدة نجاح :- اذهبي و كوني معها في بيتها و سآتي بعد قليل .

أماني :- هل أذهب معها ؟.

السيدة نجاح :- لا ، ابقي في المنزل ، إن اتصل أحد لا تخبريه بما جرى .



وصلت السيدة نجاح إلى شقة أمان ، وجدت الباب مفتوحاً ، دخلت فوجدت حنان شبه واعية لما يجري حولها ، تجلس على حافة سريرها و أمنية تلبسها عباءتها و وشاحها ، أمّا أمان يبحث عن مفتاح سيارته حتى ينقل حنان للمستشفى .



في المشفى السيدة نجاح و أمان خارج غرفة الكشف ، و الطبيبة مازالت مع حنان ، آمنة تتصل بهم بين الحين و الآخر لتعرف ماذا جرى .



أخيراً خرجت الطبيبة مبتسمة ، و أعلمتهم بالبشرى .



الطبيبة :- مبروك ، حنان حامل ، هي في الأسبوع السابع من الحمل تقريباً.



فرحت السيدة نجاح بالخبر ، و شكرت الطبيبة على ما قالت ، دخلت بسرعة لترى حنان في غرفة الكشف و تبارك لها حملها .



لكن وقع الخبر على أمان كان مختلفاً ، كان كمن ضغط على مؤقت قنبلة ليبدأ عدّه العكسي ليوم فراق زوجته و حبيبته ، و لم يقدر أن يمنع الأمر.



عاد الجميع إلى المنزل ، و كانت الفرحة بادية على الجميع ، إلا أمان ، لم يعرف ماذا يفعل ، كيف يخبر أهلها ؟ ، و ماذا سيخبرهم ؟ ، هل يزّف لهم بشرى قدوم مولود جديد ؟ ، أم يعزيهم لفدان حنان قبل رحيلها ؟ .



كان مهموماً و لم يعرف كيف يعالج الأمر ، يرى أخواته يدللنها ، و كل منهن توصيها بالراحة التامة كما أمرتها الطبيبة ، جميعهن حولها في غرفة نومها ، هذه تغطيها و تلك تجلب لها كوب الماء ، الأخرى تحمل كوب عصير العنب و تقول لها أنه مفيد لصحتها ، يسمعهم يضحكون في سرور ، لكنه يجلس وحيداً في غرفة المعيشة مهموماً لا يعرف ماذا يفعل .



بعد أن غادر الجميع المنزل ، جاءته حنان لتخفف من همومه .



حنان :- زوجي الحبيب ما بك ؟، يجب أن تفرح لا أن تحزن ، ستصبح أباً .



لكن أمان لا يجيبها ، فلا يعرف كلمات يمكن أن يقولها في هذا الموقف.



حنان :- أيحزن أحد و قد علم أنه سيصبح أباً ؟.

أمان :- أحزن لأن الوقت غير مناسب و ..........



و يتوقف أمان عن الكلام ، فهو يعرف أن هذه اللحظة ستأتي ، لكن كانت قبل أوانها .



حنان :- ماذا بك ؟، أكمل كلامك .

أمان :- الوقت ليس مناسباً ، لا أرغب في أن أكون أباً الآن .

حنان :- الوقت غير مناسب ؟

أمان :- نعم الوقت غير مناسب .

حنان :- لا ، الوقت مناسب جداً ، كم مرّ على زواجنا ؟.

أمان :- عامان .

حنان :- أكثر من عامين ، و لا نملك أطفالاً .

أمان :- و أين الخطأ ؟.

حنان :- أرغب في أن تكون أباً.

أمان :- لكني لا أريد طفلاً .



صمت أمان عن الكلام ، لا يعرف كيف يخبرها بما يعلم ، لا يعرف كيف يمنعها من فعل ما عزمت ، يخشى عليها من معرفة الأمر ، بقي أمان بين نارين ، تذكر كلمات الطبيب ، و والدها ، ( إن تزوجتها فمن الأفضل أن لا تنجبا الأطفال ، فهذا سيقتلها ) .



تذكر أنه كذب على حسام و أخبره أن صحتها على ما يرام ، أنها أجرت الكشوفات و صارت بخير ، كذب عليه حتى يطمئنه على صحة قلبها الذي مازال مريضاً .



تكدر وجهه من هذا الحديث ، لا يعرف كيف يتصرف ، و لا يعرف ماذا يقول ، فحنان ستضيع منه .



حنان تغير مكانها و تجلس بالقرب من أمان ، و تنظر إلي عينيه و هو يحاول الهروب من نضراتها حتى لا تعرف ما يخفي ، لكنها بدأت بالكلام .



حنان :- أمان ، سأقول لك شيء .

أمان :- ماذا ؟.

حنان :- حبيبي قال لي يوما ، أن الحياة طائرة ، و كلنا مسافرون على مثنها ، لكل منا محطة ينزل فيها عندما يحين موعد نزوله ، حتى يترك مقعده فارغاً و يأتي غيره و يملأه .

أمان :- و ما مناسبة هذا الحديث؟.



تضع يدها على فمه بحنان و تمنعه عن الكلام ، و تكمل كلماتها .



حنان :- حبيبي لا تستعجل ، و دعني أنهي كلامي .

أمان :- أكملي .

حنان :- في طائرة الحياة ، أجلس أنا و أنت في مقعدين متجاورين ، يوماً ما سأنزل ، و تكون محطتي قبل محطتك إن شاء الله ، لا أريد أن أترك مقعدي فارغاً ، أريد أن أترك لك أنيساً لك في رحلتك ، كما كنت أنيساً لي في رحلتي القصيرة ، سيكون جزء مني ، و يكون هديتي لك ، طفل جميل يحمل اسمك و بعضاً من روحي ، يملك عينيك و شعر يشبه شعرك الأجعد المنفوش .

أمان :- ماذا تقصدين ؟.

حنان :- أرى أنك تعرف ما أنا عليه ، فهذا واضح من ملامح وجهك ، لكن ما لا تعرفه أني أعلم بالأمر .

أمان :- و ماذا تعرفين ؟.

حنان :- أعرف أن مرضي يمنعني من أن أكون أماً ، يمنعني من أن أحتضن طفلي ، و أن أقبله ، أن أرى عينيه ، يمنعني من أن أربيه و أكون معه في كل خطوة يخطوها ، و في كل فرحة يفرحها ، يمنعني من أن أحتضنه في حزنه و أخفف عنه ألمه و أمسح دمعه .



خشي عليها كل هذه السنوات من معرفة الأمر ، لكنها كانت تعرف ، و لم تبدى أي قلق أو حزن .



حنان :- أعرف أني إن أنجبت ، سأغادر الطائرة دون عودة ،لا أريد أن أغادرها قبل أن أترك أحداً يجلس مكاني.

أمان :- لكني لا أريد أطفالاً .

حنان :- لا ، أنت تريد أطفالاً ، ترغب في أن تكون أباً ، رأيت هذا في عينيك كلما داعبت ابن إيمان .

أمان :- حناني ، لن أرضى أن تضحي بنفسك من أجل طفل .

حنان :- حبيبي ، هذا آخر شيء أرغب في أن أفعله قبل أن أغادر ، لا تمنعني من فعله .

أمان :- يقول الطبيب إن في حملك خطر على صحتك ، يمكن أن تموتي .

حنان :- يمكن أن أموت ، تعني يمكن أن أعيش.

أمان :- هذا كلام الطبيب المختص ، فلماذا فعلت ما فعلت ؟.

حنان :- الطبيب ليس قابض الأرواح ، و لا يمكن أن يعرف متى يموت الإنسان ، فالأعمار بيد الله وحده ، لماذا نخاف من كلام قاله ، قد يكون صحيح و قد يكون خطأ.

أمان :- حبيبتي ، ما فعلته يسمى انتحار.

حنان :- لا ، هذا يسمى تضحية من أجل من أحب.







يتبع......



الحلقة 42


تمر الأيام و الأسابيع بسرعة ، و في كل يوم يزداد وزن حنان ، و يزداد حجم بطنها ، كلّ مَن في المنزل فرح بهذا الضيف المرتقب ، منهم من يختار له اسما و منهم من يعد له الثياب ، لكن أمان في كل يوم يزداد خوفه على حنان ، و يشتاق إليها حتى في وجودها ، يحاول أن يجد شيئا يمنع ما سيحدث ، شيء يوقف مرور الزمن ، لكن ما العمل ، هي قررت ، و اختارت ، و لا يملك أن يقف في طريق ما اختارت .



أيام و ينتهي الشهر السابع من الحمل ، و مازال الجميع لا يعرفون جنس الجنين ، حنان ترفض إخبارهم بجنسه حتى يكون مفاجأة .



أمان :- كيف أنت اليوم ؟.

حنان :- بخير و الحمد لله .



استغربت سؤال زوجها لها ، فخاطبته ممازحة .



حنان :- تسأل عن حالي ، أم عن حال طفلنا ؟.

أمان :- أسأل عن حالكما معاً .



سكت أمان لفترة حتى قال.



أمان :- حبيبتي ، يجب أن نذهب غدا للطبيب .

حنان :- لماذا ؟، أنا بخير و الحمد لله ، و موعد زيارة مراجعة الطبيب ليس غدا ، لا حاجة لذهابي .

أمان :- أريد أن أطمئن عليكما ، أنا لا أعرف حتى جنس الجنين .

حنان :- أنا بخير ، و الطفل بخير ، و لا أرغب أن تعرف جنس المولود ، أريدها مفاجأة .

أمان :- أمي تريد أن تعرف ماذا سنشتري ، و أي الألوان سنختار .

حنان :- ما رأيك في اللون الأبيض ؟، يليق بالمولود سواء كان طفلا أو طفلة .



كانت تجلس على كرسي طاولة الزينة ، تسرح شعرها ، فتسأل أمان .



حنان :- حبيبي ، ماذا تريد ، بنت أم صبي ؟.



يقترب منها ، حتى يقف خلفها ، يحمل عنها المشط ، و يبدأ في تسريح شعرها في صمت ، يضفره بهدوء ، تستغرب الأمر ، فلم يفعل هذا سابقاً .



أمان :- أنت.

حنان :- ماذا ؟ ، أنا !.

أمان :- أريدك أنت .



تلتفت إليه ، فيجلس أمامها على ركبتيه ، يتأمل وجهها و يمسك كفيها بقوة و كأنه يخشى أن تفلت منه .

تعيد حنان سؤالها و هي مبتسمة .



حنان :- حبيبي ، ماذا تفضل ، طفل أم طفلة ؟.

أمان :- أنت ماذا ترغبين ؟.

حنان :- أريده طفل ، ذكر ، يحمل اسمك ، و صفاتك ، سيكون جميل جداً لأنه سيشبهك ، و سنسميه سند .



توقع أمان أن تختار اسم والدها ، لكنها اختارت غيره.



أمان :- سند؟.

حنان :- نعم ، سند ، ليكون سنداً لك في الدنيا و الآخرة ، يقولون أن كل فرد يحمل صفة من اسمه ، لذلك اخترت له من الأسماء سند .

أمان :- لك ذلك ، سنسميه سند إن شاء الله .

حنان :- و أنت ماذا ترغب ؟.

أمان :- لا يهم ، فكل ما يهدينا الله نعمة نحمده عليها ، إن كان طفلا حمدناه ، و إن كانت طفلة شكرناه ، المهم أن يكون في تمام الصحة و العافية .



في اليوم التالي يعود أمان إلى البيت باكراً على غير العادة ، و يطلب من حنان أن تعد نفسها لزيارة الطبيب ، و بسرعة أعدّت نفسها للخروج ، وفي طريقهم للمستشفى دار بينهما الحديث.



حنان :- ما بك ، لماذا نزور الطبيب اليوم ؟.

أمان :- أريد أن أطمئن عليكما .

حنان :- نحن بخير .

أمان :- أريد أن أعرف موعد الولادة .

حنان :- بعد شهرين إن شاء الله.

أمان :- أريد التأكد فقط ، أريد أن أتأكد أنّ كل شيء سيكون بخير .

حنان :- لا تخف ،سيكون كل شيء بخير بعون الله .



سألت حنان عن سبب عودة أمان باكراً اليوم .



حنان :- لماذا عدت باكراً اليوم ؟.

أمان :- أخذت إجازة لباقي اليوم .

حنان :- لماذا ؟.

أمان :- لأعدّ نفسي للسفر.

حنان :- سفر؟ .

أمان :- نعم ، هناك أعمال للشركة في الخارج ، و وحدي أستطيع إنجازها .

حنان :- و متى ستسافر ؟.

أمان :- غداً صباحاً .

حنان :- غداً! ، و متى ستعود ؟.

أمان :- بعد أسبوع ، أو عشرة أيام كأقصى تقدير .



بعد زيارة الطبيب ارتاح أمان و اطمأن على حال زوجته ، الآن يستطيع السفر مرتاح البال و سيعود ليجدها في انتظاره بعون الله .



لكن حنان زاد قلقها ، التزمت الصمت بعد مغادرتها المستشفى ، كانت كمن يرغب في الكلام لكنه متردد ، لم ترغب في الحديث ، لكن يجب أن تتكلم ، خانها صوتها الذي رفض الخروج من حنجرتها إلاّ في صورة بكاء ، أوقف أمان السيارة على يمين الطريق ، و التفت إليها ، ليجد أنّ وجهها قد تبلل بالدموع ، و أطرافها باردة و ترتجف ، يبدو أنها خائفة ، لكن مما تخاف ؟، هل تخاف الموت ؟ ، أم تخاف الوحدة أثناء سفره ؟، لم يعرف أمان ما بها .



أمان :- لما بكائك ؟.

حنان :- لا أعلم .

أمان :- خائفة؟ .

حنان :- قليلاً .

أمان :- لا تخافي ، أنا معك ، ستلدين الطفل ، و تكونين أمه ، ستعيشين لتربيه كما قال الطبيب قبل قليل ، لا تخافي .

حنان :- في سفرك سأكون وحيدة .

أمان :- لا ، لن تكوني وحيدة ، سأطلب من أخواتي أن يبتن معك ، و إن شئت أخذتك لبيت أهلك لحين عودتي .

حنان :- سأبقى في منزلي أنتظر عودتك .



يوصيها أمان بتذكر كلمات الطبيب .



أمان :- لكن تذكري ما قاله الطبيب ، الراحة ثم الراحة ثم الراحة و أيضاً الراحة، لا تحاولي إجهاد نفسك في أي عمل كان ، إن احتجت لأي شيء أطلبيه من أخواتي و لا تتعبي نفسك أبداً.



لكن حنان تفكر في أمر آخر .



حنان :- أمان ، أريد أن أخبرك بشيء .

أمان :- تفضلي .

حنان :- ليس الآن .

أمان :- متى ؟.

حنان :- في الوقت المناسب .

أمان :- و متى يكون الوقت المناسب؟.

حنان :- لا أعرف ، سأكتب لك رسالة ، و أضعها في صندوق مجوهراتي ، و عندما تعود من السفر اقرأها .

أمان :- عندما أعود من السفر؟ .

حنان :- نعم .

أمان :- عندما أعود من السفر ، لن أقرأ رسالتك ، بل سأسمع ما تريدين قوله .

حنان :- لكن إن لم أكن موجودة حين تعود ؟ .

أمان :- أزيحي هذه الأفكار من رأسك و كوني متفائلة ، تفاءلي خيراً تجديه إن شاء الله .

حنان :- عدني بتنفيذ ما سيكون في الرسالة .

أمان :- أعدك ، لكن ما موضوع الرسالة ؟.

حنان :- ستعرف في الوقت المناسب ، فقط اعتبر ما كتب فيها رغبتي الأخيرة التي أطلب منك تحقيقها .



يتبع.....


الحلقة 43



في الفجر ، استيقظ أمان و صلى صلاته ، رفع يديه داعيا ربه أن يحمي زوجته و طفلهما من كل مكروه ، عاد إلى غرفة النوم ليجد حنان ما تزال نائمة ، يتأمل وجهها الملائكي و يمسك بيدها و يمسح بها على خده ،و يخاطبها في نومها و يقول لها .



أمان :- قد تكون هذه آخر مرة أراك فيها، قد تكون هذه آخر مرة ألعب فيها بخصلات شعرك ، لماذا يا أميرتي فعلت هذا ؟، لا أرغب في أن أفقدك و أعود وحيداً من جديد .



هي لم تكن نائمة منذ البداية ، أحست به و سمعت كل كلماته ، لم ترغب في فتح عينيها و قطع حديثه ، أرادت أن يتكلم و يخرج كل ما في قلبه دون إزعاج ، لكنها أحست بقطرات دافئة من دموعه سالت على يدها ، فتحت عيناها ، و ابتسمت ، مسحت دموعه و هدأت من قلقه .



حنان :- لا ، لن أتركك وحيداً ، سيكون طفلنا معك .

أمان :- لا أريد الطفل ، أريدك أنت .

حنان :- لن أعيش لك طويلاً .

أمان :- لا تتركيني وحيداً الآن .

حنان :- لن تكون وحيداً ، أعدك ، لن تكون وحيداً من بعدي .



نهضت حنان من السرير و بدأت بالتأكد من حاجيات السفر التي أعدتها الليلة الماضية .



حنان :- هيا جهز نفسك للسفر فالطائرة ستقلع قريباً .

أمان :- لا أرغب في السفر .

حنان :- لماذا ؟، لا تقل لي إنك خائف من السفر .

أمان :- لا ، بل قلق عليك .

حنان :- لا تقلق ، سأكون بخير بإذن الله.

أمان :- ماذا لو أنجبت قبل أن أرجع من السفر ؟.

حنان :- لا تقلق ، قال الطبيب مازال شهران على موعد الولادة ، ستذهب و تعود لتجدني في انتظارك .

أمان :- و إن حدث شيء ؟.

حنان :- لا تقلق ، سأتصل بحسام إن حدث سوء ، ثم آمنة تملك سيارة و تقودها بمهارة ، لا تقلق و توكل على الله ، لا تؤجل أعمالك بسببي .

أمان :- لكن ..........

حنان :- إن بقينا نتحدث ستفوتك الطائرة و لن تستطيع السفر و سيتأخر عملك .

أمان :- سأسافر ، لكني قلق عليك .

حنان :- لا تخف سأتصل بك كل يوم لتطمئن .



أرادت فتح درج قد وضعت فيه بعضاً من حاجياته ، لكن حقيبة سفره الثقيلة واقفة في طريقها ، أرادت أن تحملها و تزيحها من مكانها ، لكن أمان منعها و خاطبها بلهجة قاسية .



أمان :- لا تحمليها .

حنان :- لا تقلق ، لن أحملها بل سأزيحها .

أمان :- قلت لك لا تتعبي نفسك ، لا تزيحيها من مكانها ، لا تحمليها ، لا تحملي شيئا ثقيلاً ، بل لا تحملي أي شيء .

حنان :- إذن ماذا سأفعل ؟.



يمسك كتفيها بكلتا يديه و يجلسها على السرير .



أمان :- ارتاحي ، فقط ارتاحي .

حنان :- أنا مرتاحة هكذا .

أمان :- لن أسافر مادمت تتعبين نفسك و تجهدينها .

حنان :- حسناً ، لا تقلق ، لن أتعب نفسي .





مر أسبوع على سفر أمان و في كل يوم كان يتصل بزوجته و يطمئن على حالها ، لكن اليوم لم يتصل ، غادر الفندق في الصباح الباكر، و استقل أول طائرة عائدة للبلاد ، عاد مسرعاً بمجرد أن أنهى عمله ، أراد أن يفاجئها بعودته ، و لم يرغب في أن يضيع ثانية واحدة باتصال هاتفي .



ها قد وصل إلى أرض الوطن ، استقل سيارة أجرة حتى تعود به للمنزل ، وصل إلى باب العمارة التي يسكنون فيها ، وجد سيارته و قد كساها الغبار ، فمنذ سفره لم تتحرك من مكانها ، لكن سيارة آمنة غير موجودة ، صعد إلى الطابق السابع ، فوجد باب شقته مفتوحاً ، دخل مسرعاً و هو ينادي ( حنان ، حنان ، حنان ) لكن لا مجيب ، دار في المنزل لكنه لم يجد أحداً ، و في غرفة النوم وجد سريرها غير مرتب ، عباءتها قد اختفت من علاّقة الملابس ، و مهد صغير موضوع في وسط الغرفة ، جديد لكن قد مزِّق القماش الخفيف الذي وضع فوقه ، اقترب من المهد ، و حمل جزء القماش الممزق بين يديه ، كان القماش معلقا في حاملة فوق المهد ليتدلى منها عليه حتى يغطيه و يمنع الحشرات أن تقترب من الطفل ، لكنه ممزق و كأن أحداً كان قد تشبث به كي لا يقع ، لم يفهم ما رأى ، خرج مسرعاً و بكل قوة صار يدق على باب شقة عائلته ، فتحت أماني الباب ، ليجدها و قد تمكن منها القلق ، صرخ في وجهها بجملة واحدة .



أمان :- أين حنان ؟.



ترد عليه في صوت شبه مسموع .



أماني :- في المستشفى ، في مستشفى الولادة .



و يغادر مسرعاً ، في قلق على حبيبته ، يقود بتهور و يلوم نفسه على كل ما جرى ، يلوم سفره ، و يلعن كل من يضايقه في الطريق و يعرقل وصوله للمشفى ، حتى وصل إليها .



دخل مسرعاً ، و سأل عن زوجته ، دلوه عن مكانها ، صعد إليها ، يدخل كل الممرات يبحث في كل الجهات ، أخيراً وجد أمه واقفة مع أخته آمنة و أم حنان وأخيها حسام ، جرى نحوهم ، و لم يفهم ما بالهم و قد بعثر الحزن علاماته على وجوههم ، اتجه لحسام و سأله عن حنان ، و عن مكانها ، فلم يكن من حسام إلاّ أن التفت إلى الغرفة المجاورة ، دالاً له عن مكان حنان ، و قبل أن يصل أمان لباب الغرفة ، يٌفتح الباب ، و يَخرٌج منه طبيب يهجم عليه أمان بأسئلة عن حال زوجته و حبيبته و حنانه .



يتبع...






الحلقة  44





انتهى كل شيء ، لم يعد لحنان وجود على وجه الأرض بل ابتلعتها و صارت في باطنها ، غابت عن الجميع و تركت لهم بعض الذكرى ، عاد أمان وحيداً من جديد ، يلوم نفسه على ما جرى ، بسببه غادرت حنان ، هو المذنب ، يعاقب نفسه بلا رحمة ، يجلس في ظلمة وحيداً في غرفته ، يتذكرها كيف كانت بالأمس هنا ، تبدأ صباحها بإزاحة ستائر النافذة داعيتا النور للدخول إلى الغرفة ، يبدأ نهاره بابتسامتها العذبة ، كانت ترتدي ثوبها الأبيض الحريري و تتجول به في كل أرجاء المنزل ، تركته معلقاً في علاقة الثياب أمامه ، ذهب إليه ، حمله بين يديه ، و شم عطرها الذي مازال يعبق به ، على كرسي قريب كانت تجلس ، تمشط شعرها و تتزين قبالة طاولة الزينة ، و على طاولة الزينة مازالت حاجاتها موجودة ، صورة لهما موضوعة في إطار خشبي ، عطرها ، كحل عيناها ، عقد لؤلؤ يتسلل خارجاً من صندوق مجوهراتها ، تذكر كلماتها و وصيتها له ، تذكر الرسالة التي طلبت منه أن يقرأها ، فتح الصندوق ببطء شديد ، وجد رسالة كما قالت له ، أخذها و جلس على الكرسي الذي بقربه ، تأمل الرسالة، و تحسسها بيده و أغمض عيونه و هو يتذكر ذاك اليوم ، الذي ذكرت فيه حبيبته أمر الرسالة ، أراد أن يفتحها ، لكن دقات على الباب أوقفته .



مسح دموعه بكم قميصه ، و خرج يرى من الطارق ، وجد أنها والدته .



أدخلها و دخل إلى غرفة المعيشة حاملاً في يده رسالة حنان الأخيرة.



دخلت السيدة نجاح ورائه ، و لم يعجبها حال ابنها ، شعر منفوش غير مرتب ، و ذقن شائكة تحتاج لحلاقة و تهذيب، أرادت أن تخاطبه و تحاوره .



السيدة نجاح :- انتهى العزاء ، و لم تعد لعملك بعد .

أمان :- لا رغبة لي في العمل .

السيدة نجاح :- و ابنتك ، لا ترغب في أن تراها ؟.

أمان :- لا أريدها ، أريد حنان .

السيدة نجاح :- حنان انتقلت إلى رحمة الله .

أمان :- أنا السبب ، أنا من قتلها .

السيدة نجاح :- لا ، لم تقتلها ، انتهى عمرها و لا مطيل لعمر أحد إن انتهى إلاّ الله .

أمان :- ألم أوصيكم بها ، ألم أقل لكم يجب أن تبات إحداكن بجوارها ؟، ماذا جرى حتى فقدتها ؟.

السيدة نجاح :- أهداها حسام مهدا للطفل ، و جلبه لها في شقتها ، لم تصبر حتى نقوم بتركيبه معاً ، قامت بتجميع قطعه وحدها ، ربما حاولت حمل المهد بعد تركيبه لتزيحه من وسط الغرفة و تضعه في مكانه ، وجدناها على الأرض بالقرب منه ، و قطعة من القماش الخفيف الذي وضع على المهد تمسكها بقوة في يدها ، يبدو أنها تمسكت بها كي لا تقع .



يصمت أمان و يفتح رسالة حنان ، و يبدأ في قراءتها ، لكن والدته تستمر في الكلام معه .



السيدة نجاح :- ما ذنب ابنتك في أن تبقى هكذا ، أمها توفيت ، و لم يبقى لها إلا أنت .

أمان :- ماذا سأفعل لها ؟.

السيدة نجاح :- أنت والدها ، و عليك واجبات نحوها ، أنت لم تطلق عليها اسما حتى الآن ، ماذا ستسميها ؟.



غاب أمان و هو يقرأ رسالة حبيبته الأخيرة .



حبيبي ، عندما تقرأ هذه الرسالة أكون قد غادرت الطائرة ، و وصلت إلى محطتي ، لا تحزن .



و أعلم أن طفلتنا هدية منى لك ، فحافظ عليها و اعتني بها ، كما كنت تعتني بي ، أنا على يقين بأنك ستكون لها الأمان و الحنان معاً .



آسفة لأني أخفيت عنك كونها بنتاً ، أردتها مفاجأة ، لا أعلم ما شكل ابنتنا ، لكني أعلم أنها جميلة ، قل لها عندما تكبر أني أحبها ، و عندما تسأل عني قل لها أني دوماً في جوارها ، أراها و أعتني بها ، قل لها أن تكون الأفضل ، أريد أن أفخر بها ، قل لها إني أحبها حتى قبل أن أراها ، يكفي أنها الشيء الذي جمع بيننا حتى أحبها ، تركت أمر تسميتها لك ، سمها اسما تحبه أنت ، اسما قريباً على نفسك حتى تحبها .



حبيبي ، لا أحب أن أتركك و حيداً ، فرغبتي الأخيرة أن تتزوج ، أريدك أن تتزوج وعد ، لا ترفض طلبي ، تقدّم إلى والدها ، و أطلب يدها ، و تزوجها ، هي لن ترفض الأمر ، مازالت تحبك كما كانت دائماً ، حتى أنها أسمت ابنها تيمنا بك .



عزيزي ، لن أجد أماّ لابنتنا أفضل من وعد ، و لن أجد زوجة لك أفضل منها .



ستجد مع الرسالة خاتم و عد ، ارتديه وعد إليها ، و عش معها باقي أيام حياتك ، فهذا ما أريدك أن تفعله .



مع حبي.





انتهت حروف الرسالة التي ودّ لو لم تنتهي ، قال في صوت مبحوح تخنقه العبرات .



أمان :- حنان ، أريد حنان ، لا أريد أن أبقى وحيداً بلا حنان .



لم تفهم أمه ما يقصد حتى أنهى كلماته .



أمان :- سأسميها حنان ، ابنتي ستكون حنان ، سأسميها حنان .

السيدة نجاح :- تذهب حنان ، لتأتي حنان .



يتبع.......












































النهاية



النهاية ، لم أرغب في أن أكتبها في نهاية الحلقة الماضية ، لأني أرغب في أن تعودوا لتعلموا بوجود هذه السطور .



ها قد انتهت القصة ، عرضتها و أطلت عرضها بكل فصولها و أحداتها و تفاصيلها ، انتهت قصة حنان ، و بدأت قصة أمان ، أترك لك القلم يا أمان حتى تعلمنا بما جرى ، و ما سيجري من أحدات ، أو فقط اكتفي بفهم القصة و ما تحويه من رموز ، و أصمت و لا تخبر أحداً بما سيجري .





سلامي لكل من يرى في نفسه بعض من أمان ، أو صفة من صفات حنان .

شخصيات القصة من الخيال ، لكن ربما وجدتم يوماً أنها تشبه أحداً تعرفونه .

آسفة إن كنت قد سببت بسرد القصة في فتح جروح كانت دامية في زمن مضى و ضن بعضكم أنها دُمِلَت .

آسفة عن كنت سبباً في حزن أحد ، و سيل دمعه .





و لكل من تابع القصة أحب أن أقول :- قدمت لكم ستة فصول مختلفة من القصة ، كل فصل يحكي مرحلة ما من حياة حنان ، كانت جميعها في أكثر من أربعين حلقة متتالية ، لكنها كتبت في فترات مختلفة لهذا كانت كل حلقة ذات طعم يختلف عن غيرها .



أتذكر أني كتبت أول حرف من القصة في فترة دراستي بالمدرسة الثانوية في دفتر مادة التعبير و كان الموضوع اختياري ( كنت كلّما قيل لنا عبروا تعبيراً اختيارياً أكتب قصة ، هرباً من المواضيع الكلاسيكية ) و كان هذا في العام 1999، و ها قد كتبت آخر حرف منها هنا في العام 2009. أي تفصل عشر سنوات بين بداية و نهاية القصة .



للأسف لست بكاتبة و لا أجيد قواعد اللغة العربية ، فكانت قصتي ميداناً لصيد الأخطاء المطبعية و الإملائية و النحوية ، فمن يجد شيئا يمكن تعديله فليخبرني و لا يبخل على بهذا لأزيد من إثراء القصة ، فربما وجدتموها يوماً نسخة ورقية مطبوعة متروكة على أحد رفوف المكتبات .



كلمة لكل من يرغب في نقل القصة و سرقتها و نسبها لنفسه .

لن أمنعك من فعل ما تريد ، لكن تذكر أن عملي يملك جزء من روحي ، وحدي أستطيع فهمه كاملاً ويمكنني تطويره و إحيائه كيفما أشاء ، لأني من قمت بصنعه و إخراجه بهذا الشكل ، لكن إن حاولت نقله و نسخه و نسبه لنفسك لن يعيش معك طويلاً ، و سيموت و يتحول لعمل بلا روح ، فاحذر قتل أعمال الغير ، حتى لا يقتل لك أحد عملاً .



إلى اللقاء في عمل جديد إن شاء الله .



و حتى ذلك الحين ، أدعو الله أن يحفظكم في أمان سالمين .





سلامي

رفرفة قلم © 2008 | تصميم حسن تطوير و تعديل فراشة