قصة (حنــــــــــان)


همسة

أرحب بأي تعديل أو ملاحظة ترون أن من شأنها أن تجعل من القصة أفضل و أجمل


قراءة ممتعة



سلامي












1 (1)



في الجامعة و في قاعة الامتحان و مع مرور نصف زمن الامتحان ، بدأ الطلاب بالخروج من القاعة، مازالت حنان تجيب على بعض الأسئلة ، ترى جمال أمامها تنتظر منه إشارة الخروج و المغادرة ليخرجا معا ، لكن حدث عكس ذلك ، لم يلتفت جمال لها ، لم يعطها إشارة الخروج ، لم ترى وجهه ، لم تعرف رأيه في الأسئلة ، فقط ، جمع أوراقه و غادر القاعة ، حارت في تصرفه ، لم تعرف ما السبب .

تقول في نفسها (هل هو الامتحان الصعب، أم جلوسي اليوم بعيدة عنه؟).



خرجت حنان من القاعة بعد دقائق ، بعد أن أنهت كل الإجابات التي تعرفها ، وألّفت إجابة لما كانت لا تعرفه ، كما كانت تفعل دائماً في الامتحانات ، لكنها كانت تفكر فيما فعل جمال ،بقيت تحدث نفسها قائلة (قد يكون هذا آخر يوم لي هنا ، لما هو هكذا؟ ، هل أكون أنا السبب؟ ، أم سفري إلى الخارج ؟).



خرجت و هي تبحث عنه ، تفكر أين يكون الآن ،(هل غادر الجامعة ؟، لا ، لا يمكن ، يجب أن أراه قبل سفري ، يجب أن يعلم بما يحدث ، أين هو؟ ، أين هو ؟). هذا ما جال في بالها .



أخيراً ، ها هو ، يجلس بالقرب من سيارته ، بعيداً عن كل البشر ، و على غير العادة ، يمسك سيجارة و يدخنها ، و من وجهه يبدو أن هموم الأرض على ظهره ،( لما كل هذا الهم و الغم ، كل هذا من أجل امتحان ؟ ) ، هكذا كانت تقول.



اقتربت منه ، انتظرت أن يطفئ السيجارة ، لكنه لم يفعل ، عيونه غريبة ، ضحكته غائبة ، و كأنه غريب من أرض الغرباء.



حنان :- السلام عليك.

جمال :- و عليك السلام.

حنان :- أنت تدخن ؟

جمال :- نعم .

حنان :- و منذ متى ؟

جمال :- هذه أول سيجارة.

حنان :- اشتريتها ؟.

جمال :- لا ، استعرتها.

حنان :- لماذا تدخن ؟.

جمال :- لا يهم .

حنان :- كيف كان الامتحان؟.

جمال :- لا يهم.

حنان :- لم أنت هنا على غير العادة؟.

جمال :- لا يهم.

حنان :- ما بك ، ماذا دهاك؟

جمال :- أيضا ، لا يهم.

حنان :- ما بالك كل إجاباتك لا يهم ، لا يهم ،قل لي ما المهم؟.



صمت قليلاً ، التفت إليها ، نظر إلى عينيها ، و أجاب.



جمال :- أنت هي المهمة .



تعجبت من إجابته ، و عرفت أنها سبب همه ، و قالت في صوت يؤكد كلامه .



حنان :- صحيح ، أنا المهمة .



ساد الصمت المكان لفترة ، تحاول أن تفهم ما يحدث ، أن ترى عينيه و تحاول قراءتهم ، لكن عبثا ، فحتى عيونه تغيرت، و لم تعد تفهمها .



تقطع كلماتها الصمت .



حنان :- سأسافر.

جمال :- أعرف .

حنان :- من أخبرك؟.

جمال :- لا يهم.

حنان :- عدنا ل لا يهم ، و هل تعرف السبب؟.

جمال :- أكيد، أعرف كل شيء.

حنان :- حان وقت الرحيل الآن ، هل هناك ما تقوله ؟

جمال :- نعم .



توقعت أن تسمع كلمات الدعم و المساندة منه في محنتها ، كانت تخاف من السفر كثيراً جداً ، تحتاج لأي مساندة ، من أخ ، صديق ، أو حبيب ، لم تكن لتعترف له بحبها ، قبل أن يعترف هو ، كانت تنتظر أن يقول لها ، سأنتظر عودتك ، سأكون في المطار ، أي كلمة توحي بالدعم ولو قليلاً.



حنان :- ماذا ستقول.

جمال :- مع السلامة.

حنان :- فقط.



خاب أملها كثيراً ، رغم هذا أخرجت و رقة و قلم و كتبت كلمات ، قسمت الورقة إلى نصفين ، و طوت النصفين ، أعطته نصف الورقة ، و أخذت معها النصف الآخر .



حنان :- دع هذه الورقة معك و لا تفتحها حتى نلتقي مجدداً إن شاء الله .



وضع الورقة في محفظته ، في أحد الجيوب الصغيرة الخفية ، التفت إليها لكنها غادرت.



يتبع...






2



حان وقت سفر حنان ، أُعِدت الحقائب ، أوراق السفر، و غيرها من التجهيزات ، لكن الأجواء كانت مشحونة ، و كأن شخصا سيموت ، و كأن الفراق هو فراق أبدي ، و ليس فراق لبعض الأيام و إن طالت لبعض الأسابيع ، الكل كان يتحدث معها عن سفرها ، يحاولون طمأنتها ، لكنها في كل مرة ترتعب أكثر من سابقتها ، حاولت الهروب و التحجج حتى لا تذهب ، لكنها لم تستطع ، فالسفر من دونها كان غير ممكن ، فهي السبب الرئيسي للسفر.



حانت لحظة مغادرة المنزل ، الكل مبتسمون و إن كانت هذه ابتسامة الوجوه و ليس القلوب ، الكل حاول تخفيف الفراق بطريقته ، الأخ يوصيها بشيء و الأخت تطلب شيئا غيره ، و هكذا الكل ودعوها كل على طريقته ، ودعت كل من في المنزل ، منهم من كان يعرف سبب السفر ، و منهم من لم يعرف السبب ، وصلت الحقائب إلى السيارة ، بدأ والدها بوداع أفراد الأسرة ، بدأت الدموع بالانهمار ، و دعتهم هي بدورها ، أحست أن أحداً مفقوداً ، لم يكن الجميع موجود ، والدتها لم تكن موجودة ، بحثت عنها، وجدتها في غرفتها غارقة في دموعها ، احتضنتها ، أرادت أن تودعها ، كان أشبه بوداع لا لقاء بعده بين أم و ابنتها ، دموع و نظرات و صمت فقط هذا ما كان .



قطع الأب ما كان بكلمات تدعو حنان للخروج و المغادرة قبل فوات وقت إقلاع الطائرة ، مسحت دموعها ، و طبعت قبلة على جبين والدتها و غادرت المكان ، سمعت دعاء أمها لها بالسلامة بعد أن غادرت الغرفة بقليل لكن العبرة كانت تخنقها لم تشأ أن تعود إليها و يزداد حزن الوداع ، فتوجهت نحو الباب ، خرج أخاها حسام وراءها مودعا ، جلست في السيارة ، اشتغل المحرك ، و انطلقا مغادرين ، وجهتهم كانت المطار .



في الطريق كانت تودع البلاد ، الوطن ، هذا المكان الذي عاشت فيه ، الذي تمنت الموت فيه ، لكن يبدو أنها ستموت في مكان آخر خارجه ، مكان لم تعرفه و لم تعرف أهله ، و لم تتقن لغتهم ، راودتها أفكار غريبة ، ذكريات قديمة ، فكرت في كل شيء تعرفه ، لكن ما كان يزعجها هو ذهابها للموت.



أخيرا و صلوا إلى المطار ، ترجلت هي و والدها و السائق ينزل الحقائب رأت حقيبتين ، لكنها أعدت 3 ، حقيبتها مفقودة ، حاولت أن تبحث عنها بنفسها داخل السيارة ، لكنها لم تجدها ، يبدو أن حسام لم يضعها في السيارة ، كانت الحقيبة تحوي ملابسها ، فرحت قليلاً ، وأخبرت والدها بضياع إحدى الحقائب ، فعرضت عليه فكرة العدول عن السفر و العودة للمنزل ، قد تكون هذه إشارة لتمنعها من السفر ، ألحت على والدها بالعودة تحججا بأنها لا تملت الثياب اللاّزمة للسفر ، لكن والدها طمئنها بأنه سيشتري لها كل ما تريد من هناك، المشكلة قد حلّت ، هنا سمع والدها نداء صديقه موظف المطار الذي اهتم بكل إجراءات السفر ، لقد ضاع آخر أمل لها بالبقاء ، استسلمت للأمر ، فكل ما سيحدث من عند الله ، دخلت المطار و جلست في صالة الانتظار ، وقت قليل و سمعت الأمر بالتوجه إلى بوابة المغادرة ، ركبت الطائرة متشبثة بذراع والدها ، جلست بجوار النافذة ، لإلقاء تحية أخيرة للوطن ، ربطت الأحزمة ، و أقلعت الطائرة في السماء متجهة لبلد آخر.



يتبع...



3





اقتربت الطائرة من وجهتها ، أرادت حنان أن ترى كيف تبدو هذه البلاد ، لعلها تجد فيها ما يعجبها لكنها لم ترَ سوى الجبال الجليدية ، سألت والدها.



حنان :- هل في هذه البلاد بحر ؟.

الأب :- لا ، فيها بحيرات و جبال .



لم تعجبها الإجابة ، أغلقت النافذة ، و جلست في مكانها في حزن .



و صلوا إلى المطار ، لم ترغب في النزول من الطائرة ، والدها نزل ، لحقت به بسرعة ، لم تشأ أن تضيع في هذه البلاد التي لا تعرف فيها أحدا ،و غادروا المطار إلى الفندق .



في الصباح تأخرت في النوم ، والدها يحاول إيقاظها ، لكن عبثا ، هي تسمعه لكنها لا تريد أن تنهض من نومها ، أرادت أن تقول لعقلها أن الواقع كابوس مزعج سينتهي عندما تبقى نائمة ، لكن محاولتها باءت بالفشل ، فقد وصل الفطور و يجب أن تنهض لتأكل ، فنداء الجوع أقوى من نداء النوم .



طلب والدها منها إعداد نفسها للخروج ، لكنها رفضت لعدم امتلاكها الثياب ، حتى أنها نامت بالثياب التي قدمت بها من المطار.



حنان:- أبي ، أخرج بمفردك و اشترِ بعض الثياب لي ، و لا تنسى أغطية الرأس.



هذا ما قالته لوالدها ،و دعته ، أغلقت الباب خلفه ، ثم عادت لاستكشاف المكان ، هذه الغرفة ليست غرفتها ، و الأسرّة ليست كما اعتادت عليها ، حتى ضوء الشمس المتسلل من النافذة لم يعجبها ، اتجهت للنافذة لتلقي نظرة على المكان ، الشارع و الناس و السيارات ،كلها غريبة ، لم تعجبها .

الهاتف يرن ، قطع حديثها مع عقلها ، ردت ، وجدت المتصل والدها و دار حديث بينهما.



الأب :- ماذا أشتري لك ؟

حنان :- سروال و قميص طويل الأكمام و غطاء للرأس .

الأب :- لم أجد أي مكان يبيع الأوشحة وأغطية الرأس.

حنان :- لا يهم ، اجلب السروال و القميص ، و سأخرج بنفسي لأرى ما يناسبني.

الأب :- أتريدين شيئا آخر ؟ .

حنان :- نعم ، بعض الشيكولاته.

الأب و هو يضحك :- أكيد ، لن أنساها .



مرت ساعة أو ما يزيد حتى عاد والدها و هو يحمل أكياسا من الثياب و المشتريات ، فرحت بها و حاولت أن تقيسها ، لكنها لم تجد ما يناسب طلبها ، فهذه قصيرة الأكمام ، و هذا ضيق ، هذه حمراء ، و هذه شفافة ، كل الأشياء لم تعجبها ، إلاّ الشيكولاته كانت على طلبها كما تحبها تماما.



حنان :- أبي أين أجد مكواة الثياب ؟

الأب :- لا أعلم . سأتصل بموظف الفندق لأسأله.

حنان :- اسأله أيضا عن أماكن محلات الثياب.

الأب :- و لماذا؟

حنان:- المكواة لأكوي ثيابي التي أرتديها ، المحلات لأخرج معك للتسوق، فهذا أفضل حل.

الأب :- حسنا ، لكن بسرعة .



بسرعة كوت ملابسها و أعدت نفسها للخروج ، خرجت لوالدها لتجد أنه يكلم أحدا ، لكن اللغة كانت أجنبية ، لم تفهم ما يحدث ، عندما أغلق والدها السماعة ، بدت عليه ملامح لم تعرفها ، كأنه يريد قول شيء هي تخاف منه.



حنان :- من المتكلم؟

الأب :- الطبيب.

حنان :- ماذا قال ؟

الأب :- يجب أن تذهبي اليوم للمستشفي.

حنان :- اليوم ؟

الأب :- بل الآن.

حنان :- لماذا ؟

الأب :- لا أحد يستطيع إجراء عمليتك إلاّ طبيب واحد في هذا المشفى ، و سيسافر سفراً مستعجلاً.

حنان :- و الثياب؟.

الأب :- سنشتريها غداً .

حنان :- كيف ؟.

الأب :- سأشتريها وحدي .

حنان :- كما فعلت اليوم ؟.

الأب :- قد نشتري شيئا في طريقنا إلى المستشفى .

حنان :- قد نشتري!، و كيف سأذهب ؟.

الأب :- هكذا.

حنان :- لن أذهب ، و سأعود إلى البيت.



الأب يبدو حازماً .



الأب:- توقفي عن هذه الأفعال الطفولية ، قلت سنذهب الآن ، وكفى.



استسلمت حنان للأمر الواقع و لحزم والدها .



حنان:- حاضر ، لكني أحتاج لثياب النوم ، كيف سأبيت هكذا.

الأب :- سأشتريها لك اليوم ، لكن فيما بعد .

حنان :- ماذا أحضر معي؟

الأب :- أحضري ما تحتاجين لهذا اليوم ، و غداً سأتصرف .



لفت وشاحها الأبيض اليتيم على رأسها ، و أخذت معها علبة الشيكولاته ، وضعتها في حقيبة يدها مع باقي أشيائها ، و خرجت ، أغلقت باب غرفة الفندق وراءها و انطلقا إلى المستشفى.





يتبع...



4



وصلا إلى المستشفى متأخرين بسبب زحمة السير ، لم يشتريا ما أرادت من ثياب، يزعجها بقائها فترة من الزمن في هذا المكان، و لا تملك ما ترتدي ، كيف نسيت حقيبة ملابسها؟ ، لماذا لم تشتري ملابس من هنا؟ ، لماذا لا يوجد ما تريد هنا؟ ، بحثت عن حل لمشكلتها لكنها لم تجد .



عند دخولهم من بوابة المستشفى بدأت في التفكير بغرفة العمليات ، كيف هي هذه الغرفة ؟ ماذا سيفعلون بي ؟ هل سأشعر بالألم ؟ هل سأموت؟؟؟؟؟؟؟؟.



عبرا عبر عدد من الأبواب ، بعد مخاطبة عدد من الأشخاص ، أطباء كانوا أم من طاقم التمريض أم الموظفين ، أخيراً وصلا إلى غرفة الطبيب ، دخلا معا ، جلست بجوار والدها ، تسمعهم يتحاوران و يتحدثان عن تفاصيل العملية ، متى ستبدأ ؟، كم تستغرق؟، التكلفة ، و غيرها من المعلومات .

لم يترجم لها والدها شيء من الحديث القائم بينه و بين الطبيب ، فقط كان يخبرها أن كل شيء يجري جيدا ، و يريد أن تكون مطمئنة.



لم يعجبها ما كان يخفيه والدها ، أرادت أن نعرف ما سيجري لها أثناء العملية ، طرحت العديد من الأسئلة ، والدها لعب دور المترجم ، أرادت أن تعرف كل شيء أثناء و بعد العملية ، الآن لم يعد هناك مفر، يجب أن تدخل الحرب ، و تعلم بكل خطواتها ، يجب أن تعرف كل شيء، لكنها لم تعرف كل شيء.



تحاليل و كشوفات سريعة ، و حانت ساعة الصفر، قرأت بضع آيات من القرآن الكريم قبل أن يبدأ أي شيء ، غيرت ملابسها ، و ارتدت ثيابا من المستشفى ، غطت شعرها بغطاء من النايلون ، و نامت على سرير ذو عجلات ، و بدأت المغامرة ، ( حرب ، مغامرة ، رحلة إلى حدود الموت ) هكذا كانت تسمي ما سيحدث ، عندما ودّعها والدها بدأ قلبها بالدق كالطبول ، و كأنه سيخرج من مسكنه ، أُغلقت الأبواب ، و أُضيئت الأَضواء، و بدأت العملية ، غرقت في صمت عميق لم ترى شيء ، لم تشعر بشيء ، فقط صمت.



صوت صفير مراقب دقات القلب يقتحم الصمت ، تفتح عيونها لترى شيء أبيض ، لا، شيء مضيء ، المكان غريب ، غرفة بها العديد من الأجهزة ، سرير بشراشف بيضاء، و بعض صداع الرأس ، حقنة في يدها ، و أنابيب تخترق جسدها ، ملصقات مدورة على صدرها ، ما هذا أين غطاء رأسها ، أين ثيابها ، لا يسترها سوى هذا القميص الأخضر الخفيف و الشراشف، الممرضة بجوارها ، تكلمها و تجيب عليها و كل منهما لم تفهم الأخرى ، سألت ببعض الكلمات التي تعرفها بلغتهم تسأل عن والدها ، لكن الممرضة لا تفهم شيء.



غضبت كثيرا من هذا الوضع ، يجردونك من كل شيء ، الوعي ، الثياب ، و حرية الحركة ، و أخيرا تجد نفسك أمام حائط زجاجي ، يذكرك بحديقة الحيوان ، و كأنك حيوان في قفص و الكل يشاهدك من الخارج دون أن تسمع شيء ، سوى صوت مراقب دقات القلب ، الذي كرهت رناته ، بغضب كلمت الممرضة ، أرادت أن تتحرك من مكانها ، أن تنزع الأجهزة عنها ، أن تذهب لوالدها ، لكن سرعان ما حقنتها الممرضة بشيء أعادها للنوم.



استيقظت هذه المرة لتجد والدها يقف أمامها أفرحها الأمر كثيرا ، لكن فرحتها سرعان ما نقصت ، لأن الجدار الزجاجي يفصل بينهما ، سألته ببعض الإشارات عن حاله ، و أخباره ، عن إمكانية دخوله لهذه الغرفة ، لكنه أجابها بعد قليل ستغادرين الغرفة ، فقط اصبري.



و سرعان ما جاءت عدد من الممرضات و نقلتها لغرفة أخرى ، أجهزتها أقل ، و أجوائها ألطف ، و جاء والدها إليها و بقي برفقتها.



حنان :- ماذا حدث؟.

الأب:- أجريت لك العملية و لاقت النجاح بفضل الله .

حنان :- هل تحدثت مع أمي، حسام و فرح ؟.

الأب :- نعم ، الكل يلقي عليك السلام.

حنان :- كيف حالهم ؟.

الأب :- الحمد لله، مشتاقين لك.

حنان :- أبي، أين ثيابي؟ ألم تشتري لي شيء؟.

الأب :- لا، لم أشتري لك شيء ، لم أخرج من المستشفى ، بقيت معك حتى في نومك.

حنان :- و كم نمت ؟ .

الأب :- كثيرا.

حنان :- و كم سأبقى هنا ؟.

الأب:- أقل من أسبوع .



حنان تبحث عن شيء ما .



حنان:- أبي ، أين حقيبتي؟

الأب :- عندي ، سأجلبها .



وصلت الحقيبة ، فتحتها و أخرجت علبة الشيكولاته ، لم ترغب بها لكنها جائعة ، مستعدة أن تأكل أي شيء .

سألت عن ثيابها ، عن غطاء رأسها ، لا تملك سوى هذه الشراشف البيضاء ، أزعجها أن تبقى هكذا ، سأل والدها الممرضة عن إمكانية ارتدائها لثيابها ، فأجابته بالنفي بحجة أن ثيابها ستضايقها ، ستبقى هكذا أفضل لصحتها ، أزعجها هذا أكثر مما أزعجتها العملية .



حنان :- أبي أين ثيابي التي كنت أرتديها؟

الأب :- تريدينها الآن؟

حنان :- لا ، أريد الوشاح الأبيض لأغطي رأسي.

الأب :- سأجلبه لك الآن.



و صل الوشاح ، فرحت به ، أخيرا سترتدي شيئا ، جلس والدها معها ليحكي لها ما حدث ، و ما سيحدث ، دق الباب ، دخل أحدهم للغرفة ، لكنه لم يكن سوى الطبيب ، عرض الأب عليه فكرة ارتدائها لملابسها ، لكنه وافق بعد جدال ، وافق على الملابس الواسعة فقط ، لا يهمها إن كانت واسعة أو ضيقة المهم ثياب ، خرج والدها ليشتري لها الثياب ، مازالت لا تملك الثياب المناسبة لها ، ففي كل مرة يحدث شيء يمنعها من الحصول على ما تريد .



يتبع...





5



وحيدة في الغرفة ، الباب مغلف رغم هذا ارتدت وشاحها الأبيض ، تكمل أكل قطع الشيكولاته ، و تسأل الله أن يرسل إليها أنيسا في ساعات و حدتها ، دق الباب ، سحبت الشراشف عليها لتجعل منها شرنقة تغطي بها نفسها، و أعطت الإذن بالدخول ، توقعت والدها ، الممرضة ، الطبيب ، لكن على غير التوقعات ، لم يكن أيا من الجميع ، كان شابا ، طويل القامة ، أسمر البشرة واسع العينين ، لم يدخل ، بل و قف أمام الباب يستأذن الدخول ، تكلم بلغة عربية ، لا، لم تكن عربية فقط بل كانت لغة بلدها ، و لهجة منطقتها .



هو :- السلام عليكم.

حنان :- و عليكم السلام.

هو :- أيمكنني الدخول ؟

حنان :- تفضل ، لكن أترك الباب مفتوح .



دخل الغريب و وقف بعيداً قليلاً عنها وعرف بنفسه.



هو :- اسمي أمان ، من بلدكم ، و أعرف من تكونين ، سامحيني على تدخلي ، لكني رأيتك قبل قليل تنقلين إلى هذه الغرفة ، أردت أن أسألك عن حالك و صحتك ليس أكثر ، إن كان هذا يزعجك سأخرج دون عودة .



حنان :- هذا لا يزعجني ، تفضل بالجلوس .



بحث عن كرسي ليجلس لم يجد ، فخرج من الغرفة ليعود بكرسي من خارج الغرفة ، وضعه بالقرب من السرير و جلس .



حنان :- قلت إنك تعرفني ، من أين تعرفني؟.

أمان :- أدرس معك في نفس الكلية و نفس العام .

حنان :- لكني لا أعرفك ؟.

أمان :- لكني أعرفك .

حنان :- ما سبب وجودك هنا؟.

أمان :- مرافق لأمي ، فهي مريضة هنا .

حنان :- و كيف حالها؟.

أمان :- الحمد لله .

حنان :- و ما مرضها؟.

أمان :- تضخم في عضلة القلب.

حنان :- يعني أنها صاحبة قلب كبير.

أمان :- ها ها ها ها ، أعجبني تعليقك ، صحيح ، هي صاحبة أكبر قلب في العالم.

حنان :- كم ستبقى ؟.

أمان :- لا أدري ، لكن لن تطول الإقامة أكثر من أسبوع .

حنان :- أنا أيضا لن تطول إقامتي أكثر من أسبوع .

أمان :- إذن قد نعود معا في نفس الطائرة .

حنان :- لا أعلم ، ربما.



تتذكر أنه ضيفها ، و هي لم تقم بتقديم واجب الضيافة ، تخرج علبة الشيكولاته و تقدم له بعضها .



أمان :- أتحبين الشيكولاته ؟.

حنان :- نعم ، بل كثير جداً ، حتى درجة العشق .



في هذه الأثناء وصل والدها مع عدد من الأكياس ، يبدو أنها أكياس الثياب الجديدة ، يدخل و يرى أمان ، يصافحه و يسأل من يكون؟ .



حنان :- أبي ، هذا زميلي في الكلية ، أمان.

حنان:- أمان ، هذا أبي ، مرافقي في الرحلة.

أمان :- تشرفت بمعرفتك .

الأب :- و أنا أيضا .

الأب :- من أين أنت؟ ، و ابن من ؟.

أمان :- من بلادكم ، و ابن الدكتور خالد كمال.

الأب :- الدكتور خالد كمال ؟ سمعت بهذا الاسم لكن لا أعرف إن كان هو من أعرفه أم لا ، عرفني عليه عندما يأتي .

أمان :- للأسف لا أستطيع .

الأب :- لماذا؟.

أمان :- أبي توفي قبل سنوات.

الأب :- إنّا لله و إنّا إليه راجعون .

أمان :- الآن اسمحوا لي ، يجب أن أنصرف ، مع السلامة.

الأب :- مع السلامة .



غادر أمان الغرفة و أغلف الباب خلفه.



يتبع...



6





التفتت حنان للأكياس الكثيرة التي يحملها والدها و سألت.



حنان :- ماذا عندك ؟.

الأب :- ثياب اشتريتها ، ما رأيك بها ؟.

حنان :- سأراها و أقيسها قبل أن أحكم .



وضع والدها الأكياس على حافة السرير ، و بدأت حنان تبحث في الثياب، تسحب هذا و ذاك، و لم يعجبها سوى قميص واسع طويل بأكمام طويلة و لونه أبيض .



حنان :- هذا جيد ، لكن البقية لا يمكن أن أرتديها الآن .

الأب :- هيا البسي هذا الآن .

حنان :- أخرج لكي أغير قميصي .

الأب :- سأساعدك .

حنان :- لا ، سأرتديه لوحدي .

الأب : لا تخجلي ، هل نسيتِ كم مرة ألبست لك ثيابك في السابق ؟.

حنان :- لا ، لكني كبرت الآن .

الأب :- مازلتِ طفلتي الصغيرة و إن كنت أماً لأربعة أولاد.

حنان :- سأرتديه لوحدي.

الأب :- مع كل هذه الأنابيب و الحفنة في ذراعك لن تستطيعي ، سأساعدك .



ابتسمت حنان في خجل و تركت والدها يساعدها في تغيير قميصها المتسخ بآخر جديد ، وصل الغذاء جلس معها والدها و بدأ في تقشير التفاحة ، تعودت أن يطعمها الفاكهة بيده قبل كل شيء .



فكرت في حل لمشكلة الثياب ، فلن تبقى بهذا القميص الأبيض فقط طول فترة إقامتها هنا، أخيرا وجدت الحل .



حنان :- أبي ، أيمكن إرسال حقيبتي من بلادنا بواسطة البريد السريع؟.

الأب :- نعم .

حنان :- و هل ستصل قبل خروجي من هنا ؟.

الأب :- نعم ، هل أرسل في طلبها ؟.

حنان :- نعم ، زد عليها هذه الأشياء ،أخبر أمي وهي تعرف أين تجدهم ، فالقائمة طويلة .



أخد الأب القائمة الطويلة و وعدها بأن يقوم بما ترغب و تريد .



بقى والدها معها شبه مقيم في نفس الغرفة ، لكنه كان يغادر لبعض الوقت ، له أعماله في هذه البلاد يجب أن يتابعها ، اطمئن عليها بعد استقرار حالتها و تأقلمها مع أجواء المستشفى رغم أنها لم تغادر سريرها إلاّ نادراً .



أمان كان يزورها باستمرار ، لأن غرفة والدته ملاصقة لغرفتها .

هذه المرة دخل الغرفة فوجدها و حيدة ، و الغذاء أمامها و لم تحاول حتى الاقتراب منه .



أمان :- لماذا لم تأكلي ؟

حنان :- لا آكل وحيدة .

أمان :- لم؟

حنان :- هكذا تعودت ، لا أستطيع الأكل و حيدة ، يجب أن يكون أحد معي ، و إلاّ لن آكل .

أمان :- و أين والدك ؟ .

حنان :- خرج و لم يعد في وقت الغذاء .

أمان :- هل أشاركك الغذاء ؟.

حنان :- تفضل .



مدّ أمان يده للفاكهة و السكين لتقشيرها و هو يقول لها.



أمان :- الجميع يأكلون الفاكهة في نهاية الوجبة ، لكني آكلها في البداية ، هل تجربينها في البداية كما أفعل ؟ .



ضحكت حنان و هي تقول.



حنان:- إذن لم أكن الوحيدة التي تأكل الفاكهة في أول الوجبة ، حتى أنت تفعل هذا .



ضحك الاثنان من هذه الصدفة الغريبة ، فكلامها يأكل الفاكهة في بداية الوجبة .



مد يده اليسرى إليها حاملا قطعة فاكهة مقشرة ، رأت خاتم زواج في إصبعه ، تعجبت من الأمر ، كيف له أن يكون متزوج ؟، هو صغير في السن ، إن كان يدرس معها فهو في عمرها ، و لقطع استغرابها سألته .



حنان :-أ أنت متزوج ؟.



ابتسم أمان من سؤالها ، لكنه أجابها.



أمان :- لا ، لكني مرتبط .

حنان :- هل يمكن أن أعرف من هي ؟.

أمان :- طبعا ، هي حبيبتي منذ الصغر ، اتفقنا على الزواج في أول فرصه .

حنان :- منذ الصغر !، هل هي قريبتك ؟.

أمان :- لا ، ابنة الجيران .

حنان :- حب قديم جداً ، قبل المراهقة .

أمان :- نعم ، أحببتها منذ أن ولدت ، كانت و مازالت رائعة .



صمت قليلا و هو يتأمل الخاتم ثم قال.



أمان :- و أنت ، هل أنت مرتبطة ؟.



هنا تذكرت جمال ، و كيف كان لقائهم الأخير، بارداً و غريباً ، لكنها لا تعرف إن كان ما بينهما حب أم إعجاب فقط ،لم تخجل من أمان و أخبرته بكل صدق عن علاقتها به.



حنان :- نعم هناك شخص .

أمان :- و من سعيد الحظ ؟.

حنان :- جمال زميلنا في الجامعة .

أمان :- تعرفينه منذ زمن ؟.

حنان :- لا ، هذا العام فقط .

أمان :- عام واحد فقط ؟.

حنان :- لا ، أقل من عام .

أمان :- أقل من عام ، ما بينكما أهو حب أم إعجاب فقط؟.

حنان :- لا أدري ، ما أعرفه أني أرتاح بالحديث معه ، و أطمئن بوجودي قربه ، و أشتاق إليه في غيابه ، و المهم أنه يعرف كيف يتعامل معي .

أمان :- هل أخبرك يوما أنه يحبك ؟.

حنان :- لا ، لم يقل أحبك بصريح الكلمة .

أمان :- و أنت ؟.

حنان:- ما بي ؟.

أمان :- هل قلت له أحبك ؟.

تجيب حنان في خجل :- لا ، لم أقلها .



أربكها خجلها و وسؤال أمان لها ، حاولت أن تغير مسار الحوار فقالت .



حنان:- لا أعرف كم عمرك ؟.

أمان :- خمني كم عندي من السنوات ؟.

حنان :- لا أدري ، أنا في 18 ، ربما تكون في نفس العمر أو ما يزيد عنه بعام .

أمان :- لا ، أزيد عنك بأربع سنوات .

حنان :- أربع سنوات ؟ ، لم كل هذا التأخير في الدراسة؟ .

أمان :- توفي أبي قبل 4 سنوات ، كنت في السنة الأولى من الجامعة ، تركني مع أسرة من 3 أخوات و أم ، لم أعرف كيف أدير هذه العائلة ، فبين ليلة و ضحاها أصبحت ولي أمرهم ، أصبحت أبا و أخا و ابناّ لهن ، كنت السند الوحيد لهن ، فاخترت أن أوقف دراستي عدداً من السنوات لكي أعيل عائلتي .



حنان :- أليس لديك عم ؟.

أمان :- لا .

حنان :- خال ؟.

أمان :- نعم ساعدني كثيراً ، لكن عائلته في النهاية أولى به .



قطع حديثهما دقات خفيفة على الباب المفتوح ، إنها الممرضة ، تكلمت بلغة غريبة ، فرد هو عليها بنفس اللغة ، حنان لم تفهم شيء ، طلبت منه الترجمة ، فأجابها بأنه موعد أخدها الدواء و يجب أن يخرج الآن .



يتبع...





7



اليوم التالي دخل أمان في وقت الغذاء ، آنسها كما فعل بالأمس ، أعجبها الأمر فأخذت منه وعداً بأن يأتي في كل يوم ليؤنسها في وقت الطعام ، و كان لها ما طلبت ، كل يوم يأتيها في وقت الغذاء ، و يأكلان معاً ، و يغادر غرفتها في موعد أخدها للدواء .



لكن اليوم لم يكن كسابقه ، فقد رأى أمان وجها آخر لحنان.



حنان :- كيف حال أمك ؟.

أمان :- بخير و الحمد لله .

حنان :- أين هي ؟.

أمان :- في غرفتها ، كانت قبل قليل في الحديقة أنزلتها لأنها تعبت من السرير وأرادت استنشاق بعض الهواء النقي في الخارج .

حنان :- هل مازالت في الحديقة ؟.

أمان :- لا ، هي في غرفتها نائمة .

حنان :- هل يستطيع الجميع النزول و التنزه في الحديقة ؟.

أمان :- نعم .



أحس أمان أنها ترغب بالخروج ، لكنها تحتاج لدعوة ، اقترب منها و حاول أن يدعوها للخروج ، فمد يده على الشراشف البيضاء محاولا إزاحتها .



أمان :- هيا بنا نخرج............

و لم ينهي كلمته حتى انتفضت عليه حنان في غضب و كأنها لبؤة تحاول أن تحمي نفسها و قالت في صوت عالي صارم .



حنان :- لا تفكر في إزالة الشراشف ، و أُخرج من هنا الآن و لا تعد اليوم .



استغرب أمان كلماتها و ردة فعلها ، ثورتها المفاجئة ، لكنه انسحب دون أن يقول كلمة واحدة .



قالت كلماتها لأنها لم تكن ترتدي شيء غير قميصها الأبيض الخفيف و وشاحها اليتيم، فكانت تتخذ من الشراشف شرنقة لها لتستر نفسها و تحجب جسدها عن الجميع .



و في صباح اليوم التالي أراد أن يراها و يطمئن عليها ، و صل أمام باب غرفتها و في تردد دق الباب ، لكن لا أحد يجيب ، دق الباب مرة أخرى ، لكن لا إجابة ، خاف عليها ففتح الباب و دخل ، رآها في سكون و لم تكن تتحرك أو تتكلم ، أراد أن يطمئن عليها ، اقترب منها فوجدها نائمة ، و وشاحها الأبيض مبتعد عن رأسها ليكشف عن شعر أسود ناعم طويل ، و خصلات منه ممتدة على وجهها الأبيض ، نائمة بكل هدوء في سريرها الأبيض، أخذه ما رأى إلى مكان آخر ، طار به بعيد جداً لعالم الحكايات ، بقي للحظات يتأملها و مرت الثواني كأنها دهر من الزمن ، و بعد أن عاد إلى أرض الواقع ، عرف أن ما فعله خطأ في حقه و حقها ، أراد التراجع و الخروج بسرعة و هدوء دون أن يزعجها ، لكنه تعثر بالكرسي المجاور لسريرها ، فأيقظها صوت الكرسي ، فتحت عينيها لتراه أمامها ، لتراه يقف قريب جدا منها ، و دون أن تعرف ماذا تفعل ، قالت له بلهجة قاسية .



حنان:- من سمح لك بالدخول ، أوَ تجرؤ على الدخول دون استئذان ؟ ، أخرج و لا تعد أبداً إلى هنا .



كالمرة الماضية خرج أمان دون أن ينطق بكلمة واحدة ، لكن بقيت صورتها في عقله و لم تغادرها أبداً ، و كأنها الجميلة النائمة التي نسمع عنها في الحكايات ، نائمة تنتظر فارسها لكي يقبلها لتصحو من نومها و تكون أميرته و يكون أميرها .





يتبع...



8



كانت حنان تفكر في ما فعلت ، هل هي على حق؟ ، أم أنها على خطأ ؟، شخص غريب يقتحم حياتك ، و تؤمنه على بعض أسرارك ، ليتدخل في ما لا يعنيه ، يجب أن ترسم له خطوطا حمراء حتى لا يجتازها ، لكن غرضه طيب ، لم يكن يتصرف بسوء ، ربما كانت هي المخطئة ، ربما كان هو ؟.



دخل والدها ليقطع عليها حبل أفكارها ، دخل و معه حقيبتها الكبيرة ، أخيراً وصلت حقيبتها ، لكن بعد ماذا ؟ ، بعد تأخرها عدد من الأيام ، لا يهمها كم تأخرت ، المهم أنها وصلت ، فرحت جداً بحقيبتها فتحتها لتعرف ما بها فوجدت ملابسها ، أشيائها الخاصة ، رسائل كتبتها أمها و أختها فرح ، و كتاب لتقرأه .



في صباح اليوم التالي خرجت حنان من غرفتها لإجراء بعض الفحوصات ، و عندما عادت ، وجدت علبة شيكولاته من النوع الذي تحبه ، و لم تجد معها أي شيء يدل على من يكون صاحبها ، فكرت في أمان ، لكنها سرعان ما استبعدته فبعد الكلمات التي قالتها له المرة الماضية لن يفكر في الدخول لغرفتها ، بقيت تفكر في من تعرف غيره ، لكنها لم تجد أحدا آخر يرسل لها هذه الهدية ، فوالدها غادر المستشفى قبل أن تخرج هي من غرفها .



عند المساء خرجت حنان من غرفتها ، و تنزهت في حديقة المستشفى ، و في نهاية نزهتها ، و قبيل أن تصل لغرفتها رأت باب الغرفة المجاورة لغرفتها شبه مغلق ، كانت غرفة أم أمان ، رغبت في زيارتها ، فأمان كان يزورها يوميا ، فمن واجبها أن تزور والدته و تطمئن على صحتها ردا للزيارة ، لكنها ترددت في الدخول ، لم تعلم ردة فعل أمان عندما يراها تدخل الغرفة ، و هي من طردته من غرفتها مرتين ، رفعت يدها ببطء و دقت الباب ، سمعت إذنا بالدخول لكنه لم يكن بلغتها ، دخلت بهدوء لترى أن لا أحد في الغرفة سوى عاملة النظافة ، سألت عن أم أمان ، و أمان ، فأجابتها العاملة ، لكنها لم تفهم شيء ، خرجت حنان من الغرفة ، و اتجهت لغرفتها ، و هي قلقلة على صحة أم أمان ، لماذا غادرت غرفتها ، و أين هي ، ربما كانت في الحديقة ، أو تجري بعض الفحوصات ، ربما نقلت لغرفة أخرى .



عند عودة والدها سألته



حنان :- أبي ، اليوم أردت أن أسأل عن أم أمان ، ذهبت لغرفتها ، لكني لم أجد أحداً .

الأب :- صحتها جيدة و الحمد لله ، لقد غادروا اليوم صباحاً ، و تقريبا الآن يكونون في منزلهم و بين أهلهم .

حنان :- غادروا ؟؟؟، و متى ؟؟؟، من أخبرك؟؟؟.

الأب :- غادروا اليوم صباحاً ، و أمان هو من أخبرني ، قابلته قبل أن يغادر ، في قسم الاستقبال ، رأيته و والدته أثناء إكمال إجراءات خروجها ، سأل عنك لكنك كنت خارج غرفتك عندما أراد إلقاء السلام عليك مودعا هو و والدته .



اليوم ستخرج من المستشفى أخيراً ، هي فرحة لخروجها و عودتها إلي الوطن ، لكنها حزينة لأنها لا تعلم إن كانت سترى أمان مرة أخرى أم لا؟ ، كانت تفكر به دائما تفكر في ما فعلت ، هل هي على حق؟ ، أم أنها على خطأ ؟، أسئلة كثيرة دارت في فكرها كان محورها أمان ، لكنها نسيت أن تفكر في جمال ، و في لقائهما الأخير، فكل فكرها كان حول أمان و هل ستلتقي به مرة أخرى أم لا ؟.



دخلت الممرضة لتعطيها آخر جرعة دواء تأخذها في المستشفى ، بينما كان والدها يتم إجراءات خروجها ، لكنه تأخر ، حزمت حقيبتها ، و كل أشيائها ، غيرت ملابسها ، و ارتدت وشاحا يحمل أزهارا زرقاء ، وقفت لتنظر من الشباك اليتيم في غرفتها ، لترى الحديقة ، اليوم تراها حديقة جميلة بنافورة كبيرة و الأطفال يرشون بعضهم بمائها كانت تضحك من حركاتهم الطفولية و ردود فعلهم العفوية ، تذكرت فرح أختها الصغيرة ، ستراها بعد ساعات قليلة ، كم اشتاقت لكل فرد من أسرتها الصغيرة ، صديقاتها ، زملاء الدراسة .



دخل والدها و معه أوراق خروجها ، أخيرا ستغادر غرفتها ، المستشفى ، البلاد و كل الأغراب و تعود للوطن .



يتبع...



9 (2)




وصلت سيارة الأجرة للمطار ، ترجلت حنان من السيارة قبل والدها ، أنزلت حقيبة يدها و تكلف والدها بإنزال باقي الحقائب ، دخلا إلى المطار ، و استقرا في صالة استراحة المغادرين ، دقائق قليلة ، و سمعا أمر التوجه لبوابة المغادرة ، و منها لقلب الطائرة .



أقلعت الطائرة و حلقت في السماء وهذه المرة ، أحبت حنان الجلوس بالقرب من النافذة ، لتشاهد الوطن بعيون العصافير .



علا صوت المضيفة آمرا الركاب بالتزام مقاعدهم و ربط الأحزمة ، معلنا عن نهاية الرحلة .



ها قد انجلت السحب لتكشف عن أرض المطار ، ها قد اقتربت من أرض الوطن ، لتقول في نفسها و الفرحة تملأ قلبها.

(يا وطني عدت لك ، فرحب بي ببحرك و صحرائك و جبالك ، رحب بي) .



توقعت أن تجد أحدا في المطار ، حسام ، فرح ، أمها ، لكن لا أحد ، لم يكن أحد يعلم بموعد عودتهما ، فعادت مع والدها إلى المنزل بسيارة الأجرة .



وصلت إلي بيتها و عند دخولها ، فرح الكل بها و بوالدها ، و جدت أمها نائمة ، أيقظتها فبانت الفرحة في عينيها ، احتضنتها بشدة ، وحمدت الله كثيرا على سلامتها بصوت تخنقه عبرة الفرح .







فيما بعد حنان تسأل أختها الصغيرة .

حنان :- هل اتصل أحد بي في غيابي ؟ .

فرح :- اتصلت صديقتك نور، كانت تتصل كل يوم ، و اتصلت ابنة خالتي ، و …………………………..



قائمة المتصلين طويلة لكن لم يتصل من تريده أن يتصل ، اتصل الجميع إلاّ هو ، لم يكلف نفسه عناء الاتصال بالهاتف رغم أنه يعلم بسفرها ، و سبب سفرها ، جمال لم يتصل و لم يسأل عنها .



أختها الصغيرة تبدو فرحة بالحقائب أكثر من فرحتها بعودتها سالمة، تجر الحقيبة الثقيلة و تسألها ببراءة الأطفال.



فرح :- حنان، ماذا أحضرت لي ؟.



فما كان من حنان إلاّ أن أخرجت لها بعض علب الشكلاته لتفرحها .



و في جلسة المساء قامت بتوزيع الهدايا على الجميع في جو من الفرحة ، دار الحديث حول الرحلة و ما فعلت حنان ، و من قابلت و في حدثها تكلمت عن أمان ، فسألتها والدتها عنه.



الأم :- من هو أمان؟.

حنان :- زميل لي في الجامعة ؟.

الأم :- و ماذا يفعل هناك معك في المستشفى ؟.

حنان :- أمه كانت مريضة ، نزلت في الغرفة المجاورة لغرفتي ، و تعرفنا ، و أصبحنا أصدقاء.

الأم :- أصدقاء ؟.

حنان :- نعم أصدقاء.

الأم :- و من يكون والده ؟.

حنان :- الدكتور خالد كمال ، رحمه الله ، أبي يعرفه .

الأم :- الدكتور خالد كمال ، سمعت بهذا الاسم ، هل أمه السيدة نجاح ؟.

حنان :- لا أعلم من تكون والدته ، فأنا لم أرها .

الأم :- إن كانت أمه نجاح فأنا أعرفها ، اسأليه عن اسم أمه في المرة القادمة .

حنان :- لا أعرف إن كانت هناك مرة قادمة أم لا ، لا أعتقد بأني سأراه مجددا .



يتبع...


10





شهور مرت على عودة حنان من سفرها ، و ها هي في غرفتها تعيد ترتيب كتبها و أوراقها تجهيزا لعودتها للجامعة ، أخرجت كتبها من خزانتها و بدأت تفرز كل أوراقها ، فتحت حقيبة يدها لتجد داخلها قصاصة الورق الصغيرة التي كتبتها في آخر يوم التقت فيه بجمال .



عادت بها ذاكرتها لذاك اليوم ، أرادت أن تتصل به ، لكنها خشيت ردة فعله ، فلم يتصل بها أو يراسلها بأي وسيلة كانت طول هذه الفترة ، تخشى أن تجد هاتفه مغلقا و أكثر ما خشيته أن لا يجيب على اتصالها ، فقررت أن تتصل بنور و تسأل عن أخباره ، فربما عرفت نور شيئا عنه .



جلبت حنان الهاتف إلى غرفتها لتحصل على بعض الخصوصية في حديثها مع صديقتها نور ، و تركت الباب شبه مغلق ، و جلست على سريرها و ضغطت على أرقام الهاتف ، و طلبت رقم بيت نور ، فكانت نور هي المجيب على اتصالها .



نور :- السلام عليكم .

حنان :- و عليكم السلام .

نور :- كيف حالك و حال عائلتكم؟.

حنان :- الحمد لله ، و انتم كيف حالكم؟.

نور :- الحمد لله كلنا بخير .



إنتهى الحديث الروتيني و بدأ غيره .



حنان :- كم إشتقت إليكم .أنت و الجامعة و زملاء الدرس .

نور :- و أنا أيضا إشتقت إليك جدا ، و كذلك جميع زملائنا .

حنان :- كل الزملاء؟.

نور :- نعم جميعنا ، لما إستغرابك؟.

حنان :- و هل جمال من بينكم؟.

نور :- جمال!؟.

حنان :- نعم جمال ، لا تخبريني أنه أيضا يسأل عني ، فلم يسأل أبداً عني ، لم يتصل ، و لم يرسل أي بريد إليكتروني ، شهور مرت ، سافرت و عدت ، و لم يتصل بأي وسيلة إتصال ، لم يكلف نفسه عناء السؤال عن حالي .

نور :- نعم ، لاحظت هذا ، فهو شبه مختفي ، فلم أعد أراه في الجامعة كالسابق ، و لم أسمع أي أخبار عنه ، و في المرة الوحيدة التي تقابلنا فيها لم يسأل عنك ، و كان شحيح الكلام معي .

حنان :- أخبريني كيف كان.

نور :- كان صامتا ، قليل الكلام ، لا يتكلم إلا عند سؤاله ، و يجيب فقط إحابات مختصرة ، يلبس نظارة سوداء حتى في الأماكن المضللة ، و لم تغادر السيجارة يده أبدا .

حنان :- السيجارة؟.

نور :- نعم ، السيجارة ، فقد أصبحت رفيقته الدائمة ، و عطره الدائم رائحة دخانها .

حنان :- منذ متى و هو على هذه الحال؟.

نور :- منذ أن سافرت .



سكتت حنان وهي تفكر في الشيء الذي جعل أمان بهذا الحال ، تذكرت لقائهما الأخير في يوم الإمتحان ، تذكرت أنه أجابها بأنها هي المهم بالنسبة إليه ، ربما كانت هي سبب وصوله لهذا الحال ، و ربما كانت الدراسة ، أو أشياء أخرى .



حنان :- كيف كانت نتائج مواده في الفصل الماضي ؟.

نور :- الحمد لله ، كان الوحيد من بيننا جميعا الناجح في كل المواد .



كلمات نور أكدت لحنان أنها سبب حزنه ، و همه ، أنها سر تحول جمال لهذا الحال ، فهمت و حزنت و خنقتها عبرة حزن لا ترغب في أن تعرفها نور ، ربما كانت عبرة الشعور بالذنب ، او الحزن على سوء حال من تحب .



نور :- لما صمتك ؟.

حنان :- لم أعد أفهم يا نور ، لم أعد أفهم جمال أبداً ، أحس بأني سبب همه و غمه ، لكن لا أعرف كيف ، لا أعرف ما الذي فعلته له حتى يصبح على ما هو عليه ، لا أعرف أين خطئي .

نور :- لا تحملي نفسك سبب ألم غيرك ، فأنت حسب علمي لم تخطئي في حقه أبدا .

حنان :- لكن في لقائنا الأخير أشعرني أني سبب حزنه و همه .

نور :- لم يخبرك بذلك حرفيا ، أنت من فهم الأمر .

حنان :- نعم هذا صحيح.

نور :- هوني عليك ، و لا تلقي باللوم على نفسك ، إذا كان هناك ما أزعجه منك ، و جعله على هذا الحال ، و كان سبب عدم إتصاله بك ، فسوف نعرف الأمر غدا في القريب إن شاء الله .

حنان :- نعم ، سنعرف هذا في الوقت المناسب .









يتبع...



11



ما زال الإتصال جاري بين الصديقتين حنان و نور ، لكنه بدأ يأخد شكلا آخر ،

فحنان تفكر في أمر ما ، و ترغب في إستشارة نور .



حنان :- أفكر في الإتصال به ، و السؤال عن حاله و أخباره ، و معرفه ما خطبه ، ليطمئن قلبي ، لكن ….



تصمت حنان و لا تكمل كلماتها .



نور :- لكن ماذا ؟، أكملي كلامك.

حنان :- أخشى ردة فعله ، أخشى أن تصدمني ردة فعله ، فشهور من عدم الإتصال لا أعرف سببها ، و لا دوافعها ، و لا غرضه من ورائها ، قد يأتي إتصالي بردة فعل تزعجني و لا أعرف عواقبها .

نور :- و الحل ؟، ما الحل برأيك الآن؟.

حنان :- سأنتظر حتى نلتقي في الجامعة ، و أخاطبه وجها لوجه ، و أفهم منه الأمر بالكامل ، إن كان للأمر علاقة بي و أمككني إصلاح الأمر و حل المشكلة سأحلها إن شاء الله .

نور :- و إن لم يكن لك علاقة بالأمر ؟.

حنان :- سيرتاح قلبي و أعرف أني لست سبب حزنه ، و أحاول أن أهون عليه و أن أزيح بعضا من همه .



يفتح باب الغرفة لتدخل فرح في صمت ، و تقف بجوار الباب متكأة على الحائط ، ترمق أختها حنان بنضرات طفولية ، بينما حنان مازالت تخاطب نور .



نور :- إن شاء الله يتم اللقاء في أقرب فرصة ، لترتاحي و تريحيني معك.

حنان :- أسبوع آخر و أعود إلى الكلية و حينها سأبحث عن جمال و أفهم منه ما يجري له .

نور :- حتى ذلك الوقت لا أريدك أن تحملي نفسك أكثر مما تتحمل ، تذكري أنك ما زلت مريضة ، و قلبك لا يتحمل الضغوط النفسية .

حنان :- أعلم هذا .

نور :- إرتاحي الآن ، و عندما نلتقي يكون لكل حادت حديث .

خنان :- إن شاء الله ، أسبوع آخر ، فقط سبعة أيام من اليوم و نكون معا إن شاء الله .

نور :- مع السلامة ، و في أمان الله .

حنان :- في أمان الله.



تغلق حنان سماعة الهاتف ، منهيتا بذلك إتصالها مع صديقتها نور.

أشعرها الإتصال ببعض الراحة ، رغم أنه جلب لها أخبارا لا تسر عن جمال و عن تبدل حاله للأسواء .

تلتفت حنان لفرح ، و تمد لها يدها داعيا لها أن تجلس معها على سريرها ، لكن فرح وضعت يداها خلفها رافضتا بذلك أن تنضم لحنان و أحنت رأسها للأرض ، فما كان من حنان إلا أن نزلت من على سريرها لتفهم سبب رفض نور لطلبها ، فإقتربت حنان من نور ، رأت في عينيها حزنا و دمعا ، مسحت دموعها بيديها و ضمتها إليها و قالت لها.



حنان :- إسمك فرح ، تذكري هذا ، و لا أرغب في رؤية دموع حزن على وجهك ، هيا إبتسمي و أريني كيف يكون الفرح .



إبتسمت فرح ، و جلست الأختان معا على السرير ، و بينما كانت حنان ترتب كتبها و أوراقها المبعثرة على السرير ، لتأتي كلمات فرح الطفولية مانعتا حنان من إنهاء عملها و كاشفتا لها عن سبب حزنها .



فرح :- أختي حنان ، لا تتعبي نفسك في ترتيب الكتب .

حنان :- لماذا ؟.

فرح :- لأنك لن تذهبي للجامعة الأسبوع القادم .

حنان :- و أين سأذهب ؟.

فرح :- يقول أبي إنكما مسافران الأسبوع القادم ..


يتبع...


12



سافرت هذه المرة و هي راضية و سعيدة ، لم تكن خائفة كالمرة السابقة ، فسبب الزيارة ، مراجعة الطبيب ، و إجراء بعض الكشوفات الروتينية فقط .



بعد إنتهاء زيارات الطبيب ، قررت أن تعوض ما فاتها في المرة الماضية ، فخرجت هذه المرة في كل شوارع البلاد ،و لم تترك ركناً لم تذهب إليه ، قضت وقتها في التسوق و زيارة الأماكن السياحية ، و المنتزهات ، و المقاهي ، أحبت البلاد هذه المرة ، لأنها تختلف عن المرة السابقة ، كان جوها رائعا ، ربما لأن حنان مرتاحة البال أو أن ماكان يخيفها في المرة السابقة زال .



أثناء نزهتها دخلت حنان و والدها إلى محل لبيع الحلي ، و قفت في قسم خواتم الرجال ، أرادت أن تشتري خاتما أعجبها ، لكن لمن سيكون الخاتم ؟.



حنان:- أبي ، سأهديك هدية .

الأب:- هدية!، و من أين لك المال لشرائها؟.

حنان :- من مالك .

الأب :- من مالي تريدين شراء هدية لي !.

حنان :- نعم .

الاب :- و ما هي الهدية التي سأدفع ثمنها ؟.



تشير حنان لأحد الخواتم المعروضة .



حنان :- هذا الخاتم .

الأب :- ماذا ؟ ، هذا خاتم جميل ، لكن هل هو فضة أم ذهب أبيض؟ ، سأرى وزنة ، و هل يسمح لنا نحن الرجال المسلمين بإرتدائه .



الأب يكلم الصائغ ، بينما يأخذ الصائغ الخاتم و يزنة و يثمنه ، كان الخاتم من الفضة المخلوطة ، به حجر أسود مصقول مربع الشكل ، ليس غالي الثمن ، لكنه جميل و مميز .

أخذ الأب الخاتم بعد أن وضعه البائع في علبة خاصة و غلفه بغلاف أنيق جدا لتغليف الهدايا ، و أعطاه لحنان ، قامت حنان بوضع العلبة في حقيبة يدها و خرجا معا من المحل متجهين للمقهى الموجود في نهاية الشارع .



أثناء جلوسهما في المقهى أخرجت حنان علبة الخاتم من حقيبتها و قامت بفتح العلبة ، و ألبست والدها الخاتم ، و هي تقول .



حنان :- أبي ، هذا الخاتم ألبستك إياه ، و لا أريدك أن تنزعه أبداً .

الأب :- حسنا يا إبنتي ، كما تريدين ، هذا الخاتم لن أنزعه ، إلاّ في حالة واحدة .

حنان :- متى؟.

الأب :- سأنزعة و أعطيه للشخص الذي يستحق أن يكون ولي أمرك .

حنان :- و من يكون ولي أمري غيرك ؟.



كان الأب يتأمل الخاتم و يفكر في صمت ، ثم إبتسم لحنان و قال.



الاب :- أسمعي قصة الخاتم.

حنان :- و هل للخاتم قصة؟.

الأب :- نعم ، فهذا الخاتم مسحور .

حنان :- مسحور؟، كيف ؟.

الاب :- نعم ، سحرته أنت منذ أن رأيته و أعجبك.

حنان :- وما سحره ؟.

الاب :- كل من يلبس هذا الخاتم يصير مسئولا عن الأميرة .

حنان :- و من هي الأميرة ؟.

الاب :- أميرتي الصغيرة ، أنت يا ابنتي .

حنان :- لم أفهم الأمر .



يضحك الأب ، و يكمل كلامه .



الاب :- ستفهمين في الوقت المناسب.



ترفع حنان بصرها إلى الطاولات المجاورة و تكلم والدها .



حنان :- ماشاء الله ، كل الطاولات مليئة ، و كل الكراسي مشغولة ، إلا هذا الكرسي هنا .



و أشارت بيدها إلى الكرسي الفارغ الذي كان موجودا على طاولتهم.

جال الأب بنظره في المكان و أبتسم و قال لها .



الأب :- ربما كان نصيب أحد نعرفه .



حنان :- و من هذا الذي نعرفه و سيأتي الآن و يشاركنا الجلوس على الطاولة؟.

الأب :- أنظري ورائك .



إلتفتت حنان ورائها لترى شخصاً تعرفه ، نعم هو من تعرفونه ، إنه أمان ، كان يجول في المكان حاملا كوب من القهوة و جريدة و باحثا عن كرسي فارغ يجلس عليه ، لكنه لم ينتبه لها ، سألت والدها و كأنها لم تكن متأكدة مما تراه .



حنان :- هذا أمان أم أنني مخطئة؟.

الأب :- نعم هو أمان ، يبدو أنه يبحث عن كرسي فارغ ، و لا يوجد سوى هذا الكرسي الفارغ ليجلس عليه .

حنان :- هل رآنا ؟، هل هو آتي نحونا ليجلس معنا ؟.



لوح الأب بيده مشيرا لأمان ، الذي رد عليه بدوره مجيبا دعوته ، ها قد وصل أمان إلى الطاولة و وقف بجوارها .



أمان :- السلام عليكم .

الأب :- و عليكم السلام .

حنان :- صباح الخير .

أمان :- صباح النور .

حنان :- كيف حالك ؟.

أمان :- الحمد لله .

حنان :- و حال والدتك ؟

أمان :- الحمد لله .

الأب :- تفضل بالجلوس يا بني .

أمان :- شكرا ، اليوم المقهى على غير العادة ، مليئ جدا .

الأب :- نعم ، فلا توجد كراسي فارغة .

أمان :- كل يوم في هذا الوقت آتي هنا و أشرب فنجان القهوة و أقرأ الجريدة ، لا أتذكر أني وجدت المكان مزدحم إلى هذا الحد قبل الآن .



كانت حنان فرحة جداً لأنها رأته ، و يبدو عليه أنه نسي ما حدث بينهما ، تذكرت كلمات أمها بالسؤال عن إسم والدته ، فسألته عنها.



حنان :- ما أسم والدتك ؟

أمان :- نجاح ، السيدة نجاح ، لماذا سؤالك؟.

حنان :- والدتي تقول أنها تعرفها ، هي سيدة طيبة كما تقول أمى عنها.



أمان لم يضف حرفا واحداً ، فقد كان يشرب القهوة في هذه الأثناء ، ففهمت حنان أنه لا يرغب في الحديث معها ، فإلتزمت الصمت .



الأب :- لم أنت هنا ؟، هل صحة الوالدة جيدة ؟.

أمان :- نعم الحمد لله ، هي في صحة جيدة .

الأب :- و أين هي ؟.

أمان :- في بلادنا .

الأب :- إذن لم تكن هي سبب قدومك إلى هنا هذه المرة ، لما أنت هنا ؟.

أمان :- للعمل ، فبعد وفاة والدي لم أهتم لأعماله خارج بلادنا ، لكن الآن عرفت أنه يملك عملاً هنا ، و أتيت لأعرف طبيعة عمله و ما يملك ، و لأديره إن إستطعت ، و إلا سأكلف أحدا ذو خبره ليديره عني.

حنان :- متى ستعود إلى الوطن ؟.

أمان :- بعد يومين .

حنان :- جيد ، و نحن أيضا بعد يومين ، قد نلتقي في نفس الطائرة .

أمان :- إن شاء الله .



إنتهى اللقاء بينهم على وعد باللقاء في الطائرة ، و العودة معا إلى أرض الوطن ، فكان لها ما تريد .



يتبع...






13



بعد أشهر قليلة ، حل فصل الشتاء ، و إقترب معه موعد بداية الفصل الجديد و الدراسة ستبدأ ، الآن سُمح لحنان بمتابعة دراستها الجامعية ، كانت سعيدة بعودتها للجامعة ، لأنها سترى صديقاتها و زملائها بعد غياب دام 6 أشهر ، و كانت فرِحة أكثر لأنها ستلتقي بجمال .



في الليل ، لم تستطع النوم ، تتحدث مع أختها عن شوقها لرؤية أصدقاء الجامعة ، للعودة لقاعات الدرس ، تتكلم عن جمال ، و عن الورقة التي كتبتها ، تقول لها هل وفى بوعده لي بعدم فتح الورقة ، أم أنه فتحها و قرأ ما فيها؟ ، غداً سأجمع نصفي الورقة معاً إن شاء الله ، فبعد غياب دام ستة أشهر سنلتقي من جديد ، و أعرف سبب حزنه و همه ، و نحل كل المشاكل العالقة ، و يعود كل شيء كما كان .



تخاطب حنان أختها لكن فرح الصغيرة لم تفهم شيء فنامت أثناء حديثها .



في الصباح كان الجو غائماً ، ماطراً ، لكن حنان لم تهتم ، لبست ثيابها و لم ترتدي معطفها ، نسيت ذلك من شدة فرحتها ، و عند و صولها للجامعة سارت في الممرات تبحث عَن مَن تعرفهم ، وجدت عدداً منهم ، سألت عن البقية أخبروها بأنهم غادرو الجامعة إما للدراسة في مكان آخر أو للاخراط في سوق العمل، سألت عن جمال لكنها لم تجده ، قابلت صديقه المقرب محمد، رآها و قد بانت عليه ملامح الإستغراب واضحة.



حنان :- السلام عليكم .

محمد :- و عليك السلام و رحمة الله .

حنان :- صباح الخير .

محمد :- صباح النور ، أهلا بك .

حنان :- كيف الحال و الأخبار ؟.

محمد :- الحمد لله ، نحن بخير ، أنت كيف حالك ؟.



كان سؤاله غريبا و كأنه يسأل عن شيئ آخر أو شيئ محدد مبهم لم تفهمه ، أجابت رغم أنها لم تفهم قصده.



حنان :- الحمد لله ، أنا في صحة جيدة .



سكتت قليلاً ، و كأنها تنتظر أن يتكلم هو ، لكنه لم يتكلم ، فتكلمت هي .



حنان :- أين جمال ؟.

محمد :- تسألين عن جمال ؟.

حنان :- نعم ، و ما الغريب في سؤالي؟.

محمد :- لا ، لا شيئ .

حنان :- أين هو ، و كيف حاله ؟.

محمد :- تجدينه في قاعة الدرس ، هذه ساعة خروجه و إنتهاء المحاضرة ، ستجدينه الآن خارجا منها ، إنتظري هنا ، سوف يأتي إلينا فيما بعد .

حنان :- لا ، سأذهب أنا إليه ، أريد أن أفاجئه .

محمد :- سيتفاجأ حتى إن بقيتي هنا ، فرؤيتك ستفاجئه.



لم تهتم لكلامه ، و لم تفكر فيما يخفي بين حروفه ، لكنها ذهبت رغم أنه حاول منعها .



سارت بخطى سريعة ، أرادت أن تراه بسرعة ، أن ترى عينيه ، أن تسمع صوته ، و أن و أن و أن ، أشياء كثيرة تذكرتها في طريقها إليه ، رغم بعد المسافة ، و المطر المتساقط ، لكنها لم تشعر بالبرد ، لم ترد لهذه القطرات الباردة أن توقفها ، أخيراً وصلت إلي المكان ، تخيلت أن يكون المكان مزدحما بالطلاب ، لكن لا أحد لأنه أول يوم دراسي، دخلت لأول قاعة ، و لم تجد أحد ، و دخلت للقاعة الأخرى أيضا لم تجد أحداً ، خرجت من المكان و هي تقول سأجده في مكان ما هنا ، أحست أنها ستراه هنا ، لاحت ببصرها في الخارج من خلال الباب الزجاجي ، رأت شيئا أسعدها ، ها هي سيارته الحمراء ، نعم ها هي ، لم تتغير ، لم يغير طريقة ركنها و لا مكانه ، مازال يركنها تحت الشجرة البعيدة ، لكن هل هو بداخلها ، أم لا ؟، كانت تفكر و تمعن النظر ، أرادت أن تتأكد قبل أن تمشي إليها ، تقدمت بضع خطوات ، رأت خيالاً يتحرك داخل السيارة ، عرفت أن فيها أحد ، الجو ماطر ، و السيارة بعيدة ، و الشمس غائبة ، و الظلام شبه مخيم على المكان ، مما منعها من الرؤية جيداً ، ترددت في التقدم ، لكنها رأت أن هناك غيره في السيارة ، ترى من يكون ؟، فصديقه محمد في مكان آخر ، فكرت في مَن معه ، من يكون ؟، أهو صديق جديد ؟ ، لن تتراجع الآن ، فقد قطعت كل تلك المسافة لتراه ، و الآن ها هو أمامها ، تفصلها عشرات الخطوات فقط ، تقدمت بخطى تابثة ، أرادت أن تفاجئه ، و في كل خطوة تخطوها تركز أكثر فأكثر في الرفيق الذي لم تعرفه ، لم تكن الكراسي مقابلتاً لها ، فقط كانت ترى خلفية السيارة ، و رؤوس الجالسين ، و أيديهما التي تتحرك بينهما ، إقتربت أكثر ،فأكثر ،فأكثر ، صارت قريبة و إستطاعت أن تميز من يجلس معه ، لكنه لم يكن مع أحد تعرفه ، بل كان مع فتاة ، صدمها ما رأته ، فتاة لم ترها من قبل ، تجلس معه و حيدة في السيارة ، تتكلم معه بكل حرية ، و قد أسدلت غطاء رأسها على كتفها ، هنا اقتربت حنان من السيارة ، أرادت أن تتأكد مما تراه عيونها، إقتربت من نافذة السائق ، و ها هو جمال يمسك كلتا يدي مرافقته ، و يقبلهما ،حاولت تكذيب عيونها لكن ما رأته صحيح ، نعم ، قبلهما ، لقد رأت حنان كل ذلك ، لم تصدق ما رأته ، هذا الذي عرفته و كانت ستحبه، كان ذئبا بشريا يصطاد النعاج ، لم تعرف ماذا تفعل ، هي تقف جارجا ، و هما معا في السيارة ، يمارسان مهزلة الزمن ، اليوم قبل يديها و هذه البداية فقط ، فماذا بعد ؟ ، أرادت أن تفعل شيئا ، تمالكت نفسها و رفعت يدها و دقت دقات قوية على زجاج السيارة التي كانت تقف و راءه ، كانت تقف قريبة من جمال و لكنه لم يرها ، و بعد دقاتها التي أحست أنها إستمرت دهراً من الزمن ، إلتفت إليها جمال و نظر إليها كأنه ينظر إلى ملك الموت ، كان مصدوماً ، بقيت عيونهما معلقة معا لفترة من الزمن ، ساد الصمت المكان ، قالت الكثير بعيونها ، يكفي أنا أحتقرته ، لم تعرف ماذا تفعل ، إنطلقت تجري بعيداً ، إختلطت دموعها بالمطر فصارت تبكي كما تبكي السماء ، تسمعه ينادي إسمها لكنها لم تلتفت إليه ، تشعر به يجري خلفها و يتبعها، لكنها لم تبالي به ، يحاول اللحاق بها ، لكنها هربت ، مع كل هذا و قلبها المريض لم يتحمل كل هذا الإنفعال و البرد ، تبللت كل ثيابها ، فباتت كقطة مبللة ترتعش خوفاً و برداً ، أحست بوخز في قلبها ، بضعف في ساقيها ، كانت ستقع ، لكنها أكملت طريقها بعيداً عن مكان جمال ، كانت في حاجة للمساعدة ، دعت الله ان يرسل لها من يساعدها ، لا يهم من يكون المهم أحد يساعدها ، تقدمت في خطوات صغيرة ، إلي مكان دافئ بعيداً عن المطر و الريح و الأهم بعيداً عن جمال . وصلت أخيراً إلى مكان به أحد ، لم تميز من رأته ، لكنها رأت شخصا طويلا يرتدي معطفا جلديا أسود ، إقتربت منه ، إلتفت إليها مبتسما ، فرحت جداً لأنه لم يكن إلاّ أمان ، إقتربت منه ، مدت يدها تطلب المساعدة ، قبل أن تنهار .



يتبع…

14



أخيرا وصلت إلى الأمان ، إلى مكان به أحد ، لم تميز من رأته ، لكنها رأت شخصا طويلا يرتدي معطفا جلديا أسود ، اقتربت منه ، إلتفت إليها مبتسما ، فرحت جدا لأنه لم يكن إلاّ أمان ، اقتربت منه ، مدت يدها تطلب المساعدة ، قبل أن تنهار ، بدى على وجهه ملامح القلق بعد أن رأها.



حنان :- امان ، ساعدني .

امان :- ما بك ؟.

حنان :- أشعر بالبرد ، و قلبي يؤلمني .

أمان :- لماذا فعلتي هذا بنفسك ؟، و جهك شاحب.



اقتربت حنان كثيرا من أمان ، كانت ستقع ، لم يعرف ماذا يفعل ، لكنه احتضنها برفق ، و ساعدها للدخول لمكان دافئ .

كان عدد من الطلاب و الطالبات التي لم تكن تعرفهم في المكان ، الكل ساعد حسب مقدرته ، منهم من أحضر شراب ساخن ، الآخر أحضر حلوى غنية بالسكر ، منهم من جلب مقعدا لتجلس ، و أمان نزع معطفه و ألبسها إياه ، كان الجميع ملتف حولها ، أرادت أن ترتاح و تشعر بالأمان ، أرادت الهدوء ، طلبت ذلك ، فكان لها ما طلبت ، جلست هي و أمان في مقعد واحد ، يمسك كفيها المثلجتين يحاول تدفئتها ، يكلمها لكي لا تغيب عن الوعي ، عرض عليها أن يعيدها بسيارته للمنزل ، رفضت و اكتفت باجراء مكالمة هاتفية لوالدها .



استمرت على هذه الحالة برهة من الزمن ، تشعر بالنعاس و في حاجة للنوم ، الخدر يتسلل لجسمها رويدا رويدا ، أصبحت أصابعها زرقاء اللون و كذلك شفتيها ، و جهها أبيض كلون الثلج ، و كأنه خالي من الدماء ، كانت ترتجف و اسنانها تطقطق ، إقتربت من أمان بحثا عن الدفئ ، و كأنها عصفور خائف يبحث عن الأمان، و في هذه الأثناء مر بهم جمال ، يبدو عليه أنه كان يبحث عن شيئ ضاع منه و وجده أخيرا ، كان يريد الاقتراب ، لكنه لم يستطع ، و قف بعيدا يراقب ما يجري ، لاحظة أمان ، فأعلم حنان بالأمر .



أمان :- أليس هذا صديقك ؟.

حنان :- كان.

أمان :- هل أناديه ليكون معك ؟.

حنان :- قلت كان .

أمان :- ماذا حدث ؟.



رفع رأسها إليه ، و أراد أن يرى عينيها عله يفهم شيئا ، لكنها أشاحت بنظرها لتترك رأسها يرتاح على كتف أمان ، رأي جمال كل هذا ، و لم يتمالك نفسه ، ضرب قدمه بالحائط ، تألم و غادر المكان .



بقيت حنان على حالتها فترة من الزمن ، مازال أمان يمسك كفيها ، و يجعل من كتفه متكأ لرأسها ، كانت ملتصقة به حتى صار يسمع صوت دقات قلبها الخائف، قطع سكونهما إتصال ، والدها كان المتصل ، أخبرها عن وصوله للجامعة ، و طلب منها الخروج ، لم تكن تقوى على الوقوف ، حملها أمان للخارج ، أوصلها للسيارة استغرب والدها الأمر .



الأب :- ما بها ؟

أمان :- مشت في المطر ، بللت ثيابها ، و قلبها ضعيف .

الأب :- شكرا لك على المساعدة .

أمان :- هذا واجبي .

الأب :- بارك الله فيك .



تحاول حنان نزع معطف أمان عنها ،لترجعه له.

امان :- لا تنزعي المعطف ، أتركيه معك.

حنان :- أنت الآن في حاجته ، أخاف أن تمرض .

أمان :- لن أمرض ، فلست من يمشي تحت المطر في هذا الوقت.



غادرت حنان المكان ، و في قلبها مرض و حزن ، لم تكن في صحة جيدة ، ففي كل مرة تفكر بجمال يزداد كرهها له ، فكرت في كلمات محمد ، و جدت أنه مشارك معه في الجريمة ، بكيت على الأيام التي قضتها و هي تفكر فيه ، بكيت على كل مرة نطقت إسمه ، بكيت على غبائها لأنها لم تفهم ماذا يريد .





يتبع...





نهاية الجزء الثاني






15 (3)




استمر حزن حنان فترة لم تذهب فيها للجامعة ، لم تغادر منزلها ،لم تجب على اتصالات أصدقائها ، بقيت حزينة و حيدة ، لم ترغب في فعل أي شيئ سوى إعادة ترتيب أوراقها وحدها دون إعلام أحد بما جرى ، كل محاولات أهلها لاخراجها من وحدتها كان مصيرها الفشل ، استمرت على هذا الحال أيام معدودة إلى أن أتى زائر مرغوب فيه ، جاء لزيارتها ، لأنها لم تذهب للجامعة ، جاء إليها ليطمئن على حالها .



دخل والدها غرفتها ، و جدها شبه نائمة ، فدعاها للخروج.



الأب :- حبيبتى ، أمان في غرفة الضيوف ، جاء ليراك .



ترد عليه بصوت ناعس كسول و هي تسحب غطائها و تغطي به رأسها .



حنان :- لا أريد الخروج من غرفتي ، فقط أريد أن أنام.

الأب :- هيا بنا يابنتي ، أمان جاء ليراك و يطمئن على صحتك .

حنان :- يمكن أن تقابله أنت و تخبره أني بصحة جيدة .

الأب :- هو يريد أن يراك ، هيا انهظي.



إتجه والدها إليها و سحب الغطاء من على رأسها ، حنان عرفت بأن والدها جاد هذه المرة في طلبه ، و يجب أن تخرج حتى لو لم ترغب في الخروج.



حنان :- كما تريد سأخرج لكن أمهلني بعض الوقت لأعد نفسي و أرتدي ثيابا لائقة .

الأب :- حسنا، لكن بسرعة.



بعد دقائق وفت حنان بوعدها لوالدها ، دخلت إلى غرفة الضيوف ، و هي تحمل فناجين القهوة التي أعدتها، الكل كان يجلس هناك ، والدها ، والدتها ، حسام و فرح ، و معهم أيضا أمان ، ألقت السلام و قدمت القهوة ، بحثت عن كرسي فارغ لتجلس عليه ، لم تجد سوى الكرسي المجاور لأمان ، فجلست عليه ، و بدأ الحديت حولها .



أمان :- و كيف حالك يا حنان ؟.

حنان :- الحمد لله ، و أنت كيف حالك ؟.

أمان :- الحمد لله.

حنان :- كيف حال أسرتك؟، أخواتك و والدتك؟.

أمان :- الحمد لله ، جميعهم يرسلون سلامهم لك .



انتهى الحوار التقليدي ، و بدأ غيره .



أمان :- لماذا لم تذهبي للجامعة ؟ .

حنان :- لا رغبة لي .

الأم :- هي هكذا منذ ذهابها آخر مرة للجامعة ، لا ترغب بالخروج من غرفتها ، و لا ترغب بالحديث مع أحد .

أمان :- لماذا ؟.

حنان :- لا يوجد سبب ، فقط لا رغبة لي .



أمان يعرف أنها لا تصدقهم القول ، لا بد أن شيئا ما حدث قبل أن يجدها مبللة ذاك اليوم ، لكنه لا يعرف ما هو .



أمان :- ومتى ستذهبين للجامعة ؟.

حنان :- لا أعرف ، قد لا أذهب في هذه الفترة .

أمان :- و دراستك ، ماذا سيحل بها ؟.

الأب :- حنان لا رغبة لها في الدراسة هذه الفترة ، أرى من الأفضل لها البقاء في المنزل و التوقف عن الدراسة هذا الفصل أيضا ، فهذا سيريحها كما أوصاها الطبيب .

حنان :- هذا حل يناسبني ، أبي أيمكن أن تذهب أنت أو حسام لإتمام إجراءات إيقاف القيد لهذا الفصل؟.

أمان :- لماذا يذهبان ، يمكنني أن أجريها .

الأب :- لا نريد أن نتعبك يا بني ، سيذهب أحدنا لذلك .

أمان :- لا تتعبوا أنفسكم ،أذهب كل يوم للجامعة و أستطيع القيام بكل الإجراءات .

الأب :- انتهى كلامي يا ولدي ، لك ذلك .

حنان :- شكرا لك .



بدأت الصغيرة فرح تسأل أمان بفضول .



فرح :- هل عندك إخوة و أخوات ؟.

أمان :- نعم ، عندي أربع أخوات ، إيمان أكبر مني ، و آمنة أصغر مني ، و أمنية أصغر من آمنة ، و أماني هي أصغرنا .

فرح :- أحضر معك أماني في المرة القادمة حتى ألعب معها .



ضحك الجميع من كلمات فرح ، فمازالت طفلة و كل همها لعبها و من يلعب معها .

سألت فرح سؤالا آخر .



فرح :- أمان ، من أنت ؟.



ضحك الجميع من سؤالها بصوت أعلى ، تجلس معهم منذ البداية و تسأله و لا تعرف من يكون .

أجابها أمان بجواب يفهمه عقلها الصغير .



أمان :- أكون صديق أختك حنان ، أتعرفين معنى كلمة صديق ؟.

فرح :- نعم هو من نلعب معه دائما في المدرسة.



رسم جوابها الطفولي إبتسامة على وجه الجميع ، قامت فرح من مكانها و إتجهت نحو أمان وقفت بجواره ،فرفعها لتجلس في حضنه ،و هي تكلمه .



فرح :- عندي أصدقاء كثر ، شهاب ، نوال ، أسامة ....................



كانت قائمة أصدقائها طويلة و فرح تشير إلى أصبع من أصابع يدها كلما ذكرت إسما، حتى أنها أنهت العد و كررت الأسماء أكثر من مرة .

أمان يحاول أن يسمعها بكل اهتمام واصغاء ، يشاهدها و هي تحرك يديها و تتكلم عن أصدقائها أو من يدرسون معها في الصف ، كل أطفال المرحلة الإبتدائية يحسبون كل زملاء الصف أصدقاء لذلك كانت القائمة طويلة ، و في منتصف الكلام سكتت فرح و كأنها نسيت شيء ، نظرت إلى أمان و قالت .



فرح :- أمان ، هل تجلس مع أختى حنان في نفس المقعد؟ ، و تدرسكما نفس المعلمة؟ أنا لم أسمع عنك من قبل .

أمان :- لا ، نحن لا نجلس في الجامعة معاً ، ندرس معاً لكني عرفتها خارج البلاد قبل شهور فقط .



فرح تذكرت شيئا ، نزلت بسرعة من مكانها، غادرت الغرفة مسرعة و كأنها تريد احضار شيئ ما ، دقائق وعادت من جديد و معها كيس كبير تجره و رائها على الأرض عندما تمشي ، دخلت الغرفة ، اقتربت من أمان ، و رمت الكيس أمامه و قالت .



فرح :- عرفتك ، أنت صاحب المعطف الأسود الثقيل ، حكت لي أختي عنك .



أمان لم يفهم شيئ ، حمل الكيس و فتحه ، و جد معطفه و قد ثم غسله ، و بانت على وجهه علامات الحزن.



الأم :- ما بك يا أمان ؟ ، لم كل هذا الحزن يا ولدي؟.

حسام :- لا بد أن فرح أزعجته بتصرفها .

أمان :- لا ، لم تزعجني .

الأب :- إذن مابك ؟.

أمان :- هذا المعطف كان لوالدي ، و كان يعبق بعطره و رائحته ، كنت أرتديه ليشجعني و لأشعر أنه معي ، و الآن ضاعت الرائحة و معها الذكرى و أصبح كأي معطف آخر.

حنان :- آسفة جداً ، أردت أن أشكرك على ما فعلت معي ، فأرسلت المعطف للمغسلة و تم غسله ، لم أعلم بما يحمله من ذكرى.



قطع أمان الحديث الذي تحول إلى حديث الذكريات ، نظر إلى ساعته ، و بحجة أنه على موعد مهم بعد قليل ، استأذن و خرج من المنزل مودعاً كل من فيه على وعد بأن يزورهم مرة أخرى.





يتبع...


16



وَفَى أمان بوعده و زار منزل حنان هو و عائلته ، و بالمقابل زارت عائلة حنان عائلة أمان في منزلهم ، و بمرور الوقت و تعدد الزيارات أصبحت العلاقة بين العائلتين أكثر من كونها معرفة سفر، والدة حنان عادت هي و السيدة نجاح إلى ذكريات الصبا و أيام الدراسة ، أمان أصبح فرداً من العائلة ، و صديقهم جميعاً ، و خاصة الصغيرة فرح ، كان يقدم بعض المساعدة لحنان في دراستها فقد بدأ الفصل الدراسي الجديد و عادت حنان للدراسة بمساعدة أمان الذي سبقها بفصلين دراسيين ، يقدم والد حنان يد العون و المشورة لأمان في العمل، حسام تعرف على أمان عن قرب ، و الفتيات اشتركن معاً في نشاطات مختلفة أثناء الزيارات المنزلية .



أمان و جميع أفراد أسرته زوار لبيت حنان ، زيارة اليوم كانت كباقي الزيارات ، و في نهاية الزيارة قامت حنان بإيصال الضيوف لباب المنزل، كان معها حسام و قبل أن يغادروا قال لها .



حسام :- حنان ، ألم ترغبي في الخروج اليوم و شراء الكتاب ؟.

حنان :- نعم أرغب في ذلك .

حسام :- هيا إذهبي و جهزي نفسك بسرعة .

حنان :- دقائق و أكون جاهزة للخروج .



و قبل أن تغادر حنان مكانها و تدخل للبيت، سألها أمان الذي سمع كلمات حسام .



أمان :- أي كتاب تريدين ؟.

حنان :- كتاب للمنهج.

أمان :- و ما إسمه ؟.

حنان :- كتاب الدكتور عبد الرحمن حموده .

أمان :- الكتاب الأحمر الكبير.

حنان :- نعم .

أمان :- أملك نسخة منه اشتريتها العام الماضي .

حنان :- هل مازلت تملكها ؟.

أمان :- نعم ، فلم أعر كتبي لأحد .

حنان :- هل يمكنني استعارته ؟.

أمان :- لا ، لا يمكنك استعارته .

حنان :- لماذا؟.

أمان :- لا يمكنك إستعارته ، لأنه سيكون ملكك ، سأعطيك إياه .

حنان :- شكراً لك ، أرحتني من مشوار البحث عنه.

أمان :- غداً ، في الجامعة سنلتقي و أعطيك الكتاب إن شاء الله.

حنان :- إن شاء الله .



في اليوم التالي حنان تنتظر أمان في إحدى ممرات الكلية ، ، اليوم سيلتقيان و سيعطيها الكتاب كما قال لها بالأمس ، لكنه تأخر جداً ، إنضمت نور لحنان و إقترحت أن يذهبا معا للبحث عن أمان ، فربما كان ينتظرها في مكان آخر ، مرت الصديقتان في كل الممرات ، بحتث في كل القاعات لكنهما لم تجداه ، تحاول حنان الاتصال به لكنه لا يجيب ، تسئل عنه أصدقائه لكنهم لا يعرفون مكانه ، لا يعرفون سوى أنه مختفي عن الأنظار منذ الصباح و لم يأتي للجامعة ، و لا يجيب على هاتفه النقال ، ولا أحد يعلم أين هو .



حنان بعد عودتها إلي البيت اتصلت بالسيدة نجاح ، والدة أمان .



حنان :- السلام عليكم.

السيدة نجاح :- و عليكم السلام يا إبنتي .

حنان :- كيف حالكم ؟.

السيدة نجاح :- الحمد لله ، كيف حال عائلتك؟.

حنان :- الحمد لله ، هل يمكن أن أكلم أمان يا خالتي؟.

السيدة نجاح :- للأسف أمان خارج المنزل.

حنان :- متى سيعود؟.

السيدة نجاح :- لا أعلم ، ربما بعد أسبوع أو أكثر .

حنان :- أ هو مسافر؟.

السيدة نجاح :- لا ، فقط أراد أن يذهب في رحلة لوحده بعيداً عن الجميع ، لا يريد لأحد أن يعرف مكانه ، حتى أنا لا أعرف مكانه .

حنان :- أعاده الله إليك سالماً .

السيدة نجاح :- هل هناك شيء تريديني أن أعلمه به .

حنان :- أردت أن أسئل عن الكتاب الذي طلبته منه بالأمس .

السيدة نجاح :- أعلمني بذلك قبل أن يغادر، و طلب مني أن أخبرك بأنه يمكنك متى شئت أن تأتي و تختاري من مكتبته الكتب التي تحتاجين إليها .

حنان :- شكراً يا عمتي ، سآتي غدا أو بعد غد إن شاء الله لأخذ الكتب عند عودتي من الجامعة .

السيدة نجاح :- نحن في الإنتظار .

حنان :- مع السلامة .

السيدة نجاح :- في أمان الله .



حنان فهمت من هذا الإتصال أن أمراً ما حدث و أبعد أمان عن الجميع ، لكن ما هو هذا الأمر، لا أحد يعلم .

فأمان غائب عن الأنظار ، ليس في البيت ، و لا في الجامعة ، ليس مع أصدقائه ، و لا يجيب على هاتفه ، و حنان تشغل تفكيرها بما حدث له و أين هو؟.



يتبع...


17



حنان :- لما كل هذا الزحام؟.

حسام :- لا أعلم ، بيدو أن هناك مناسبة ستقام هنا .

حنان :- ربما .

حسام :- ها قد وصلنا للعمارة التي تسكن فيها أسرة أمان .

حنان :- لكن لا يوجد مكان لتوقف فيه السيارة ؟.

حسام :- نعم ،السيارات في كل مكان ، و لا يوجد مكان أضع فيه سيارتي ، يجب أن تنزلي بسرعة و تأتي بالكتاب و سأنتظرك هنا .

حنان :- أنزل ، وحدى ؟.

حسام :- نعم وحدك ، هيا بسرعة ، لقد سببت بوقوفي في وسط الطريق إزدحام سير .

حنان :- و أين ستضع السيارة ؟.

حسام :- بعد أن تنزلي سأبحث عن مكان قريب، و إن لم أجد سأدور بها في هذا الشارع و أعود من جديد ، فلا يوجد حل غير هذا .

حنان :- و كيف سأنزل وحدى ؟.

حسام:- إنزلي بسرعة ، و إتصلي بي عندما تصلين للشقة ، و سأتصل بك عندما أكون هنا مرة أخرى ، لكن بسرعة و لا تتأخرى .

حنان :- و هو كذلك إن شاء الله .





نزلت حنان من السيارة ، و إتجهت لمدخل العمارة ، و هي تسئل نفسها عن سبب هذا الزحام ، وَجَدَت بعض المصابيح الملونة تزين مدخل العمارة ، فسألت إحدى الفتيات الصغيرات اللواتي كن وافقات في مدخل العمارة عن السبب .





حنان :- عفوا ، ما سبب كل هذا الزحام و الزينة هنا ؟.

الطفلة :- عرس ، اليوم يقام عرس في عمارتنا .

حنان :- عرس من ؟.





لم تكمل حنان سؤالها حتى نادت الفتيات الطفلة لتلعب معهن ، فلبت الطفلة النداء بكل سرعة ، لتترك حنان دون إجابة لسؤالها .





صعدت حنان بالمصعد إلى الطابق السابع ، حيث الشقة التي تسكنها أسرة أمان ، هناك لم تجد أي إزدحام ، و أي ضجيج ، فعرفت أن الشقق الثلاثة التي في هذا الطابق ليست مصدر ما يجري .



دقت حنان الباب ، و فتحت لها إيمان ، إستقبلتها و أدخلتها البيت .





حنان :- السلام عليكم .

إيمان : - و عليك السلام ، أهلا بك .





تسمع حنان أصوات ساكنات الشقة ، فأمنية تنادي أماني و تسألها عن مكان مجفف الشعر ، أما آمنة كانت تكوي الملابس .



إيمان :- اعذرينا على هذه الفوضى ، فاليوم زفاف إبنة جيراننا و الكل مشغول في إعداد نفسه .

حنان :- لا داعي للإعتذار ، فهذا وضع طبيعي .





إيمان تُعلم أمها بوصول حنان .





إيمان :- أمي ، ها قد وصلت حنان .





السيدة نجاح تخرج من غرفتها لترحب بحنان ، و قد لفت شعرها بلفافات الشعر و دهنت وجهها بكريم أبيض اللون .





السيدة نجاح:- أهلاً و سهلاً بك يا إبنتي .

حنان :- أهلا بك .

السيدة نجاح :- تفضلي يا إبنتي ، لماذا تقفين بالقرب من الباب ؟، و أين حسام ؟.



تتقدم حنان إلى الداخل و قد قامت إيمان بإغلاق الباب و رائها .



حنان :- حسام لم يجد مكان ليضع فيه السيارة ، فقرر أن يدور بها في الشارع و يعود إلى هنا فيما بعد .

السيدة نجاح : كيف حال أمك و كل عائلتك ؟.

حنان :- الحمد لله .





دخلت حنان لداخل المنزل فإتجهت إليها الفتيات ليسلمن عليها ، و بينما كانت السيدة نجاح متجهة إلى جناح النوم دعت حنان لتتبعها .



السيدة نجاح :- من هنا يا إبنتي .





أشارت السيدة نجاح لغرفة طالما أغلقت عندما كانت حنان تزورهم هي و أسرتها .

فتحت السيدة نجاح الباب ، و أضاءت مصباح الغرفة و هي تقول.





السيدة نجاح :- هذه غرفة أمان ، يمكنك أن تأخذي الكتب التي تحتاجين من مكتبته .

حنان :- ألن يمانع أمان دخولي لغرفته ؟.

السيدة نجاح :- لا ، لن يمانع ، هو من سمح لك بذلك قبل مغادرته .





هذه أول مرة ترى فيها حنان غرفة أمان ، لأول مرة تدخلها و تراها عن قرب رغم زياراتها المتكررة لمنزلهم ، دخلت فوجدتها جداً مرتبة ، و كل شيء في مكانه ، وجدت قيتاراً في ركن الغرفة متكئ على ساند أسود اللون ، و جهاز لقراءة الإسطوانات المدمجة ، و مجموعة إسطوانات مختلفة ، ملصق على الحائط لأحد الفنانين لكن يبدو عليه القدم ، سرير مرتب جداً ، طاولة للمطالعة و بقربها كرسي عليه سجادة صلاة مطوية ، نافذة مغلقة و الستائر المعتمة منسدلة عليها ، و ها هي المكتبة مليئة بالكتب و المذكرات و التحف الصغيرة ، وفي أحد الرفوف قلب أحمر اللون محشو زغبي الملمس طرزت عليه كلمة أحبك باللغة العربية ، حملته في يدها تتأمله ، لم ترى في السابق قلبا مثله ، و يبدو أنه نتاج عمل يدوي ، تحسست بأصابعها الكتابة و التطريز الذي عليه ، و قرأت ما كتب على القلب بصوت خافت مسموع .



حنان :- أحبك .





في هذا الوقت كانت قد دخلت إيمان الغرفة حاملة في يدها كوب عصير لحنان ، و سمعتها و هي تقول كلمتها فإبتسمت و سألتها .





إيمان :- لمن قلت أحبك؟.

حنان :- ليس لأحد ، فقط كنت أقرأ ما كتب على هذا القلب .





رفعت حنان القلب الذي في يدها لتريه لإيمان .





إيمان :- هذا القلب مطرز و مصنوع يدوياً ، صنع خصيصا لأمان ، كان هديتها له يوم ذكرى ميلاده .

حنان :- هدية من ؟.





و قبل أن تجيب إيمان رن هاتف حنان ، لتجد أن المتصل حسام ، أجابته بعجالة .





حسام :- هل وصلت إلى الشقة ؟

حنان :- نعم وصلت قبل قليل .

حسام :- و لماذا لم تتصلي ؟.

حنان :- نسيت .

حسام :- هيا إنزلي بسرعة ، فالطريق مزدحم جداً و لا أستطيع الإنتظار أكثر .

حنان :- حسناً ، سأنزل حالاً .





أغلقت حنان هاتفها ، و أعادت القلب مكانه ، و أخذت الكتاب الذي تريد ، و في خروجها من الغرفة شربت كوب العصير جرعة واحدة ، و سلمت على الجميع في عجالة ،و غادرت العمارة مسرعة .







يتبع ...



18



مر أكثر من شهر ، حنان تمشي صحبة صديقتها نور ، و كانتا تسرعا الخطى للوصول لقاعة المحاضرة قبل بدايتها ، رأت نور أمان يجلس بعيداً.



نور :- حنان ، أنظري ، أليس هذا أمان الجالس هناك؟.

حنان :- نعم إنه هو.

نور :- ماذا ستفعلين ؟.

حنان :- تعالي ، سنذهب إليه معاً .

نور :- معاً !، و المحاضرة ؟.

حنان :- إذن سأذهب إليه ، و أنت اذهبي للمحاضرة ، لا تقلقي إن إنتهى النقاش سريعاً سأكون معك إن شاء الله.

نور :- لكن بسرعة فمحاضرة اليوم مهمة و تلخص كل ما سيكون في الإمتحان.

حنان :- حسناً .



افترقت الصديقتان ، ذهبت نور للمحاضرة ، و إتجهت حنان لحيث يجلس أمان وحيداً ، اقتربت منه لكنه لم يشعر بقدومها حتى تكلمت و ألقت السلام ، كان شارد الذهن و يفكر في أمر ما ، يحمل هاتفه النقال و كأنه يرغب في إجراء إتصال لكن هناك ما يمنعه .



حنان :- السلام عليكم .

أمان :- و عليك السلام.

حنان :- كيف حالك ؟، و أين كنت ؟، قلقنا جميعا عليك.



يبدو أن أمان لا رغبة له في أن يخاطب أحداً ، و يحاول أن يغير مسار الحديث هربا من الإجابة على أسئلتها .



أمان :- أ ليس هذا و قت المحاضرة ؟، هيا إذهبي و لا تضيعيها .

حنان :- لن أذهب حتى أعرف أين كنت ؟، و لماذا اختفيت؟.

أمان :- هيا إذهبي ، لا رغبة لي في الحديث مع أحد .

حنان :- هل أكون أي أحد بالنسبة لك ؟، هل نسيت أني حنان ، صديقتك المقربة ، هيا أخبرني قبل أن أذهب ، فإن ذهبت لن أعود ، و سأصبح كأي أحد.



أحست أنه يخفي شيئا آلمه في نفسه ، لكنها لا تعرف ما هو ، بحتث في شكله علها تجد تغيراً يدلها على السبب أو أي شيء غريب قد تفهم منه ما جرى .

نضرت إلى يديه ، لتكتشف إختفاء خاتم وعد ، الخاتم الذي أهدته إياه مع وعدها له بأن تكون زوجته ، تفاجأت و سألته عن الخاتم .



حنان :- أمان ، أين خاتمك ؟، لا تقل لي إنه ضاع.

أمان :- لا ، الخاتم لم يضع، أنا من نزعه.

حنان :- لماذا ، ألم تعد تحب وعد .

أمان :- القصة طويلة .

حنان :- هيا احكها لي .

أمان :- و المحاضرة ؟.

حنان :- أنت و قصتك أهم منها ، سأجلس بجوارك و ستحكي لي كل شيء و كأنك تتكلم مع نفسك بصوت مسموع.



جلست حنان بجوار أمان ، لكنه لم يلتفت إليها ، و كأنه لا يرغب في الحديث عن الأمر ، و لم يرغب في أن يجرحها بكلمة غضب قد يقولها لها ، فإستسلم للأمر .



أمان :- هل تعرفين وعد ؟.

حنان :- نعم أعرفها ، لم أرها لكن رأيتها في حديثك عنها .

أمان :- أتعلمين إني أحبها ؟.

حنان :- نعم أعرف هذا ، فما المشكلة؟.



يبدو أن القصة فعلاً طويلة و المحاضرة ستضيع منها اليوم .

أمان يتأمل يده ، يتأمل مكان الخاتم ، و لكنه لم يبدأ بالحديث .

حنان تنتظر في صمت .



حنان :- أمان ، خذ وقتك و وقتي ، و تكلم عندما تريد ، المهم أن تتكلم ، و تفرغ ما في جعبتك و نجد حلاً لمشكلتك حتى ترتاح.



استمر صمت أمان ، تردد في الحديث ، أراد اختيار الكلمات المناسبة ، لكنه في النهاية أطلق سراح لسانه ليعبر عما كان يحزنه و تكلم بكلمات غير مرتبة و بصوت خفيف متقطع .



أمان :- حنان ، هل تعرفين وعد؟.

حنان :- نعم أعرفها ، أنت تحكي لي عنها دائماً، لكن ما المشكلة ، لماذا أعدت السؤال مرتين ؟.

أمان :- وعد هي حب حياتي ، و عدتني بأن نكون معاً دائماً ، و عدتني بأن لا يفرقنا إلاّ الموت ، و عدتني أن تكون فقط لي ، هي حبيبتي ، اخترتها من بين الجميع ، لا ، لم أخترها ، بل القدر من اختارنا لنكون معاً ، منذ زمن و نحن معاً ، سنوات و سنوات من الحب ، و في النهاية .........



صمت أمان و كأنه لا يرغب في إنهاء الحديث .

يتبع...



19





طال انتظار حنان لكلمات أمان ، كان يجلس بجوارها ، لكن ليس بكامل كيانه ، فهو هنا و ليس هنا .



حنان :- ماذا جرى ؟، هيا أكمل ما بدأت .

أمان :- البداية كانت عندما كان عمري ما يزيد عن الأربع سنوات ، في أحد الأيام علت الزغاريد من بيت جيراننا ، و المناسبة كانت ولادة ملاك جميل .

حنان :- ملاك ؟؟.

أمان :- نعم ، ملاك جميل ، كانت ملاكي، و كان لها ثلاثة أشقاء يكبرونها ، و كانت هي الفتاة الوحيدة بينهم ، فرح الجميع بها جداً ، حتى أنا كنت فرحاً جداً بها ، أحببتها من أول نظرة .

حنان :- كيف ؟.

أمان :- ذهبت مع أمي إلي بيتهم لأرى المولودة الجديدة ، رأيتها، كانت نائمة بعمق ، تأملت وجهها ، كان أحمر صغير ، و أنفها المدور ، عيناها المغلقتين ، أردت الإقتراب لأراها عن قرب، وضعت يدي على المهد ، فإهتز المهد ، و أستيقظت و بدأت بالبكاء ، كانت صغيرة ، كالدمية ، لأول مرة أرى مولودة صغيرة بهذا الجمال.

حنان :- و كانت هذه أول مرة تراها فيها.

أمان :- نعم ، أول مرة أراها و أعجب بها ، سندتها و هي تخطو أولى خطواتها ، نادت اسمي قبل أن تنادي أسماء إخوتها ، كبرت ، صارت تذهب معنا للمدرسة ، و كنت أنتظرها لنعود معاً من المدرسة ، كانت تحتمي بي و كنت أدافع عنها ، كبر حبنا معنا ، سنوات و سنوات تمر ، كانت أمي تقول (أمان سيتزوج وعد ، و وعد لن تتزوج إلاّ أمان) ، أمي تعاملها كإبنة من بناتها ، لا أعرف متى صارحتها بحبي ، لا أعلم أي يوم و أي تاريخ ، ربما عندما كنت صغيراً ، لكن ما أعرفه أنها تحبني أيضاً و بجنون .

حنان :- لحد الآن كل شيء جيد ، ماذا حدث بعد هذا ؟.

أمان :- بعد وفاة والدي كان والدها يساعدنا كلما استطاع ، أحسست أنه كوالدي ، ساعدني كثيراً جداً ، كان يعاملني كإبن له ، إرتحت له ، و عقدت العزم على أن أخطب وعد بشكل رسمي و لأتوج حبنا أردت أن أتزوجها، فطلبتها منه مباشرة لكنه رفض الأمر مبدئيا بحجة أنني غير مستعد لتولي مسئولية أسرة ، و بعد هذا الأمر لاحظت أن أسرتها كلها تغيرت معي في معاملتها ، ليس معي فقط ، بل حتى مع أخواتي و أمي .

حنان :- و بعد؟.

أمان :- عدت للدراسة في الجامعة حتى أتحصل على شهادة جامعية ،لأنها تدرس في الجامعة و لن يتزوجها شخص لا يحمل شهادة جامعية ، هذا ما قالوه.

حنان :- هذا سبب عودتك للجامعة إذن ، أكمل ماذا بعد؟.

أمان :- ذهبت أمي لتطلب يدها ، ماكان منهم إلاّ أن رفضوا الأمر ، لأجدهم يقولون عني الفقير اليتيم ، يتكلمون عن المساعدات التي قدمها والدهم لي بعد وفاة والدي ، يعايرونني بحاجتي و قلة حيلتي ، و يتباهون بما يمتلكون .

حنان :- ماذا فعلت هي بعد ذلك ؟.



ضحك أمان صحكة لم تفهمها حنان ، كانت ممزوجة بالسخرية ، و فقدان الأمل و ضياع الأهداف ، كانت أشبه بضحكة ممزوجة بتنهيدة يائس .



أمان :- هي؟ ، هي بعدما أخبرتها بأن أمي ستزورهم لتخطبها طارت من الفرحة ، كانت سعيدة جداً بالأمر ، لكن سعادتها لم تكتمل ، رأت الوجه الآخر لأسرتها، واجهتهم جميعاً ، و أخبرتهم بحبنا ، رفضت قرارهم ، و أرادت أن تهرب معي إلي حيث لا يعرفنا أحد .

حنان :- و ماذا فعلوا لها؟.

أمان :- ضربوها ، و منعوها من الذهاب للجامعة ، منعوها من الخروج من المنزل ، منعوها من الإجابة على الهاتف ، و خوفا من أن تنفذ تهديدها بالهروب معي ، زوَّجها والدها سريعاً من شاب ليس فقير و لا يتيم و يحمل شهادة جامعية ، كان الزفاف قبل شهر ، لم تستطع أن تقاومهم ، أن تدافع عن حبها ، رضيت بكل ما رسمه لها والدها ، و صارت لغيري .

حنان :- هل تستطيع الهروب معها ؟.

أمان :- نعم ، سنذهب إلى حيث لا يعرفنا أحد و لا .......



إغرورقت عينا حنان بالدموع ، لم تعرف أن أمان يعاني من ألم في قلبه ، لم تتخيل أن تنتهي قصت حبه و وعد هكذا ، في نفس الوقت أرادت أن تصفعه لتوقظة من أجواء الأغاني و الأفلام التي تملأ رأسه ، لكنها لم تقوى على صفعه ، أرادت أن تعيده للواقع ، أرادت أن تريه عواقب ما كان سيفعل فقطعت كلماته قائلة.



حنان :- إن هربت معها إلي حيت لا يعرفكما أحد ، ماذا سيحدث لأخواتك ؟، فأنت معيلهم الوحيد ، ماذا ستفعل والدتك و قد هربت مع إبنة الجيران ؟، كيف ستخرج و تواجه الناس؟ ، أخواتك ألم تفكر فيهن؟ ، من سيتزوجهن و أنت الهارب مع من تحب؟ ،هل ترضى أن تهرب أختك مع من تحب ؟، لا ، لا تفكر في هذا يا أمان ، فلن تكون أمان الذي أعرفه إن فعلت هذا .



أمان يبدو عليه الشرود و غياب العقل ، و كأن كلمات حنان لم تصل لعقله بعد، يحمل في يده هاتفه النقال ، و ينظر إليه دون أن ترمش عينه رمشة واحدة .



حنان :- فيما تفكر ؟.

أمان :- أفكر أن أتصل بها ، أن أخاطبها ، و أشكو لها وحدتي ، و مقدار شوقي لها .

حنان :- إياك أن تفكر في هذا ، لا تعلم ما قد يحدث إن اتصلت ، قد تهدم بيتها ، إن كنت تحبها فعلاً ، لن ترغب أن توصف بالخائنة ، هي أصبحت في بيت رجل آخر ، أطلق صراحها ، أعطها حريتها ، فمن الأفضل أن تتمنى لها الحياة السعيدة ، و أن تجد السلام مع نفسها و زوجها.

أمان :- أريد أن أعاتبها ، فقد وعدتني و لم تفي بوعودها .

حنان :- يقولون إن وعد الحر دين عليه ، و هي لم تكن حرة ، كانت تقيدها طاعة الأسرة ، العادات و التقاليد ، الدين ، كل هذه القيود كانت تمنعها من تحقيق وعودها ، فهي لم تكن أبداً حرة ، و كل فتاة ليست حرة لتعطي هذه الوعود لأحد .



كانت تأثير كلمات حنان كالصفعة على أمان ، أيقضته من حلمه الذي كان يحلم ، فكر أمان في كل كلمة قالتها حنان ، فكر هذه المرة بعقله ، و قال في نفسه كيف لم أفكر في هذا من قبل ؟ .

و استمرت حنان في حديثها و قالت .



حنان :- لا أريدك أن تتشبث بالماضي ، وعد أصبحت ماضي ، أريدك ان تجمع شتات نفسك ، و تكمل طريقك ، أن ترى أمامك ، و تستفيد من ما حدث، لا أريدك أن تنساها ، فقط اجعلها ذكرى جميلة ، و اذكر وعد بالخير دائما ، لا تحاول الدخول لحياتها من جديد ، لأنك لا تعرف عواقب التدخل ، بارك لها زواجها ، و أدعو لها بطول العمر و السعادة مع الآخر ، امضي في حياتك و ابحث عن زوجة ، لا حبيبة ، فزوجتك ستكون حبيبتك.



تكمل حنان كلامها لتنصح أمان .



حنان :- أمان ، أنظر لنفسك من تكون ، و أحمد لله على كل شيء ، تملك أسرة تحبك ، و بيت دافئ ، سيارتك لا بأس بها ، عملك في تحسن و الحمد لله ، و الفصل القادم بعون الله ستنهي دراستك الجامعية و تتخرج ، أنت لست في بداية الطريق لتكوين أسرتك الخاصة بك ، أنت في منتصفها ، لا تنظر ورائك ، أنظر أمامك و ضع هدفاً جديداً لك ، و عش لتحقيقه .



أخرج أمان خاتم و عد من جيبه ، و بدأ يتأمله و يفكر في مصيره ، ماذا سيفعل برمز حب فتاة لم تعد له .



حنان :- ماذا ستفعل بالخاتم ؟.

أمان :- سأرميه .

حنان :- لا ترميه ، سأحتفظ لك به .

أمان :- لماذا ؟.

حنان :- لا تعلم ، قد تعود وعد إليك من جديد.



تقول كلماتها و هي تبتسم ابتسامتها البريئة المختلطة بذهاء أنثى .



يتبع..




20 (4)



حنان في الجامعة ، تنتظر أن يأتي والدها و يرجع بها إلي البيت ، تقف مع زميلاتها ، و بمرور الوقت كل زميلاتها غادرن المكان ، بقيت هي وحيدة ، في كل دقيقة تحاول الاتصال بوالدها لكنه لا يجيب ، تقف أمام باب الكلية و ترقب سيارة زرقاء لتأتي من بعيد ، كل سيارة زرقاء تمر تقول في نفسها هذا أبي ، و تهم بالمغادرة ، لكن لا تكون السيارة سيارة والدها ، و لا السائق والدها ، مرت الساعات و هي وحيدة ، حاولت الاتصال بحسام لكنه أيضا لا يجيب ، و تأخر الوقت كثيراً ، لا أحد معها في الكلية ، و لا تعرف ماذا تفعل ، أخيراً مرت سيارة زرقاء ، توقفت أمامها ، لم يكن السائق والدها ، بل كان أمان ، ترجل من سيارته ، وصل بقربها ، فرحت لأن أنيسها وصل و لكن تفكيرها مازال مشغولاً على والدها .



أمان :- السلام عليكم .

حنان :- و عليكم السلام ، أهلا بك .

أمان :- لماذا أنت و حيدة هنا ، المكان خال؟.

حنان :- أنتظر أبي .

أمان :- ألم تكملي امتحانك قبل ساعات ؟.

حنان :- نعم ، ولكن أبي لم يأتي و حسام لا يجيب على هاتفه .

امان :- سأحاول الاتصال بهم من رقمي .



اتصل أمان برقم والدها لكن لا مجيب ، اتصل برقم حسام فأجاب ، نظر أمان لحنان نظرة غريبة ، ثم إلتفت بعيداً و ابتعد أمتاراً عنها و هو يكلم حسام في قلق ، انتهت المكالمة ، و عاد أمان إلى حنان .



أمان :- سيأتي حسام .

حنان :- لماذا حسام ؟ ماذا جرى ؟.

أمان :- لا شيئ ، فقط والدك لا يمكنه المجيئ و حسام سيأتي ليقلك بعد قليل .

حنان :- كلماتك لم تطمئن قلبي ، و اتصالك زاد من خوفي ، أخبرني إن حدث مكروه لأحد من عائلتي .

أمان :- لا لا ، لم يحدث شيء ، هيا تعالي لنجلس و نتكلم ، فحسام سيتأخر قليلاً.



جلسا في مكان قريب ، لكن يبدو على أمان الخوف و القلق ، و كأنه يخفي هما كبير .



حنان :- ماذا يجري ؟ ، ما بك ؟.

أمان :- لا شيء ، فقط أمي كانت مريضة .

حنان :- كيف هي الآن ؟، أ هي بخير ؟.

أمان :- نعم بخير ، فقط بعض التوعك .

حنان :- ماذا قال الطبيب ؟.

أمان :- يجب اجراء بعض الفحوصات و التحاليل الروتينية.

حنان :- كيف حال أخواتك ؟.

أمان :- في صحة جيدة.

حنان :- نسيت أن أسألك ، ما الذي جاء بك إلى هنا بعد أن أنهيت دراستك و تخرجت ؟.

أمان :- جئت لأرى نتيجة أمنية، مررت من هنا و رأيتك و حيدة ، فلم أرغب في أن تبقي بلا أنيس.

حنان :- شكراً.

أمان :- كيف كان امتحان اليوم؟.

حنان :- الحمد لله ، كالعادة أجبت ما أعرفه و ألفت إجابات لما لم أعرفه.



إبتسم أمان من إجابتها ، مازالت مرحة كالعادة ولا تعلم ما يخفي لها القدر .



أمان :- هل هذا آخر إمتحان لهذا الفصل ؟.

حنان :- لا ، مازال امتحان آخر بعد أسبوع ، و تبدأ العطلة .

أمان :- في أي فصل أنت الآن ؟.

حنان :- ما بك ؟، هل نسيت في أي فصل أدرس ؟، أنت تسبقني بثلاثة فصول ، و قد تخرجت الفصل الماضي ، أي بقي لي فصلان حتى أتخرج إن شاء الله .

أمان :- هذا صحيح ، لقد نسيت .



تستغرب حنان كلماته ، لماذا يسألها هذا السؤال ، هل نسي حقاً في أي فصل تدرس؟؟ كيف ينسى و هو من يقوم بمساعدتها في الدراسة .



أمان :- هل أنت جائعة ؟.

حنان :- كثيراً جداً .

امان :- هيا بنا ، سأدعوك للغذاء في مقهى الكلية .

حنان :- كنت سأقبل دعوتك ، لكن حسام سيأتي قريبا كما قلت لي و إن جاء و لم يجدني ، سيجن جنونه و يقلق علي .

أمان :- لا تقلقي ، حسام يعرف أني معك ، و لن يخاف عليك ، هيا بنا ، يجب أن تأكلي شيئا .

حنان :- ألا تستطيع الذهاب وحدك و جلب الغذاء ؟.

أمان :- كيف أتركك وحيدة في هذا المكان ؟، هيا تعالي معي لبعض الوقت ، نجلب الغذاء و نعود إلى هنا بسرعة.

حنان :- حسناً ، كما تريد ، لكن بسرعة .



ذهبا لمقهى الكلية ، كان شبه مغلق ، فأعمال التنظيف جارية ، و الكراسي مقلوبة على الطاولات، طلبا و جبتين ، لكنهما لم يجدا سوى وجبة واحدة فقط ، أخذاها و تقاسماها معاً .



هاتف حنان يرن ، المتصل كان حسام .



حنان :- السلام عليكم.



تكلم حسام بلهجة قاسية دون أن يرد السلام.



حسام :- أين أنت ؟.

حنان : - في الكلية مع أمان .

حسام :- هيا بسرعة أخرجي ، أنا مستعجل ، ألم أقل لك أن لا تغادري مكانك ؟.

حنان :- أنت لم تقل شيء، حسام مابك ؟.



تغيرت لهجته للهجة أقل حدة.



حسام :- لا شيء ، هيا تعالي، أنا في انتظارك.



وصلت حنان و أمان لسيارة حسام، صعدت حنان ، و إتجه أمان لجهة حسام وأراد مخاطبته ، لكن حسام تجاهله و أسرع بالسيارة لينثر الغبار على أمان الواقف وسط الطريق .

استغربت حنان مزاج حسام العكر ، و لماذا فعل ما فعل مع أمان .



حنان :- مابك يا حسام ؟ ، لا تقل لي لا شيء ، هناك شيء.



حسام لا يجيبها ، أرادت تغيير الأجواء و تكلمت عن ما حدث اليوم .



حنان :- كنت وحيدة أنتظر أبي ، فجاء أمان و بقي معي ، و دعاني للغذاء.

حسام :- و أين ذهبتما؟.

حنان :- ليس لمكان ، فقط في الكلية .

حسام :- من يكون أمان ليبقى معك و حيدين في مكان خالي من البشر .

حنان :- لم نبقى و حيدين ، عمال المقهى كانوا معنا .

حسام :- لماذا قبلت دعوته .

حنان :- كنت جائعة .

حسام :- لا أريدك أن تفعلي هذا مرة أخرى .

حنان :- ماذا فعلت ؟.

حسام :- لا أريدك أن تكلمي أمان .

حنان :- لماذا ؟.

حسام :- بدون أسئلة ، هذا أمر .



حنان و في غضب ، حملت هاتفها و دموعها تملأ عينيها ، أرادت أن تتصل بوالدها و تشكو له معاملة حسام القاسية لها ، لم تعرف لماذا يتصرف معها هكذا ، لم تفهم التغير الذي حدث ، ما به أمان ؟، ما الخطأ الذي فعله؟.

طلبت رقم والدها ، فكان صوتا خافتا يصدر من داخل السيارة ، لم تغلق هاتفها ، استمرت تبحث عن مصدر الصوت في قلق ، وجدت أكياساً موضوعة على أحد الكراسي الخلفية ، سحبت كيساً ، ارتفع الصوت عالياً ، فتحته لترى ما لا تعرف معناه ، هاتف والدها ، ساعته ، خاتمه ، و محفظة نقوده ، مفاتيحه، أشياء والدها الخاصة في هذا الكيس ، نظرت إلى الكيس ، ثم لحسام ، لم تفهم ما يجري ، لكنها عرفت أن مكروها جرى لوالدها ، مرت كل الاشياء السيئة التي يمكن أن تحدت أمام عينيها ، تخيلت كل شيء ، لكن عقلها رفض أن يخبرها حقيقة ما حدث ، الانفعال الشديد أجهد قلبها ، فأغمي عليها من الصدمة ، صدمة الخوف على والدها و ليس صدمة معرفة الحقيقة .



يتبع...






21



تستيقظ حنان من نومها لتجد نفسها في غرفتها ، تحمد الله على أن كل ما كان كابوس مزعج ، تقول في نفسها :-

( الوقت متأخر ، و لم أذهب للجامعة ، و أبي ينام في غرفته، الحمد لله لم يكن ما رأيت سوى كابوس ، الحمد لله ) .



أرادت أن تعود للنوم ، لكنها سمعت صوت نسوة تقرأ القرآن في صوت خاشع ، أسرعت إلى باب غرفتها ، فتحت الباب ، فوجدت منزلهم مزدحم بالنساء مكتسيات السواد ، أيقنت أن ما كان لم يكن كابوساً ، أسرعت في خطوات غير ثابتة إلى غرفة نوم والدها ، تصطدم بكل امرأة تحاول اعتراض طريقها ، وصلت إلى باب الغرفة لتجده مفتوحاً ، و أمها غارقة في دموعها مع خالتها ، لترى أن أمها قد أزالت أقراطها ، و أساورها ، عقدها و خواتمها ، و غاب الكحل عن عينيها ، فهمت حنان ما حدت لوالدها ، فهمت أنها لن تراه مرة أخرى فقد إنتقل إلى رحمة الله تعالي .



لم تتحمل ما رأت ، و ما عرفت ، وقعت على الأرض مغشياً عليها، اجتمعت النساء حولها ، فهذه تقرأ القرآن و تلك ترش الماء على وجهها، و غيرها تنادي باسمها ، و الأخرى تنوح ، أسرعت إحداهن للخارج و استدعت حسام ، الذي حمل حنان و أخذها لأقرب مستشفى.







انتهت أيام العزاء ، و أصبح البيت خالياً رغم وجود سكانه ، لا أحد يتكلم ، لا أحد يضحك ، و لا أحد يتحرك ، الطفلة فرح غادرت المنزل مع بنات خالتها لتخرج من أجواء العزاء و الحزن ، حسام لا يعرف ماذا يفعل في هذه المصيبة ، فقد أصبح هو معيل العائلة و المؤتمن عليها ، الأم دخلت فترة العدّة و غرقت في سوادها ، و حنان تجلس في غرفتها على حالها منذ أن عادت من المستشفى ، لا تتكلم و لا تتحرك ، و كأنها صنم يتنفس فقط ، بقيت معهم في المنزل عمتها أم عماد حتى تؤنسهم.





جاءت عائلة أمان لتزورهم ، لتطمئن على حالهم جميعاً ، صعدت النسوة للطابق العلوي التي توجد فيه حنان و والدتها ، و بقي أمان وحيداً في غرفة الاستقبال ، فلا يوجد رجل بالبيت ليبقى معه لم يكن حسام موجوداً بالمنزل ، فهو منشغل في إنهاء أعمال والده رحمه الله ، و إتمام الإجراءات القانونية المختلفة ليحل محله ، و الطفلة الصغيرة فرح ليست بالمنزل .

دخلت أماني لغرفة الاستقبال و هي تبكي بمرارة ، سألها أمان عن السبب.



أمان :- أماني ، ما بك ؟ لماذا تبكين هكذا ؟.

أماني :- أبكي على حال حنان ، و كيف أصبحت .

أمان :- و ما بها ؟.

أماني :- مر أسبوعان و لم تخرج من صدمتها بعد ، تجلس في غرفتها ، نكلمها و لا تسمع ، و كأنها ميتة حية .



خشي أمان على حنان من حزنها ، يعرف ماذا كان والدها بالنسبة لها ، يعرف أنه من الصعب عودتها كما كانت ، لكن يجب أن تخرج من صدمتها و تعود إلى الحياة من جديد في أسرع وقت.

و قال في نفسه (حنان قبل أكثر من عام كانت معي ، تواسيني لفقدان وعد ، وقفت بجانبي و ساعدتني و نصحتني ، و طول هذه الفترة لم تتركني وحيداً رغم وحدتي ، و اليوم هي تعاني فقدان والدها يجب أن أفعل كل شيء أستطيعه حتى تجتاز الأمر و تعود كما كانت ) .



أمان :- أيمكن أن أراها ؟، أن أكلمها ؟، أرغب في أن أخاطبها .

أماني :- لن تجدي مخاطبتك لها شيء.

أمان :- فقط أريد أن أحاول .

أماني :- حاولنا جميعا و لم نفلح .

أمان :- سأحاول و أفلح إن شاء الله .

أماني :- هي لا تستطيع الخروج من غرفتها .

أمان :- سأذهب أنا إليها.

أماني :- سأستأذن والدتها و ألبسها حجابها ، فلا يمكن أن تدخل عليها غرفتها دون إذن .



وافقت الأم أن يدخل أمان جناح النوم و يقابل حنان ، عله بذلك يخرجها من غيبوبتها و يعيدها للواقع .



يصعد أمان درجات السلم خلف أماني ، كانت عيونه تنظر لأبواب غرف الطابق العلوي و كأنه يقول في نفسه أي الغرف غرفة حنان ؟، أين سأجدها ؟، أراد أن يسبق أماني وأن لا يضيع أي ثانية يتأخر فيها عن مساعدة حنان ، لكنه لا يعرف أين يجدها ، و يجب أن يتبع دليله أماني لترشده ، يعبران الممر الطويل المؤدي لغرفة حنان ، فقالت أماني مشيرة إلى الغرفة في نهاية الممر .



أماني :- تلك هي غرفة حنان ، هي نهاية الممر .



يسرع أمان الخطى للغرفة و يجتاز أماني ، عرف أين يجد حنان ، و لا حاجة له لأن يتبع أخته ، وصل أخيراً إلى غرفتها ، وجد باب الغرفة مفتوح و آمنة و أمنية يقفن داخلها ، دخل غرفتها لأول مرة و صدمه ما رأى ،حنان بعد ما كانت لا تحب الجلوس في مكان ، و لم تكن تتوقف عن الكلام ، هي الآن تجلس و حيدة في غرفتها ، و حيدة رغم اجتماع الجميع حولها ، تجلس و تستمع للقرآن ، و عيونها معلقة في اللاشيء ، لا يصدر منها لا صوت و لا حركة ، فقط تجلس ساكنة في مكانها و الصمت في ملامحها .



جال أمان بنظره في الغرفة عله يجد شيء يبدأ به الحديث ، وجد عدداً من المسامير المثبتة في الحائط سأل أمنية عن ما كان معلقاً بها ، فهذه أول مرة يدخل غرفة حنان و لا يعرف كيف كانت قبل وفاة والدها .



أمان :- ماذا كانت تعلق هنا ، في هذه المسامير ؟.

آمنة :- كانت تعلق صورها مع والدها في كل مكان.

أمان :- و من أزالها ؟.

آمنة :- لا أعرف ، فقد أزيلت منذ العزاء.

أمان :- و أين هي الصور ؟.

آمنة :- في صندوق تحت الطاولة .



اقترب أمان من النافذة و أزاح الستارة المعتمة ، و فتحها ليدخل نور الشمس و يقتحم المكان ، جلس أمان على كرسي بالقرب من حنان ، لم يعرف كيف يخرجها من وحدتها ، لكنه بدأ في مخاطبتها .



أمان :- حنان ، أنا هنا ، معك ، لا تتركينا ، كوني معنا ، حنان أجيبي إن كنت تسمعينني ، حنان.

آمنة :- لا تحاول ، هي لا تسمعك ، لا تتعب نفسك ، جربنا و لم يفلح أحد في هذا.

أمان :- لا ، هي تسمعني و ستجيبني ، فأنا أمان و لست أي أحد، و لن أخرج حتى أسمع صوتها .

آمنة :- لا أرى أنك ستفلح .

أمان :- حنان ، لماذا تفعلين هذا ؟، هل هذا اعتراض على أمر الله؟ ، كلنا مسافرين على مثن طائرة الحياة ، و والدك إنتهت رحلته و وصل لنهايتها ، والدك لن يسعد عندما يراك هكذا ، والدك رجل مؤمن ، و أنت مؤمنة ، فلا اعتراض على أمر الله ، حنان ، هل تسمعين؟ .



لم يجد أمان أي إشارة يفهم منها أن حنان تستمع إليه ، رغم هذا أمسك يديها ، و استمر بالحديث معها بكلمات أكثر ترتيباً من سابقتها .



أمان:- سأكلمك عن والدك ، والدك رجل طيب ، يساعد الجميع ، يسعى لفعل الخير ، فعل الكثير لك و لنا ، و لكل من قابلهم ، هو في الجنة إن شاء الله ، فلماذا الحزن ، بل يجب أن تفرحي و تحمدي الله و ترضي بما كتبه لنا.



يتحرك أمان من مكانه و يتجول في الغرفة ليرى الصندوق الذي وضعت فيه صور حنان و والدها ، يجد صورة قد كتب عليها بخط الصغيرة فرح (أين والدي)، يخرج الصورة من الصندوق و يضعها بين يدي حنان ، و يكمل حديثه .



أمان :- لم يغادر والدك بعيداً ، بل دخل إلى داخل قلبك و عقلك ، إذا أردت أن تريه فهو هنا معك ، في كل ذكرى و كل صورة و في كل مكان ، لا تنسي الماضي و تسجني كل الصور الجميلة التي جمعتكم في صندوق ، لا ، بل علقيها ، سأقول لك ، اجعلي من الذكرى و قوداً لتعيشي المستقبل ، حنان ، والدك في داخلك ، في كل خلية من جسمك ، في كل لحظة عشتها معه، و في كل كلمة قالها .



بدأت أماني بالبكاء ، تذكرت والدها ، فالتفت إليها أمان و أمرها بالخروج .



جلس أمان مقابلاً لحنان على سريرها و نظر إلى عينيها و أكمل حديثة رغم أنها لم تبدي أي إصغاء أو أي ردة فعل لما يقول.



أمان :- والدك يرغب أن تعيشي حياتك ، يجب أن تستمري ، كان دائما يقول لك (اعتني بنفسك و اهتمي بدراستك) ، إنه يرغب أن تكمل دراستك ليراك الأفضل ، لكن ماذا تفعلين الآن ؟، تجلسين هنا ، و تقتلين نفسك ، و تهملين دراستك ، هكذا سيحزن والدك و أنت لا تنوين إحزانه.



حنان تحرك أصابعها ، لتمسك بالصورة ، تتشبث بها يلاحظ أمان أنها تستمع إليه و حديثه قد أثمر و لو بحركة صغيرة منها تدل على أنها عادت أو على الأقل ستعود.



أمان :- يجب أن تخرجي من عزلتك و تفعلي ما كان يريدك أن تفعلي ، اهتمي بنفسك و بدراستك ، فهذا سيسعده .



تحركت حنان رفت عيناها و نزل دموعها ، هذه أول دموع لها بعد الصدمة ، و بدأت بالبكاء ،تحتضن صورة والدها بقوة ، تحول صمتها و حزنها إلى حركة و صوت بكاء شديد مرير، أخيراً خرجت من غيبوبة اللا وعي ، و عادت إلى الحياة من جديد .



أمان :- ابكي يا حنان و أخرجي كل الحزن الذي في داخلك ، ابكي و لا تكتمي شيء ، فهكذا ترتاحين من الأحزان ، لتطوي صفحتها ،و لتفتحي صفحة جديدة غدا إن شاء الله.



فرح أمان من نتائج كلماته ، أراد الخروج من الغرفة و إخراج آمنة و أمنية ، ليترك حنان و حيدة في غرفتها ، لتبكي و تحزن كما تشاء ، دون إزعاج من أحد ، و بينما كان الجميع يغادر الغرفة تكلمت حنان بصوت تخنقه العبرة .



حنان :- إنتهت رحلة أبي !!.





يتبع....


22



في غرفة نوم الأم ، تنام حنان في حضن أمها ، و تداعب أمها خصلات من شعرها ، يتكلمان في همس .



حنان :- أمي .

الأم :- نعم يا ابنتي .

حنان :- أين حاجيات أبي رحمه الله .

الأم :- ما زالت في خزانته .

حنان :- ليست كل ملابسه ، أريد فقط ما كان يرتدي يوم وفاته.

الأم :- لا أعلم أين هي ، ربما مازالت عند حسام .

حنان :- عند حسام !!! ، و ماذا فعل بها ؟.

الأم :- لا أعلم ، اسأليه عنها عندما يعود .

حنان :- لن أصبر حتى يعود ، سأتصل به .



الأم لم يعجبها ما ترغب حنان في فعله ، فلا تعلم ما ستكون ردة فعلها عندما ترى ثيابه ، و لم تعلم ماذا تريد من ثيابه لكن حنان إتصلت بحسام .



حسام :- السلام عليكم .

حنان :- و عليكم السلام .

حسام :- كيف حالكم الآن ؟ .

حنان :- بخير ، الحمد لله .

حسام :- هل هناك شيء ؟.

حنان :- لا ، لا شيء ، فقط أردت أن أسأل عن حاجيات والدي ، ثيابه التي لبسها يوم وفاته .

حسام :- ما بها ؟.

حنان :- فقط أريد أن أراها .

حسام :- أنا في طريق العودة للمنزل ، سأريك إياها عندما أعود .

حنان :- لا أرغب في الانتظار ، أريدها الآن .

حسام :- حسنا ، تجدينها في غرفتي ، داخل خزانتي ، كل شيء داخل حقيبته ، ستجدين ملابسه و أشيائه الأخرى ، و......



قبل أن ينهي حسام كلماته ، أنهت حنان الاتصال ، و انطلقت مسرعة إلى غرفة حسام ، فتحتها ، و اتجهت للخزانة ، ترددت في فتحها ، بقيت فترة واقفة أمامها ، تشاهد شريط ذكريات يوم وفاة والدها ، امتلأت عيناها بالدموع ، و أحست بحرقة في حلقها ، فتحت الخزانة ، و أخرجت الحقيبة ، و ضعتها أرضاً ، جثت على ركبتيها ، فتحت الحقيبة ببطء ، أخرجت الثياب ، و بدأت تتأملها ، تحتضنها بقوة علها تجد فيها شيء من دفئ والدها ، تقبلها و تشمها و تتذكر والدها و أيامه الجميلة ، تذكرت خاتمها المسحور ، بحثت عنه ، لكنها لم تجده ، مسحت دموعها و بحثت من جديد ، لكنها لم تجده ، و جدت كل شيء ، الساعة ، المحفظة ، خاتم الزواج ، لكن خاتمها المسحور لم تجده ، و اسمرت في البحث جيداً داخل الحقيبة ، قلبتها و بعثرت كل محتوياتها على الأرض ، لكنها لم تجده ، قطع بحثها رنين جرس الباب ، نزلت مسرعة لتفتحه ، توقعت أنه حسام قد عاد إلى البيت ، و قبل أن تفتح سألت من الطارق ، لتجد أنه أمان ، ارتدت حجابها و عباءتها و مسحت دموعها ، و فتحت الباب .



أمان و أماني في وقت واحد :- السلام عليكم .

حنان :- و عليكم السلام ، تفضلا .

أمان :- هل حسام موجود ؟.

حنان :- لا حسام خارج المنزل، أنا و أمي فقط بالمنزل ، و فرح في بيت خالتي.

أمان :- حسناً سأغادر و أعود فيما بعد لأقل أماني للمنزل .

حنان :- أماني ستبقى عندنا اليوم ؟.

أماني :- نعم سأبقى معك اليوم .

حنان :- أهلاً وسهلاً بك ، أمان ، لماذا تقف عند الباب؟، أدخل و أرتح قليلاً في غرفة الاستقبال .



كانت حنان و أمان و أماني يجلسون معاً و يشربون القهوة في غرفة الإستقبال ، دخل حسام إلى المنزل ، و رأى أمان جالساً مع أخته ، فهجمت على وجهه ملامح الغضب ، و كلم أمان بطريقة قاسية ، و أمره بالخروج و عدم القدوم للمنزل إن لم يكن هناك رجل فيه ، خرج أمان بكل هدوء ، و حسام يرمقه بنظرات الغيظ ، و قبل أن يغلق حسام باب المنزل خلف أمان خرجت أماني من غرفة الاستقبال و استأذنت لتغادر مع أمان .



حنان تثور ، فكيف يعامل حسام أمان بهذه الطريقة ، هو ضيفهم و يجب أن يكرمه ، لا أن يطرده .



حنان :- ماذا فعلت ؟، لماذا تطرد أمان ؟، كان هنا ليزورنا .

حسام :- لا أريده أن يدخل بيتنا في غيابي .

حنان : - هو لم يأتي يوماً وحيداً إلينا في غيابك .

حسام :- رأيتك تجلسين معه بمفردكما في الغرفة .

حنان :- لم نكن لوحدنا ، أماني كانت معنا و أنت رأيتها عندما غادرت .

حسام :- لا أريده أن يأتي حتى إن كان برفقة أخته و أمه ، لا أريده أن يأتي و أنا خارج المنزل .

حنان :- و متى تكون داخل المنزل ؟، فأنت دائما خارجه و نادراً ما تكون هنا إلا في الليل .

حسام :- أنتن نساء وحيدات ، لا أريد لرجل غريب أن يدخل ، ماذا سيقول الناس عني و عنكن ؟.

حنان :- أمان ليس غريب ، يزور بيتنا منذ أعوام ، و كأنه فرد من أسرتنا .

حسام :- هو أمام الناس غريب .

حنان :- أمان كأخ لي .

حسام :- و متى ارتدت الأخت حجابها أمام أخيها ؟.



أغضب حديث حسام حنان و أثار دمعها و حيرتها ، فلماذا يتغير حسام بهذا الشكل ، فهذا أمان ، ماذا به ؟.



و في حديثهما و جدالهما يحرك حسام يديه بعصبية لتلاحظ حنان أنه يرتدي خاتمها المسحور .



حنان :- هذا خاتم أبي .

حسام :- نعم .



تمسك حنان بيد حسام و تنتزع منه الخاتم و تقول في غضب .



حنان :- من تكون لترتدي الخاتم؟ ، هذا خاتم أبي و لن يكون يوماً لك ، فأنت لست والدي .



تسمع الأم أصواتهما العالية ، تخرج من غرفتها و تنزل إليهما ، و تغادر حنان المكان لتصعد مسرعة إلى غرفتها غارقة في دموعها ، يحاول حسام اللحاق بها ، تمنعه أمه من ذلك ، و تدخله غرفة الإستقبال لتهدئ من غضبه .



يتبع...





23





تدخل الأم حسام لغرفة الإستقبال ، و تنتظر بعض الوقت ليهدأ قبل أن تبدأ بالحديث .

تتكلم الأم بحكمة ، لترشد حسام إلى الطريق الصحيح لقيادة هذه الأسرة ، فهو يحتاج للعون الكبير من شخص ذو خبرة .



الأم :- ما بك يا حسام ؟.

حسام :- أمي ، أحس أن مسئولية الحفاظ على حنان أكبر مني.

الأم :- حسام ، لا تضغط عليها هكذا ، أترك لها متسع من الحرية كما كان والدك يفعل .

حسام :- لا أستطيع ، أرى تعلقها بأمان يزيد يوماً بعد يوم .

الأم :- و ما العيب في ذلك ؟

حسام :- هي في سن الزواج ، و لا أريد لأحد أن يتكلم بسوء عنها .

الأم :- أختك لا تخطئ ، و لن يتكلم عنها أحد بسوء.

حسام :- لكن أخاف أن تضيع مني ، هي أمانة في عنقي ، إن ضاعت كيف سأقابل أبي و أنا ضيعت أمانته ؟ ، أوصاني بكم يوم وفاته .

الأم :- لا تخف ، لن يضيع منك أحد.

حسام :- و حنان ؟.

الأم :- لا تقلق ، فقط عاملها كما كان والدك رحمه الله يعاملها ، احتضنها بحنان ، و احتويها ، كن لها أخ و أب ، كن صديقها ، و أملك رأيها ، حاورها ، فهذا ما كان يفعل والدك .

حسام :- أفعل كل هذا ؟، هذا كثير جداً .



يجلس حسام على الأريكة و يضع مرفقيه على ركبتيه ، و يسند رأسه بكفيه .

و أمه تجلس على يساره ، تضع يمناها على كتفه و تقول .



الأم :- ليس بكثير عليك ، فهذه أسرتك ، من واجبك أن تعاملها بهذا الشكل ، سأكون معك أعينك و أرشدك .



يرفع حسام رأسه عن كفيه و يلتفت لوالدته و يمسك يدها و يكمل حديثه .



حسام :- أمي ، أكثر ما يقلقني هو الفراغ الذي تعيشه حنان بعد وفاة والدي رحمه الله.

الأم :- و أي فراغ هذا الذي يقلقك ؟ .

حسام :- أتكلم عن الفراغ العاطفي ، أخشى أن تتعلق بشخص يسيء إليها ، أخشى عليها من صدمات الزمن ، فهي لا تقوى على ذلك .

الأم :- لا تخشى عليها ، كن أنت مكان والدها و أملأ هذا الفراغ ، و سأساعدك .

حسام :- أمي ، أخشى أن تتعلق بأمان و تحبه ، و لا يبادلها أمان هذا الحب ، أخشى عليها من هذا الأمر.

الأم :- لا تخشى عليها ، أمان رجل لن يؤدي أحداً ، و خاصة حنان .

حسام :- أتمنى ذلك ، لكن حتى لا أبقى سجين خوفي عليها سأمنعه من القدوم للمنزل كما كان يفعل سابقاً ، سأرسم له حدوداً حتى لا يجتازها .

الأم :- هذا تصرف حكيم ، لكن لا تضيق الخناق على أختك حتى لا تخسرها ، و لا تخطئ في حق أمان فهو لم يخطئ في حقك.





بعد أيام في الطريق ، بينما كان حسام يقود سيارته عائداً إلى المنزل ، شاهد أمان و هو مترجل يسير في الطريق بلا رفيق ، فعرض عليه أن يوصله إلى حيث يرغب .



حسام :- السلام عليكم .

أمان :- و عليكم السلام .

حسام :- إلى أين تذهب ؟.

أمان :- ذاهب لورشة التصليح حتى أجلب رافعة لأنقل بها سيارتي المتوقفة هناك .

حسام :- تفضل سأوصلك .



صعد أمان السيارة ، متناسيا ما جرى في المرة الماضية في منزل حسام .



أمان :- كيف حالك ؟.

حسام :- الحمد لله ، أرغب في الحديث معك .

أمان :- و أنا أيضا أريد أن أتحدث معك حديث من شاب إلى شاب .

حسام :- هيا تفضل تكلم ، ماذا تريد أن تقول ؟.

أمان :- أنت كأخ لي ، و ما تمر به الآن مررت به في السابق، تجربتك تشبه تجربتي ، فقط أردت أن أنصحك .

حسام :- لا ، تجربتي لا تشبه تجربتك .

أمان :- لا ، هي تماما ما مررت به ، كنت شاباً لا دخل لك في أمور إعالة الأسرة ، كنت تعيش حياتك لنفسك فقط ، أما الآن ، لك أسرة ، أم و أختان ، تحتاجان لك ، تحتاجان لرب أسرة يحل مكان والدهم .

حسام :- و ماذا بعد؟.

أمان :- والدك رحمه الله ساعدني ، و من واجبي أن أساعدك .

حسام :- و كيف ستساعدني ؟.

أمان :- في أي شيء تطلبه .

حسام :- أريد منك شيء واحد فقط .

أمان :- و ما هو ؟.

حسام :- ابتعد عن حنان ، فقط ابتعد عنها .



يشعر أمان بالغضب من حسام ، كيف يطلب منه هذا الأمر .



أمان :- لا أستطيع ، حنان تعني لي الكثير ، و لن أدعك تقتل الشيء الوحيد الذي يدفعها إلى الاستمرار في الحياة بعد وفاة والدها، لن أدعك تفرق بيننا بسهولة .

حسام :- حنان أختي ، و لا دخل لك في حياتها ، أخرج من حياتها و حياتنا جميعاً .



يطلب أمان من حسام أن يوقف السيارة ، فهو لا يرغب في إنهاء الحديث معه .



أمان :- سأقول لك شيء ، رويدك لا تتسرع ، و لا تهدم حياة شخص تحبه ، سأعتبر كلامك كلام غاضب لا يقصد به شيء ، فقط لأنني أعتبرك كأخ لي .

حسام :- أنت لست أخي ، و لن تكون أخي يوماً.

أمان :- فكر في قرارك بروية ، و لا تتسرع ، حتى لا تندم .



ينزل أمان من السيارة و قبل أن يغلق الباب وراءه يقول له حسام .



حسام :- أمك و أخواتك مرحب بهن في منزلنا متى أتين ، لكنك غير مرحب بك و أنا خارج المنزل ، و حنان ابتعد عنها في الجامعة و لا تحاول مقابلتها ، أنت تخرّجت و لا حاجة لك في الذهاب للكلية مستقبلاً ، يجب أن تفهم كلماتي و تعلم أنها لمصلحتك ومصلحة حنان و مصلحة الجميع .



بمجرد أن أغلق أمان الباب وراءه ، غادر حسام بسيارته مسرعاً مثيراً سحابة من الغبار على أمان .



يتبع….


24



أيام الصيف الحارة قاربت على نهايتها ، و الأسرة الصغيرة لم تذهب للبحر هذا العام ، حسام قرر اليوم أن يأخذهم جميعاً للبحر ، يريدها نزهة للأسرة فقط .



على شاطئ البحر، فرح في العريشة تساعدها أمها لتبديل ملابسها المبللة و المتسخة بالرمال ، حسام يعد العدة للشواء ، أما حنان اتخذت لها ركناً بعيداً قليلاً عن الآخرين و جلست تفكر و هي تراقب أمواج البحر الهائجة في صمت فجأة تكلمت حنان و نادت أمها .



حنان :- أمي ، المكان ينقصه أحد .



خشيت الأم أن تتكلم حنان عن والدها ، فهذه أول نزهة لهم دون والدهم ، خشيت أن تقول كلمة تعيد إليهم الذكريات فيتغير اليوم من نزهة للبحر ، إلى نزهة ذكريات و حنين للماضي ، لم تسأل الأم عن الشخص الناقص في هذا المكان ، حتى تكلمت حنان في طلب و قالت .



حنان :- أمي ، المكان ينقصه أمان ، هل أستطيع أن أتصل به و أدعوه للقدوم هو و أسرته ؟.



لم تجب الأم ، فقط اتجهت ببصرها إلى حسام لترى ردة فعله ، لكنها لم تعجبهم ، تكلم حسام بغضب و عصبية .



حسام :- لا ، لا يمكنك ذلك .

حنان :- و لماذا ؟.

حسام :- هذه نزهة للأسرة فقط ، نحن الأربعة فقط ، و لا أريد لغريب أن يكون معنا.



حنان تضايقت من هذا الكلام ، لم يعجبها ما سمعت ، ففي العام الماضي كانت أسرة أمان تشاركهم نزهات البحر ، لكن هذا العام يرفض حسام إشراكهم في أي نزهة ، ليس هذا فقط بل منع أمان من القدوم لمنزلهم إلا لإيصال أمه و أخواته ، و لم تقابله حنان منذ فترة طويلة ، مما أثار جنونها .



صرخت حنان في وجه حسام ، هجمت عليه و بدأت تضربه على صدره بكلتا يديها و تفرغ شحنة الغضب لديها .



حنان :- من تكون لتحرمنا من فعل ما نحب؟ ، أكرهك ، تحركنا كالدمى و تتخذ القرارات بنفسك ، و تنفذها دون أن تعلم رأينا فيها .......



أوقفها و أمسك بيديها خشية أن يقعا على موقد الشواء ، أرادت أن تفلت يداها فدفعته ، اختل توازنه فداس على الموقد و احترقت قدمه ، تمسك بيدها بقوة كي لا يقع فآلمها بقبضته القوية، لم ترى أن قدمه داست موقد الشواء ، بل فهمت من تمسكه أنه يؤنبها و يقسو عليها ، أفلتت من يده بسرعة و غادرت المكان ، و تركته يعاني حروقه وحيداً .



تذكرت والدها فبكت كثيراً ، لم ترد لأحد أن يراها و هي تبكي ، أرادت أن تهرب من الجميع، لكنها لم تجد مهرباً سوى البحر الهائج ، دخلت البحر دون تفكير ، لكن البحر هائج و قواها خانتها للعودة لبر الأمان ، نادت ، صرخت بأعلى صوتها ، لعل أحداً يسمعها وسط هدير البحر، أحست أنها فشلت في النجاة منه، فما كان منها إلا أن استسلمت له ليأخذها حيث والدها .



و ما هي إلا ثواني حتى و صلت يد تساعدها ، و تحملها لبر الأمان ، لم تعرف من ينقذها لأنها كانت شبه غائبة عن الوعي ، سمعت صوت المنقذ و هو يناديها باسمها و يطب منها التشبث برقبته حتى يخرجا معاً من البحر ، ميّزت صاحب الصوت الذي أنقذها من الغرق ، لكنها شكت في الأمر و لم تكن متأكدة مما تسمع.



بعد أن استعادت و عيها ، رأت من حولها ، لكنها لم تجد منقذها ، سألت والدتها عنه و أجابتها إجابة أكدت هوية صاحب الصوت الذي ناداها و عرفت أن منقذها هو حسام ، أرادت أن تشكره لإنقاذها ، أن تعتذر عما جرى ، سألت عن مكانه فدلتها والدتها ، ذهبت إلى حيت قيل لها أنه موجود ، وجدته يجلس على الرمل و حيداً يقابل البحر و يرسم أشكالاً على الرمال بحجر صغير يمسكه بيده و يفكر في عمق ، اقتربت منه أحس بها و هي تقترب من المكان ، لكنه لم يلتفت إليها، اقتربت و فاجأها ما رأت ، يلف قدمه بضمادة حروق ، اندفعت نحوه بقلق لترى ما بال قدمه و تطمئن على حاله ، و نسيت أن تشكره على إنقاذها .



حنان :- حسام ما هذا ؟.

حسام :- لا شيء ، فقط حرق سببته لي أختي الصغيرة العنيدة دون قصد.

حنان :- كيف ؟.

حسام :- لا يهم .

حسام :- أنت كيف حالك الآن؟ .

حنان :- الحمد لله .

حنان :- هل أستطيع الجلوس بقربك ؟.

حسام :- نعم ، أهلا بك في أي وقت .

حنان :- هل حرقك خطير ؟، أ يمكن أن أراه ؟.

حسام :- لا ليس خطير ، و يمكنك أن تريه .



تزيح حنان جزء من ضمادة الحروق التي يلفها حسام على قدمه ، لتكشف بذلك عن بعض من مكان الحرق .



حنان :- حرق كبير و مؤلم ، و دخلت إلى البحر المالح لتنقذني .

حسام :- كيف لا أنقدك و أنت أمانة في عنقي ، لا أدخل البحر فقط لأجلك ، بل أدخل المجهول .



إبتسمت و أخرجت قلادتها التي تعلقها في عنقها من تحت ثيابها ، كانت تعلق فيها خاتمها المسحور ، نزعته من قلادتها و ألبسته لحسام و قالت .



حنان :- حسام ، تفضل ، هذا خاتمي .

حسام :- أعلم ، لكن لماذا تعطيني إياه؟.

حنان :- هذا الخاتم مسحور ، كل من يلبسه يصير مسئولاً عن الأميرة .

حسام :- و من تكون الأميرة ؟.

حنان :- أكون الأميرة ، هذا ما قاله لي أبي رحمه الله .

حسام :- هل أنا المسئول عنك الآن ؟.

حنان :- نعم ، و من غيرك سيكون مسئولاً عني و يحميني و يقتحم المجهول من أجلي ؟.



يتبع...


25



العطلة الصيفية قد انتهت ، و حنان يجب أن تعود إلى الكلية ، عقدت العزم على إنهاء دراستها ، و تحقيق وصية والدها ، ليراها كما أحب أن تكون ، فتاة ناجحة في هذا المجتمع .



عادت للجامعة و قابلت الصديقات و الأصدقاء ، كل منهم يواسيها و يعزيها لفقدانها والدها ، بقيت مع صديقتها و رفيقة دربها نور .



نور :- محمد جاء يبحث عنك .

حنان :- محمد ؟ ، و لماذا يبحث عني ؟.

نو ر:- لا أعلم ، جائني و سأل عنك .

حنان :- هل تعلمين لماذا يسأل ؟.

نور :- لا أعلم ، لم يخبرني سوى أنه يريد مقابلتك .

حنان :- مقابلتي ؟؟؟.

نور :- نعم ، يقول أن هناك أشياء يجب أن تعرفيها و يجب أن تفهميها ، أشياء مصيرية كما يقول .

حنان :- أشياء مصيرية ؟ ، و محمد يريد الحديث عنها ! .

نور :- نعم هذا ما قاله .

حنان :- أي أشياء مصيرية يريد الحديث عنها ، و مصير من سيتكلم عنه ؟.



نور ترى محمد قادم من بعيد و تخبر حنان .



نور :- ذاك محمد قادم من بعيد ، يقترب نحونا ، إسئليه و سيجيبك .



اقترب محمد حتى وصل إليهما .



محمد :- السلام عليكم .

نور :- و عليكم السلام .

محمد :- كيف حالكم ؟ .

نور :- بخير و الحمد لله .

محمد :- جعل الله وفاة والدك آخر الأحزان .

حنان :- شكراً .

محمد :- أتصل بك لكن هاتفك مغلق ، فذهبت إلى منزلكم و لم أجد أحداً .

حنان :- عزائك مقبول حتى إن كان متأخراً شهور عديدة .

محمد :- هل يمكن أن أكلمك على إنفراد ؟ .



لم ترغب حنان أن تغادر نور المكان ، فبعد لقائها الأخير مع محمد عرفت بحقيقة جمال ، و منذ ذاك اليوم لم تعد تأمن جانبهما و لم تكلمهما ، لكن نور استأذنت و غادرت ، و تركت حنان مع محمد ليحدثها عن الأمور المصيرية .



محمد :- حنان ، كنت أبحث عنك منذ فترة .

حنان :- أعلم بالأمر ، أخبرتني نور و قالت إنك ستتحدث عن أمور مصيرية .

محمد :- نعم .

حنان :- هيا تكلم ، و مصير من سيتغير بهذا الحديث ؟ .

محمد :- أريد أن أكلمك عن جمال .

حنان :- جمال ؟.



تستغرب من كلامه ، فقد قطعت علاقتها بهذا الذئب مفترس الفتيات ، فلماذا يتكلم عنه الآن ، و أي مصير سيتحدد بهذا الحوار.



محمد :- نعم ، جمال .

حنان :- و ما به جمال هذا ؟.

محمد :- يريد أن يسافر و يغادر البلد .

حنان :- ليغادر ، و ما دخلي بسفره ؟.

محمد :- سيهاجر و لن يعود .

حنان :- ليهاجر ، ما مشكلتي ، قطعت علاقتي به منذ زمن ، و الآن تريد أن تكلمني عن هجرته .

محمد :- حنان ، جمال يحبك .



تقول حنان كلماتها بسخرية .



حنان :- و كيف لذئب أن يحب فريسته ؟.

محمد :- ذئب و فريسة !! ، عن ماذا تتكلمين ؟، أفهميني .

حنان :- و تتظاهر بأنك لا تعلم بالأمر ، لا تعلم حقيقة صديقك .

محمد :- أرجوك أعلميني و أخبريني بما تعرفين .



من الطريقة التي تكلم بها محمد أحست أنه لا يعلم بالأمر ، أو أنه نسي ما حدث ، أرادت أن تنعش ذاكرته و أعادت سرد القصة كما رأتها .



بعد ما سمع محمد ما قالته حنان ضحك بصوت عالي ، و لم تعجب ضحكاته حنان.



حنان :- لماذا تضحك ، هل هناك ما يضحك ؟ .

محمد :- سامحيني ، لكن كل منكما فهم ما يريد أن يفهم ، و كل منكما أخطأ فهم الحقيقة .

حنان :- كل منا ؟، من نحن ؟ و بماذا أخطأنا ؟ و ما الحقيقة ؟.

محمد :- أنت و جمال كل منكما أخطأ في فهم ما يجري .

حنان :- كيف ؟.

محمد :- قبل سفرك جاء أحدهم و أخبر جمال بأنك مسافرة و لن تعودي إلينا أبدأ.

حنان :- نعم كنت مسافرة .

محمد :- ما أخبره الغريب هو أنك مسافرة لتتزوجي قريباً لك في الخارج ، و تعيشي هناك ، و لن تعودي إلى هنا أبداً .

حنان :- أتزوج !، و في الغربة !، من أخبره بهذا ؟.

محمد :- لا يهم ، المهم هو أن جمال قرر أن يبتعد عنك ، و أن يتركك لتعيشي حياتك ، و بالمقابل كتم في نفسه كل شيء ، لم يخبر أحداً غيري بحبه لك ، و لم يرغب في أن يخاطبك في الأمر .

حنان :- لذلك بدأ في التدخين ، و اتجه إلى الفتيات الأخريات عله يجد حباً جديداً.

محمد :- صحيح بدأ بالتدخين ، لكنه لم يفكر في فتاة أخرى غيرك .

حنان :- و من التي كانت معه في السيارة يوم عدت ؟.

محمد :- هي أخته الجميلة ، كانت قد تبللت بالمطر و تشعر بالبرد ، جلسا معاً في السيارة ، و كانت قد نزعت غطاء رأسها المبتل لتبدله بآخر جاف ، و لابد أنه أمسك بيديها و وضعهما على خديه ليتحسس مقدار البرد الذي فيهما .



تضحك حنان من طريقة رؤيتها للأمر ، تضحك بعد أن عرفت الحقيقة .



حنان :- و لماذا لم يخبرني بالأمر ؟.

محمد :- كان يلحق بك ، لكنك هربت و ابتعدت كثيراً ، و عندما وجدك ، رآك تجلسين مع رجل آخر .

حنان :- نعم ، أتذكر.

محمد :- توقع جمال أن يكون هذا هو زوجك ، فلم يرك جمال مقتربة من أحد لهذه الدرجة ، كان و كأنه يحتضنك ، أ فهمتي هذا ؟، توقع أن يكون زوجك أو على الأقل خطيبك .

حنان :- و ماذا حدث ؟.

محمد :- انسحب جمال من حياتك ، رغم أنه بقي يراقبك من بعيد ، لم يتحمل أن يراك في الكلية تتجولين أمامه دون أن يخاطبك ، فانسحب من الكلية .

حنان :- لذلك لم أعد أره في المكان .

محمد :- نعم ، قرر الانسحاب ، أما الآن فقد قرر الهجرة ، يريد أن يهاجر من البلاد دون رجعة .

حنان :- فليغادر ، و ما دخلي أنا في هجرته ؟.

محمد :- لا أعلم ، فقط رأيت أن أكلمك و أخاطبك في هذا الأمر علك تجدين طريقة تمنعيه فيها من السفر .



تعود حنان لذكرياتها منذ سنوات و سنوات ، جمال أول حب في حياتها و لم يكن هناك غيره ، كان يحبها بصدق ، و ما رأته كان سوء فهم ، كيف يمكن أن تصلح الأمر؟.



حنان :- أين أجد جمال ؟.

محمد :- لماذا ؟.

حنان :- أرغب في أن أقابله ، أ يمكن هذا ؟.

محمد :- نعم ، سأخبره ، و لا أعلم إن كان سيوافق .

حنان :- أبلغه سلامي ، و أخبره أن يلاقيني الأسبوع القادم هنا في الجامعة .



يتبع...


26



في الليل لم تقوى حنان على النوم و هي تفكر و تحاور نفسها ، و قد ملأتها شحنة من السعادة ، فمن كانت تحبه لم يكن ذئباً أبداً و لم يفكر في غيرها و الأهم من هذا تأكدت أنه يحبها .



كانت تقول في نفسها :-

لم يكن جمال خائناً ، لم يكن ذئباً ، و كل ما رأيته و ما فهمته كان خطأ ، كل هذه السنوات و كنت أحتقره و أكرهه و لا ذنب له فيما جرى ، و ما كان يشغل باله يوم الامتحان هو قول أحدهم له بأني مسافرة لأتزوج ، و من رأيتها معه لم تكن إلا أخته الجميلة ،أسبوع واحد فقط و أراه من جديد ، و يعود ما كان كما كان ، لكن هذه المرة سيكون كل شيء واضحاً ، لن أستسلم لشكوكي التي كانت ، الآن كلي يقين بأنه يحبني كما قال صديقه محمد .



تفكر في يوم اللقاء و قد فتحت حقيبتها و أخرجت منها قصاصة الورق التي كتبتها يوم سفرها و أكملت حوارها مع نفسها :-

لماذا قلت له أسبوع ؟ ، لماذا لم أقل له غداً ؟، هل أتصل به و أغير موعد اللقاء ؟ ، لا لن أتصل به و سأترك ترتيب الأمر لمحمد ، هو من بدأه و يجب أن ينهيه ، سأصبر أسبوعاً واحداً فقط و أراه من جديد و أجمع القصاصة التي كتبتها و تقاسمتها معه قبل سفري .



كان الوقت متأخراً ، شعرت حنان بالعطش ، نزلت للمطبخ و روت عطشها ، و أثناء خروجها منه وجدت أن غرفة المعيشة مضاءة ، نظرت إلى ساعة الحائط المعلقة بالقرب منها ، فوجدت عقاربها تشير للساعة الواحدة و الربع بعد منتصف الليل ، ابتسمت و قالت في نفسها ( لا بد أن حسام نائم في غرفة المعيشة أثناء مشاهدته للإذاعة المرئية كعادته ) .



اتجهت لغرفة المعيشة و قبل أن تصلها سمعت صوت أحد ما داخلها ، لا لم يكن شخصاً واحداً ، كانا اثنين ، سمعت صوت حسام و أمها ، كانا يتحاوران في أمر ما ، اقتربت و دون قصد منها سمعت بعضاً مما يقولون .



حسام :- طلب يدها مني يا أمي و لم أعرف بماذا أجيبه .

الأم :- أعلم أن هذا اليوم سيأتي ، فقد طلب يدها من والدك قبل وفاته .

حسام :- أعلم هذا ، لكن بماذا أجيبه ؟.

الأم :- تردد والدك في الموافقة لأن مرضها يمنعها من الإنجاب .

حسام :- لكل داء دواء ، لا بد أن هناك علاجا ما ، سأحاول ما أمكنني و أسافر بها لكل مكان يمكن أن نجد فيه شفاءها .

الأم :- لا يوجد ، بحثنا في كل مكان و في كل مستشفى لكن لم نجد شيء .

حسام :- و الحل يا أمي ؟، هي في سن الزواج ، و عاجلاً أم آجلاً ستتزوج ، ماذا سأخبر من يتقدم لخطبتها ، أنها إن أنجبت ستموت ، ستفارقنا ، هل أقول له إما هي أو طفلها ؟، أقول له ستحرم من الأطفال ؟، أو أبقيها بلا زواج دون أن تعلم سبب حكمنا عليها بالعنوسة .

الأم :- اصبر يا ولدي و وكّل أمرك لله ، و لا تقنط من رحمته ، فهو الرحمن الرحيم.





صدمت حنان مما سمعت ، عرفت أن الحديث كان يدور حولها ، هي لن تستطيع الإنجاب ، لن تكون أماً يوماً ، كم هو قاسي هذا الأمر ، فكل فتاة حلمها أن تكون أما و تحمل أطفالها بين يديها ، تربيهم و ترعاهم ، هي بالفطرة مولودة لتكون أماً ، فكيف تتقبل الأمر؟ ، و كيف تتقبل إخفاء الأمر عنها؟ .



لم تقوى على الدخول لغرفة المعيشة لتعلمهم بما سمعت ، انسحبت بهدوء ، و صعدت لغرفتها تجر حزنها ورائها في صمت، و رمت نفسها على سريرها و احتضنت وسادتها بكل قوة ، و بدأت بالبكاء المرير و هي تقول في نفسها :-



لماذا هذا ؟ ، لماذا يحدث هذا ؟ ، بعد أن ضحكت لي الدنيا قليلاً أجدها تصفعني من جديد و ترمي بي في حفرة أكبر من تلك التي خرجت منها ، لماذا ؟ ، ألا أستحق أن أفرح قليلاً ؟ ، لماذا كل هذا ؟ ، بعد أن حلت مشكلة جمال تأتيني مشكلة جديدة ، فيما أخطأت ؟، ماذا سأقول لجمال الأسبوع القادم ، أقول له أحبك و تحبني و ما بيننا سيبقى على هذا الحال ؟، أقول له إن النهاية الطبيعية لما هو موجود بيننا أن نتزوج ، و إن تزوجنا ستبقى أسرتنا فقط اثنين و لن يزداد عدد أفرادها ، أقول له لن أنفع أن أكون أما لأولادك ، فإما هم و إما أنا ، أحكم عليه بأن يحرم من كلمة أبي ، أو أخفي عليه الأمر حتى يكتشفه هو بنفسه ، و ماذا سيفعل حينها ؟.



دخلت حنان دوامة التفكير في الغد ، و بين تفكيرها و صدمتها بالأمر ، نامت من شدة الحزن ، و دعت الله أن يكون الغد أفضل من اليوم .





يتبع...


27





انتهى الأسبوع ، و ها قد جاء اليوم الذي انتظرته و خشيته حنان ، اليوم ستلتقي بجمال ، لكنها لا تعرف ماذا تقول له ، لم تعرف من سيبدأ الحديث و من سينهيه ، و لم تكن لها أي فكرة عن نتائج هذا اللقاء ، أرادت أن تغادر المكان و أن تهرب كما هربت في المرة الماضية تحت زخات المطر ، لكن أين المطر؟ ، الشمس مشرقة و السماء صافية و الجو حار .



ها هو جمال قد لاح من بعيد ، قادم بخطوات ثابتة ، يرتدي نظارته السوداء ، و يحمل بين أصابعه سيجارة يدخنها ، و قبل وصوله لحنان توقف و ألقى السيجارة بعيداً ، و أكمل سيره و في كل خطوة يخطوها نحوها ترتبك حنان و لم تعرف ماذا تفعل ، فاختارت الاستسلام للأمر و ترك القيادة لجمال ليقود الحديث .



جمال :- السلام عليكم .

حنان :- عليكم السلام .

جمال :- كيف حالك ؟.

حنان :- الحمد لله ، و أنت كيف حالك ؟ .

جمال :- الحمد لله .



انتهى الحوار التقليدي ليسود صمت الكلمات ، ينزع جمال نظاراته حتى يبدأ في حوار من نوع آخر ، مصدره العيون ، لكن حنان هربت بعيونها بعيداً تفادياً لكلماته ، فما كان منه إلا أن عاد للحوار المسموع .



جمال :- عظم الله أجركم في وفاة والدك .

حنان :- شكر الله سعيكم.

جمال :- كيف حالك بعد وفاته ؟.

حنان :- الحمد لله ، مازلت حية أرزق.

جمال :- تغيرت .

حنان :- نعم تغيرت ، كلنا تغيرنا ، فمرور الزمن يغير من قلوب البشر .

جمال :- صرت أجمل .



احمرّ وجهها خجلاً ، فلم تتوقع أن تسمع منه كلمات الغزل بهذه السرعة ، لكنها صدّته و غيّرت مسار الحديث .



حنان :- جمال ، عذراً ، لكن ليس هذا هدف لقائنا اليوم .

جمال :- و لماذا طلبت لقائي ؟، أليس لتعود كل الأمور لسابق عهدها ؟.

حنان :- نعم ، هذا هو السبب ، لكن متى علمت أني أقبل كلمات الغزل تلك ؟ ، أكنت تقول لي هذه الكلمات فيما مضى ؟.

جمال :- حنان ، إني أحبك .

حنان :- لك الحرية في التعبير عن مشاعرك بالطريقة التي تراها مناسبة ، لكن لي الحق في رفضها بالطريقة التي أراها مناسبة أيضاً .

جمال :- لماذا هذا الرفض ؟.

حنان :- لأن الوقت و المكان غير مناسبين .



يجب أن تغير حنان مسار الحوار ، فقد صار صعباً عليها أن تستمر فيه ، فطلبت من جمال محفظته.



حنان :- أعطني محفظتك .

جمال :- و ما بها محفظتي ؟.

حنان :- أعطنيها و ستعرف لماذا .



أخرج جمال محفظته من جيبه لترى حنان أنها نفس المحفظة القديمة ، نفسها التي وضع فيها قصاصة الورق في ذاك اليوم ، فتحتها و بحثت في الجيب الخفي ، لتجد أن الورقة مازالت موجودة كما هي .



حنان :- تتذكر هذه الورقة ؟.

جمال :- نعم ، و لم أفتحها كما وعدتك ، ماذا كتبت فيها ؟.

حنان :- اليوم تجتمع القصاصتان معاً ، و نرى ما كتب فيهما .



أخرجت حنان القصاصة التي تملكها من حقيبتها ، و حملتها بجوار الأخرى ، لتكتمل الجملة التي كتبتها .



جمال :- أ هذا ما كتبت ؟.

حنان :- نعم ، هذا ما كتبت .



ابتسمت حنان و قرأت ما كتبت .



حنان :- لا إلـه إلا الله ، محمد رسول الله .

جمال :- علمت ما كتبت ، لكن لماذا كتبته ؟.

حنان :- هذه الكلمات لا تبقى منفصلة أبداً ، و عند سفر أحد ما نكتبها في ورقة و نقسمها شطرين ، نبقى شطراً في المنزل و الآخر عند المسافر كي نترك له سبباً ليعود .



ضحك جمال من حيلتها ، و قال لها .



جمال :- أردت أن تعودي ، فلهذا كتبتها ؟.

حنان :- نعم ، و كان لقاء اليوم حتى نجمع القصاصتين معاً .

جمال :- ها قد جمعت القصاصتين معاً ، ماذا بعد ؟.

حنان :- ماذا تريد بعد هذا ؟.

حمال :- هل نجتمع بعد أن اجتمعت القصاصتين ؟، أو نفترق ؟.

حنان :- لك أن تسافر الآن ، و تذهب حيت شئت ، فأنت حر طليق .

جمال :- هذا فقط ؟.

حنان :- خذ معك القصاصتين ، و دع إحداها في منزلكم و الأخرى أعدها لمحفظتك ، حتى تعود من جديد ، و تذكر أني يوماً ما كتبتها .

جمال :- هذا فقط ما تريدينه ؟.

حنان :- سامحني على أخطائي في الماضي و المستقبل ، و لنتمنى لكلينا أن يجد سبيله للنجاح في هذه الدنيا و الآخرة .



أنهت حنان ما كان بينهم ، رغم أنها من كانت ترغب في أن تعيده من جديد ، أنهته لأنها لم ترى نهاية ما رغبت في إعادته ، و لم تقوى على إخبار جمال بمرضها ، فكان لها أن تنهيه و تطلق سراح جمال ليسافر و يعيش حياته كما يشاء ، و يصير أباً لأولاد أخرى .



يتبع ...







نهاية الجزء الرابع


28 (5)



طوت حنان صفحة من حياتها ، و بدأت مشوارها في الرضا بما كتبه الله لها ، تغيرت أحلامها ، و تبدلت أهدافها ، و كتمت كل أحزانها داخلها ، و لم تخبر أحد بما عرفت و ما سمعت .



مرّ عام على وفاة والدها ، لكنها لم تعرف حتى اليوم كيف انتقل إلى رحمة الله تعالى ، فأحبت أن تعرف بالأمر .



حنان :- اليوم يصادف مرور عام على وفاة والدي رحمه الله ، لكني لم أعرف حتى الآن كيف توفي .

حسام :- لماذا ترغبين في معرفة الأمر ؟.

حنان :- لأعلم به .



خشي حسام عليها من معرفة ما ترغب في معرفته في البداية ، لكنها أتبثت أنها لم تعد حنان المدللة ، تلك التي يخشى عليها من كل شيء ، و لم يرى مانعاً من أن يحكي لها ما جرى .



حسام :- كان والدي رحمه الله ذاهباً هو و ابن عمتي عماد لمزرعتهم ، كانا في الطريق الزراعي ، و كان هناك جرار قادم في الإتجاه المعاكس لهما ، و فجأة خرج الجرار من مساره ليأتي متجها نحوهم فاصطدم بالسيارة التي أمامهم ، و اصطدمت سيارة أبي بالسيارة التي أمامه .

حنان :- توفي والدي بحادث سير ! .

حسام :- كان عماد يرتدي حزام الأمان ، فلم يصب إلا بكدمات ، أما والدي لم يكن يرتديه ، و عندما حاول عماد مساعدته رفض و آثر أن يساعد من في السيارة الأخرى ، لأنهم كانوا سيدة و طفلان .

حنان :- هذا هو والدي ، يحب أن يساعد الجميع على أن يساعد نفسه .

حسام :- اتصل عماد بالإسعاف ، و ساعد من في السيارة الأخرى ، و عندما عاد لوالدي وجد أن البرودة تسللت لجسده ، معلنة على أن روحه قد فارقته .

حنان :- رحمه الله .

حسام :- رغم أن الصدمة لم تكن قوية ، و لم تكن قاتلة ، إلاّ أنه إنتقل إثرها إلى رحمة الله تعالى .

حنان :- إنا لله و إنا إليه راجعون .



سكت الجميع و قد اجتاحتهم ذكرى ذاك اليوم ، فمنهم من سالت دموعه على وجهه ، و منهم من كتم حزنه في قلبه ، و كل منهم كان مشتاقاً لفقيده .



حنان :- الحمد لله ، حتى في آخر دقائق حياته كان يحب أن يساعد من يحتاج للمساعدة ، يجب أن نفرح و نحمد الله على كل شيء .

حسام :- الحمد لله .

حنان :- لكن لماذا كان أبي يوصل عماد لمزرعتهم ؟، عماد يملك سيارته الخاصة ؟.

حسام :- لا أعلم ، ربما تسألين عماد عندما يأتي بعد قليل .



تفكر حنان في ذاك الحوار الذي كان بين حسام و أمها قبل أقل من سنة ، تفكر في من يكون خاطبها ، و تقول في نفسها .

عماد كان مع والدي قبل وفاته ، أيكون هو من أراد خطبتي ؟، أيكون قد رغب في الحديث مع أبي و لهذا كان معه يوم وفاته ؟ ، ربما كانت رغبة أبي أن أتزوج ابن عمتي ، أن يكون زواجي تقليدي بهذا الشكل ، لكن هل يعلم عماد بطبيعة مرضي ؟ ، هل يعلم بحالي و بصحتي ؟ ، هل هو راضي بما علم أم غيّر رأيه؟.



اليوم سيحيون الذكرى السنوية لوفاة والدهم ، رغب عدد من أفراد العائلة أن يكونوا معهم في هذه المناسبة ، مناسبة حزينة جمعت بعض الأقارب و الجيران و من كان على صلة بوالد حنان رحمه الله.



وصل بعض الضيوف فطلب حسام من حنان إعداد القهوة ، أعدتها و نادته حتى يأخذ فناجين القهوة و يقدمها إلى ضيوفهم ، لكن حسام عندما عد الفناجين الموجودة أخبرها أن تضيف فنجاناً آخر.



حسام :- ينقص فنجان .

حنان :- ألم تقل لي أعدي القهوة لسبعة رجال ؟.

حسام :- نعم ، لكن أمان جاء الآن ، فصرنا ثمانية .

حنان :- حسنا سأعد له فنجانه .



ابتسمت حنان ، و فرحت لأن أمان قد جاء اليوم ، تذكرت كيف كانا معاً قبل وفاة والدها ، و تذكرت كيف أبعد حسام بينهما ، فترة طويلة لم ترى فيها وجهه ، لم تسمع صوته ، لكنها تسمع أخباره من أمه و أخواته ، لأنها وعدت حسام أن لا تقابله أو حتى تتصل به ، تعودت أن تفي بوعودها و إن كانت على حساب نفسها .



بينما كانت حنان في المطبخ تعد فنجان أمان ، دخلت عمتها أم عماد و قالت لها .



أم عماد :- ما شاء الله ، كبرت و صرت عروس .

حنان :- عروس؟؟؟.

أم عماد :- نعم عروس ، و هل رأيك مخالف لكلماتي ؟.



تفكر حنان في كلمات عمتها أم عماد و لم تنتبه للقهوة التي وضعتها على النار حتى فارت و سالت على الموقد ، فأتت حنان بحركة يفهم منها أنها تضايقت من الأمر ، فقالت لها عمتها.



أم عماد :- فوران القهوة علامة خير إن شاء الله ، لا تقلقي .

حنان :- علامة خير لأي شيء .

أم عماد :- ستعلمين في الوقت المناسب .





يتبع...

29











اليوم الخميس كلما التفتت حنان لوالدتها تجدها تنظر إليها بتأمل و تبتسم في سعادة ، و لكنها لا تعلم ما بال أمها اليوم ، تقول في نفسها ( أ هو يوم ذكرى ميلاد إحدانا ؟ ، ربما كان اليوم ذكرى لشيء ما ، أو عيد و لا أعلم بالأمر ) ، لا تعلم سبب سرور أمها ، و لم ترغب في أن تسألها ، دعت الله أن يديم فرحتها التي جاءت بعد حرن .



و بينما كانت الأم تدور في المنزل حاملة مبخرة في يدها ، تبخر المنزل غرفةً غرفة ، و حنان في المطبخ ، انتهت توا من إعداد طبق من الحلويات كما طلبت منها والدتها ، تسمع حنان رنين جرس الباب فتمسح يداها و تخرج بسرعة من المطبخ لتفتح الباب ، و قبل أن تصل إليه تناديها أمها تقول لها .



الأم :- حنان لا تفتحي الباب ، سأفتحه أنا .

حنان :- وصلت له ، سأفتحه أنا، ارتاحي أنت يا أمي .

الأم :- لا تفتحيه ، أرغب في أن أفتحه ، أنت اصعدي لغرفتك و اهتمي بنفسك ، و أرتدي أجمل ما عندك .



تستغرب حنان كلمات أمها و تقول في نفسها ( لماذا لا تريدني أن أفتح الباب ؟، و من الذي سيأتي اليوم؟ ، و ما المناسبة حتى طلبت مني إعداد الحلويات و ارتداء أجمل ما أملك ؟ ) .



لم تفتح الأم الباب حتى صعدت حنان لغرفتها و دخلتها .



تسمع حنان صوت نسوة في منزلهم ، ترغب في الخروج و رؤية من يكن ، ففتحت باب غرفتها لتجد أمها قادمة إليها و سألتها .



حنان :- أمي من ضيفاتنا ؟.

الأم :- ضيفات مهمات ، يجب أن ترتدي ثياباً لائقة .

حنان :- و ما بال ثيابي التي أرتدي ؟.

الأم :- ثيابك هي ذاتها التي تعودن أن يرينك بها .

حنان :- إذن هن من العائلة ؟.

الأم :- ستعلمين بعد قليل .



تبتسم الأم و هي تبحث في خزانة ملابس حنان عن ما سترتديه ، تخرج لها بذلة أنيقة و تقول لها .



الأم :- ارتدي هذه البذلة ، و حلي ضفيرة شعرك و اتركيه منسدلاً و ضعي شريط يليق به ، و تزيني بمجوهراتك اللاّمعة ، و رشي من هذا العطر ، و اجلبي العصير من المطبخ و قدميه للضيفات .

حنان :- لكن لما كل هذا ؟، و من الضيفات ؟ ، و ....



لم تكمل حنان كلماتها حتى كانت أمها خارج غرفتها و قد أغلقت الباب ورائها تاركة حنان وحدها غارقة في بحر من الأسئلة .



فعلت حنان ما قالته لها والدتها ، و في قلبها شك أن ما يجري أمر مدبر بين أمها و عمتها أم عماد .



دخلت حنان لغرفة الضيوف و هي تحمل أكواب العصير ، و تفاجأت مما رأت ، عمتها أم عماد و خالتها و معهن السيدة نجاح و إيمان هن ضيفاتهن اليوم ، ابتسمت و لم تفهم ماذا رأت ، قدمت لهن العصير و سلمت عليهن ، و جلست بالقرب من إيمان ، لكن أمها نظرت إليها بطريقة فهمت منها أنها تريد إخراجها من المكان ، فخرجت كما فهمت من نظراتها .



هي في المطبخ تبتسم مما رأت ، و تقول لنفسها ( ألبس أجمل الثياب ، و أتزين في أبهى حلة ، فقط لأن عمتي و خالتي و السيدة نجاح هن ضيفاتنا ، لماذا كل هذا التعقيد ؟، ربما لأن هذه هي المرة الأولى التي تزورنا فيها إيمان بعد عرسها ؟ ) .



دخلت الأم إلى المطبخ وطلبت منها أن تجهز الشاي و الحلويات التي أعدتها ، لكن هذه المرة ستقدمها و تجلس معهن لكن دون أن تتكلم إلا إن طلب منها هذا .



فعلت حنان ما طلب منها ، كانت كأنها دمية يحركونها كما يريدون ، ها هي جالسة بينهم في صمت ، فقط تبتسم إن قيل شيء يضحك ، و تجيب إن تم سؤالها .



كانت تركز نظراتها على كل من والدتها و عمتها و خالتها ، كانت تقول في نفسها (زيارة اليوم ليست عادية ، كلهن ينظرن لي ، أشك أن عمتي تخطط لأمر ما ، لكن لماذا جاءت السيدة نجاح و إيمان ؟، لم أعد أفهم ، و لن أشغل عقلي بالتفكير في الأمر أكثر ، إن لم أعلم بالأمر اليوم سأعلم به غدا إن شاء الله) .



قاربت الزيارة على نهايتها ، و ها هي حنان و الصغيرة فرح قد انتهت لتوها من نقل الصحون الفارغة من على مائدة العشاء و أدخلتها للمطبخ ، بعد إن استمتعت الضيفات بتناول وجبة عشاء كان نصف ما قدّم فيها من إعداد حنان ، و النصف الآخر أعدته والدتها و ساعدتهن فرح في إعداد السلطة .



حنان في المطبخ تتأكد من أن كل شيء قد قدّم على أحسن صورة ، و أن الضيافة كانت بالمستوى المطلوب اليوم ، تدخل فرح الصغيرة حاملة في يدها سماعة هاتف المنزل و تقول لحنان .



فرح :- حنان هذا اتصال لك .



يتبع ...


30



ردّت حنان على الهاتف ، كانت المتصلة صديقتها نور ، فرحت باتصالها ، صعدت إلى غرفتها لتتحدث معها بحرية دون تطفل أحد .



حنان :- السلام عليكم .

نور :- و عليك السلام .

حنان :- كيف حالك يا نور ؟ ، و كيف حال زوجك محمود ؟.

نور :- الحمد لله ، كلنا بخير ، و أنتم كيف حالكم ؟.

حنان :- الحمد لله .

نور :- إشتقت إليكم جميعاً .

حنان :- تشتاقين لنا و أنت في صحبة من تحبين ؟.

نور :- أتشكّين في شوقي لصديقة طفولتي ؟.

حنان :- لا لم أشك يوماً في هذا ، لأني أيضاً أشتاق لك .



تمنت حنان أن تكون نور معها ، طالما كانت أنيستها في حزنها و سعادتها ، كانت كاتم أسرارها و ناصحتها و منيرة دربها ، لكنها الآن صارت بعيدة عنها ، و لا تستطيع أن تشكو لها حيرتها و شكوكها فيما يجري اليوم .



نور :- كيف حالكم جميعاً ، عمتي و فرح و حسام ؟.

حنان :- الحمد لله جميعنا بخير .

نور :- صوتك لا يعجبني ، أجيبيني ما بك ؟.

حنان :- حائرة و مرتبكة بعض الشيء .

نور :- لماذا ؟. أخبريني و أفرغي ما في قلبك .

حنان :- و تكلفة الاتصال من سيدفعها ؟.

نور :- أهذا ما يقلقك و يمنعك من الحديث مطولاً معي كلما اتصلت بك ؟، لا تقلقي ، تكلفة اتصالات هواتفنا تدفعها الشركة التي يعمل بها محمود .



تتسلل بعض من الأحزان خارج حنان ، فيتغير صوتها و تعرف نور أن أمراً ما يجري و لا تقوى حنان على تحمله .



نور :- ما بك يا حنان ، لا تقلقيني عليك أكثر من هذا .

حنان :- اليوم تزورنا عمتي أم عماد و خالتي و السيدة نجاح.

نور :- جيد ، و ما المحزن في الأمر ؟.

حنان :- لا أعلم ، هناك أمر ما يخطط له و لا أعلم به .



تصمت حنان لتسألها نور عمّا أسكتها ، و فيما تفكر .



نور :- أين أنت ؟ ، و فيما تفكرين ؟.

حنان :- موجودة معك ، أخاطبك ، لكني أفكر في أمر ما .

نور :- و هو ؟.

حنان :- أرغب في رؤية أمان .

نور :- لماذا يأتيك هذا الشعور المفاجئ الآن ؟.

حنان :- لا أعلم ، أرغب في أن أراه ، كنت سأسأل إيمان عن حاله لكني لم أقوى على ذلك ، وعدت حسام أن لا أكلمه أو أتكلم عنه ، لكن .....

نور :- ربما كان هو أيضا يفكر فيك الآن ، و يرغب في أن يراك .

حنان :- لا أعتقد هذا .

نور :- ترغبين في أن تريه ، ترغبين في أن تخاطبيه و تحاوريه ، تشعرين بفراغ كبير لا يملأه إلا وجوده في عالمك .

حنان :- نعم .

نور :- قلت لك من قبل ، لكنك نفيت الأمر .

حنان :- أي أمر ؟.

نور :- أنت تشتاقين له ، و ترغبين في رؤيته ، و عندما علمت بمرضه البسيط قبل فترة جن جنونك خوفاً عليه ، تفرحين لفرحه و تحزنين لحزنه .

حنان :- نعم ، هذا صحيح .

نور :- أنت غارقة في الحب يا عزيزتي .

حنان :- غارقة في الحب ؟؟؟.

نور :- نعم ، غارقة و لا منقذ لك إلا سبب علتك ، أمان .

حنان :- كفاك كلاماً عن هذا الأمر ، لست أحبه ، فقط أهتم لأمره .

نور :- أنت صديقتي و أعرفك منذ طفولتك و أفهمك كما أفهم نفسي .

حنان :- و ماذا فهمت ؟.

نور :- أنت تحبين أمان ، لكنك مكابرة ، لا ترغبين في الإفصاح عن الأمر لأحد ، حتى إن كان لي أنا ، و لا أعلم السبب .

حنان :- أنت مخطئة ، أمان صديق ليس أكثر ، و لا أحبه كما تعتقدين ، فقط أهتم لأمره .

نور :- كلماتي قلتها لك ، و ستثبت لك الأيام أنها هي الصواب .

حنان :- أخشى أن تخيب الأيام ظنك و تثبت عكس ذلك .



تقف حنان على نافذة غرفتها ، و تزيح الستار قليلاً و ترى موقف سياراتهم ، فتجد سيارة أمان متوقفة فيه مجاورة لسيارة حسام ، تسكت و هي تشاهد السيارة و تمعن النظر حتى تتأكد إن كان أمان داخلها أم لا ، تخرج السيدة نجاح و إيمان من منزلهم ، فصمتت حنان و هي تراقبهم من غرفتها ، نزل أمان من سيارته و سلم على حسام و أوصل والدته إلى كرسي الراكب الأمامي في السيارة ، و قبل أن يدخل لسيارته التفت و ألقى نضرة على نافذة غرفة حنان ، فالتقت عيونهما معاً ، رغم أن زجاج النافذة كان مغلقاً و لم يكن ليراها لأنه من النوع العاكس ، لكن نظرته أربكتها فتراجعت بضع خطوات للخلف و هي تمسك سماعة الهاتف بالقرب من أذنها ، قطع صمتها صوت نور التي بدأت تصرخ في الهاتف منادية حنان بأعلى صوتها .



نور :- حنااااااااااااااااااااااااان .

حنان :- بهدوء ، ما بك تصرخين ؟.

نور :- فترة من الزمن و أنا أخاطبك و أنت لم تجيبيني ، قلقت عليك .

حنان :- رأيت أمان .

نور :- كيف و أين ؟ .

حنان :- رأيته من نافذة غرفتي ، جاء ليقل أمه و أخته من منزلنا.

نور :- و تقولين لي لا وجود للحب بينكما .

حنان :- و ما دليلك ؟.

نور :- شعرت بوجوده في المكان ، و رغبت في رؤيته ، أنت غارقة في الحب و لا تعلمين ، و هو ليس بأحسن منك حالاً ، هو أيضا كان يرغب في أن يراك لهذا بادلته نفس الرغبة .

حنان :- يمكن أن يكون أي شيء إلا أن يكون حباً .

نور :- نعم ليس حباً ، بل هو عشق يا مكابرة .......







انتهت شحنة مدخرة الهاتف ، قاطعة بهذا الاتصال بين حنان و نور ، نظرت حنان إلى الهاتف و ابتسمت ، و عادت من جديد و اقتربت في النافذة لتتأمل المكان الذي كان أمان يركن فيه سيارته قبل قليل ، و تسأل نفسها ، عما إذا كان ما قالته لها نور صحيح أم لا .









يتبع ....


31





انتهت الزيارة و عادت كل الضيفات إلى منازلهن ، بدّلت حنان ملابسها و أعادت ضفر شعرها الطويل ، و دخلت المطبخ تغسل الأواني ، تساعدها فرح الصغيرة في تجفيف الصحون و إعادتها إلى مكانها .



فرح :- هل ما يقولونه صحيح يا حنان ؟.

حنان :- و ماذا قالوا ؟.

فرح :- يقولون أنك ستصبحين عروساً .

حنان :- و من قال هذا ؟.

فرح :- عمتي أم عماد .

حنان :- و متى قالت ما قالته ؟.

فرح :- أصبحت دائما تناديك بالعروسة .

حنان :- ألم تعرفي عروساً لمن ؟.

فرح :- لا يهمني ، لكن لا تتركيني ، فإن صرت عروساً ستذهبين بعيداً عنّي ، حينها سأنام وحيدة في غرفتي .



تترك حنان ما في يديها و تمسحهما من الماء ، و تحتضن الصغيرة فرح و تهمس في أذنها (لا تقلقي لن أتركك تنامين لوحدك أبدا ) .



أنهت الأختان ترتيب المطبخ ، و ذهبتا معاً لغرفة المعيشة لتجتمعا مع باقي الأسرة ، وبمجرد دخولهما الغرفة صمت حسام الذي كان يناقش أمراً ما مع أمه ، قالت حنان في نفسها ( ما بالهم اليوم جميعاً يتصرفون على غير عادتهم؟ ).



لم تسألهم عن شيء ، استأذنتهم و أخذت جهاز التحكم عن بعد و بدأت تقلب قنوات الإذاعة المرئية تباعاً ، حتى وصلت إلى قناة تعرض برنامجاً للأطفال فصرخت فرح وطلبت من حنان أن تقف عند هذه المحطة ، فوقفت تلبية لطلبها.



حسام يغادر الغرفة و ينادي حنان ليكلمها على إنفراد في غرفة أخرى .



حسام :- حنان تعالي أريدك في أمر ما .



تستغرب حنان كلمات حسام و طلبه ، و تسأل نفسها ماذا يريد ؟ .



حنان :- تريدني أنا ؟، ما الأمر ؟، تعالى هنا و أخبرنا معاً .

حسام :- لا ، أريدك وحدك ، تعالي .

حنان :- حسنا .



تتبعه و تدخل غرفة الضيوف حيث دخل ، و يطلب منها أن تجلس على الكرسي.

تقول في نفسها (هذا استجواب لا حوار ، ماذا يرد منّي ؟؟).



جلست حنان على الكرسي بينما بقي حسام واقفاً ينظر إليها مبتسماً ، لكنه لم يتكلم ، حتى سألته حنان .



حنان :- ما بك يا حسام ؟، تكلم .

حسام :- لا أعرف من أين أبدأ .

حنان :- ابدأ من حيث تريد .

حسام :- لست بارعاً في هذا .

حنان :- عن أي الأشياء تتكلم؟ .



يرتب حسام بعض الكلمات ليبدأ بها حواره .



حسام :- هل تعلمين ما سبب زيارة اليوم ؟.

حنان :- ما أعرفه أنها زيارة عادية .

حسام :- هذا فقط ؟!.

حنان :- نعم.

حسام :- لا ، ليس هذا ما تعرفينه ، أعرف أنك ذكية و تعلمين ما يجري .

حنان :- لي شكوكي ، لكني لن أفصح عنها لأحد حتى تخبرني أنت بما تعرف .



يضحك حسام من كلماتها .



حسام :- لك شكوكك؟؟. هي في محلها ، فما رأيك بالأمر ؟؟.



تتأكد حنان أن زيارة اليوم زيارة غير عادية ، و من كلمات حسام تعرف أن زائرات اليوم جئن حتى يرينها و يخطبنها ، و تأكدت من كلمات فرح الصغيرة و عمتها أم عماد أن عمتها تخطبها لابنها عماد .



حنان :- رأيي في ماذا ؟.

حسام :- في زيارة اليوم و أسبابها .

حنان :- لم أفهم ، و لا تدخلني متاهة التفكير و التحليل و الاستنتاج ، أخبرني بكل وضوح ما تريد أن تخبرني .

حسام :- أنت في سن الزواج ، و كما تعلمين كل فتاة في هذا السن تدق باب منزلها و تزورهن النسوة حتى يرينها ، و يقررن إن كانت مناسبة لهن أم لا ، فإن أعجبن بها كانت هذه الخطوة الأولى نحو العرس ، و إن لم تعجبهن غادرن المنزل و بقيت المسألة مسألة نصيب من عند الله .

حنان :- و ما دخلي في هذا الأمر ؟، لم أفهم بعد .

حسام :- زائرات اليوم جئن حتى يخطبنك ، فما رأيك فيما قلت ، موافقة أم ماذا ؟؟.



تأكدت شكوك حنان ، هاهو حسام يقول كلماته لها مؤكدا شكوكها ، عماد أرسل اليوم أمه ليخطبها تلبية لرغبة والدها ، أو مهما كان الأمر ، فلن ترفض الأمر ، و توافق لكن بعد تفكير .



حسام :- ما بك ؟، أخبريني رأيك .

حنان :- لا رأي لي الآن ، دعني أفكر في الأمر .

حسام :- فكري في الأمر لكن لا تطيلي التفكير .

حنان :- هل أمي موافقة ؟.

حسام :- لا يهم رأي أمي أو حتى رأي أنا ، القرار قرارك ، سواء كنت موافقة أم لا ، فهذه حياتك أنت وحدك و لا أحد سيجبرك على فعل شيء لا تريدينه .



انتهى الحوار بينهما ، و اتفقا على أن يترك لها متسع من الوقت للتفكير قبل أن تعلمهم بقرارها ، خرج حسام من غرفة الضيوف ليترك حنان وحيدة تفكر في صمت .



تقول في نفسها:-

ها قد تأكدت شكوكي ، و ما زيارة اليوم إلا لتخطبني عمتي لابنها ، لكن لماذا ؟، هل القرار قرار عماد ، أم قرار عمتي ؟ ، ربما كان رغبة والدي رحمه الله ، هل يعلم عماد بمرضي و طبيعته أم لا يعلم ؟، أسئلة كثيرة يجب أن أعرف جوابها قبل أن أتخذ قراري النهائي .



تخرج حنان من غرفة الضيوف لتذهب للنوم فالوقت متأخر ، لكنها تمر بغرفة المعيشة لتتمنى للجميع ليلة سعيدة ، فتجد الصغيرة فرح قد نامت على الأريكة ، أما حسام و أمها مازالا ساهرين .



حنان :- تصبحون على خير .

الأم :- و أنت من أهل الخير .

حسام :- ذاهبة لتنامي ؟.

حنان :- نعم ، الوقت متأخر .

الأم :- فرح نامت هنا لأنها لا ترغب في النوم وحيدة في غرفتكما .

حنان :- هي تخاف النوم وحيدة ، سأحملها و آخذها معي لتنام .

حسام :- و كيف ستحملينها و تصعدين بها درجات السلم ؟، سأحملها عنك .



يحمل حسام الصغيرة فرح و يصعد بها درجات السلم ، تصعد خلفه حنان قد حملت وسادة فرح و غطائها التي كانت تنام بهما في غرفة المعيشة .



حسام :- فكرتِ في الأمر ؟.

حنان :- أي أمر ؟.

حسام :- نسيتِ بسرعة ؟، الأمر الذي أخبرتكِ به قبل قليل .

حنان:- فكرت و ما زلت أفكر .

حسام :- فكري لكن بسرعة .

حنان :- سأعلمك بقراري قريباً إن شاء الله.

حسام :- سأكون في الانتظار .



أوصل حسام فرح إلى سريرها ، و نامت حنان بجوارها ، و قام بتغطيتهما معاً ، و طبع قبلة على جبين الصغيرة فرح في صمت ، أما قبلة حنان كانت مصحوبة بهمسة قال فيها .

حسام :- في انتظار معرفة قرارك مهما كان ، و أعلمي أن هذه حياتك و لن يجبرك أحد على فعل ما لا تريدين ، تصبحين على خير .



خرج حسام من الغرفة و أطفأ الأنوار ورائه و ترك حنان تفكر فيما قال .



بقيت تفكر مطولاً و لم تستطع النوم ، حتى سمعت أذان الفجر يعلو معلناً عن بداية يوم آخر ، فقالت في نفسها .



(آه يا حسام ، لماذا أخبرتني بالأمر اليوم ؟ ، ألم يكن من الممكن أن تنتظر حتى الصباح ، حرمتني النوم من كثرة التفكير ، سأصلي الفجر و أدعوا الله أن يلهمني الجواب لسؤالك بما فيه خير لي و لكم ).





يتبع...





32



أخذت حنان الوقت الكافي للتفكير ، اليوم تعلم الجميع بقرارها ، ها هي في غرفة المعيشة تجتمع بحسام و أمها ، تخبرهم بقرارها النهائي بعد تفكير طويل .



حنان :- سألني حسام قبل فترة سؤالاً ، و اليوم سأجيبكم بما عندي .

حسام :- أخيراً سأعلم بجوابك ، لكن كما قلت لك ، هذه حياتك و القرار لك وحدك .

حنان :- أريد أن أعلم رأيك يا أمي أولاً ، هل أنت موافقة يا أمي ؟.

الأم :- لا يهم رأيي يا ابنتي ، فرأيك هو المهم هنا ، و كما قال حسام هذه حياتك أنت و القرار لك أنت وحدك .

حنان :- لا ، يجب أن أعلم رأيكم جميعاً .

الأم :- لا مانع عندي من إتمام الأمر ، بل الأمر يفرحني لأن والدك رحمه الله كان موافقا عليه .

حنان :- و أنت يا حسام ، ما رأيك ؟.

حسام :- موافق و لا مانع عندي ، هو رجل من أحسن الرجال ، و سأطمئن عليك ما دمت معه .

حنان :- قبل إعلامكم رأي ، أريد أن أعلم أمراً آخر .

الأم :- تفضلي و اسألي .

حنان :- هل كانت هذه رغبة أبي ، أم رغبة عمتي ، أم رغبة عماد ؟.



يستغرب كل من حسام و أمها سؤالها ، و يسألها حسام .



حسام :- و ما علاقة عماد في الأمر ؟.



شكت حنان من سؤاله أنها أخطأت في فهم أمر ما ، فتجيبه بسؤال على سؤاله .



حنان :- ألم تأتي عمتي أم عماد قبل فترة لتخطبني لولدها عماد ؟.



يضحك حسام من الأمر ، و تبتسم والدتها ، لكن حنان لم تفهم شيء .



حنان :- ما بكم ؟، بما أخطأت ؟ ، أفهماني .

حسام :- آسف أنا المخطئ .

حنان :- و فيما أخطأت ؟.

حسام :- عندما سألتك عن رأيك في زيارة ذاك اليوم ، كنت أسألك عن رأيك في الارتباط ، لكني لم أقل لك من تقدم لخطبتك ، و أنت من فهم أن عماد هو المعني بالأمر .

حنان :- إذن من يكون ؟.

الأم :- تذكري من كان في الزيارة .

حنان :- كانت عمتي و خالتي و السيدة نجاح و إيمان .

الأم :- عمتك أم عماد لم تكن هي خاطبتك ، و خالتك أم البنات ، إذن من جاءت لخطبتك؟.



تفكر حنان قليلاً ، ويحمر وجهها خجلاً ، أنيسها هو من أرسل أمه ليخطبها ، لكنها لم تشأ أن تقع في الخطأ نفسه مرتين ، أرادت أن تتأكد مما علمت فسألت .



حنان :- أمان ، هو من تقدم لخطبتي ؟.

حسام :- نعم ، أمان ابن الدكتور خالد كمال.

الأم :- ها قد علمت بالأمر ، نرغب في أن نعرف رأيك فيه .



ترتبك حنان و لا تعرف ماذا تفعل ، قد كانت تفكر كل الوقت في عماد ، كانت تفكر بعقلها ، لكن الأمر اختلف مع أمان ، احمرّ وجهها و عقد لسانها و ما كان منها إلاّ أن خرجت من الغرفة لتصعد درجات السلم بسرعة و تدخل غرفتها و قلبها يدق بقوة كأنه عصفور صغير مسجون في قفص يرفرف بكل قوته ليخرج منه .



يسأل حسام والدته عما جرى .



حسام :- ما بالها ؟، لماذا هربت هكذا ؟.

الأم :- إنه الحياء يا ولدي .

حسام :- لم تعلمنا بجوابها بعد .

الأم :- جوابها واضح كوضوح الشمس في يوم صيفي مشرق .

حسام :- لم أفهم .

الأم :- ما صمتها إلا من حيائها ، و ما حيائها إلا لأنها موافقة .



يقف حسام و يريد أن يتبع حنان و يفهم منها جوابها ، لكن والدته تمنعه .



الأم :- لما وقوفك؟.

حسام :- سأذهب لحنان و أسألها و أعرف جوابها .

الأم :- هي موافقة يا ولدي .

حسام :- أريد أن أتأكد ، و لن أترك الأمر لما نعتقد .

الأم :- اجلس هنا و سأذهب إليها و أخاطبها .



حنان في غرفتها ، مازالت لا تعرف ماذا جرى و كيف يجري ، أنيسها تقدم لخطبتها ، ربما ما كانت تقوله نور صحيح ، ربما كانت تحبه و يحبها ، لهذا عقد لسانها و كانت هذه ردة فعلها حين علمت بالأمر .



دقات خفيفة على باب غرفتها تعيدها من الدنيا التي كانت فيها .



الأم :- حنان ، أيمكنني الدخول ؟.

حنان :- نعم تفضلي .



تدخل الأم الغرفة و تجلس بجوار حنان على سريرها و تخاطبها .



الأم :- ما بال طفلتي الصغيرة ؟ ، هربت قبل أن تجيبنا على سؤالنا .



احمرّ وجه حنان خجلاً و استقرت عيناها في الأرض و صمتت .



الأم :- تشعرين بالخجل و الحياء ، أليس كذلك ؟.



تهز حنان رأسها في حركة تؤكد قول والدتها .



الأم :- لكن يجب أن أعلم جوابا لسؤالنا ، حتى أُعلم السيدة نجاح بالأمر .

حنان :- افعلوا ما ترونه مناسباً .

الأم :- لا ، لن نفعل شيء حتى نعلم بجوابك .

حنان :- ما دمت موافقة و حسام مواقف ، و كان أبي رحمه الله موافقاً ....



قبل أن تنهي حنان كلماتها قاطعتها والدتها .



الأم :- لا يهم قرارنا ، لأن القرار لك وحدك ، أنت من يجب أن يوافق أو لا يوافق ، و لا تتأثري بقرار أحد .



حنان :- قراري كقراركم .

الأم :- أفهم من هذا أنك موافقة ؟.



تهز حنان رأسها موافقة .



الأم :- إذن أسمعيني إيّاها و قولي موافقة أن أتزوج أمان على سنة الله و رسوله .



تقول كلماتها في صوت خافت خجول ، لكنه مسموع .



حنان :- موافقة أن أتزوج أمان على سنة الله و رسوله .



تحتضنها والدتها بفرح و تطبع قبلة على جبينها و تبارك لها .



يفتح حسام الباب و يقول بصوت ممازح .



حسام :- لم أسمع صوت زغروتة تعلن عن بداية الفرح ، فأين هي ؟.



زغرتت الأم تلبية لطلب ولدها .





يتبع ...


33



مر الوقت بسرعة ، و لم تشعر حنان بمروره ، وجدت نفسها في بيت تدخله لأول مرة و قد صار بيتها ، في هذا البيت ستعيش مع أنيسها باقي أيام حياتها ، ها هي تقف في غرفة أصبحت غرفتها ، ترتدي ثوب أبيض مزين بحبات من الكريسال الصافية التي تعكس ألوان قوس قزح كلما مر الضوء من خلالها ، و في حركتها كانت تجر ذيل فستانها على الأرض ، زينت وجهها بعضاً من مساحيق التجميل ، تزينت بطقم من الذهب الأبيض، رفعت شعرها بتسريحة العرائس ، وضعت تاجاً صغيراً على رأسها و تدلت الطرحة على كتفيها ، أمسكت في يدها باقة من الورود الطبيعية البيضاء الشبه متفتحة ، كانت تتأمل نفسها في المرآة و تنتظر قدوم أنيسها .



في انتظارها تتذكر والدها الذي أحبته ، و طالما رغبت و تمنت أن يكون معها اليوم ، و يبارك زواجها ، لكن أمر الله كان نافذا ، تترقرق الدمعة في عينها و تتذكر كلمات أمها عندما احتضنتها مودعة قبل مغادرتها صالة العرس ، عندما قاربت دموعها على أن تخرج من محجر عيناها .



الأم :- لا تبكي يا ابنتي ، اليوم فرح لا حزن .

حنان :- تذكرت أبي ، تمنيت أن يكون معي .

الأم :- كلنا معك ، و هو أيضا ، لا بد أنه سعيد بك اليوم ، و يبارك لك زواجك من أمان .

حنان :- رغبت أن يوصلني إلى منزلي الجديد ، إلى منزل زوجي ، كما يفعل كل الآباء لبناتهن .

الأم :- سيوصلك حسام ، و يكون مكان والدك ، الآن لا تبكي و لا تحزني و افرحي فاليوم عرس .





على طاولة الزينة وضعت الصندوق الصغير الذي أهداه لها حسام ، كان في داخله خاتمها المسحور ، تذكرت الحوار الذي دار بينهما قبل قليل عندما أعطاه لها .



حنان :- ما هذا ؟.

حسام :- افتحيها و ستعرفين .



تفتح الصندوق و تقول في تعجب مما رأت داخله .



حنان :- هذا الخاتم المسحور! .

حسام :- نعم خاتمك المسحور ، لم أعد مالكه ، و اليوم سيكون ملكاً لغيري ، كان الله في عون أمان الذي لا يعلم بسحر الخاتم بعد .





و على طاولة صغيرة بالقرب من السرير وضعت وردة بيضاء صغيرة ، أعطتها لها فرح عندما كانت في الصالة التي أقيم فيها العرس.



اليوم ارتدت فرح الصغيرة ثوبا ناصع البياض ، مزين بورود مصنوعة يدويا مرشوشة بالبهارج اللامعة ، و قد وضعت على رأسها إكليلاً من الورود الصناعية البيضاء الصغيرة ، نزعت إحداها و أعطتها لحنان و قالت لها .



فرح :- حنان خذي مني هذه الوردة و دعيها تنام معك ، و سآخذ وردة من باقتك حتى تنام معي اليوم في غرفتي .



ضحكت حنان من كلمات الصغيرة فرح ، و أعطتها الوردة التي اختارتها .





يمر الوقت و لم يأتي أمان بعد ، تذكرت ما جرى قبل قليل في صالة العرس ، عندما أتتها إيمان و أخبرتها أن أمان سيتأخر ، و يعتذر لكونه لا يستطيع الوصول في الوقت المحدد لصالة العرس ليأخذها لبيتهم ، و قد طلب من حسام مسبقا أن يقوم هو بالمهمة ، و يبقى معها في المنزل حتى قدوم أنيسها .



حسام أوصلها لمنزلها كما طلب منه ، و عند تأخر أمان وجب أن يغادر حتى يعود بأمه و أخته فرح للمنزل من صالة العرس .



الوقت تأخر ، و حنان وحيدة في المنزل ، وحتى يمر الوقت بدأت تتجول في منزلها ، تكتشفه و ترى كل غرفه .



في غرفة الاستقبال رأت عدداً من الهدايا موضوعة على الطاولة ، اختارت إحداها و فتحتها ، وجدت أنها شمعدان فضي و مجموعة شموع عطرية ، و معه بطاقة صغيرة كتب فيها .



( لم أعرف ماذا أهديك ، فاخترت أن أهديتك شمعدان و شموع ، حتى تكوني كالشمعة تنيرين بيتك و حياة أمان ................... المخلصة دوماً نور )



ابتسمت و قالت في صوت هامس .



حنان :- لك من اسمك نصيب ، نور تنير دربي ، و هديتني شموعاً أنير بها حياتي .



حملت الشمعدان و وضعته على طاولة قريبة منها .



خرجت من غرفة الإستقبال لتكمل باقي جولتها ، وجدت غرفة مغلقة ، و مفتاحها معلق في بابها ، فتحتها و لم تجد بها شيء ، غرفة خالية من أي أثاث .



تتذكر كيف كان الاتصال الذي وصف فيه أمان منزلهما .



أمان :- اشتريت منزلاً جميلاً.

حنان :- مبارك لنا .

أمان :- لكنه بعيد عن منزل أسرتي ، و صغير بالمقارنة بمنزل أسرتك .

حنان :- نعم .

أمان :- هناك حديقة صغيرة أمام المنزل ، سأزرع فيها شجرة ليمون .

حنان :- نعم .

أمان :- ستكون الشجرة صغيرة ، سنسقيها معاً ، و ستكبر إن شاء الله .

حنان :- نعم .

أمان :- لا أرغب في تأثيث كامل المنزل .



لكن حنان لم تجب ، فسأل أمان .



أمان :- أين نعم هذه المرة ؟.

حنان :- لا أعلم .



ضحك الاثنان من جوابها ، و أكمل أمان حديثه .



أمان :- سأقوم تأتيت الضروري الآن ، فما رأيك ؟.

حنان :- هذا جيد ، فأجمل شيء أن نشترك معاً في تأثيث المنزل ، لأنه عشنا الصغير ، معاً سنختار و نشتري ما ينقصنا ، بهذا تكون لكل قطعة في المنزل ذكرى لنا .

أمان :- منزلنا صغير أربع غرف فقط و بطابق واحد .

حنان :- سيكون في عيوني قصراً ما دمت معك .





نظرت إلى الساعة بقلق ، فأمان تأخر ، بحثت عن هاتفها لكنها لم تجده ، قالت في نفسها (ربما نسيته في مكان ما ).



بحثت عن هاتف في المنزل حتى تتصل به ، لكنها لم تجد .



دخلت المطبخ ، وجدته صغيراً ، و على طاولته وجدت علبة شكلاتة من النوع الذي تحب ، فتحتها و أخذت حبة منها ، و أكلتها .



خرجت من المطبخ و دخلت غرفة المعيشة كانت تنظر في كل مرة للساعة بقلق ، تقف على مقربة من النافذة ، و تزيح الستار و ترى من خلالها ، رأت شجرة حمضيات صغيرة مزروعة في حديقة المنزل الأمامية ، إبتسمت ، لكن إبتسامتها كانت في قلق لأنها تشغل بالها بالتفكير في سبب تأخر أمان ، و تدعو الله أن يسلمه من كل شر .





يومها كان طويلاً و متعباً ، عادت لغرفة النوم و اتكأت على السرير حتى ترتاح ، فسرقها النوم و هي تفكر في أمان و تتذكر كل الذكريات الماضية الجميلة معه ، تمنت أن يكون القادم أجمل ، نامت و بدأت في الأحلام ، أحلام وردية بلون أزهار الربيع ، تسمع زقزقة العصافير ، ترفرف من حولها الطيور و الفراشات كل منهم يطير في أجواز ، و كأنهم أحبة في عالم الأحلام ، تسير في حقل واسع مليء بالورود ، و في سيرها وجدت أمان ، يقف مبتسماً ماداً يده لها طالباً منها أن تشاركه المسير ، فمدت يدها ملبية طلبه ، لكن قبل أن تتلامس رؤوس أصابعهما معاً ، لُبِدّت السماء بالسحب ، و غابت الشمس ، صمتت العصافير و اختفت الفراشات ، التفتت حولها لتجد نفسها واقفة في سواد حالك إلا من شعاع ضوء مصدره السماء مسلطة نحوها ، تنادي أمان و تستنجد به ، لكنها لا تراه ، تسمع صوته لكنها لا تراه ، يناديها ، حنان ، حنان ، حنان .



فتحت عيونها فَزِعَة ، فرأت أن أنيسها وصل ، و كان يناديها بحنان ، و يجلس على مقربة منها ، و يتأملها و هي نائمة بحلتها البيضاء ، ابتسمت في حياء و سألته .



حنان :- هناك سؤال يحيرني .

أمان :- ما هو ؟ .

حنان :- أتذكر يوم استيقظت في المستشفى و رأيتك أمامي هكذا ؟.

أمان :- نعم ، أتذكره و لم أنساه أبداً.

حنان :- أخبرني ماذا رأيت ؟ .

أمان :- ما رأيته يومها أراه الآن أمامي .

حنان :- و ماذا رأيت؟.

أمان :- أميرة في حله بيضاء.





يتبع ...











نهاية الجزء الخامس








34 ( 6 )





صوت إزاحة ستائر النافذة ، و نور ساطع يدخل الغرفة ، و رائحة القهوة العربية تعبق في المكان ، صوت صادر من خارج الغرفة لأغنية أم كلثوم ( إنت عمري ) ، كل هذا يطرد الرغبة في النوم ، يصحوا أمان من نومه ليجد عروسه قد أعدّت وجبة الإفطار ، و وضعتها على طاولة بالقرب من السرير ، و بابتسامة عذبة مشرقة تصبّح على زوجها .



حنان :- صباح السعادة ، و الحب .

أمان :- صباح الحنان و الأمان ، ما هذا ؟.

حنان :- هذا فطورك ، أحببت أن تفطر اليوم هنا .

أمان :- كم الساعة الآن ؟.

حنان :- العاشرة إلا ربع .



ينهض أمان من مكانه و يذهب للحمام وفي طريقه يخبر حنان أن تجهز نفسها و حقيبتها للسفر .



أمان :- جهزي حقيبتك .

حنان :- أي حقيبة ؟، و لماذا ؟.

أمان :- حقيبة لنسافر بها .

حنان :- إلى أين ؟.

أمان :- إلى حيث التقينا أول مرة .

حنان :- مدينة الجبال ؟.

أمان :- نعم .

حنان :- لكنك لم تخبرني بالأمر سابقاً .

أمان :- الفكرة كانت بالأمس فقط ، و لم أخبرك حتى أمتلك التذاكر .

حنان :- لهذا تأخرت بالأمس ، يا حبيبي ؟.

أمان :- نعم ، صديق لي قام بحجز التذاكر ، و في ليلة الأمس أوصلهم لي .

حنان :- لماذا أتعبت نفسك ؟، لم يكن من داعي لكل هذا .

أمان :- حبيبتي ، هذه هي هديتي لك بمناسبة زواجنا ، سنذهب إلى هناك و أريك كل الأماكن التي أحبها و لن نعود حتى تملي منها .



أعجبتها الفكرة ، و فاجأتها هديته لها ، لكنها تذكرت أسرته و من سيعيلهم في سفره .



حنان :- و عائلتك ، من سيبقى معهم و يهتم بهم ؟.

أمان :- معين سيتكفل بهم .

حنان :- زوج إيمان ؟.

أمان :- نعم ، معين صهرنا العزيز ، هو من سيبقى معهن و يهتم بهن لحين عودتنا .



أمان خارج من الحمام و يضع على كتفيه فوطة يمسح بها رأسه و وجهه .

أرادت حنان أن تتصل بأمها لتعلمها بسفرها ، فسألت أمان أن يعطيها هاتفه .



حنان :- أمان أعرنيِ هاتفك .

أمان :- لماذا ؟.

حنان :- أريد أن أتصل بأمي و أعلمها بسفرنا .

أمان :- اتصلي من هاتف المنزل .

حنان :- أي هاتف؟ ، لم أجد هاتفاً بالأمس .

أمان :- لدينا هاتف ، سأجلبه لك .



غاب لثواني و عاد يحمل في يده علبة بها هاتف جديد ، أخرج منها الهاتف ، و أوصله بالقابس في الحائط ، و صار يعمل .



أمان :- اشتريته متنقلاً كهاتف منزلكم ، و كل المقابس في الحوائط تعمل جيداً ، يمكنك أن تتصلي به من أي غرفة تريدين ، تفضلي جربيه .



أجرت الاتصال و طمأنت والدتها و أهلها ، و عادت لترى ما يفعل أمان .

وجدته جالس على حافة السرير فاتح أمامه حقيبة سوداء صغيرة منشغل بما داخلها ، و قد أدارها عندما دخلت حنان حتى يقابلها غطاء الحقيبة و يمنعها من رؤية ما بداخلها ، اقتربت منه لترى ماذا يفعل ، فأغلق الحقيبة ، و نزع منها المفتاح ، و غير ترتيب أرقامها .



طلب منها أن تكمل تجهيز باقي الحقائب .



أمان :- ضعي المعاطف لا تنسيها .

حنان :- لماذا ؟، نحن في الصيف و الجو حار ، قد لا نحتاجها و تكون فقط حملاً زائداً .

أمان :- سنذهب للجبال ، و نتزلج ، و يجب أن نأخذ المعاطف معنا .

حنان :- لكني لا أعرف كيف أتزلج .

أمان :- لا تقلقي يا حبيبتي سأعلمك .





عرفت حنان أن الرحلة ستكون جداً ممتعة ، كيف لا ، و هي بصحبة أمان ، أنيسها و زوجها الذي تحب .



شاهد أمان العلبة الصغيرة التي وضعتها على طاولة التزيين ، فسألها عنها .



أمان :- ما هذه العلبة و ماذا فيها ؟.

حنان :- هذا الخاتم المسحور .

أمان :- أي خاتم و أي سحر؟.

حنان :- هذا الخاتم المسحور ، كل من يرتديه يصير مسئولاً عن الأميرة .

أمان :- و من قال لك هذا ؟.

حنان :- أبي رحمه الله قال لي هذا .

أمان :- و من ارتدى هذا الخاتم قبلاً ؟ .

حنان :- أبي ، ثم حسام ، أما الآن سيرتديه أمير من هذا الزمان .

أمان :- أمير و أميرة ، عن ماذا تحكين ؟.



خشي أمان على حنان أن تكون جنت من السعادة ، فهذا أول يوم لهما معاَ في بيت واحد بعيد عن عيون حسام ، فماذا تقول و عن أي الأمراء تحكي .



أمان :- أيمكن أن أرى الخاتم ؟.

حنان :- لا .

أمان :- لما لا ؟.

حنان :- لن أريك إياه فقط ، بل سأعطيه لك و يكون ملك لك وحدك ، لتكون الأمير الذي يرتديه و يسحرك بسحره لتكون مسئولاً عن الأميرة .

أمان :- و من تكون أميرتي ؟.

حنان :- ألم أكن بالأمس أميرتك بالحلة البيضاء ؟.



فهم أمان قصة الخاتم و كلمات حنان ، حملت حنان العلبة و أخرجت منها الخاتم ، و مدت يدها لأمان تطلب منه أن يمد يده ، فمد يده ملبيا طلبها و ألبسته الخاتم .







يتبع ...

35





في إحدى غرف الفندق ، بدأت حنان في إخراج أمتعتها من الحقائب ، لكن أمان كان يجري اتصالاً هاتفياً، و يتكلم بلغة أجنبية ، لم تهتم باتصاله ، لأنها لم تفهم منه شيء ، كانت تقول في نفسها ( ربما كان هذا الاتصال اتصال عمل ، و لن أتدخل في عمله ).



اتجهت حنان لحقائب أمان و بدأت في إفراغها ، لم تعرف ما فيها لأنه أعدها مسبقاً ، و لم ترى ما يحمل داخلها ، فتحت الحقائب الكبيرة و أفرغت محتوياتها ، حملت الحقيبة السوداء الصغيرة و وضعتها على السرير ، و قبل أن تفتحها يقطع أمان اتصاله و يمنعها من فتحها .



أمان :- لا يا حنان ، لا تفتحيها .

حنان :- لماذا ؟، سأعلق الملابس في الخزانة حتى لا تبقى مجعدة .

أمان :- هذه لا تحوي ملابس تتجعد ، أتركيها .

حنان :- حسنا أريد أن أعرف ما بها .



يضع أمان سماعة الهاتف من يده و يذهب لحنان ، يحمل الحقيبة بعيداً عنها ، و يقول لها .



أمان :- حبيبتي أتركي أمر الحقيبة لي ، و جهزي نفسك سنقوم بنزهة .

حنان :- الآن ؟.

أمان :- نعم الآن ، و هل سنبقى طول الرحلة في الفندق ؟، يجب أن نخرج و نرى البلاد .



جهزت حنان نفسها و خرجا معاً ، لكنها بقيت تفكر في الحقيبة و ما تحويه ، و لماذا منعها من فتحها .



في الليل بينما كان أمان نائماً ، لم تقوى حنان على النوم ، تفكر في لغز الحقيبة .

قامت من سريرها و بحثت عنها في الغرفة ، لكنها لم تجدها ، لم تشأ أن توقض أمان بصوت بحثها ، فعادت و نامت و بقيت تفكر في الحقيبة و ما بداخلها و أيضاً عن مكان وجودها ؟.





ثلاث أيام و هم في هذه المدينة ، لم يتركوا متحفاً ، أو قلعة ، أو مدينة أثرية لم يزوراها ، حان الآن موعد تغيير المكان ، و الذهاب لمدينة أخرى .



حزمت الحقائب ، لكن حنان لم تجد حقيبة اللغز في غرفتهما ، زادت حيرتها ، و سألت أمان عنها ، فأجابها عن مكانها .



حنان :- حبيبي كل الحقائب موجودة ، لكن حقيبتك السوداء الصغيرة لم أجدها .

أمان :- سأتصل بخدمة الغرف لينزلوا الحقائب من الغرفة .

حنان :- قلت لك تنقص حقيبة .

أمان :- أعرف يا حبيبتي .

حنان :- أين هي ؟.

أمان :- في الفندق ، في قسم الأمانات ، سآخذها عندما نغادر .



تتعجب حنان من كلمات أمان ، لماذا وضعها في الأمانات ، و ماذا يوجد داخلها ؟.



وصلا إلى الجبال ، و الثلج كان يغطى المكان ، بين الحين و الآخر ترى متزلجاً يرتدي زلاجته و ينحدر على الثلج بمهارة ، فرحت و قالت له .



حنان :- هل تتزلج مثلهم ؟.

أمان :- نعم .

حنان :- أيمكنني أن أجرب أيضا ؟.

أمان :- نعم ، ستجربين و أعلمك ، و ربما أصحبت مثلهم أو أبرع منهم .



في غرفة الفندق ، طلب أمان من حنان أن ترتاح ، و أن تفرغ الحقائب ، و استأذنها بعض الوقت ليؤدي عملاً ما ، بحثت حنان عن الحقيبة السوداء الصغيرة لكنها لم تجدها ، زادت حيرتها ، في ما تحويه الحقيبة من أمر سرّي لا يريدها أن تعلمه .



...........................



مساءا و في مطعم الفندق ،على مائدة العشاء يجتمع الحبيبان معاً ، و ضوء الشموع الخافت ينير المكان ، صوت معزوفة كلاسيكية هادئة تعزف على البيانو .



أمان :- ما رأيك في التزلج على الثلج ؟.

حنان :- جداً ممتع ، لكني سقط مرات عديدة قبل أن أعرف كيف أقف بالزلاجات .

أمان :- لا يهم إن وقعت أم لا ، المهم أن تتعلمي من وقعاتك ، و تسيري في نهاية الأمر .

حنان :- ربما غداً سأسير جيداً إن شاء الله .

أمان :- ربما لن تكون هناك فرصة لتتزلجي غداً .

حنان :- لماذا ؟.



يسكت أمان ، و يترك السكين من يمناه ، و يمسك بيسرى حنان على الطاولة ، و يحاول أن يخبرها بالأمر بطريقة تتقبلها .



أمان :- حبيبتي علمت أن في هذه المدينة مستشفى .

حنان :- و إن كان هناك مستشفى ؟.

أمان :- حناني لا تستعجلي ، اتركيني أنهي كلماتي أولاً .

حنان :- حسنا ، تفضل أنهيها .

أمان :- في هذه المدينة مستشفى ، و بها أبرع الأطباء و أكثرهم خبرة في طب القلوب ، لماذا لا نستغل فرصة وجودنا هنا ، و يطمئن كل منا على الآخر؟ ، سنجري معاً كشفاً ما دمنا هنا .



تسحب يدها من على الطاولة بسرعة ، و تفلتها من يده .



حنان :- جئت بي إلى هنا فقط لتدخلني المستشفى ؟ .

أمان :- لا ، لا تفكري يا حبيبتي في هذا الأمر .

حنان :- إذن لماذا ؟.

أمان :- كما قلت لك ، هي نزهة فقط ، إن رغبت في الأمر أجرينا الكشوفات معاً ، و إن لم ترغبي نسينا الأمر .

حنان :- معاً ؟؟.

أمان :- نعم معاً ، نجري كشف الأحبة ، أرغب في أن أطمئن على صحتي ، و على صحة قلبي ، أشعر أنه صار عليلاً بحبك .



تبتسم حنان و يحمر وجهها خجلاً ، و توافق على أن تجري الكشوفات اللازمة ، بشريطة أن يجرياها معاً كما قال لها ( كشف أحبة ) .



أجريا كل الكشوفات اللازمة ، و اطمأن كل منهما على الآخر .

و غادرا المدينة بعد أن تعلمت حنان كيف تقف بزلاجات التزلج على الثلج، و تتزلج بضع أمتار بهما .





يتبع ...



36





اتصال في الصباح الباكر يوقظ حنان من نومها ، تخرج من غرفة النوم ذاهبة لغرفة المعيشة حتى تجيب على الهاتف ، تنظر إلى ساعة الحائط المعلقة في الممر فتجد عقاربها تشير إلى الساعة السابعة و النصف صباحاً ، ترفع سماعة الهاتف تتكلم بصوت ناعس و بعقل يفكر في المتصل و سبب اتصاله .



حنان :- السلام عليكم .

أماني :- عليكم السلام ، صباح الخير .

حنان :- صباح النور .

أماني :- آسفة لاتصالي في هذا الوقت الباكر ، لكن سيارة آمنة قد توقفت و لا يوجد من يقلني للجامعة ، هل تخبرين أمان بالأمر حتى يوصلني ؟.

حنان :- حسناً ، متى تبدأ أول محاضراتك ؟.

أماني :- الساعة الثامنة ، و يمكن أن أدخلها حتى الثامنة و الربع .

حنان :- إن شاء الله يكون أمان عندك قبل بداية المحاضرة .

أماني :- مع السلامة .



تعود حنان لغرفة النوم و توقظ أمان و تخبره بما يجري .



حنان :- أمان صباح الخير .

أمان :- صباح النور ، كم الساعة ؟.

حنان :- الساعة السابعة و النصف .

أمان :- اليوم إجازة ، لماذا توقظيني باكراً ؟ .

حنان :- اتصلت أماني ، و تقول إن سيارة آمنة قد توقفت مرة أخرى ، و تريدك أن توصلها للجامعة .

أمان :- توقفت مرة أخرى ، هذه رابع مرة تتوقف فيها هذا الشهر .

حنان :- بسرعة يجب أن تذهب ، فمحاضرتها تبدأ الساعة الثامنة .



بسرعة يرتدي أمان معطفه بعد أن غسل وجهه ، و حمل مفاتيح سيارته مغادراً منزله ، لكن حنان أوقفته لبرهة حتى يشرب كوب ماء ، فالجو بارد جداً بالخارج ، و هو كان نائما في سريره الدافئ .



عاد أمان لمنزله ، و دخل سريره ، و سحب بطانيته السميكة عليه .



حنان :- حبيبي ، عائد للنوم ؟.

أمان :- يا حناني ، اليوم عطلة ، أرغب في الكسل اليوم ، أريد أن أنام .

حنان :- متى ترغب أن أوقظك ؟.

أمان :- لا توقظيني ، فقط أرغب في النوم و عندما أشبع سأنهض وحدي .

حنان :- لك ذلك ، أحلاماً سعيدة .



تغادر حنان الغرفة و تغلق الأضواء و الباب ورائها ، كانت تفكر في حال أمان ، بالأمس عاد للمنزل في ساعات الفجر الأولى ، و لم يرتح في نومه ، و اتصال أماني أيقظه ، أمان تعب جداً ،بعد أن صار له بيته الخاص ، فهو لم يعفى في العناية بأخواته و أمه ، و ما زاد تعبه بعده عنهن ، لأنه معيلهن الوحيد ، يجب أن يكون بجوارهن كلما احتجن إليه ، لكن المسافة طويلة تفصل بين البيتين ، و هذا يتعبه .



ستة أشهر على هذا الحال ، منذ زواجهما و هو لا يستطيع أن يرتاح ، لا يستطيع أن يوفق بين بيته و عائلته و راحته .



فكرت كثيراً في حل لمشكلته ، لكنها لم تجد ، دعت الله أن يساعده و أن يريحه من هذا التعب ، وكّلت أمرها لله و أيقنت أنه معينها في حل مشكلتها .



بينما كانت حنان تعد وجبة الغذاء رن هاتفها النقال لتجد أن المتصلة أماني .



حنان :- السلام عليكم .

أماني :- و عليك السلام .

حنان :- هل أنهيت محاضراتك ؟.

أماني :- نعم أنهيت محاضراتي و أنتظر أمان ، لكنه لم يأتِ بعد ، أتصل به على هاتفه النقال لكنه لا يجيب .

حنان :- سأكلمه و يكون عندك بعد قليل إن شاء الله، لكن سيأتي بك إلى هنا ، لأننا ندعوك للغذاء معنا اليوم .

أماني :- سألبي دعوتكم إن شاء الله ، المهم أن يأتيني أمان بسرعة .



تخرج حنان من المطبخ لتوقظ أمان ، فتجده واقفاً بالقرب من باب المطبخ يتتائب بعمق و يحك رأسه بقوة مكسباً شعره منظراً غير مرتب ، فتمازحه حنان بكلماتها و هي تضحك .



حنان :- مساء الخير .

أمان :- مساء النور ، نمت طويلاً و نسيت أماني في الجامعة .

حنان :- اتصلت بي و قالت أنها في انتظارك .

أمان :- سأذهب إليها بعد أن أجهز نفسي .

حنان :- فعلاً يجب أن تجهز نفسك ، فبشعر كهذا لن تعرفك .

أمان :- من يراك تضحكين على شعري اليوم لا يقول هي ذاتها التي أحبته في ما مضى .

حنان :- كان شعرك قصيراً مرتباً جميلاً ، و ليس بهذا الشكل .

أمان :- لم تعودي تحبين هذا الشعر ؟.

حنان :- شتة أشهر مرّت على زواجنا و مازلت أحب صاحب الشعر المنفوش .

أمان :- الحمد لله أن صاحب الشعر المنفوش مازال محبوباً .

حنان :- اذهب يا صاحب الشعر المنفوش و استحم و سأعد لك ثيابك .



على مائدة الغذاء كان أمان و حنان و ضيفتهم أماني ، يتبادلون الحديث بما جرى اليوم ، و يبحثون عن حلٍ للمشكلة .



حنان :- كيف كان يومك يا أماني ؟.

أماني :- الحمد لله ، لكني فوت المحاضرة الأولى .

حنان :- لماذا ؟.

أمان :- تأخرت في إيصالها ، فالطريق كان مزدحم .

حنان :- محاضرة مهمة ؟.

أماني :- لا ليست مهمة جداً .

أمان :- طول المسافة بين بيتينا مشكلة .

حنان :- نعم مشكلة متعبة بالنسبة لك .



تتذكر أماني أمراً و تخبرهم به .



أماني :- ماذا لو سكنتم معنا في العمارة؟ .

أمان :- لا ، أريد لحنان بيتا خاصا بها وحدها .

حنان :- أمان ، حبيبي ، ليست مشكلة أبداً ، شقتكم لا بأس بها و يمكنها أن تحتوينا جميعاً ، إن كان هذا يريحك .

أماني :- ليس هذا ما عنيته .

أمان :- ماذا تعنين ؟.

أماني :- في الفترة الماضية ، جارنا في الشقة المجاورة لشقتنا ، أبلغنا أنه يريد ترك شقته ، و بيعها ، و قال أنه يحب أن يعلمك أنت بالأمر أولا ، و يعرضها عليك ، إن لم ترغب في شرائها باعها لغيرك .

أمان :- و متى كان هذا ؟.

أماني :- قبل يومين أو ثلاثة .

حنان :- هذا جيد جداً ، حل مناسب لنا جميعاً .

أمان :- حنان ، أنت موافقة أن ننتقل للسكن فيها ؟.

حنان :- نعم ، و بكل فرح و سرور ، مادام هذا الأمر يريحك.

أماني :- لكن الشقة أصغر من منزلكم .

حنان :- لا يهمني إن كانت صغيرة أم كبيرة ، المهم أن أكون مع أمان أينما ما كان.

أمان :- لكن لن نسكن فور شرائها ، يجب أن أعيد طلائها و صيانتها .

حنان :- ليست مشكلة ، توكل على الله ، و سيكون معك .

أمان :- إن شاء الله .


يتبع ...


37





صوت باب الشقة قد فتح ، و حنان في المطبخ تضع لمساتها الأخيرة على وجبة الغداء .



أمان :- السلام عليكم .

حنان :- و عليك السلام .

أمان :- أشم رائحة شهية منبعثة من المطبخ .

حنان :- دقائق و يكون الغداء جاهز إن شاء الله.



يدخل أمان المطبخ و قد جذبته رائحة طبخ حنان .

يقف بالقرب من حنان و يراقبها و هي تقطع حبات الخيار لحلقات حتى تصنع منها طبق سلطة ، تعلم أنه يعشق الخيار ، فتطعمه بيدها حلقة خيار بكل حنان .



حنان :- عادت أمنية و أماني للمنزل ؟.

أمان :- نعم عدت بهن الآن من الجامعة .

حنان :- أ يمكن أن تدعوهن للغداء معنى ؟.

أمان :- لماذا ؟.

حنان :- جاء معين و أخذ أمك و آمنة إلى إيمان في المستشفى ، و لا أحد في المنزل ليجهز الغداء .

أمان :- نعم ، سأدعوهن الآن .



يحمل أمان في يده هاتفه و يبدأ في طلب الرقم .



حنان :- بمن تتصل ؟.

أمان :- بأمنية و أماني .

حنان :- ألا تستطيع الذهاب لهن ؟؟.

أمان :- أشعر بالتعب و الجوع .

حنان :- من يسمعك يقول أنهن في آخر الدنيا ، و لسن في الشقة الملاصقة لشقتنا .

أمان :- لماذا أتعب نفسي مادام الهاتف موجوداً ؟.

حنان :- ستكون الدعوى أجمل لو كانت منك مباشرة ، اذهب إليهن و أدعوهن للغذاء ، لا بد أنهم جائعات .



ذهب أمان كما طلبت حنان ، و دعا أخواته للغداء معهم .

لبّت الأختان الدعوة ، و أثناء تناول الطعام رن هاتف أمان .



أمان :- السلام عليكم ......... كيف حال إيمان ؟.......



يبتسم أمان في فرح ، و ينقل ما سمعه لمن تجلسن معه .



أمان :- إيمان وضعت مولودها .

حنان :- الحمد لله ، و كيف حالها ؟.

أمنية و أماني :- صرنا خالات !!!.

أمان :- الحمد لله .



يعود أمان و يخاطب المتصلة .



أمان :- كيف حالها الآن ، و حال المولود ؟..........سآتيكم الآن ، أتريدون شيئا من هنا؟..........قادم في طريقي إليكم .



ينتهي الاتصال و يحمد أمان الله على كل شيء .



أماني :- لكن ماذا أنجبت ؟ طفلاً أو طفلة ؟.

أمان :- لا أعلم ، لم تخبرني آمنة .

حنان :- لا يهم إن أنجبت طفلاً أو طفلة ، المهم أنهما في صحة جيدة .

أماني :- أمان اذهب و أخبرنا ، نحن ننتظر .



غادر أمان و أخذ معه وجبة غداء لمن في المستشفى .



الأختان سعيدتان بالأمر ، و كل منهن تمزح مع الأخرى و تقول لها صرت خالة ، كانت فرحتهما كبيرة ، لكن حنان فرحتها كانت ناقصة ، كانت تراهما يرقصن فرحاً و تقول في نفسها .

( ماذا إن كنت مكان إيمان ؟، ماذا إن أنجبت طفلاً ؟ ، ستفرح فرح كثيراً به ، ربما رقصت كما تفعل أماني و أمنية الآن ، ربما قفزت من الفرح ، ماذا لو كنت مكانها و صارت أخوات أمان عمّات ؟ ، و صار أمان أباً ، كم ستكون فرحتهم بالأمر ؟ ، أتكون نفس فرحتهم هذه أم أكبر منها ؟، ما هو شعور الأم ؟ ).



و بين رغبتها في أن تكون أماً و تسعدهم ، تتذكر مرضها الذي يمنعها من أن تفرحهم ، فهربت دمعة من عينها لتجري على خدها ، و شاهدتها أماني فتوقفت عن الرقص و سألتها .



أماني :- ما بالك يا حنان ؟.

حنان :- لا شيء ، فقط فرحة بسلامة إيمان .

أمنية :- حمداً لله على سلامتها .

أماني :- اليوم صرنا خالات ، و غدا بعون الله سنصير عمات .

أمنية :- نعم ، و يمتلئ منزلنا بالأطفال ، طفل يجري و طفل يضحك ، و آخر يلعب بشقاوة .



تبتسم حنان و تمسح دمعها و تقول لهن .



حنان :- إن شاء الله .



يتبع ...


38





في مَجمَعٍ حضرته حنان تبدأ إيمان الحديث و هي تحمل طفلها الصغير في حضنها و تلاعبه .



إيمان :- كم مرّ على آخر مرة رأيناها فيها يا أمي ؟.

السيدة نجاح :- سنوات طويلة يا ابنتي ، منذ يوم زفافها .

حنان :- عن من تتكلمون ؟.

السيدة نجاح :- جارتنا وعد .

حنان :- ألم تكن مسافرة مع زوجها ؟.

آمنة :- نعم ، كانت مسافرة في بلد بعيد و لم نكن نتوقع قدومها .

حنان :- و لماذا عادت ؟.

آمنة :- انفصلت عن زوجها ، و عادت إلى منزل أسرتها .

حنان :- انفصلت !!!!.

إيمان :- نعم ، فبعد زواج دام سنوات لم يعد كل منهما يستطيع العيش مع الآخر ، لذلك انفصلا بالحسنى .

حنان :- انفصال أم طلاق ؟.

السيدة نجاح :- رسمياً و في حكم القانون لا تعتبر مطلقة .



هذه مفاجأة لم تتوقعها حنان ، عادت وعد من جديد ، أحست حنان بجفاف و حرقة في حلقها ، غادرت غرفة المعيشة سارت إلى المطبخ لتشرب بعض الماء ، كانت تفكر في ردّة فعل أمان عندما يعلم أن حبيبته وعد عادت ، ماذا سيفعل ؟ ، و ما هي ردة فعله ؟ ، و قبل أن تصل إلى المطبخ سمعت أماني و أمنية تتحدثان .



أماني :- أرجو أن لا يعلم أمان بعودة وعد و طلاقها .

أمنية :- لماذا ؟.

أماني :- لا أعرف كم بقى في قلبه منها ، لا أعرف ماذا سيفعل عندما يراها ؟.

أمنية :- هل تعلم حنان بما كان بين أخي و وعد ؟.

أماني :- لا أعلم .

أمنية :- أخشى على حنان إن تصرف أمان تصرفاً خاطئاً معها .

أماني :- أمان رجل عاقل ، لن يتصرف بجنون .

أمنية :- لكنه كان يحبها ، أتذكرين ماذا فعل عندما تزوجت من غيره ؟.

أماني :- هذا كان قبل أن يتزوج حنان .



سمعت حنان كل حديثهما ، و قطعته بدخولها للمطبخ ، فتحت الثلاجة و أخرجت منها قنينة الماء ، ملأت كوباَ و شربته جرعة واحدة علها تزيح جفاف حلقها ، التفتت إليهن لترى أنهن يجهزن شيئا يؤكل ، فعرضت المساعدة .



حنان :- هل تحتاجان لأي مساعدة في المطبخ .

أمنية :- لا ، شكراً .

أماني :- يمكن أن تجلسي و تشاركينا الحديث .

حنان :- عن ماذا كنتما تتحدثان؟.

أمنية :- عن وعد .

حنان :- أليست هذه ابنة الجيران في الطابق الخامس؟.

أمنية :- نعم .

حنان :- أحكيا لي عن شكلها ، عن صفاتها ، كيف هي ؟.

أماني :- لا أعرف كيف هي بعد زواجها ، لكنها كانت كأخت لنا ، فمنزلهم قريب و لم تكن لها أخوات ، لذلك كنا كأخواتها ، و أمان ........



قطعت أمنية كلمات أماني لكي لا تؤدي حنان .



أمنية :- و أمان كان كأخ لها .

حنان :- فقط ؟.

أمنية :- نعم فقط .



ابتسمت حنان و هي تفكر في كل أفراد العائلة ، الكل يخفي عنها حقيقة حب أمان لوعد ، حنان تعلم بهذه القصة القديمة ، لكن هل نسي أمان هذه القصة أم بقى في نفسه شيء منها ؟.



يرن هاتف حنان النقال ، لتجد أن المتصل أمان ، فتجيبه .



أمان :- السلام عليكم .

حنان :- و عليك السلام .

أمان :- أين أنت ؟.

حنان :- في شقة أهلك .

أمان :- جيد ، أدخلي غرفتي ، تجدين حقيبتي السوداء الصغيرة ، و بقربها تجدين مجموعة أوراق ، ضعيها جميعاً في الحقيبة ، دقائق و أكون عندك لآخذها ، مستعجل و لا أريد أن أتأخر ، بسرعة أخرجيها لي ، أقابلك على باب المصعد .

حنان :- حسناً كما تريد .



دخلت حنان غرفة أمان كما طلب منها ، بحثت عن الحقيبة فوجدتها موضوعة على السرير ، هي ذاتها الحقيبة السوداء الصغيرة التي أخذها معه يوم سفرهما ، و لكنها لم تعلم ماذا يخفي داخلها ، ها هي الحقيبة أمامها مفتوحة ، يمكن أن ترى ما تحويه ، لكنها وضعت داخلها الأوراق التي طلبها و منعت نفسها من البحث داخلها احتراما لخصوصيته ، حملتها و عند خروجها ألقت نظرة على المكتبة ، فلم تجد القلب المطرز في مكانه ، بحثت عنه ، فوجدته على الطاولة ، و كأن أحداً كان يجلس على الكرسي و يمسكه بين يديه ، اقتربت منه و جالت بنظرها حوله ، وجدت مناديل ورقية مستعملة و أوراق مبعثرة ، رمت المناديل في سلة القمامة التي بجوارها ، و جمعت الأوراق و رتبتها ، فتسللت من بينها قصاصة ورق ممزقة ، حملتها في يدها ، لترى أنها جزء من صورة قديمة ، لكنها لم تعرف صورة من هي ، بحثت في سلة القمامة لكنها لم تجد شيء إلاّ المناديل الورقية التي رمتها توا فيها ، فتحت درج المكتبة لتضع فيه الأوراق البيضاء التي رتبتها ، فوجدت قصاصات ورق كثيرة تشبه التي رأتها قبل قليل ، رتبت بعضها بجوار بعض ، لتجد أنها تكون صورة لطفلة شقراء ، ذات عيون زرقاء مدورة .

لم تفهم ما يجري ، لكنها شكت أن تكون هذه هي صورة وعد ، خشيت أن تكون آثارها باقية في روح أمان ، سألت عن ما تفعله هذه الصورة الممزقة في هذا المكان ؟، سألت القلب الصغير مَن حرّكه من مكانه ؟ و مَن وضعه على الطاولة ؟، سألته لما ما زال موجود أصلاً ؟، دخلت دوامة الشك و الخوف .



قطع تفكيرها رنين هاتفها ، فأجابت بصوت تخنقه العبرة .



أمان :- أمان كدت أصل ، المصعد معطل ، انزلي بالحقيبة بضع طوابق .

حنان :- حسنا ، تجدني على درجات السلم .



يصعد أمان درجات السلم مسرعاً كان يصعدها ثنائيات و ثلاثيات ، يصل إلى الطابق الخامس ، يجد طفلاً صغيراً يحاول النزول من على السلم ، و من طريقته في النزول علم أنه لم يثقن الطريقة بمفرده بعد ، يحمله كي لا يقع ، و يسأل نفسه من يكون هذا الولد؟ ، فلم يره في السابق هنا ، كان يتأمل وجه الطفل عله يعرف ابن من هو؟ ، يرى عيناه الزرقاء كزرقة البحر ، هو يعرف هاتان العينان لكنه غير متأكد مما يعرف ، سمع صوتا يناديه .



الصوت :- أمان ، تعال هنا .



يلتفت أمان لمصدر الصوت ، يعرف صاحبته ، و لكنه لم يتوقع أن يراها مرة أخرى ، و أن تكون هنا ، أن تناديه و تقول له تعالى هنا ، إنها هي ، وعد ، هذا صوت وعد تناديه .



وعد تقف على باب شقتهم ، و تكلم أمان .



وعد :- أهلاً أمان ، أيمكن أن تجلب لي أمان الصغير .



تقول كلماتها و هي تشير للطفل الذي يحمله بين ذراعيه .

أمان غير مصدق لما يرى و لما يسمع ، فيسألها بصوت خفي ضعيف متقطع مضطرب .



أمان :- أمان الصغير ؟.

وعد :- نعم ، أسميت ابني أمان .

أمان :- هو ابنك ؟.

وعد :- نعم ابني .



يسمعا صوت أم وعد تناديها من داخل الشقة .



أم وعد :- وعد هل وجدت أمان ؟.

وعد :- نعم ، وجدته و وجدني .

أم وعد :- أدخلي و أغلقي الباب جيداً حتى لا يخرج مرة أخرى .

وعد :- حسنا يا أمي .



بينما كان أمان يسلم أمان الصغير لأمه وعد ، تلامست أيديهما معاً ، فسحب أمان يده بسرعة في حركة واضحة بعيداً عن أناملها ، لكنه بقي يراقبها و هي تدخل المنزل و تغلق الباب ورائها .



بقي واقفاً ينظر ليده التي حملت طفلها ، واقف مكانه لا يأتي بحركة إلا تنفساً سريعاً لاهثا لا يعرف سببه ، ربما كان بسبب صعوده درجات السلم بسرعة ، و ربما من وقع المفاجأة عليه .



أراد أمان أن يكمل طريقه للطابق السابع لكنه وجد حنان واقفة في أولى درجات الطابق الخامس و قد حملت حقيبته الذي أرادها في يدها ، و لم تتكلم بكلمة واحدة ، مما أفهمه أنها رأت كل ما جرى ، أخذ حقيبته و نزل مسرعاً كما صعد ، دون أن يتكلم بكلمة هو الآخر .





يتبع...

39





حزينة ، مكسورة القلب ، وجدانها مجروح جرح لم تعرف له علاجاً ، تلوم نفسها و قلبها على ما فعلت بحياتها ، أحبته ، لكنها نسيت أنه أحب غيرها يوماً ما ، لم تحسب حساب هذا اليوم ، لم تتوقع أن يكون هذا اليوم قريباً هكذا ، كيف تخبره بما يحزنها و ما يؤرق ليلها ، بدأت تفكر و تقول في نفسها .



( ها هو أمان نائم بقربي ، معي و ليس معي ، عادت إليه وعد ، و كنت حباً بدل فاقد فقط في حياته ، ماذا أقول له ؟ ، أشك في حبك لي ، أو أسأله إن كانت وعد مازالت متربعة على عرش قلبه ؟ ، هي مازالت تحبه ، أسمت ابنها أمان تيمنا به ، ماذا أفعل ؟، هل أنسحب من حياته بكبريائي ؟ ، أو أبقى سجينة خوفي و قلقي ؟ ، ماذا أفعل ؟، ألهمني يا الله الحل لمشكلتي ، أحبه لكني أخشى أنه لم يعد يحبني ، ماذا أفعل ؟ ).



استيقظت في الصباح و لم تجد أمان بجوارها ، غادر المنزل و ترك لها ورقة كتب فيها .

( صباح الخير ، بالأمس لم تنامي جيداً ، لهذا غادرت المنزل و لم أوقظك ، أحب أن أعلمك أني لن أعود في وقت الغداء ، و ربما سأتعشى خارجاً ، مع السلامة ).



قرأت كلماته و الدمع في عيونها ، هذا اليوم الأول لعودة وعد ، و ها هو يغادر قبل أن تراه ، و لن يعود ليتغذى معها ، يعرف أنها لن تأكل شيء وحدها ، حكم عليها بالوحدة و الجوع ، نسي أو تناسى كلمة حبيبتي .



احتضنت وسادتها بكل قوة ، تكورت على نفسها و غطت رأسها ، و بكيت و لم يسمع أحد بكائها ، ظلت تبكي حتى عادت للنوم .



صوت دقات على باب المنزل توقضها من نومها ، تشعر بالصداع الشديد ، تسأل من الطارق ، فتعلم أنها أماني ، تفتح لها الباب ، فتقلق أماني مما رأت .



حنان :- صباح الخير .

أماني :- صار الوقت مساء ، مساء النور .

حنان :- تفضلي .

أماني :- ما بك ؟، لما عيونك حمراء منتفخة ، و وجهك شاحب ، و صوتك متغير ؟.

حنان :- مريضة .

أماني :- سأتصل بأمان ؟، يجب أن يأخذك للطبيب .

حنان :- مرضي لا يعرف الطبيب طبه ، سأشفى وحدي .

أماني :- جئت أدعوك للغداء معنا ، لكن مادمت مريضة سآتي بالغداء ، و نتغذى معاً .

حنان :- لا تتعبي نفسك ، لا رغبة لي في الأكل .

أماني :- عودي لسريرك ، و هاتي مفتاح المنزل ، سأعدّ الغداء و آتيك به و أنت كوني مرتاحة .



يعلم الجميع بمرض حنان ، يتصلون بأمان لكنه لا يجيب على اتصالاتهم ، و آمنة عرضت أن تأخذ حنان للطبيب بسيارتها لكن حنان رفضت الأمر .



مجروحة و تتألم في صمت ، و لا تعلم كيف تخبرهم بما تشعر ، و لا تعرف خلاصا لما هي فيه ، لم تأكل شيء ، و لم تشرب إلاّ الماء ، و لم تقوى على النوم ، و بقيت تبكي وحدها دون أن تشارك أحد حزنها .



الساعة الواحدة بعد منصف الليل ، تسمع صوت فتح باب الشقة ، صوت أمان يلقي السلام بهدوء ، تمثل دور النائمة ، تشعر به يدخل الغرفة ، تسمع صوت فتح باب الخزانة ، صوت حفيف صادر من الملابس أثناء ارتدائه لها ، تشعر بثقل يستقر على السرير بجوارها ، و أضواء الغرفة قد أغلقت ، و ساد الصمت .



لم تنم ، و لم تتحرك من مكانها ، في الصباح تشعر به يعد نفسه للخروج باكراً جداً على غير العادة ، توقعت كل تحركاته ، لأنها اعتادت عليها ، لكنه نسي اليوم أن يطبع قبلة على جبينها قبل أن يغادر .



تركها متعطشة لإشارة تفهم منها أنه مازال يحبها ، مازال يرحب بها في حياته ، لكنها لم تجد ، كأنها لم تكن موجودة بالأمس ، و اليوم هي غير موجودة ، و غدا مجهول بالنسبة لها ، غادر و لم يترك أي ورقة ، بحثت في كل مكان ، لم تجد حتى قصاصة كتب فيها أي شيء ، لم يترك لها شيء يعلمها فيه بغيابه .



فهمت أن دورها انتهى ، و بقائها لم يعد مهما ، آثرت أن تغادر في صمت ، و تترك أمان حراً ليعود إلى من أحب لكنها أبقت أمر التنفيذ في خانة التأجيل .



يوم آخر يمر و هي على هذا الحال ، معه في المنزل و ليست معه ، تعيش معه و لا تراه ، موجود و غائب ، فكرت في الانفصال و الطلاق و أن تعطيه حريته ، لكن أمان لم يخطئ في حقها ، ما حجتها ؟ ، لم تجد ما تشكوه لحسام الذي اتصل بها يرغب في معرفة سبب مرضها المفاجئ.



حسام :- حنان يمكنك أن تحكي لي ، ما بك ، و ما أعراض مرضك ؟.

حنان :- لا شيء ، أشعر بالتعب فقط .

حسام :- أختي ، جهزي نفسك الآن و سآتي لآخذك للطبيب .

حنان :- لا يا حسام ، لا رغبة لي في الذهاب .

حسام :- أشعر أن أمراً ما يضايقك .

حنان :- لا ، لا يضايقني شيء .

حسام :- اعلمي أنك مازلت أختي حتى بعد زواجك ، و من واجبي رعايتك ، و حالك هذا لا يعجبني ، تشعرينني بالتقصير في حقك ، أخبريني ما بك ، ألست في مكان والدي رحمه الله ؟.



أرادت أن تخبره بما يجري ، لكنها لم تقوى على ذلك ، ماذا تقول له ؟ ، كيف ستقول له ؟، قررت أن تصبر علّ الله يعوضها على صبرها خيراً.



حسام :- تقي أني أخاك ولّي أمرك ، و إن كان هناك ما ترغبين في الحديث عنه أخبريني في أي وقت ، و سأساعدك مهما كان الأمر ، تذكري أنك أمانة في عنقي ، و من واجبي إسعادك و إزاحة همك .

حنان :- أعلم هذا يا حسام ، لا تقلق ، مريضة بعض الشيء فقط ، و عند عودة أمان لي سأشفى بعون الله .



انتهى الاتصال بينهما ، و ما هي إلا دقائق قليلة حتى سمعت باب الشقة يفتح ، توقعت أنها أماني قد جلبت لها الغداء ، لكنها سمعت صوت أمان ، يناديها باسمها ، لكنها لم تجب نداءه حتى دخل لغرفة النوم ، وجد حنان جالسة في سريرها و يبدو عليها المرض ، و الحزن ، عجب لأمرها ، و لسبب مرضها.



أمان :- حبيبتي ما بك ؟.



تصمت و لا ترغب في أن تجيبه ، تستلقي على سريرها و تغطي رأسها هرباً من سؤاله .



يقترب منها و يزيح عنها الغطاء ، فيرى آثار دموع على وجهها و وسادتها .



أمان :- ما بك ، لما مرضك و حزنك ؟.

حنان :- متى علمت بمرضي ؟.

أمان :- قالوا لي أنك مريضة لكن لم أتوقع هذا .

حنان :- و ماذا توقعت ؟.

أمان :- توقعته زكاما فقط .



يجلسها و يضع يده على جبينها ، يتحسس حرارتها .



أمان :- الحمد لله ، حرارتك ليست مرتفعه .



يحتضنها ، و يضع يده على رأسها و يقرأ أدعية الشفاء .

تخنقها العبرة ، و تسيل من عينها دمعة حزن ، يبعدها عنه ، حتى يرى وجهها ، لم يفهم ما بها و ما علّتها ، يمسح دمعها بيديه .



أمان :- ما بك ؟ ، أخبريني .

حنان :- أنت زوجي أليس كذلك ؟.

أمان :- نعم زوجك و حبيبك ، و لما سؤالك ؟.

حنان :- و تعيش معي في نفس المنزل ؟.

أمان :- نعم .

حنان :- منذ متى لم تراني ؟ لم تحاورني ؟ لم تخاطبني ؟، لم تشاركني في أي أمر ؟.



يعرف أمان أنه سبب مرضها ، و يحاول أن يعالج الأمر ، يحتضنها و يقبل جبينها و يواسيها .



أمان :- آسف جداً على كل ما بدر مني ، أخطأت في حقك ، كل الفترة الماضية كنت مشغولاً في عملي ، و نسيت أن أهتم بك ، كنت أخرج فجراً و أعود بعد منتصف الليل تعباً جداً ، و نسيت أن أسأل عنك .

حنان :- لم تجب على إتصالاتي ، و لم تكلف نفسك عناء الاتصال بي و السؤال عن حالي .

أمان :- أعترف بخطئي ، لكني كنت مطمئنا عليك ، فعائلتي بجوارك ، يعتنون بك .

حنان :- عائلتك اهتمت بي ، لكني أريد أن تهتم أنت بي .

أمان :- أقسم إنّي أهتم بك ، و ما عملي هذا إلاّ لك و لعائلتي .

حنان :- لا أريد لشيء أن يسرقك مني .



يبتسم أمان و يعرف أنها تغار ، يبعدها عنه قليلاً و حتى يرى وجه الغيور ، يزيح خصلات شعرها عن وجهها ، و يمسك يدها و يخاطبها .



أمان :- تغارين علّي حتى من عملي ؟.

حنان :- أغار عليك من كل شيء .

أمان :- حتى عملي ؟.

حنان :- إن كان سيسرقك مني ، أغار منه ، إن كنت تهتم به أكثر مني ، أغار منه .

أمان :- لا تقلقي بعد الآن ، اليوم أنهيت هذه الصفقة ، و لهذا عدت باكراً لبيتي و زوجتي و حبيبتي ، و حناني التي لها قلبي دوماً مشتاق .



تفرح حنان من كلماته ، و تبتسم مودعة بعضاً من دموعها ، فلم يكن إهمال أمان لها إلاّ من أجلها ، كان عمله ما أبعد بينهما ، و لم تكن وعد السبب .





يتبع ...

40







في المساء داخل منزلها تنتظر زوجها ، تجلس بِكَسَلٍ في غرفة المعيشة ، تحمل في يدها جهاز التحكم عن بعد ، و تقلب قنوات الإذاعة المرئية ، أمامها صحن مليء بالبرتقال ، كانت قد قشرت إحداها و مازالت تأكلها ، وسادة و غطاء سميك ، مدفئة كهربائية ، كل هذا حتى تطرد عنها البرد .



أمان :- السلام عليكم .



يدخل الغرفة و يقول كلماته وهو واقف بالقرب من الباب ، نظر لحنان ، نزع ساعته و وضعها مع هاتفه النقال و مفاتيحه فوق جهاز الإذاعة المرئية .



حنان :- و عليكم السلام و رحمة الله ، حبيبي تعشيت ؟ .

أمان :- الحمد لله ، تعشيت عند أمي .

حنان :- كنت عندهم ؟، كيف حالهم ؟.

أمان :- نعم كنت عندهم ، و كلهم يسلمون عليك .



جلس بالقرب من حنان ، تمد له نصف البرتقالة التي قشّرتها و كانت قد أنهت أكل نصفها تواَ .



أمان :- الجو بارد جداً ، و البرتقال مفيد في هذا البرد .



تسحب حنان بعضاً من الغطاء الذي تتغطى به ، و تعطيه لأمان ، ليشاركها الدفء .



حنان :- تفضل ، تغطى جيداً ، فالجو جد بارد .



استمرت حنان في جولتها بين المحطات ، حتى وصلت لقناة تعرض فلم أجنبي .



أمان :- توقفي .

حنان :- لماذا ؟.

أمان :- هذا الفلم يستحق المشاهدة ، لنشاهده معاً .

حنان :- لكنه يحوي وحوشاً و مشاهد دموية مخيفة .

أمان :- و هل تخاف حبيبتي ما دمت معها ؟.

حنان :- أنت الأمان ، فهل يجرؤ الخوف على التفكير في الاقتراب مني في وجودك ؟.



يتكئ أمان على حنان ، واضعاً رأسه على حجرها و بين يديها ، و وجه يقابل التلفاز تمرر حنان يدها في شعر أمان و تشاكسه .



حنان :- ما هذا يا أمان ؟.

أمان :- ماذا ؟، ماذا وجدت في شعري ؟.

حنان :- شعرك أصبح طويلاًَ جداً ، و يمكن أن يخفي عصفوراً داخله .



مازالت حنان تلعب بشعر أمان الذي يشاهد الفلم ، بينما يستمر الحوار المشاكس بينهما .



أمان :- ما بالكن جميعاً بشعري ؟.

حنان :- من نحن ؟.

أمان :- أنت ، و أمي و أخواتي ، حتى ابن إيمان صار يبكي عندما حملته .

حنان :- ربما خاف منك ! .



تجمع حنان مجموعة من الخصلات معاً ، و تنزع من شعرها الشريط المطاطي الذي كانت تلفه به ، لتترك شعرها الأسود الناعم منسدلاً على كتفيها ، و تلف الخصلات التي جمعتها معاً من شعر أمان بالشريط ، و تضحك .



حنان :- أنظر ، شعرك طويل و يمكن أن أجمعه و أربطه بشريط ، لم تُطله في السابق هكذا!!! .

أمان :- لا ، أطلته في السابق أطول من هذا ، قبل الجامعة و في المدرسة الثانوية ، أطلته ، لكن في أول يوم بعد العطلة الصيفية ، عندما عندنا للمدارس ، قام المدير بمعاقبتي .

حنان :- كيف ؟.

أمان :- أمام جميع الطلبة ، و في طابور الصباح ، قام باستعمال آلة حلق الشعر ، و رسم خطوطاً طولية و عرضية في رأسي ، تركني و لم ينهي حلق باقي الشعر.



تضحك حنان من القصة ، تحاول أن تتخيل أمان بلا شعره الأجعد ، فضحكت أكثر .



حنان :- لا أستطيع تخيلك بلا شعرك الأجعد المنفوش .

أمان :- عندي صورة في تلك الفترة حسب ما أذكر ، سأبحث لك عنها ، و أريك إياها .



في الإذاعة المرئية كان هناك وحش مخيف ذو شعر منفوش ، فمازحت حنان أمان بكلماتها .



حنان :- أنظر ، هذا الوحش يشبهك .

أمان :- هذا يشبهني !!! .



يقول كلماته و يجلس رافعاً رأسه معتدلاً في جلسته ، و مازال الشريط المطاطي يلف جزء من شعره ، أما الجزء الآخر كان منفوشاً ، فضحكت حنان من شكل شعره .



أمان :- و تضحكين على شعري ، سترين ماذا سأفعل لشعرك .



تهرب حنان منه خارج الغرفة كقطة صغيرة مشاكسة ، وجدت شيئا تلعب به ، و يجري أمان خلفها محاولاً إمساكهاً .



حنان :- لن تمسكني .

أمان :- سأمسكك .

حنان :- و حينها ماذا ستفعل لي ؟.

أمان :- سأنفش لك شعرك و أضحك كما تضحكين على شعري .

حنان :- شعري ناعم لن يصبح كشعرك أبداً .

أمان :- دعيني أمسك بك و سترين ماذا سأفعل .





في اليوم التالي كانت حنان في شرفة المنزل ، تسقي بعض النباتات التي زرعتها في أصص صغيرة ، سمعت صوت أمان الذي عاد لتوه من خارج المنزل ، تسمعه يناديها .



أمان :- حنان أين أنت ؟.

حنان :- هنا .

أمان :- أين هنا ؟.

حنان :- في الشرفة .

أمان :- أنظري ماذا فعلت .



تسمع صوت أمان يقترب منها ، فتخرج من الشرفة لترى ما باله ، و ماذا فعل .



أمان :- ما رأيك فيما فعلت ؟.



تراه ، و يعقد لسانها ، و تجحظ عيناها ، و تضع يدها على فمها مذهولة .



أمان :- ما بك سكت ؟.



تواني تجتاز فيها حنان مرحلة الصدمة ، و تبدأ بالضحك بصوت مسموع على ما فعل أمان بنفسه .



حنان :- أمان ، أين شعرك ؟؟؟؟؟.



أمان :- حلقته بالكامل و تخلصت منه .



تقف بقربه و هي تضحك ، ترفع يدها لرأسه ، فينحني لها ، تلمس رأسه الخالي من الشعر في صمت ، و تنفجر ضحكاً على ما فعل بنفسه .



يتبع ...

41





السيدة نجاح :- أمان أنت ابني الوحيد .

أمان :- أعلم هذا يا أمي .

السيدة نجاح :- تعلم أنك من يحمل اسم والدك رحمه الله .

أمان :- أعلم ، لكن لما سؤالك ؟.

السيدة نجاح :- أرغب في أن أفرح برؤية أحفادي .

أمان :- إيمان لم تقصر في الأمر ، صار لها طفل جميل و أسمته خالد تيمنا باسم أبي ، و صرتِ أجمل جدّة .

السيدة نجاح :- إيمان بنت و أبنائها لا يحملون اسم عائلتنا .

أمان :- لكنهم أحفادك .

السيدة نجاح :- أرغب في أن أرى أولادك .



صمت أمان و لم يرغب في إكمال الحديث ، فلا يملك ما يقوله لها ، لكن السيدة نجاح استمرت في الحديث .



السيدة نجاح :- مضى على زواجكما عامان ، و إلى اليوم لم أرى أي بشرى لقدوم مولود ، ما بك ، ألا ترغب في أن تكون أباً ؟، أم هناك مشكلة ؟.

أمان :- أمي لا أرغب في الحديث حول هذا الموضوع .

السيدة نجاح :- لماذا ؟ ، فتح الموضوع و يجب أن أعرف و أفهم ما يجري .



يصمت أمان ، لا يرغب في إنهاء الحديث و لا بدءه .



السيدة نجاح :- ألا ترغب في أن تكون أباً و تمنح حنان كلمة أم ؟ .



يستمر صمت أمان .



السيدة نجاح :- هل لعودة وعد أي علاقة بالأمر ؟ ، إن كان الأمر كذلك أطلق سراح حنان و أتركها تعيش حياتها ، و سأزوجك وعد .

أمان :- أمي ، وعد أصبحت ماضي فقط ، لا أرغب في أن أعيده ، و ما تفكرين فيه ليس هو المشكلة .

السيدة نجاح :- إذن هناك مشكلة ، أخبرني و سنجد لها حلاً بعون الله .

أمان :- أنا و حنان نعيش معاً في سعادة و حب ، و لا نرغب في الانفصال ، و مسألة الأبناء متروكة لوقت آخر ، ليس أكثر .



دقات على باب المنزل بقوة ، تفتح أماني الباب لتدخل أمنية مسرعة و خائفة و هي تقول لأمان .



أمنية :- أمان ، حنان مغمى عليها و لا أعرف ماذا أفعل .



ينطلق أمان بسرعة الشهاب من مكانه ليذهب لشقته .



الأم تسأل أمنية عن ما جرى .



السيدة نجاح :- ما بها حنان ؟.

أمنية :- لا أعلم ، كنت أساعدها في مسح الثريات ، لكنها قبل أن تصعد السلم الصغير شعرت بالدوار و وقعت أرضاً .

السيدة نجاح :- اذهبي و كوني معها في بيتها و سآتي بعد قليل .

أماني :- هل أذهب معها ؟.

السيدة نجاح :- لا ، ابقي في المنزل ، إن اتصل أحد لا تخبريه بما جرى .



وصلت السيدة نجاح إلى شقة أمان ، وجدت الباب مفتوحاً ، دخلت فوجدت حنان شبه واعية لما يجري حولها ، تجلس على حافة سريرها و أمنية تلبسها عباءتها و وشاحها ، أمّا أمان يبحث عن مفتاح سيارته حتى ينقل حنان للمستشفى .



في المشفى السيدة نجاح و أمان خارج غرفة الكشف ، و الطبيبة مازالت مع حنان ، آمنة تتصل بهم بين الحين و الآخر لتعرف ماذا جرى .



أخيراً خرجت الطبيبة مبتسمة ، و أعلمتهم بالبشرى .



الطبيبة :- مبروك ، حنان حامل ، هي في الأسبوع السابع من الحمل تقريباً.



فرحت السيدة نجاح بالخبر ، و شكرت الطبيبة على ما قالت ، دخلت بسرعة لترى حنان في غرفة الكشف و تبارك لها حملها .



لكن وقع الخبر على أمان كان مختلفاً ، كان كمن ضغط على مؤقت قنبلة ليبدأ عدّه العكسي ليوم فراق زوجته و حبيبته ، و لم يقدر أن يمنع الأمر.



عاد الجميع إلى المنزل ، و كانت الفرحة بادية على الجميع ، إلا أمان ، لم يعرف ماذا يفعل ، كيف يخبر أهلها ؟ ، و ماذا سيخبرهم ؟ ، هل يزّف لهم بشرى قدوم مولود جديد ؟ ، أم يعزيهم لفدان حنان قبل رحيلها ؟ .



كان مهموماً و لم يعرف كيف يعالج الأمر ، يرى أخواته يدللنها ، و كل منهن توصيها بالراحة التامة كما أمرتها الطبيبة ، جميعهن حولها في غرفة نومها ، هذه تغطيها و تلك تجلب لها كوب الماء ، الأخرى تحمل كوب عصير العنب و تقول لها أنه مفيد لصحتها ، يسمعهم يضحكون في سرور ، لكنه يجلس وحيداً في غرفة المعيشة مهموماً لا يعرف ماذا يفعل .



بعد أن غادر الجميع المنزل ، جاءته حنان لتخفف من همومه .



حنان :- زوجي الحبيب ما بك ؟، يجب أن تفرح لا أن تحزن ، ستصبح أباً .



لكن أمان لا يجيبها ، فلا يعرف كلمات يمكن أن يقولها في هذا الموقف.



حنان :- أيحزن أحد و قد علم أنه سيصبح أباً ؟.

أمان :- أحزن لأن الوقت غير مناسب و ..........



و يتوقف أمان عن الكلام ، فهو يعرف أن هذه اللحظة ستأتي ، لكن كانت قبل أوانها .



حنان :- ماذا بك ؟، أكمل كلامك .

أمان :- الوقت ليس مناسباً ، لا أرغب في أن أكون أباً الآن .

حنان :- الوقت غير مناسب ؟

أمان :- نعم الوقت غير مناسب .

حنان :- لا ، الوقت مناسب جداً ، كم مرّ على زواجنا ؟.

أمان :- عامان .

حنان :- أكثر من عامين ، و لا نملك أطفالاً .

أمان :- و أين الخطأ ؟.

حنان :- أرغب في أن تكون أباً.

أمان :- لكني لا أريد طفلاً .



صمت أمان عن الكلام ، لا يعرف كيف يخبرها بما يعلم ، لا يعرف كيف يمنعها من فعل ما عزمت ، يخشى عليها من معرفة الأمر ، بقي أمان بين نارين ، تذكر كلمات الطبيب ، و والدها ، ( إن تزوجتها فمن الأفضل أن لا تنجبا الأطفال ، فهذا سيقتلها ) .



تذكر أنه كذب على حسام و أخبره أن صحتها على ما يرام ، أنها أجرت الكشوفات و صارت بخير ، كذب عليه حتى يطمئنه على صحة قلبها الذي مازال مريضاً .



تكدر وجهه من هذا الحديث ، لا يعرف كيف يتصرف ، و لا يعرف ماذا يقول ، فحنان ستضيع منه .



حنان تغير مكانها و تجلس بالقرب من أمان ، و تنظر إلي عينيه و هو يحاول الهروب من نضراتها حتى لا تعرف ما يخفي ، لكنها بدأت بالكلام .



حنان :- أمان ، سأقول لك شيء .

أمان :- ماذا ؟.

حنان :- حبيبي قال لي يوما ، أن الحياة طائرة ، و كلنا مسافرون على مثنها ، لكل منا محطة ينزل فيها عندما يحين موعد نزوله ، حتى يترك مقعده فارغاً و يأتي غيره و يملأه .

أمان :- و ما مناسبة هذا الحديث؟.



تضع يدها على فمه بحنان و تمنعه عن الكلام ، و تكمل كلماتها .



حنان :- حبيبي لا تستعجل ، و دعني أنهي كلامي .

أمان :- أكملي .

حنان :- في طائرة الحياة ، أجلس أنا و أنت في مقعدين متجاورين ، يوماً ما سأنزل ، و تكون محطتي قبل محطتك إن شاء الله ، لا أريد أن أترك مقعدي فارغاً ، أريد أن أترك لك أنيساً لك في رحلتك ، كما كنت أنيساً لي في رحلتي القصيرة ، سيكون جزء مني ، و يكون هديتي لك ، طفل جميل يحمل اسمك و بعضاً من روحي ، يملك عينيك و شعر يشبه شعرك الأجعد المنفوش .

أمان :- ماذا تقصدين ؟.

حنان :- أرى أنك تعرف ما أنا عليه ، فهذا واضح من ملامح وجهك ، لكن ما لا تعرفه أني أعلم بالأمر .

أمان :- و ماذا تعرفين ؟.

حنان :- أعرف أن مرضي يمنعني من أن أكون أماً ، يمنعني من أن أحتضن طفلي ، و أن أقبله ، أن أرى عينيه ، يمنعني من أن أربيه و أكون معه في كل خطوة يخطوها ، و في كل فرحة يفرحها ، يمنعني من أن أحتضنه في حزنه و أخفف عنه ألمه و أمسح دمعه .



خشي عليها كل هذه السنوات من معرفة الأمر ، لكنها كانت تعرف ، و لم تبدى أي قلق أو حزن .



حنان :- أعرف أني إن أنجبت ، سأغادر الطائرة دون عودة ،لا أريد أن أغادرها قبل أن أترك أحداً يجلس مكاني.

أمان :- لكني لا أريد أطفالاً .

حنان :- لا ، أنت تريد أطفالاً ، ترغب في أن تكون أباً ، رأيت هذا في عينيك كلما داعبت ابن إيمان .

أمان :- حناني ، لن أرضى أن تضحي بنفسك من أجل طفل .

حنان :- حبيبي ، هذا آخر شيء أرغب في أن أفعله قبل أن أغادر ، لا تمنعني من فعله .

أمان :- يقول الطبيب إن في حملك خطر على صحتك ، يمكن أن تموتي .

حنان :- يمكن أن أموت ، تعني يمكن أن أعيش.

أمان :- هذا كلام الطبيب المختص ، فلماذا فعلت ما فعلت ؟.

حنان :- الطبيب ليس قابض الأرواح ، و لا يمكن أن يعرف متى يموت الإنسان ، فالأعمار بيد الله وحده ، لماذا نخاف من كلام قاله ، قد يكون صحيح و قد يكون خطأ.

أمان :- حبيبتي ، ما فعلته يسمى انتحار.

حنان :- لا ، هذا يسمى تضحية من أجل من أحب.







يتبع......



الحلقة 42


تمر الأيام و الأسابيع بسرعة ، و في كل يوم يزداد وزن حنان ، و يزداد حجم بطنها ، كلّ مَن في المنزل فرح بهذا الضيف المرتقب ، منهم من يختار له اسما و منهم من يعد له الثياب ، لكن أمان في كل يوم يزداد خوفه على حنان ، و يشتاق إليها حتى في وجودها ، يحاول أن يجد شيئا يمنع ما سيحدث ، شيء يوقف مرور الزمن ، لكن ما العمل ، هي قررت ، و اختارت ، و لا يملك أن يقف في طريق ما اختارت .



أيام و ينتهي الشهر السابع من الحمل ، و مازال الجميع لا يعرفون جنس الجنين ، حنان ترفض إخبارهم بجنسه حتى يكون مفاجأة .



أمان :- كيف أنت اليوم ؟.

حنان :- بخير و الحمد لله .



استغربت سؤال زوجها لها ، فخاطبته ممازحة .



حنان :- تسأل عن حالي ، أم عن حال طفلنا ؟.

أمان :- أسأل عن حالكما معاً .



سكت أمان لفترة حتى قال.



أمان :- حبيبتي ، يجب أن نذهب غدا للطبيب .

حنان :- لماذا ؟، أنا بخير و الحمد لله ، و موعد زيارة مراجعة الطبيب ليس غدا ، لا حاجة لذهابي .

أمان :- أريد أن أطمئن عليكما ، أنا لا أعرف حتى جنس الجنين .

حنان :- أنا بخير ، و الطفل بخير ، و لا أرغب أن تعرف جنس المولود ، أريدها مفاجأة .

أمان :- أمي تريد أن تعرف ماذا سنشتري ، و أي الألوان سنختار .

حنان :- ما رأيك في اللون الأبيض ؟، يليق بالمولود سواء كان طفلا أو طفلة .



كانت تجلس على كرسي طاولة الزينة ، تسرح شعرها ، فتسأل أمان .



حنان :- حبيبي ، ماذا تريد ، بنت أم صبي ؟.



يقترب منها ، حتى يقف خلفها ، يحمل عنها المشط ، و يبدأ في تسريح شعرها في صمت ، يضفره بهدوء ، تستغرب الأمر ، فلم يفعل هذا سابقاً .



أمان :- أنت.

حنان :- ماذا ؟ ، أنا !.

أمان :- أريدك أنت .



تلتفت إليه ، فيجلس أمامها على ركبتيه ، يتأمل وجهها و يمسك كفيها بقوة و كأنه يخشى أن تفلت منه .

تعيد حنان سؤالها و هي مبتسمة .



حنان :- حبيبي ، ماذا تفضل ، طفل أم طفلة ؟.

أمان :- أنت ماذا ترغبين ؟.

حنان :- أريده طفل ، ذكر ، يحمل اسمك ، و صفاتك ، سيكون جميل جداً لأنه سيشبهك ، و سنسميه سند .



توقع أمان أن تختار اسم والدها ، لكنها اختارت غيره.



أمان :- سند؟.

حنان :- نعم ، سند ، ليكون سنداً لك في الدنيا و الآخرة ، يقولون أن كل فرد يحمل صفة من اسمه ، لذلك اخترت له من الأسماء سند .

أمان :- لك ذلك ، سنسميه سند إن شاء الله .

حنان :- و أنت ماذا ترغب ؟.

أمان :- لا يهم ، فكل ما يهدينا الله نعمة نحمده عليها ، إن كان طفلا حمدناه ، و إن كانت طفلة شكرناه ، المهم أن يكون في تمام الصحة و العافية .



في اليوم التالي يعود أمان إلى البيت باكراً على غير العادة ، و يطلب من حنان أن تعد نفسها لزيارة الطبيب ، و بسرعة أعدّت نفسها للخروج ، وفي طريقهم للمستشفى دار بينهما الحديث.



حنان :- ما بك ، لماذا نزور الطبيب اليوم ؟.

أمان :- أريد أن أطمئن عليكما .

حنان :- نحن بخير .

أمان :- أريد أن أعرف موعد الولادة .

حنان :- بعد شهرين إن شاء الله.

أمان :- أريد التأكد فقط ، أريد أن أتأكد أنّ كل شيء سيكون بخير .

حنان :- لا تخف ،سيكون كل شيء بخير بعون الله .



سألت حنان عن سبب عودة أمان باكراً اليوم .



حنان :- لماذا عدت باكراً اليوم ؟.

أمان :- أخذت إجازة لباقي اليوم .

حنان :- لماذا ؟.

أمان :- لأعدّ نفسي للسفر.

حنان :- سفر؟ .

أمان :- نعم ، هناك أعمال للشركة في الخارج ، و وحدي أستطيع إنجازها .

حنان :- و متى ستسافر ؟.

أمان :- غداً صباحاً .

حنان :- غداً! ، و متى ستعود ؟.

أمان :- بعد أسبوع ، أو عشرة أيام كأقصى تقدير .



بعد زيارة الطبيب ارتاح أمان و اطمأن على حال زوجته ، الآن يستطيع السفر مرتاح البال و سيعود ليجدها في انتظاره بعون الله .



لكن حنان زاد قلقها ، التزمت الصمت بعد مغادرتها المستشفى ، كانت كمن يرغب في الكلام لكنه متردد ، لم ترغب في الحديث ، لكن يجب أن تتكلم ، خانها صوتها الذي رفض الخروج من حنجرتها إلاّ في صورة بكاء ، أوقف أمان السيارة على يمين الطريق ، و التفت إليها ، ليجد أنّ وجهها قد تبلل بالدموع ، و أطرافها باردة و ترتجف ، يبدو أنها خائفة ، لكن مما تخاف ؟، هل تخاف الموت ؟ ، أم تخاف الوحدة أثناء سفره ؟، لم يعرف أمان ما بها .



أمان :- لما بكائك ؟.

حنان :- لا أعلم .

أمان :- خائفة؟ .

حنان :- قليلاً .

أمان :- لا تخافي ، أنا معك ، ستلدين الطفل ، و تكونين أمه ، ستعيشين لتربيه كما قال الطبيب قبل قليل ، لا تخافي .

حنان :- في سفرك سأكون وحيدة .

أمان :- لا ، لن تكوني وحيدة ، سأطلب من أخواتي أن يبتن معك ، و إن شئت أخذتك لبيت أهلك لحين عودتي .

حنان :- سأبقى في منزلي أنتظر عودتك .



يوصيها أمان بتذكر كلمات الطبيب .



أمان :- لكن تذكري ما قاله الطبيب ، الراحة ثم الراحة ثم الراحة و أيضاً الراحة، لا تحاولي إجهاد نفسك في أي عمل كان ، إن احتجت لأي شيء أطلبيه من أخواتي و لا تتعبي نفسك أبداً.



لكن حنان تفكر في أمر آخر .



حنان :- أمان ، أريد أن أخبرك بشيء .

أمان :- تفضلي .

حنان :- ليس الآن .

أمان :- متى ؟.

حنان :- في الوقت المناسب .

أمان :- و متى يكون الوقت المناسب؟.

حنان :- لا أعرف ، سأكتب لك رسالة ، و أضعها في صندوق مجوهراتي ، و عندما تعود من السفر اقرأها .

أمان :- عندما أعود من السفر؟ .

حنان :- نعم .

أمان :- عندما أعود من السفر ، لن أقرأ رسالتك ، بل سأسمع ما تريدين قوله .

حنان :- لكن إن لم أكن موجودة حين تعود ؟ .

أمان :- أزيحي هذه الأفكار من رأسك و كوني متفائلة ، تفاءلي خيراً تجديه إن شاء الله .

حنان :- عدني بتنفيذ ما سيكون في الرسالة .

أمان :- أعدك ، لكن ما موضوع الرسالة ؟.

حنان :- ستعرف في الوقت المناسب ، فقط اعتبر ما كتب فيها رغبتي الأخيرة التي أطلب منك تحقيقها .



يتبع.....


الحلقة 43



في الفجر ، استيقظ أمان و صلى صلاته ، رفع يديه داعيا ربه أن يحمي زوجته و طفلهما من كل مكروه ، عاد إلى غرفة النوم ليجد حنان ما تزال نائمة ، يتأمل وجهها الملائكي و يمسك بيدها و يمسح بها على خده ،و يخاطبها في نومها و يقول لها .



أمان :- قد تكون هذه آخر مرة أراك فيها، قد تكون هذه آخر مرة ألعب فيها بخصلات شعرك ، لماذا يا أميرتي فعلت هذا ؟، لا أرغب في أن أفقدك و أعود وحيداً من جديد .



هي لم تكن نائمة منذ البداية ، أحست به و سمعت كل كلماته ، لم ترغب في فتح عينيها و قطع حديثه ، أرادت أن يتكلم و يخرج كل ما في قلبه دون إزعاج ، لكنها أحست بقطرات دافئة من دموعه سالت على يدها ، فتحت عيناها ، و ابتسمت ، مسحت دموعه و هدأت من قلقه .



حنان :- لا ، لن أتركك وحيداً ، سيكون طفلنا معك .

أمان :- لا أريد الطفل ، أريدك أنت .

حنان :- لن أعيش لك طويلاً .

أمان :- لا تتركيني وحيداً الآن .

حنان :- لن تكون وحيداً ، أعدك ، لن تكون وحيداً من بعدي .



نهضت حنان من السرير و بدأت بالتأكد من حاجيات السفر التي أعدتها الليلة الماضية .



حنان :- هيا جهز نفسك للسفر فالطائرة ستقلع قريباً .

أمان :- لا أرغب في السفر .

حنان :- لماذا ؟، لا تقل لي إنك خائف من السفر .

أمان :- لا ، بل قلق عليك .

حنان :- لا تقلق ، سأكون بخير بإذن الله.

أمان :- ماذا لو أنجبت قبل أن أرجع من السفر ؟.

حنان :- لا تقلق ، قال الطبيب مازال شهران على موعد الولادة ، ستذهب و تعود لتجدني في انتظارك .

أمان :- و إن حدث شيء ؟.

حنان :- لا تقلق ، سأتصل بحسام إن حدث سوء ، ثم آمنة تملك سيارة و تقودها بمهارة ، لا تقلق و توكل على الله ، لا تؤجل أعمالك بسببي .

أمان :- لكن ..........

حنان :- إن بقينا نتحدث ستفوتك الطائرة و لن تستطيع السفر و سيتأخر عملك .

أمان :- سأسافر ، لكني قلق عليك .

حنان :- لا تخف سأتصل بك كل يوم لتطمئن .



أرادت فتح درج قد وضعت فيه بعضاً من حاجياته ، لكن حقيبة سفره الثقيلة واقفة في طريقها ، أرادت أن تحملها و تزيحها من مكانها ، لكن أمان منعها و خاطبها بلهجة قاسية .



أمان :- لا تحمليها .

حنان :- لا تقلق ، لن أحملها بل سأزيحها .

أمان :- قلت لك لا تتعبي نفسك ، لا تزيحيها من مكانها ، لا تحمليها ، لا تحملي شيئا ثقيلاً ، بل لا تحملي أي شيء .

حنان :- إذن ماذا سأفعل ؟.



يمسك كتفيها بكلتا يديه و يجلسها على السرير .



أمان :- ارتاحي ، فقط ارتاحي .

حنان :- أنا مرتاحة هكذا .

أمان :- لن أسافر مادمت تتعبين نفسك و تجهدينها .

حنان :- حسناً ، لا تقلق ، لن أتعب نفسي .





مر أسبوع على سفر أمان و في كل يوم كان يتصل بزوجته و يطمئن على حالها ، لكن اليوم لم يتصل ، غادر الفندق في الصباح الباكر، و استقل أول طائرة عائدة للبلاد ، عاد مسرعاً بمجرد أن أنهى عمله ، أراد أن يفاجئها بعودته ، و لم يرغب في أن يضيع ثانية واحدة باتصال هاتفي .



ها قد وصل إلى أرض الوطن ، استقل سيارة أجرة حتى تعود به للمنزل ، وصل إلى باب العمارة التي يسكنون فيها ، وجد سيارته و قد كساها الغبار ، فمنذ سفره لم تتحرك من مكانها ، لكن سيارة آمنة غير موجودة ، صعد إلى الطابق السابع ، فوجد باب شقته مفتوحاً ، دخل مسرعاً و هو ينادي ( حنان ، حنان ، حنان ) لكن لا مجيب ، دار في المنزل لكنه لم يجد أحداً ، و في غرفة النوم وجد سريرها غير مرتب ، عباءتها قد اختفت من علاّقة الملابس ، و مهد صغير موضوع في وسط الغرفة ، جديد لكن قد مزِّق القماش الخفيف الذي وضع فوقه ، اقترب من المهد ، و حمل جزء القماش الممزق بين يديه ، كان القماش معلقا في حاملة فوق المهد ليتدلى منها عليه حتى يغطيه و يمنع الحشرات أن تقترب من الطفل ، لكنه ممزق و كأن أحداً كان قد تشبث به كي لا يقع ، لم يفهم ما رأى ، خرج مسرعاً و بكل قوة صار يدق على باب شقة عائلته ، فتحت أماني الباب ، ليجدها و قد تمكن منها القلق ، صرخ في وجهها بجملة واحدة .



أمان :- أين حنان ؟.



ترد عليه في صوت شبه مسموع .



أماني :- في المستشفى ، في مستشفى الولادة .



و يغادر مسرعاً ، في قلق على حبيبته ، يقود بتهور و يلوم نفسه على كل ما جرى ، يلوم سفره ، و يلعن كل من يضايقه في الطريق و يعرقل وصوله للمشفى ، حتى وصل إليها .



دخل مسرعاً ، و سأل عن زوجته ، دلوه عن مكانها ، صعد إليها ، يدخل كل الممرات يبحث في كل الجهات ، أخيراً وجد أمه واقفة مع أخته آمنة و أم حنان وأخيها حسام ، جرى نحوهم ، و لم يفهم ما بالهم و قد بعثر الحزن علاماته على وجوههم ، اتجه لحسام و سأله عن حنان ، و عن مكانها ، فلم يكن من حسام إلاّ أن التفت إلى الغرفة المجاورة ، دالاً له عن مكان حنان ، و قبل أن يصل أمان لباب الغرفة ، يٌفتح الباب ، و يَخرٌج منه طبيب يهجم عليه أمان بأسئلة عن حال زوجته و حبيبته و حنانه .



يتبع...






الحلقة  44





انتهى كل شيء ، لم يعد لحنان وجود على وجه الأرض بل ابتلعتها و صارت في باطنها ، غابت عن الجميع و تركت لهم بعض الذكرى ، عاد أمان وحيداً من جديد ، يلوم نفسه على ما جرى ، بسببه غادرت حنان ، هو المذنب ، يعاقب نفسه بلا رحمة ، يجلس في ظلمة وحيداً في غرفته ، يتذكرها كيف كانت بالأمس هنا ، تبدأ صباحها بإزاحة ستائر النافذة داعيتا النور للدخول إلى الغرفة ، يبدأ نهاره بابتسامتها العذبة ، كانت ترتدي ثوبها الأبيض الحريري و تتجول به في كل أرجاء المنزل ، تركته معلقاً في علاقة الثياب أمامه ، ذهب إليه ، حمله بين يديه ، و شم عطرها الذي مازال يعبق به ، على كرسي قريب كانت تجلس ، تمشط شعرها و تتزين قبالة طاولة الزينة ، و على طاولة الزينة مازالت حاجاتها موجودة ، صورة لهما موضوعة في إطار خشبي ، عطرها ، كحل عيناها ، عقد لؤلؤ يتسلل خارجاً من صندوق مجوهراتها ، تذكر كلماتها و وصيتها له ، تذكر الرسالة التي طلبت منه أن يقرأها ، فتح الصندوق ببطء شديد ، وجد رسالة كما قالت له ، أخذها و جلس على الكرسي الذي بقربه ، تأمل الرسالة، و تحسسها بيده و أغمض عيونه و هو يتذكر ذاك اليوم ، الذي ذكرت فيه حبيبته أمر الرسالة ، أراد أن يفتحها ، لكن دقات على الباب أوقفته .



مسح دموعه بكم قميصه ، و خرج يرى من الطارق ، وجد أنها والدته .



أدخلها و دخل إلى غرفة المعيشة حاملاً في يده رسالة حنان الأخيرة.



دخلت السيدة نجاح ورائه ، و لم يعجبها حال ابنها ، شعر منفوش غير مرتب ، و ذقن شائكة تحتاج لحلاقة و تهذيب، أرادت أن تخاطبه و تحاوره .



السيدة نجاح :- انتهى العزاء ، و لم تعد لعملك بعد .

أمان :- لا رغبة لي في العمل .

السيدة نجاح :- و ابنتك ، لا ترغب في أن تراها ؟.

أمان :- لا أريدها ، أريد حنان .

السيدة نجاح :- حنان انتقلت إلى رحمة الله .

أمان :- أنا السبب ، أنا من قتلها .

السيدة نجاح :- لا ، لم تقتلها ، انتهى عمرها و لا مطيل لعمر أحد إن انتهى إلاّ الله .

أمان :- ألم أوصيكم بها ، ألم أقل لكم يجب أن تبات إحداكن بجوارها ؟، ماذا جرى حتى فقدتها ؟.

السيدة نجاح :- أهداها حسام مهدا للطفل ، و جلبه لها في شقتها ، لم تصبر حتى نقوم بتركيبه معاً ، قامت بتجميع قطعه وحدها ، ربما حاولت حمل المهد بعد تركيبه لتزيحه من وسط الغرفة و تضعه في مكانه ، وجدناها على الأرض بالقرب منه ، و قطعة من القماش الخفيف الذي وضع على المهد تمسكها بقوة في يدها ، يبدو أنها تمسكت بها كي لا تقع .



يصمت أمان و يفتح رسالة حنان ، و يبدأ في قراءتها ، لكن والدته تستمر في الكلام معه .



السيدة نجاح :- ما ذنب ابنتك في أن تبقى هكذا ، أمها توفيت ، و لم يبقى لها إلا أنت .

أمان :- ماذا سأفعل لها ؟.

السيدة نجاح :- أنت والدها ، و عليك واجبات نحوها ، أنت لم تطلق عليها اسما حتى الآن ، ماذا ستسميها ؟.



غاب أمان و هو يقرأ رسالة حبيبته الأخيرة .



حبيبي ، عندما تقرأ هذه الرسالة أكون قد غادرت الطائرة ، و وصلت إلى محطتي ، لا تحزن .



و أعلم أن طفلتنا هدية منى لك ، فحافظ عليها و اعتني بها ، كما كنت تعتني بي ، أنا على يقين بأنك ستكون لها الأمان و الحنان معاً .



آسفة لأني أخفيت عنك كونها بنتاً ، أردتها مفاجأة ، لا أعلم ما شكل ابنتنا ، لكني أعلم أنها جميلة ، قل لها عندما تكبر أني أحبها ، و عندما تسأل عني قل لها أني دوماً في جوارها ، أراها و أعتني بها ، قل لها أن تكون الأفضل ، أريد أن أفخر بها ، قل لها إني أحبها حتى قبل أن أراها ، يكفي أنها الشيء الذي جمع بيننا حتى أحبها ، تركت أمر تسميتها لك ، سمها اسما تحبه أنت ، اسما قريباً على نفسك حتى تحبها .



حبيبي ، لا أحب أن أتركك و حيداً ، فرغبتي الأخيرة أن تتزوج ، أريدك أن تتزوج وعد ، لا ترفض طلبي ، تقدّم إلى والدها ، و أطلب يدها ، و تزوجها ، هي لن ترفض الأمر ، مازالت تحبك كما كانت دائماً ، حتى أنها أسمت ابنها تيمنا بك .



عزيزي ، لن أجد أماّ لابنتنا أفضل من وعد ، و لن أجد زوجة لك أفضل منها .



ستجد مع الرسالة خاتم و عد ، ارتديه وعد إليها ، و عش معها باقي أيام حياتك ، فهذا ما أريدك أن تفعله .



مع حبي.





انتهت حروف الرسالة التي ودّ لو لم تنتهي ، قال في صوت مبحوح تخنقه العبرات .



أمان :- حنان ، أريد حنان ، لا أريد أن أبقى وحيداً بلا حنان .



لم تفهم أمه ما يقصد حتى أنهى كلماته .



أمان :- سأسميها حنان ، ابنتي ستكون حنان ، سأسميها حنان .

السيدة نجاح :- تذهب حنان ، لتأتي حنان .



يتبع.......












































النهاية



النهاية ، لم أرغب في أن أكتبها في نهاية الحلقة الماضية ، لأني أرغب في أن تعودوا لتعلموا بوجود هذه السطور .



ها قد انتهت القصة ، عرضتها و أطلت عرضها بكل فصولها و أحداتها و تفاصيلها ، انتهت قصة حنان ، و بدأت قصة أمان ، أترك لك القلم يا أمان حتى تعلمنا بما جرى ، و ما سيجري من أحدات ، أو فقط اكتفي بفهم القصة و ما تحويه من رموز ، و أصمت و لا تخبر أحداً بما سيجري .





سلامي لكل من يرى في نفسه بعض من أمان ، أو صفة من صفات حنان .

شخصيات القصة من الخيال ، لكن ربما وجدتم يوماً أنها تشبه أحداً تعرفونه .

آسفة إن كنت قد سببت بسرد القصة في فتح جروح كانت دامية في زمن مضى و ضن بعضكم أنها دُمِلَت .

آسفة عن كنت سبباً في حزن أحد ، و سيل دمعه .





و لكل من تابع القصة أحب أن أقول :- قدمت لكم ستة فصول مختلفة من القصة ، كل فصل يحكي مرحلة ما من حياة حنان ، كانت جميعها في أكثر من أربعين حلقة متتالية ، لكنها كتبت في فترات مختلفة لهذا كانت كل حلقة ذات طعم يختلف عن غيرها .



أتذكر أني كتبت أول حرف من القصة في فترة دراستي بالمدرسة الثانوية في دفتر مادة التعبير و كان الموضوع اختياري ( كنت كلّما قيل لنا عبروا تعبيراً اختيارياً أكتب قصة ، هرباً من المواضيع الكلاسيكية ) و كان هذا في العام 1999، و ها قد كتبت آخر حرف منها هنا في العام 2009. أي تفصل عشر سنوات بين بداية و نهاية القصة .



للأسف لست بكاتبة و لا أجيد قواعد اللغة العربية ، فكانت قصتي ميداناً لصيد الأخطاء المطبعية و الإملائية و النحوية ، فمن يجد شيئا يمكن تعديله فليخبرني و لا يبخل على بهذا لأزيد من إثراء القصة ، فربما وجدتموها يوماً نسخة ورقية مطبوعة متروكة على أحد رفوف المكتبات .



كلمة لكل من يرغب في نقل القصة و سرقتها و نسبها لنفسه .

لن أمنعك من فعل ما تريد ، لكن تذكر أن عملي يملك جزء من روحي ، وحدي أستطيع فهمه كاملاً ويمكنني تطويره و إحيائه كيفما أشاء ، لأني من قمت بصنعه و إخراجه بهذا الشكل ، لكن إن حاولت نقله و نسخه و نسبه لنفسك لن يعيش معك طويلاً ، و سيموت و يتحول لعمل بلا روح ، فاحذر قتل أعمال الغير ، حتى لا يقتل لك أحد عملاً .



إلى اللقاء في عمل جديد إن شاء الله .



و حتى ذلك الحين ، أدعو الله أن يحفظكم في أمان سالمين .





سلامي

رفرفة قلم © 2008 | تصميم حسن تطوير و تعديل فراشة